حكم تارك الصلاة فى الإسلام
حكم تارك الصلاة فى الإسلام
الصلاة كلمة تطلق على عدة معانى فى القرآن :
الأول الصلاة بمعنى الدين كما فى قوله تعالى المتكرر :
" وأقيموا الصلاة "
فقد فسرها الله بقوله تعالى :
" أن أقيموا الدين "
الثانى الصلاة بمعنى ذكر الله وهو قراءة بعض من القرآن فى مواعيد مخصوصة كما فى قوله فى صلاة يوم الجمعة :
" إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله "
الثالث الصلاة بمعنى الرحمة كما فى قوله تعالى :
" أولئك عليهم صلوات من ربهم "
الرابع الصلاة بمعنى الاستغفار وطلب الرحمة كما فى قوله تعالى :
" وصل عليه إن صلاتك سكن لهم "...
والصلاة المرادة هنا :
الصلاة ذات المواعيد وهى فى القرآن صلاتين فقط وهى :
صلاة النهار وهى صلاة الفجر وصلاة الليل وهى صلاة العشاء كما قال تعالى :
"ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ"
وهو نفسه ما قيل فى بعض الأحاديث مثل :
« صَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِى حِينِ كَذَا وَصَلاَةَ كَذَا فِى حِينِ كَذَا فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا ».
فهنا صلاتين فقط لوجود حين وحين = اثنين
" من صلى البردين دخل الجنة "
فهنا صلاتين فقط هما البردين
قطعا اختلف القوم فى حكم تارك الصلاة تهاونا وتكاسلا إلى ثلاث أقوال :
القول الأول إنه كافر كفر أكبر مخرج من المله ويعطى فرصة للتوبة وينتظر إلى آخر وقت الصلاة فإن جاء آخر الوقت ولم يصل قتل كافراً وماله فيء للمسلمين ويدفن في مقابر الكفار.
القول الثاني من ترك الصلاة تكاسلاً ليس بكافر ولكنه فاسق عاص مرتكب كبيرة من الذنوب يستحق عليها القتل ولذلك ينتظر إلى آخر الوقت ويؤمر بالصلاة فإن لم يصل حتى خروج الوقت قتل لا لكفره ولكن لأن عقوبة تارك الصلاة القتل ولذلك فإنه يدفن في مقابر المسلمين ويصلى عليه وماله لورثته.
القول الثالث من ترك الصلاة وهو مقر بوجوبها ليس بكافر ولكنه فاسق لا تقبل له شهادة , ويخشى عليه سوء الخاتمة.
وعليه فالموجود من أقوال الفقهاء فى حكم التارك
أولهما : أنه كافر كفر مخرج من الملة.
وثانيهما : أنه ليس بكافر وإنما هو فاسق مرتكب كبيرة من الإثم
وقد استدل كل فريق على رأيه بأدلة منها وقد لخصناها من كتاب حكم تارك الصلاة لعلى بن نايف الشحود وهى:
"أدلة القائلين بكفر تارك الصلاة :
من الأدلة على كفر تارك الصلاة قول الله تبارك و تعالى (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ)التوبة 11 , ووجه الدلالة من الآية هي أن الله تعالى اشترط لثبوت الأخوة بيننا وبين المشركين , ثلاثة شروط:
الأولى : أن يتوبوا من الشرك.
الثانية : أن يقيموا الصلاة.
الثالثة : أن يؤتوا الزكاة.
فإن تابوا من الشرك , ولم يقيموا الصلاة , ولم يؤتوا الزكاة , فليسوا بإخوة لنا وإن أقاموا الصلاة , ولم يؤتوا الزكاة فليسوا بإخوة لنا "
وكان رد الفريق الأخر :
"والأخوة في الدين لا تنتفي إلا حيث يخرج المرء من الدين بالكلية , فلا تنتفي بالفسوق , والكفر دون الكفر , ألا ترى إلى قوله تعالى (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ)البقرة 178 , فجعل الله القاتل عمداً أخاً للمقتول , مع أن القتل عمداً من أكبر الكبائر.
