العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة القصـة والقصيـدة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: الرد على مقال طه ليس إسماً للرسول محمد(ص) (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الرد على مقال الفرقان في تعريف الزبر والزبور في القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الوزر في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الرد على مقال مفهوم الواحد والواحدة والمثنى والمثاني والاثنين في الوعي القرآني (آخر رد :رضا البطاوى)       :: العكف فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الفرط فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: النطفة فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: انطلاق ثورة كردية ضد الاحزاب الحاكمه شمال العراق (آخر رد :اقبـال)       :: الرد على مقال لماذا الاسم الحقيقي لأبو الهول هو مقام إبراهيم؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الخ (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 12-10-2010, 12:14 PM   #1
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(13)

أنهت اللجنة المكلفة باستضافة خبراء التقنيات الزراعية العلمية ترتيبات حفل عشاء في أحد الأندية المرتبطة بمؤسسات الدولة، وقد تم تزويد المسئول الأمني في النادي بأسماء المدعوين، وضرورة الاهتمام والاستجابة لطلبات القائمين على الحفل، مهما كان نوعها، خصوصاً أن هناك من بين المدعوين بعض الخبراء الهولنديين من شركة (وولف آند وولف) والبريطانيين من شركة (إيست مالنغ نورتن)، وبعض خبراء منظمة الأمم المتحدة للزراعة والغذاء (fao).

وصل المدعوون قبل غروب الشمس بأكثر من نصف ساعة، وكانت المناضد تتسع لثلاثين من المدعوين، تم ترتيبها بحيث يستطيع من كان يجلس على أي مقعد أن يستمع لما يقوله غيره.

انفرد (أبو غسان) بعيداً عدة خطوات، ليصلي العصر، في حين لم يكتمل الحديث في الطرقات بين المدعوين، الذين كانوا يخطون بعض الخطوات ويتوقفون قليلاً ليتكلموا عن جمال المكان المُطل على النهر، والاخضرار الواضح في مُسطحات النجيل والأزهار والأشجار المُنسقة بشكل جيد.

كان الخدم المتأنقون كأنهم في استعراضٍ أمام لجنة لرفع درجة تأهيل المطعم والمكان، يقفون بانتظار المدعوين ليسحبوا مقاعدهم تهيئة لجلوسهم.

أشار غانم باحترامٍ مبالغٍ للبريطانيين الاثنين والهولنديين الاثنين ليجلسوا في أماكن اعتقد هو أنها الأكثر وجاهةً، رغم تشابه المقاعد والمناضد، وعندها سارع نادلان من الخدم المخصصين لسحب كراسيهم بلطف ليجلس الضيوف عليها، واحتاط غانم أن يترك مكاناً لأبي غسان كونه الممثل الإقليمي لمنظمة الزراعة والغذاء التابعة للأمم المتحدة.

انطلق مجموعة من طباخي النادي، بعيداً أكثر من عشرين خطوة وبجانب النهر تقريباً، حيث يوضع حوض سيراميك مملوء بالماء، وتتحرك فيه أسماك وزنها بين ثلاثة وخمسة كيلوغرامات، لعمل (المسقوف)، فأوقدوا قطع الحطب التي كانت مُعدة سلفاً، كما قام غيرهم بتحضير (مناقل) الشواء للحوم.

تفحص أحد الإنجليزيين ترتيب الكؤوس والملاعق والشُوَك والفُوَط، فأدرك أن تلك الطقوس مستحدثة، وأنها تنقصها العراقة التي تتلاءم معها.

(14)

رحب غانم بالجميع، وابتدأ بالضيوف الأجانب بلغة إنجليزية سريعة كأن منَ لفظها بنغالي أقام في بريطانيا مدة غير كافية، ثم قام بوضع الفوطة على ركبتيه إيذاناً ببدء الآخرين لوضع فوطهم. فهم مجموعة من الجالسين تلك الإشارة، في حين قلد البعض الآخر هؤلاء، وتجاهلت مجموعة الالتزام بتلك الحركة.

طاف نادلٌ على المدعوين مبتدءاً بالضيوف الأجانب، ليصب لهم في كؤوسهم من قارورة ويسكي لفَّها بقطعة قماش، ويتفقد إشارة غانم بين الحين والآخر، فسكب للأجانب الأربعة، ثم لأبي غسان، ثم وضع معظم الموجودين أيديهم على صدورهم اعتذاراً عن عدم رغبتهم باحتساء المشروب.

التفت غانم الى أبي غسان، وذكره بأنه قبل الغروب قد صلى صلاة العصر. ضم أبو غسان تلك الملاحظة، وأجاب أنه إذا كان الخمر حراماً، فإن ترك الفرض حرامٌ أكثر.

لم ينتظر أبو غسان كثيراً ليرد على ملاحظة المدير المحرجة، فاستعدل في جلسته ثم قال: أحياناً كنت أتساءل: ماذا لو أُلغيَّت وزارات الزراعة في الدول العربية، ماذا سيحل بالزراعة في هذه البلاد؟، يصمت قليلاً ويجيب: لا شيء!

