وفى الفقرة السابقة وما بعدها يستعمل عبارات الصوفية التى لا وجود لها في الوحى الشموس والمشهود والمقامات والعارفين والعواذل ومطية الحزن ورأفة اللاق وقد جاء بعضها في الفقرات التالية :
"يا ابن الروح، هب للروح
صحح مرامك وأدم الحزم ولا تكن عسوف، ودع تعللك بعسى وسوف وبفكرك تصدى، ولطورك لا تتعدى، إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا، قف على أقدام المناجاة مراقبا له طارحا للمبالاة، وبرداء العواذل لا تتردى، لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا، وكل آتيه يوم القيامة فردا.
يا ابن الروح، كن بما تملك سموح
منحك وقتا لتناجيه وخلاك زمنا لترجع إليه فتصافيه، أفلا تفق من سكرتك، أفلا تصحو من غمرتك، أدن منه ولو منعت والزم حماه ولو طردت، فهو المتجلي عليك بالرحمة وإن أسات، فارحل بهمتك إليه، واركب مطية حزمك عليه، واشك له ألم الفراق فإنه يجيبك برافة التلاق.
يا ابن الروح، لا تخف أنت ممنوح
جد في المسير تصبح لك الأسرار عائدة، وافن في الحب تكن لك الحياة خالدة، فالعمر يذهب، والأوقات تنهب، والأمر بأعمالك السوء واضح، كأنك أعمى وأصم عن النصائح، فيا لهذا العار من عار، استعبدتك الدنيا وأهل الإخلاص أحرار، فما رجع من رجع إلا بمراقبة الأغيار، وما وصل من وصل إلا برفض الآثار، فإلى متى أنت في قطيعة بخيالات كسراب بقيعة."
والخطأ هنا كون اهل الاخلاص أحرار وهو ما يناقض كونهم عبيد كما قال تعالى :
" لإن كلا من في السموات وألرض إلا ات الرحمن عبدا "
وهو يناقض ما قاله في أول الكتاب :
" فإني عبد ضعيف" وفى ثنايا الكتاب :
"وسعنى قلب عبدى المؤمن "
يا ابن الروح، سر يلوح
ثم قال بتعبيرات الصوفية رحمانى ونورانى وشيطانى ...فقال :
"إن لم تكن رحماني فأنت شيطاني، وإن لم تكن نوراني فأنت ظلماني، عجبا لمن يؤثر الظلمة على النور، ويدع التحقيق تبعا للغرور، فقم في محراب الأذكار، وتهيا لقبول الواردات الأبكار، فللرحمن جنات تدني البعيد، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، فتنبه وبالكرام تشبه يبد لك حظ لا يحول، وملك لا يتزلزل ولا يزول.
يا ابن الروح، تأسف بقلب مجروح
أوقد مصباح الذكر تلوح لك الأعلام، وتقرب لباديات الشوق تظهر لك الخيام، واخلع نعليك، وارفض كونيك: الكل لك موهوب، فلا تكن محجوب.
يا ابن الروح، تآنس بأهل الفتوح
علامة هبوب نسمات العناية عليك اقتطافك لأثمار رياض التوفيق، فإن دامت الهداية إليك ساقتك إلى أن ترد ينابيع حياض التحقيق، فتصير لياليك أفراح، وأوقاتك دوما في انشراح، وأمرك يؤل إلى من يناديك ويقول، هلم إلى بابي فقد رفعت لك حجابي، وعرفتك جنابي.
يا ابن الروح، خذ طريق الوضوح
ما أبهى من بخلع القبول تحلى، وشاهد نفحات الرحمن وتملى، وما أشقى من وصل للباب ولم يرده حجاب ولا بواب، وتقهقر طلبا لشهوة فانية آثرها على حياة باقية، تأمل ياذا الفكر النفيس، ما هذا الفعل المزري الخسيس.
يا ابن الروح، هذا الشأن الممدوح
تزعم أنها دارت عليك العناية، وأنك أعطيت منشور الولاية، وبسط لك بساط الإصلاح، وهب عليك نسيم السماح، ووقعت لك الملاطفة، وحصلت لك المكاشفة، ولحقت بمقامات الأقدمين، وكتبت من العارفين، وتكثر الحيل، وتطيل الأمل، الناقد بصير ارجع يا فقير.
يا ابن الروح، لا تكن عن بابه بروح
كم أخر الكسل عن المحبوب قلوبا، وكم كشف الإقدام للبصائر غيوبا، وكم ضيعت الأوهام أقواما، وكم نشر الإقبال للبشائر أعلاما، فكن في الثرى بجسمانيتك وفي العلى بروحانيتك، ومع الخلق بظاهرك، ومع الرب بباطنك، مرج البحرين يلتقيان، بينهما برزخ لا يبغيان.
يا ابن الروح، لا تكن لحوح
شراب الوصول صفا وراق، وطفق في سائر الآفاق، فكن بالحلم متخلقا، وبالرحمن متعلقا، واجعل الزهد شعارك، والورع وقارك، والذكر أنيسك، والفكر جليسك، تظهر لك خفايا الأسرار، ويكشف لك عن الآخرة، وأنت في هذه الدار.
