نقد بحث البيان المناط في بيان حديث ذات أنواط
نقد بحث البيان المناط في بيان حديث ذات أنواط
صاحب البحث أبوعبد الرحمن أيمن إسماعيل وقد استهل بحثه بذكر نص الحديث حديث ذات أنواط فقال :
"نص الحديث:
عن أبي واقد الليثي - رضي الله عنه - قال: عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رضى الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى حُنَيْنٍ وَنَحْنُ حُدَيثو عَهْدٍ بِكُفْرٍ، ولِلْمُشْرِكِينَ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا، ويَنُوطُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ قَالَ: فَمَرَرْنَا بِالسِّدْرَةِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُ أَكْبَرُ، إِنَّهَا السُّنَنُ، قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف: 138] ، لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ "
ثم ذكر بعض الكتب التى ذكر فيها الحديث فقال :
#تخريج الحديث: قال المزني حدثنا الشافعي قال: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، يُحَدِّثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ ثم ساق الحديث ) ، وأخرجه أحمد في المسند (21897) والمروزي في السنة (37) والترمذي في باب الفتن (2180) وقال: حسن صحيح، والنسائي في التفسير من سننه الكبرى (11121)، وابن أبي عاصم في السنة (76)، وصححه الألباني في "ظلال الجنة" (76)"
وذكر بعضا من أقوال القوم فى صحة الحديث فقال :
"وقال شعيب الأرنؤوط:
إسناده صحيح على شرط مسلم غريب الحديث: قول الراوى: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين: (حنين) هي موضع بين الطائف ومكة , حدثت فيه معركة حنين المشهورة قوله (يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ): قال الحموي "شجرة خضراء عظيمة كانت الجاهلية تأتيها كل سنة تعظيماً لها فتعلَّق عليها أسلحتها، وتذبح عندها، وكانت قريبة من مكة وذكر أنهم كانوا إذا أتوا يحجون يعلقون أرديتهم عليها، ويدخلون الحرم بغير أردية تعظيماً للبيت، ولذلك سميت أنواط يقال: ناط الشيء، ينوطه، إذا علقه" * قوله صلى الله عليه وسلم " إِنَّهَا السُّنَنُ": جمع سُنة، و (السُنة) لغة: الطريقة , حسنة كانت أو سيئة، والمراد هنا: طريقة أهل الهواء والبدع التي ابتدعوها من تلقاء أنفسهم بعد أنبيائهم , من تغيير دينهم , وتحريف كتابهم , كما أتى على بني إسرائيل , حذو النعل بالنعل "
ثم تحدث عن معنى الحديث فقال :
"المعنى العام لحديث الباب: قوله رضى الله عنه: خرجنا مع رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يوم حنين ونحن حديث عهد بكفر: يقصد بذلك من خرج مع النبى - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين من الصحابة الذين أسلموا بعد فتح مكة، وكان يُطلق عليهم " مُسلِمة الفتح " فخرجوا مع النبى - صلى الله عليه وسلم - في غزوة حنين فقال الرواى: " ولِلْمُشْرِكِينَ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا: والعكوف للشيء هو ملازمته، كما في قول إبراهيم عليه السلام (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) قال الرواى: "و ينوطون عليها أسلحتهم " أى يعلِّقون عليها أسلحتهم، فقلنا يا رسول الله: " اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ " أى: اجعل لنا شجرة نعلق عليها أسحلتنا، كما لهم شجرة يعِّلقون عليها فالمشركون كانوا يفعلون ذلك طلباً للبركة من هذه الأشجار، لتزداد الأسلحة قوة، مثلاً، فلا تنكسر حال النزال فى المعارك فقال هؤلاء الذين أسلموا حديثاً للنبى- صلى الله عليه وسلم- اجعل لنا ذات أنواط،،، أي لنعلق عليه أسلحتنا، ومعني أناط الشئ: أى علقه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم "سبحان الله " وفى رواية:: قال " الله أكبر " قلتم كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى ""