ثم ألا تنظر إلى قوله تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)الحجرات9-10 , فأثبت الله تعالى الأخوة بين الطائفة المصلحة , والطائفتين المقتتلتين , مع أن قتال المؤمن من الكفر كما ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) , لكنه كفر لا يخرج من الملة"
والحق أن الصلاة فى القول الأول لا تعنى الصلاة ذلت المواعيد وإنما تعنى هى والزكاة الدين
والدليل الثانى عن القائلين بكفر تارك الصلاة:
" قول الله تبارك و تعالى (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ)القلم35- 43.
فقد أخبر الله تعالى أنه لا يجعل المسلمين كالمجرمين , ثم ذكر أحوال المجرمين الذين هم ضد المسلمين ومن أحوالهم أنهم يدعون إلى السجود لربهم فيحال بينهم وبينه فلا يستطيعون السجود مع المسلمين عقوبة لهم على ترك السجود مع المسلمين في دار الدنيا وهذا يدل على أنهم من الكفار والمنافقين "
وكان رد الفريق غير المكفر تماما :
" الذين قصدهم الله تبارك وتعالى في قوله (وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ) , هم الذين يسمعون الأذان والإقامة فيأبون , وبذلك فسرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال أتى النبي رجل اعمى فقال يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله أن يرخص له فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء قال نعم قال فأجب فلم يجعل مجيبا له بصلاته في بيته إذا سمع النداء فدل على أن الإجابة المأمور بها هي إتيان المسجد للجماعة "
والحق ان الآية لا علاقة لها بالصلاة فهى تتحدث عن السجود وليس فيها ذكر لآذان ولا إقامة والسجود هو الطاعة طاعة الله فقد كان الرسل وبقية المسلمين يدعون الناس لاتباع الإسلام وهم قادرون على الاختيار فى الحياة الدنيا
وأما الحديث فهو مناقض لاستثناء الله ذوى العاهات من العديد من الأحكام مثل الجهاد ومثل الصلاة فى المساجد فالعمى يصلى فى داره طوال الأسبوع عدا يوم الجمعة فهو واجب حيث يصطحبه صديقه أو جاره للمسجد فى ذلك اليوم
والدليل الثالث :
" ومن الأدلة على كفر تارك الصلاة قول الله تبارك و تعالى (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصّلاَةَ وَاتّبَعُواْ الشّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً إِلاّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئا)مريم59 ,60 , فقوله تعالى (إِلاّ مَن تَابَ وَآمَنَ) دليل على أنهم حين إضاعتهم للصلاة واتباع الشهوات لم يكونوا مؤمنين."
والحق أن الصلاة هنا تعنى الدين ولا تعنى الصلوات ذات المواعيد لأن مقابلها الشهوات والشهوات المتبعة هى خطوات الشيطان كما قال تعالى " ولا تتبعوا خطوات الشيطان" مقابلها الوحى المنزل وهو الدين كما قال تعالى " اتبعوا ما أنزول إليكم من ربكم " وقال "وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله"
الدليل الرابع:
"ومن الأدلة على كفر تارك الصلاة قول الله تبارك و تعالى (ماسَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ)المدثر42 -47 "
وهذا الدليل صحيح فهو يعدد أسباب دخول القوم النار وهى عدم الصلاة وعدم اطعام المسكين والخوض وهو القول مع الطاعنين فى الإسلام والتكذيب بيوم الدين
الدليل الخامس :
"قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) "
والدليل لا يصلح لأن السهو عن الصلاة من المصلين يعنى صلاتهم مع السهو فيها فهى لا تنفى صلاة المنافقين وإنما تثبت ان صلاتهم الظاهرة الغرض منها ليس الصلاة وهى طاعة الله وإنما الغرض منها الكفر بالله كما قال تعالى:
"إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا"
الدليل السادس:
ومن الأدلة على كفر تارك الصلاة قَولَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ)
|