يا ابن الروح، كن عن الزلات صفوح
لا تزدر حلة الفقراء فأنها موصوفة بالمعارف محفوفة بشوارق الأسرار واللطائف، سار الفقراء لمولاهم ووقف الكل وأصابوا ووصلوا وبغيرهم انقطع الحبل، ووحدوه ونجوا من الإشراك، ووقع المعارض في الجهل، فكن بارتباطك واثقا، ولغيرك وأنبائه موافقا، ودع العاذل فكم أعمت الغفلة قلوبا، وكم أخرت الأمارة والقسوة من المطلوب.
يا ابن الروح، تطمن وكن بشأنك فروح
تحريك سواكن هممك في البداية، سبب لحصول النجاح في النهاية، وانجذابك لحضرته إشارة واضحة لقربته، إذ بتركك له مالك وما عليك، وعلامة على أنه المتطلب إليك، فهو الطالب والمطلوب فلا تكن بنفسك محجوب، وصل آمالك بآماله، واربط حبالك بحباله، تنل ما ترتجيه، وتلق من كرمه ما تبغيه.
يا ابن الروح والفؤاد، بلغت الرشاد
المحبة عروس، مهرها الأرواح والنفوس، إذا لزمتها يا محروس، انقادت لك القلوب وطأطأت لك الرؤوس، وأما من غرته أمانيه واشتهى أن يمدح بما ليس فيه، كان أمره معكوسا، وفعله بهذا الشأن منكوسا، فلا تكن كمن التبس عليه الحال، فعمل بالمعاصي في صورة امتثال، فأتعب نفسه بما لا فائدة فيه وأنا منهم إذ الإناء ناضح بما فيه.
يا ابن الروح، والفؤاد وفقت للسداد
ليس العجب من شخص اعترف بالتقصير والجهل، وبكى على ما فاته في الأصل مخافة الفصل، إنما العجب ممن يدعي المعارف، وهو في مواطن اللهو واقف ولربه مخالف، يا عابد الرحمن استح ممن أنشأك من العدم، وخولك من أنواع النعم، ورزقك الإيمان بوحدانيته، وقيدك مع مظاهر قيوميته، عجبا كيف يامرك بالانقياد فتتكاسل، ويحذرك عن معاصيه فتتغافل، أغرك بتجليه عليك بالحلم والرحمة وأنت تعصيه أم حول رأفته بك أوقعك في التيه ما ذلك والله إلا جنون، فلا تكن في سجن الغفلة مرهون، واستعذب التعذيب في رضاء الحبيب، فعذابه لك في العاجل، دليل على سلطنتك في الآجل أتظهر المحبة وما في فؤادك منها وزن حبة، فإن المحبة إذا سكنت القلوب أظهرت على الجوارح آثار المحبوب، فأوقدت نار المجاهدة، على فؤاد المكابدة، ولم تزل به كذلك حتى تشهده جمال المسالك.
يا ابن الروح والفؤاد، أعطيت المراد شمس معرفتك مشرقة في ليل كونك أفلا تراها، وبدر وجود حقيقتك في سماء السر كالشمس وضحاها، إنما اشتبه عليك القرب بالظهور والبطون، وأنت في سجن الأوهام الباطلة مسجون، ورؤيتك أنك جرم صغير، منعك العلم بأنك الفذ الكبير.
ويحك تدبر بفكرك الأكيد، بل هم في لبس من خلق جديد فأنت الحي بهدايتك والميت بجهالتك، والأسد بشجاعتك، والضعيف بجبانتك، واللوح بفطانتك، والعلم بدرايتك، والعرش بحكمتك، والكرسي بسعتك، والبعد بفصلك، والقرب بوصلك، فبوصلك كن متيقن، ما وسعني سماء ولا أرض ووسعني قلب عبدي المؤمن، هذا هو السر المصون، وفي الأرض آيات للمؤمنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون.
يا ابن الروح والفؤاد، إياك والانتقاد
أنت تغار برؤيتك في بيتك الغير، مخافة الوقوع في شرك الضير، فقلبك بيت المالك، وهو أغير منك يا سالك، فأخليه من
سواه، كي تشهد أنوار علاه، إذ ما دمت تشهد غيره وأنت بعيد، وإن أتيت بعبادة الثقلين لا نستفيد، وإن تمسكت بأذيال الهوى ورفضت من نفسك هي والسوى كنت القطب الذي عليه مدار الكائنات والغوث الذي يعول عليه في المهمات.
يا ابن الروح والفؤاد، دع عنك الفساد
يا مسرفا على نفسه لا تقنط وبإساءات الظنون بمولاك لا تتحوط، فلو أراد بك التنكيد، لما ألهمك بمنة التوحيد، وانظر بعين الإنصاف، ودع طريق الاعتساف، لو أن من في الأرض جميعا بدون عصيان، فلمن يا هذا رحمة الرحمن، ولو أن كل من في الأرض أبرار، فما معنى اسمه تعالى الغفار، رحمته واسعة، وآلاؤه ساطعة، أحسن ظنك مسيئا أو مطيعا، إن الله يغفر الذنوب جميعا. "
وكل النصائح هنا تعتبر نصيحة واحدة وهو العودة إلى الله والتوبة من المعاصى ولكن بتعبيرات الصوفية كما قال المؤلف في ثنايا تلك الفقرات والتى يحبون بها جعل الدين غامض بدلا من كون واضح كما هو حال القرآن من خلال استعمال العبارات في غير مواضعها
|