وبنى على الحديث فوائد متعددة فقال :
"هذا الحديث فيه جملة من الفوائد:-
الفائدة الأولى:- ((حسن المقصد يحتاج إلى حسن العمل))
وهذه القاعدة من الأهميه بمكان، أى أن النية الصحيحة السليمة وحدها لا تكفي لاصلاح العمل الفاسد، بل النية السليمة تحتاج كذلك إلى صحة العمل، الذى هو عمل الجوارح
• نعم الأعمال بالنيات، ولكنَّ النية الصحيحة حتى يقبل ما يترتب عليها، ويكون عليها الثواب لابد أن يقترن بها عمل صالح موافق لأصول الشرع، ولذلك قال تبارك وتعالى (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) فنهى الله- تبارك وتعالى- عن الشرك، شرك النيات وشرك الأفعال وأمر بإصلاح النية، ولم يقتصر على ذلك بل قال (فليعملْ عملاً صالحاً ) والعمل الصالح لا يكون صالحاً إلا اذا كان موافقاً للكتاب وسنة النبى صلى الله عليه وسلم قال ابن كثير: قوله تعالى {فمن كان يرجو لقاء ربه} أي: ثوابه وجزاءه الصالح، {فليعملْ عملاً صالحاً}، ما كان موافقا لشرع الله {ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له، وهذان ركنا العمل المتقبل لا بد أن يكون خالصا لله، صواباً على شريعة رسول الله [صلى الله عليه وسلم وتأمل: لما نهى النبى - صلى الله عليه وسلم - أصحابه وأمته عن الصلاة بالمساجد التى بها قبور، هو يعلم صلى الله عليه وسلم أن أصحابه اذا دخلوا مسجدا -ولو فيه ألف قبر- فأنهم يصّلون لله تعالى، هو على يقين بذلك ويعلم حسن نيتهم، ولكنه صلى الله عليه وسلم ما اكتفى بحسن النية فقط، ولكن أمرهم بحسن العمل، وذلك بترك الصلاة فى المساجد التى بها قبور أما عن علاقة هذه القاعدة بحديث الباب: فإنَّ هؤلاء النفر الذين كانوا حدثاء عهد بكفر، كان مقصدهم مقصداً حسناً، فهم لم يقصدوا شجرة يتبركون بها، ويتمسحون بها، كما فعله المشركون الذين تعلقت قلوبهم بالشجرة، حتى عكفوا لها و أناطوا بها أسلحتهم طلباً للبركة من ذات الشجرة، فلم يكن هؤلاء الصحب الكرام قاصدين لذلك بل كانت نيتهم نية حسنة، فهم أرادوا فقط شجرة يعلّقون بها أسلحتهم للبركة، ويجلسون عندها للبركة، ومع ذلك فإن النبى - صلى الله عليه وسلم- ما اكتفى بحسن النية، بل سمى طلبهم هذا كمن قال " اجعل لنا إلهاً كما لهم ألهة"، فساوى النبى - صلى الله عليه وسلم - بين طلبهم هذا وبين طلب قوم موسى حينما قالوا (اجعل لنا الها كما أن لهم ألهة)
2 - الفائدة الثانية:- وهى مسألة العذر بالجهل:
أولاً نقول: قال الله - تبارك وتعالى- " إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ " فما دون الشرك هذا كله تحت المشيئة، قد يغفر وقد لا يغفر، أما الشرك فهذا خط أحمر، فلو أتى المشرك إلى ربه- تبارك وتعالى- بقراب الأرض ذهباً وفضة لم يقبل منه ولكنَّ العلماء قالوا أن هناك أعذاراً إذا ما تلبس بها المرء، ثم وقع فى الشرك فإنها ترفع عنه وصف الشرك (عن الشخص لا عن الفعل نفسه) ومن هذه الأعذار:
الجهل، التأويل، والخطأ، والنسيان * فمن وقع فى شرك وكان جاهلاً او مخطأ أو ناسياً أو متأولا، فهذه الأعذار تسقط عنه حكم الشرك، وهذا من حيث العين لا النوع، و هذا معنى مسألة العذر بالجهل من أدلة العذر بالخطأ:- قال تعالى ((((وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ))) وكما في حديث الرجل الذى كان فى فلاة، وكان على دابة عليها طعام وشراب، وفقد دابته بما عليها، فجلس ينتظر الموت، وإذ به يرى ناقته التى عليها الطعام والشراب أمام عينيه، فقال: قال اللهم أنت عبدى وأنا ربك، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ فهذا الرجل قد أخطأ من شدّة الفرح، فلم يكفر بذلك، وإن أتى بصريح الكفر، لكونه لم يرده , ولم يقله قاصداً لحقيقة معناه، بل في حالة كان فيها كالغافل والذّاهل والنّاسي الذي لا يؤاخذ بما يصدر منه
|