كان أبو غسان يتكلم بحرية وثقة عاليتين أثارت استغراب الجميع، ولم يخمن أحدهم أنه كان قبل أكثر من عشرة سنين لاجئاً سياسياً مع وزير الزراعة الذي يأتمر بأمره هذا المدير، رغم أنه من بلد عربي آخر، ثم أنه لا يتبع للوزير بل يتبع لإدارات الأمم المتحدة.

ضحك الأجانب الأربعة، بعد أن تُرجمت لهم ملاحظة أبي غسان، وتجرأ أحد الإنجليز للتساؤل عن إعدام وزير الري وخمسة من كبار مهندسي وزارة الري؟

كانت ملاحظة أبي غسان كافية لجعل غانم يحس بالحرج، والآن جاء تساؤل هذا الإنجليزي، لتجعل حرجه في قمته، حاول التظاهر بأنه سيتفقد الطهاة، لكن أبو غسان أشار إليه بالبقاء منصتاً بشكل جيد.

تكلم أبو غسان بلغة إنجليزية واضحة دون تلعثم، فقال: لقد كان هذا الوزير وزيراً للري لأربعة عهود متعاقبة، وكان مرتبطاً بحكومتكم البريطانية لإعاقة تنفيذ مشروع سد (أبو ماريِّا)، وكان هو ومهندسوه قد تفننوا بمماطلة الحكومة مراهنين على انقلابٍ يحدث دون البدء بالمشروع، وعندما تشككت هذه الحكومة بسلوكه، وضعته تحت المراقبة، فاكتشفت دوره ومن معه بكل التفاصيل التي تدينه.

وهذه الحكومة هي نفسها التي سحبت قبل شهور، شهادات خمسة من كبار المهندسين الزراعيين، الذين كانوا وراء استيراد نصف مليون شتلة (سان جوليان a) من إسبانيا لتطعيم الخوخ عليها، بعد أن اكتشفت أن تلك الأصول مصابة ب (النيماتودا).

تدخل أحد الهولنديين: هذا كثير وفيه خشونة واستخفاف بحقوق الإنسان..
رد أبو غسان: أو ليس إدخال مثل تلك الأمراض السارية هو استخفاف بلقمة الإنسان وغذاءه وهي من أهم حقوق الإنسان؟

بادر غانم بالطلب من الأجانب للقيام لمشاهدة كيف تحضير المسقوف والمشاوي بالطريقة المحلية، فهم الأجانب تلك الحيلة ووافقوا للقيام بمشاهدة تحضير الطعام.

(15)

عندما سمع عبد الكريم ما دار من نقاش، شكر الله كثيراً أنه لم يغامر ويطلب كأساً من الويسكي، أو زجاجة بيرة، فكيف له أن يتيقن أن مثل تلك اللقاءات لا تكون مخصصة لكشف العورات الداخلية للموظفين، صحيح أنه كان يتناول المشروب في اليابان عندما كان بدورة تقنية هناك، وصحيح أنه كان يعاشر النساء، وصحيح أنه كان يفعل ما يخجل فعله أمام الآخرين في بلده، لكنه لا يدري إن كان ما يفعله لا يسبب له سحب شهادته كالذين استوردوا أصول الخوخ من أسبانيا.

اقترح أبو غسان أن يقرب المدعوون مقاعدهم من مكان الشوي، لتناول طعامهم وهو ساخن جداً، فهذه الطريقة ألذ وأكثر شعبية.

فرح الكثير ممن كانوا لا يتقنون تناول الطعام بالشوكة والسكين وتحت مرأى الجميع، فبادروا لحمل مقاعدهم قبل أن يتدخل الخدم في ذلك، وأعادوا ترتيب مقاعدهم بالقرب ممن يطمئنون لهم في كل شيء!
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 02-11-2010, 12:55 PM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(16)

توجه حلمي عند الظهيرة صَوْبَ عمال البساتين، ليشاركهم غدائهم أو ليتفحص ماذا يتناولون في غدائهم. سلك طريقاً كان يحب أن يسلكه في بدايات الصيف، فوق كتف ساقيةٍ مرتفعة عن الأرض بشكلٍ يسمح لها أن توزع مائها على جانبيها من خلال مساربٍ أُعدت لذلك. كان يحب المشي على كتفها ليلتقط ما تستطيع يده من ثمار (التوت) الأحمر الحلو.

الزمن في منتصف الخريف، فلا توت ولا ثمار غير ثمار الزيتون والحمضيات وبعض أصناف الكمثرى المتأخرة النضج تنتشر على جانبي الساقية. وقد زرعت أشجار التوت بصفوف متوازية مع أشجار (البايرس كارليانا: الكمثرى البرية) لتصد الرياح وتمنع الثمار من التساقط.

لاحظ نظافة جانبي الساقية من الأدغال (النباتات الغريبة) التي تمتص المياه من الساقية وتُسهِّل عمل القوارض في تسريب مياه الساقية الى أعماق الأرض، دون أن تستفيد النباتات المزروعة منها.

جلس ليشعل لفافةً من التبغ وتأمل ـ كما يفعل يومياً ـ ألوان أوراق أشجار (الكمثرى البرية) العملاقة والتي أصبحت في الجهة المقابلة له، كل يومٍ ألوانها تختلف عن اليوم الذي يليه، فمن أخضرٍ غامق الى أخضر مصفر الى أصفرٍ محمر الى بُني غامقٍ في بعض أطرافها، كان المنظر يُلهم رساماً محترفاً ليضفي على لوحته تشابكاً رائعاً في الألوان، خصوصاً عندما ينزل الناظر بنظره ليرى من خلال المسافات بين سيقانها أشجار (الكالمنتينا: اليوسفي) ذات اللون البرتقالي الغني والتي تزاحم اخضرار أوراق أشجارها.

لا تسمح الشجرة النفضية (التي تتساقط أوراقها في الخريف) من أن تسقط ورقة واحدة منها، دون أن تمتص كل عناصرها، ولا يبقى إلا الألياف اليابسة، وفي هذه العملية التي تطول عدة أسابيع، تتغير صبغة الألوان من لون الى لون، منذرة باقتراب أجل تلك الأوراق.

نفث آخر نَفَس من لفافة التبغ قبل أن يدوس بقدمه عقب سيجارته، وكان النفس الأخير يشبه النَفَس الأول، كان التشبث بلفافة التبغ والشوق لها، متشابهاً فيهما، بعكس وسط السيجارة.

(17)

وصل الى كوخ عمال البساتين عند تجمعهم لتناول طعامهم في استراحة مدتها ساعة، رحبوا به ترحيبا ودوداً، وناولوه كرسياً قديماً لا ظهر ولا مساند له، فجلس عليه، وشاغلهم بملاطفتهم وامتداح الشاي الذي يُصنع على الحطب، فناولوه كوباً من الشاي، ورجوه أن يشاركهم طعامهم.

لم يكن طعامهم جماعياً، بل كانوا يجلسون في حلقة متعرجة قريبين من النار التي تندَّسُ في جوانبها عدة أباريق لصنع الشاي، تفاهم أصحابها على اقتسامها. لاحظ أن البيض المسلوق في بيوتهم والطماطم وعُلبٍ من حليب الأطفال تم استخدامها لوضع اللبن (المخيض) داخلها، مع بصلة يابسة يحملها كل عاملٍ بصرته التي يحتفظ فيها بما أعدت له زوجته من طعام.

كان أحدهم قد قطع حديثاً له وقت وصول المهندس (حلمي)، وكانت الأعين تتجه إليه ليكمل حديثه، مُشجعةً إياه لإزالة الحرج، فأوجز بإكمال حديثه بالقول: (كَلب ما يبَّعِد .. حصيني ما يفوت). فهم المهندس أنه كان يحكي عن قصة تحرش معينة لاحظها إما في حيِّهِ أو في مكان ما، ولاك الناس في تلك القصة، فأراد القول أن حارس كل فتاة أو امرأة يسكن في داخلها، كما يرابط كلب الحراسة عند دواجن كل بيت، فإن لم يبتعد الكلب فلن يدخل الثعلب لسرقة دجاجة!

لم يشأ أن يدخل في حديث معهم بهذا الشأن لأكثر من اعتبار، وأهم تلك الاعتبارات أنه كان مشغولاً في حساب ما تحتويه كل وجبة من وجبات العمال من (سعرات حرارية) ليدونها في دفتر ملاحظاته، عسى أن يقف على مسببات انخفاض الإنتاجية.

(18)

توقف عند العامل الذي كان يُنظف بالساقية الرئيسية، فسأله عن طبيعة عمله ـ وإن كان يعرفه ـ فأجاب: أستاذ هذا الوقت نُكِّدْ السواقي ونتتبع (الخوَّانَات)، وكان يقصد الثقوب التي في أسفل السواقي التي تهدر كميات المياه.

كان العمال والمهندسون، يعرفون واجباتهم جيداً، كما تعرف أفراد طوائف النحل والنمل والسناجب الأعمال الواجب القيام بها مع ما يقابلها من تطورات الطقس المختلفة، لكن الفرق عند البشر، يتعلق بما يُضاف من تراكم خبرات ومعلومات تنتقل وِفق أحد ركائز النظرية العلمية وهي عمومية العلم.

لفت انتباهه، إصرار العامل على التعمق في ثقبٍ، يوسعه، ويهدم من جوانبه ويُدخل فيه أداة حادة، وكأنه يلاحق ثعبان عرف مكان اختبائه. سأله: ماذا تفعل؟ فأجاب: أريد أن أغلق تلك (الخَوَّانة) بشكل نهائي!

تذكر، أنه في طفولته، وفي بيتهم، حيث كان هناك، بئرٌ لجمع مياه الأمطار، تستخدمه أسرته في الشرب والطبخ وغيره، كانت مياهه تكفيهم طيلة أيام السنة، ولكنه في أحد السنين، لم تكفِ مياهه سوى شهرين، وعندما اندهش أفراد الأسرة من تلك الظاهرة، أجابهم جَدَّهُ: أن هناك ثقب في البئر، لا بُد من تتبعه وإغلاقه.

انتهى
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .