العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: التسنيم فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الخزى فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: اللعب فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: فرسة و خيّال (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: الصرف في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الرد على مقولات الباحث عن الحقيقة المنسية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الفروج في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الكرم في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: أشراط الساعة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الشلل في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 03-01-2009, 03:44 PM   #1
ريّا
عضوة شرف
 
الصورة الرمزية لـ ريّا
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2008
الإقامة: amman
المشاركات: 4,238
إفتراضي

لك الحق سيدي أن تفخر بمصرك ......موضوع رائع يستحق وقفة .......ولي عودة
دمت وسلمت ......تقبل مروري المتواضع ........كن بخير ........ريا
__________________
ريّا غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 03-01-2009, 08:15 PM   #2
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة rayaa مشاهدة مشاركة
لك الحق سيدي أن تفخر بمصرك ......موضوع رائع يستحق وقفة .......ولي عودة
دمت وسلمت ......تقبل مروري المتواضع ........كن بخير ........ريا

وأفخر بعراقى ويمنى وحجازى ومغربى ..

كلها مصرى ووطنى .. إنما كان موضوعى هذا وقفة لكل مصرى ..

كى يعرف الفرع إلى أى الجذور ينتمى ..

ومن هنا .. كان الطريق

ريا ..

لروحك النقاء
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 03-01-2009, 08:16 PM   #3
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

القدس بين سقوطين




إن أحداث غزة التى نشهدها اليوم ، ورغم تعاطف كل الشعوب العربية والغربية على حد سواء .. لا أكاد الوم فيها كلها سوى قطر واحد .. بلد واحد .. طالما كانت هذه البلاد تحت حمايته عبر هذا التاريخ وهو وحده منوط بها أكثر من غيرها .. مصر ..

ولماذا مصر ؟
فلسطين أرض رباط وثغر من ثغور الإسلام رغم ما يحيط بها من بلدان مسلمة لكنها مطمع لشعارات شتى أكانت صليبا أم نجمة زرقاء .. لذا كان على كل المسلمين واجبا مقدسا للجهاد والذود عنها وعلى مصر خاصة بحكم موقعها الجغرافى أن تحمل أكبر هذا الشرف وهذا العبء .. فلا أمان مطلقا لمن يملك فلسطين طالما لم يأمن مصر وسنجد هذا واضحا جليا منذ نشأة الحرب وفنونها .. أضف إلى كل هذه الأسباب أسبابا أخرى منها إرتباط شعب مصر بهذه الأرض إرتباطا روحيا وثيقا حتى تكاد القلوب فى هذه الأمة أن تخفق وتحلق مع النسائم شرقا كلما ذكر القدس أو استرجع الدهر أحداثه فيها .

لقد كانت الحملتين الصليبية والصهيونية متشابهتان إلى حد كبير ..
ومن أهم أوجه الشبه، أن الدين قد اتخذ ستارا وشعارا في الحملتين، ففي الأولى كان الصليب هو الشعار، وفي الثانية كان الشعار هو نجمة داود … وكان الهدف الظاهر في الأولى "إنقاذ القبر المقدس"، وفي الثانية كان الهدف "إعادة بناء هيكل سليمان".

ولكن الواقع الذي لا مراء فيه أن الحملة الصليبية كانت مجرد غزوة استعمارية استيطانية، كالغزوة الصهيونية المعاصرة سواء بسواء…والدلائل على ذلك سهلة المنال.

فهذا المستشرق المعروف لامونت يقول عن الصليبيين أنهم "لم يحاولوا الاستيلاء على البلاد الإسلامية لكونها بلادا إسلامية….بل خرجوا ليستولوا على البلاد وليؤسسوا فيها إمارات لهم…."وأن أمراء الإفرنج "كانوا يستهدفون غايات دنيوية محضة " …وأن الواحد منهم "لم يجد أي بأس في أخذ البلاد من أيدي المسلمين واليونان والأرمن أو من أيدي أبناء جنسه من الإفرنج".

وهذا مؤرخ غربي آخر هو "غروسيه" يقول في عبارة جازمة عن "الحاج" الذي ذهب لزيارة الأماكن المقدسة في بيت المقدس بأنه "أصبح رجل فتح يذهب لإنشاء ممالك تحت شمس الشرق، كما اتجه بارونات الأرض المقدسة إلى تطبيق سياسية استعمارية".

بل إن مؤرخا غربيا منصفا قد أدان الحملة الصليبية بأنها "أول تجربة في الاستعمار الغربي قامت بها الأمم الأوروبية خارج حدود بلادها لتحقيق مكاسب اقتصادية واسعة النطاق.

والواقع أن أهل الصليب أنفسهم لم ينجوا من الحملات الصليبية. فقد ارتكب الصليبيون مع أخوانهم في الدين في بلغاريا والمجر فظائع رهيبة، وهم في طريقهم إلى بيت المقدس. وحين وصولهم إلى القسطنطينية خربوا الكنائس ونهبوا نفائسها، واقتحموا كنيسة القديس أيا صوفيا وهم سكارى، وعبثوا بما فيها من ستائر وأدوات وكتب مقدسة فحرقوها وداسوها بأقدامهم، ونهبوا ذخائرها، وما حوته من آلات ورخام، وحملوه معهم إلى الديار المصرية والشام، وبيع في الأسواق، ووصل منه إلى دمشق رخام كثير.
ومثل هذا قد فعلته الحملة الصهيونية في فلسطين، فقد هدمت المساجد والكنائس والمقابر، وأحرقت جانبا من المسجد الأقصى، ونهبت النفائس الدينية من كنيسة القيامة.

وأوجه الشبه أكثر من أن تحصى بين الحملة الصليبية والحملة الصهيونية، والدين الحق براء من الحملتين.

لقد إقتربت الحملة الصليبية الأولى الآن على مشارف القسطنطينية وتوغلت في آسيا الصغرى، واخترقت جبال طوروس، وها نحن نجدهم في تشرين الأول سنة 1098 معسكرين حول أسوار أنطاكية، وسيوفهم مشرعة نحو ديار الشام، وبيت المقدس هوالغاية والنهاية.

ودارت معركة رهيبة من أجل أنطاكية والإفرنج يستميتون للاستيلاء عليها، فهي باب المشرق العربي….والعرب يستبسلون في الدفاع عنها، دفاعا عن الوطن العربي بأسره.
ولكن العرب الذين نعنيهم هنا، هم القوات العربية في أنطاكية وما حولها. أما حكام العرب في بغداد ودمشق والقاهرة، فلم يكن الأمر يعنيهم من بعيد أو قريب .

وكانت حلب ودمشق أقرب الحواضر العربية إلى أنطاكية، وهما أولى بالنجدة من غيرهما.... ولكن الذي جرى أن الصراع كان على أشده بين الأخويين – العدوَّين الألدَّين: رضوان ملك حلب، ودقاق ملك دمشق .
وبسبب هذا الصراع على دمشق….وقف الملكان، دقاق ورضوان، يشاهدان أنطاكية وهي تقاتل الإفرنج وحدها….دون أن يدريا أن القدر والإفرنج يخبئان لهما معا أوخم العواقب والنوائب…

وما أشبه اليوم بالبارحة ..


وقد لعبت الخيانة دورها في معركة أنطاكية ..


وسقطت إنطاكية ...


وكان سقوط أنطاكية في اليوم الثالث من حزيران عام 1098. وكانت هزيمة مروعة، لا تقل ضراوة عن هزيمتنا المعاصرة في حزيران المشؤوم…
ويشهد مؤرخ أجنبي أن الإفرنج قد ذبحوا في أنطاكية ما لا يقل عن عشرة آلاف من أهلها، واضطرالجند إلى المسارعة في دفن الجثث قبل أن ينتشر الوباء في المدينة .

وفي أوائل الشتاء (11 ديسمبر 1098) حين كانت الرياح الباردة تتناوح السهول السورية، اهتزت رفات أبي العلاء المعري فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة وهي تضج في قبره…ذلك أن الإفرنج قد اقتحموا بلدته التاريخية "فقتلوا أكثر من عشرين ألف رجل وامرأة وصبي" في رواية اين العديم، "وما يزيد على مئة ألف" في رواية ابن الأثير. أما أحد المؤرخين الغربيين فقد ذكر أن الإفرنج قد أحرقوا المعرة أولا عن آخر.

ولكن ديار الشام كانت مهيأة للهزيمة أمام الإفرنج، فقد كانت البلاد مجموعة ممالك وأمارات.

فهذه إمارة في أنطاكية يحكمها أحد الأمراء، واسمه سيَّان.
وهذه مملكة في حلب على رأسها الملك رضوان.
وهذه مملكة في دمشق على رأسها المملك دقاق.
وهذه إمارة في حمص يحكمها شمس الدولة جناح بن ملاعب.
وهذه إمارة في الموصل يحكمها أحد أمراء التركمان واسمه كربوغا.
وهذه إمارة في حماة يحكمها سلمان، أمير آخر من أمراء التركمان.
وهذه إمارة في حصن عزاز، شمالي حلب، وعلى رأسها الوالي عمر.

كانت هذه هي الحال في ديار الشام، أما الحال في مصر والعراق فكانت أشد تمزقا….خلافة فاطمية شيعية في القاهرة، وخلافة عباسية سنية في بغداد، وأوصال مفككة، تسودها الشحناء والبغضاء…والشعوب هي الضحية، والوطن هو الثمن.

لقد كانت القدس تحت إمرة الخلافة الفاطمية ومقرها مصر .. شأن فلسطين عبر أكثر أوقات هذا التاريخ .. والأشد ألما أن سقوطها الأول والثانى كانت فيهما تحت حماية مصرية ..
إذا تصفحت أقرب خارطة لهذه المنطقة فسوف ترى بعينيك حقيقة هامة .. إن مصر إمتداد فلسطين وفلسطين إمتداد مصر .. ليس فحسب إمتدادا جغرافيا .. برا وبحرا ستجد أن فلسطين فى أحضان مصر .. أضف إلى هذا كثافة العدد والقدرات البشرية الكثيرة والخبرة العسكرية ووفرة المال ، كل هذه العوامل جعلت من شعب مصر جيشا من الفلاحين والتجار الذى يسهل تشكيله فى وقت جدّ قصير وهنا مكمن خطورتها .. لذلك لا تجد حملة صليبية على بغداد أو دمشق رغم تساوى الخطر فى هاتين العاصمتين .. لكن لا أمان أبدا لمن يملك فلسطين سوى بتشكيل عمق دفاعى له فى مصر .. وقد برزت هذه الحقيقة عند كل جنرالات وقادة الحرب منذ هذا الوقت السحيق .. بدءا من بلدوين وحتى عمورى ملك مملكة القدس الذى لم يهدأ إلى أن يضم مصر إلى سلطانه .. ولم يترك له صلاح الدين هذه الفرصة أبدا بل جاهده على كل بقعة فيها واستمات فى الدفاع عنها بشراسة عجيبة سنأتى عليها فى وقتها .. لم يكن كل هذا سوى لإدراكه بأهمية مصر الإستراتيجية فى خطة تحرير بيت المقدس ..

ظلت فلسطين وبالأخص القسم الجنوبى منها تحت رعاية وحماية مصرية وحتى العام 1967 حين إجتاحت الآلة النازية الصهيونية هذا القطاع وعجزت مصر فى الدفاع عنه ولا عن أرضها والأكثر ألما حين تخلى عنها جنرالات الحرب فى حرب العاشر من رمضان لتظل تحت الأسر والقيد إلى يومنا هذا ..


إستغاثت فلسطين ببغداد ولكن لا حياة لمن تنادى .. وكانت ذروة المآسي وقمة المخازي قد رست على رأس الخلافة الفاطمية في القاهرة، فلم يكتف الفاطميون بالقعود عن الجهاد والتخاذل في معركة العروبة والإسلام، بل راحوا يعملون على إقامة تحالف مع الإفرنج نكاية بالسلاجقة المسلين في سورية ، وبالخلافة العباسية في بغداد، ويا لخزي الزمان وعار الأبد!

وكان صاحب الأمر والنهي في القاهرة في تلك الأيام الحالكة السوداء، الخليفة الفاطمي المستعلي، والوزير الأفضل بن بدر الجمال، أثبتت الأيام أن نكبة الإسلام كانت على يد هذا "المستعلي" وذاك "الأفضل".

وموجز النكبة التي تستعصي على الإيجاز أنه حين كانت المعارك الطاحنة دائرة بين العرب والإفرنج حول أسوار أنطاكية، بعث الوزير الأفضل بسفرائه إلى معسكر الإفرنج لإقامة تحالف بين الفريقين، بحيث تكون أنطاكية للإفرنج، وبيت المقدس للفاطميين!!

وقد اهتز التاريخ العربي غداة أن سقطت أنطاكية ، وراح يصيح مستنكرا ومنددا بموقف الوزيرالأفضل .
بل إن التاريخ قد ذهب إلى أبعد من ذلك, واتهم الخلافة الفاطمية بمصر بأنها هي التي دعت الإفرنج لاحتلال ديار الشام نكاية بالسلاجقة المسلمين الذين كانوا ينافسونهم في المشرق العربي. وقال التاريخ بأفصح كلام "أن أصحاب مصر (الفاطميين) ,وقد رأوا قوة الدولة السلجوقية واستيلاءها على بلاد الشام….خافوا، فأرسلوا إلى الإفرنج يدعونهم إلى الخروج إلى الشام ليملكوها ويكونوا بينهم وبين المسلمين ولو أن الفاطميين، قد ذهبوا إلى أنطاكية محاربين مجاهدين، لا مفاوضين لا خائنين….لو أنهم شدوا أزر القوات العربية التي كانت تتصدى للإفرنج، لأرتدت الحملة الصليبية الأولى على أعقابها، وما استطاعت أن تجتاح في ما بعد ديار الشام، وفلسطين، وسيناء، والقاهرة نفسها مقر الدولة الفاطمية ويغرق العالم العربي في النهاية في خضم المصائب والويلات عبر مئتي عام ويزيد..

ولم يكن الإفرنج بالقوة الخارقة التي لا تقهر، فإن حرب أنطاكية قد أرهقتهم إلى حد بعيد، وتخلى كثيرمنهم عن المعركة وعادوا إلى بلادهم وقد بلغ من الضائقة التي حلت بهم أنهم على حد تعبيرا بن الأثير، "ليس لهم ما يأكلون، وتقوَّت الأقوياء بدوابهم، والضعفاء بالميتة وورق الشجر .

__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 03-01-2009, 08:18 PM   #4
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

ودار الفلك دورته..وجاء حزيران آخر ….ليشهد انتصارنا، بعد أن شهد انكسارنا.

ففي 20 حزيران من عام 1268 تبدل الحال في الوطن العربي. فلم يكن على مسرح الأحداث ملك دمشق، وملك حلب، وأمير الموصل، وأمير حماة، وأمير أنطاكية، ولا الخليفة في بغداد ، ولا الخليفة في القاهرة…..لم يبق هؤلاء، وإنما جاء رجل واحد، هو الظاهر بيبرس، وقاد الأمة العربية من جديد.
وسجل التاريخ في ذلك اليوم أن أنطاكية قد سقطت على يد العرب فقتل من أهلها وحاميتها ستة عشر ألفا، وسبي ما يبلغ ماية ألف، بيع بعضهم في أسواق مصر، "وغنم العرب أموالا طائلة، وأحرقت أنطاكية وقلعتها، ولم تنهض المدينة بعد ذلك".
ومن العبارات الحلوة التي تركها لنا التاريخ عن سقوط أنطاكية بيد الظاهر بيبرس أنه بلغ من كثرة الغنائم والأسرى "أن قسمت النقود بالطاسات، وأنه لم يبق غلام إلا وله غلام .

وفي الثلاثين من شهر تموز، عاد البطل بيبرس إلى القاهرة، بعد هذا النصر المؤزر، عودة وادعة متواضعة من غير أن تعج بأقواس النصر أو تضج بالمواكب والهتافات، ليقول التاريخ إن الظاهر بيبرس "قد حمل عن الناس كلفة الزينة".

الوضع الآن كالتالى :
خلافة عباسية في بغداد، وخلافة فاطمية في القاهرة، وإمارات عربية شتي في ديار الشام، ومعهم السلاجقة الأتراك المسلمون، وهؤلاء بدورهم انقسموا على أنفسهم، وأصبحوا يعرفون بسلاجقة الروم وسلاجقة فارس .
وفي تلك الحقبة التعيسة، كان الإفرنج، قد احتلوا أنطاكية. وما أن فرغوا من قتل أهلها، وتدمير قلاعها، ونهب ذخائرها وأموالها، حتى شب الخلاف بين أمراء الإفرنج، لمن تكون أنطاكية من يحكمها، ومن يكون أميرها….هل يكون بوهيموند، أم ريموند ؟

واشتد الخلاف بين أمراء الإفرنج الطامعين…ووصلت أصواتهم إلى الخليفتين في بغداد والقاهرة، والى الملوك والأمراء في حلب ودمشق والموصل وغيرها من ديار الشام والعراق، ولكنهم "تقاعدوا عن الجهاد"، كما قال مؤرخو العرب، كما سيقولون بعد جيل أو جيلين، عن حكام العرب في القرن الواحد والعشرين ..

وبدأ زحف الإفرنج، في تلك الأيام الماطرة العاصفة، يستهدف بيت المقدس، وكان عليه أن يجتاز بقية أرض الشام أولا، قبل أن يصل إلى فلسطين، خاتمة الزحف والمطاف.
والمواطن العربي يعرف هذه الأجزاء من الوطن العربي، مدينة مدينة، وقرية قرية، سواء كان مقيما فيها أو زائرا إليها، أو دارسا عنها، ولا بد أن يثيره العجب والغضب كيف سار زحف الإفرنج خلال البلاد (لبنان وفلسطين) في يسر وسهولة، كأن الأمر نزهة سياحية أكثر منها غزوة استعمارية!!

وفي 23 أيار تجاوز الإفرنج صرفند وصور، وهما آخر المدن اللبنانية جنوبا، إلى أن وصلوا إلى عكا، القلعة التاريخية الشهيرة، فاستسلمت لهم من غير قتال.
وفي 26 أيار واصل الإفرنج زحفهم واحتلوا حيفا وارسوف ثم قيسارية.
وفي أول حزيران، احتل الإفرنج الرملة واللد- وهنا اجتمع أمراء الإفرنج في مجلس حربي ليتشاوروا في أمر الزحف على بيت المقدس…الهدف الذي تطلعت إليه أوروبا منذ خطب البابا أربانوس، في كلرمنت بفرنسا داعيا إلى غزو الديار المقدسة.

والى هنا فقد انتهت النزهة السياحية التي بدأت من اللاذقية في سوريا، إلى الرملة في أواسط فلسطين، رحلة استغرقت خمسة أشهر, ولم تتجاوز أصابع اليد، كما يقول عامة الناس الذين لا يجمعون ولا يطرحون!

وقد يعجب المواطن العربي كيف استطاع الإفرنج أن يحققوا تلك الانتصارات في مدة وجيزة، ومن غير مقاومة تذكر، وكأنما خلت البلاد من أهلها وحُماتها، أو كأنما الأمة العربية التي وصلت إلى إسبانيا وفرنسا، قبل قرنين، قد اندثرت أو حجبت، وأصبحت أثراً بعد عين!

ولكن التاريخ، أبو العظات والعبر، يؤكد ولا يمل أن يؤكد، أن عوامل التجزئة والانقسام والخيانة كانت السبب الأول والأخير في سقوط الوطن العربي بهذه السرعة، مدينة بعد مدينة، وقلعة بعد قلعة.
ونحن لو شئنا التحديد، لقلنا والتاريخ معنا يقول، أن الخلفاء والملوك والأمراء هم الذين ألحقوا بالأمة العربية تلك الهزيمة النكراء، وما جلبت على الوطن العربي من خراب ودمار، وذل وعار.

غير أنه من واجب الإنصاف للأمة العربية الماجدة، على صعيد جماهيرها وشعوبها، أن نستذكر بكل إباء وشمم، أن المقاومة العربية للإفرنج كانت ضارية وباسلة حيث كانت تتيسر لها أسباب المقاومة…. ذلك أن الإنسان العربي مقاتل من الطراز الأول حينما يجد السلاح بين يديه، وحين تتهيأ له الفرصة المواتية….
والتاريخ يشهد، وهو خير شاهد، أن وقعات كثيرة شجاعة نشبت بين الشعب العربي والإفرنج، من أنطاكية في شمال الشام إلى الرملة في قلب فلسطين، وتكبد الإفرنج خلالها خسائر فادحة في الرجال والعتاد والأموال. وكان من نتيجة ذلك أن عاد كثير من الإفرنج إلى ديارهم، وفقد كثيرون آخرون عزمهم وحماسهم.
ومن هذه الوقعات الشهيرة أن أهل "عرقة" ، وهي مدينة صغيرة تقع شمال طرابلس قد صمدت أمام هجمات الإفرنج صمودا رائعا، فقد استبسل أهلها في الدفاع عنها وصمدوا أمام جموع الإفرنج، على غير تكافؤ في العَدد والعِدد، رغم ما حصل عليه الإفرنج من الخيرات الوفيرة في إقليم طرابلس ، وما وصل إليهم من التموين عن طريق البحر. ولم يسع الإفرنج إلا أن يفكوا الحصار عنها، وأن يستأنفوا زحفهم إلى أواسط فلسطين، وبقيت عرقة ثابتة صامدة .

ومن المواقف الرائعة، أن أهل حلب قد استماتوا في الدفاع عن مدينتهم العريقة .. و تلك الوقفة الرائعة التي وقفتها معرة النعمان حين أحاط الإفرنج بها من كل جانب، وهب أهلها للدفاع عنها بكل ما ملكت أيديهم، ولم يستطيع الإفرنج اقتحامها إلا على جثث الآلاف من المقاتلين البواسل .. وليس لنا أن ننسى وقعة جريئة أخرى قام بها أهل صيدا، فقد تعرضوا لقوات الإفرنج وهي في طريقها إلى فلسطين، وأنزلوا بها خسائر فادحة، كما تحمل أهل صيدا أضراراًَ كبيرة في مزارعهم وبساتينهم.

وكان البيت الفاطمي ذروه الخيانه العربيه الاسلامية في تلك الحقبة من الزمان…..فالخليفة الفاطمي الذي ينتسب إلى الرسول العظيم، وهو صاحب الدعوة الرفيعة إلى الجهاد، كان "متقاعدا عن الجهاد" حسب تعبير جميع المؤرخين المسلمين الذين تركوا لنا هذا التعبير الشاجب الغاضب .

هذا مع أن قوات الإفرنج التي كانت تتصدى للمدن العربية في بعض الغزوات، لم تكن تتجاوز في تقدير المؤرخين الغربيين، ألف فارس وخمسة آلاف من المشاة ويا لخزي الخلفاء والأمراء والملوك والرؤساء.
لقد انتصر الإفرنج في نزهة سياحية من اللاذقية إلى الرملة، في بضعة أشهر، في عهد ملوك متخاذلين، وأمراء متقاعدين، وخلفاء متقاعسين. وانتصرت إسرائيل، في ما يشبه النزهة السياحية، وفي أيام معدودات، في أعوام 1948، 1956، 1967 ,وفي عهد ملوك متقاعدين ورؤساء متقاعسين، وبهذا يبدو جليا أن الأسباب هي الأسباب، مع اختلاف في الأسماء والألقاب…

وما أشبه الليلة بالبارحة..
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 03-01-2009, 08:20 PM   #5
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

دار الزمان دورته ، وانتكس نكسته ، فخرج الإفرنج من أوطانهم القاصية يقصدون بيت المقدس ، فاجتازوا ديار الشام في غفلة من الخلفاء والأمراء ,حتى وصلوا إلى فلسطين ، فاحتلوا عكا ، وحيفا ، وقيسارية، واللد ثم الرملة ، حيث أقاموا فيها بضعة أيام . ويقول المؤرخ الإسلامي المعروف ,أبو المحاسن ,إن الإفرنج "جاؤوا إلى الرملة وأخذوها وقت إدراك الغلة وما أبدع فلسطين وأروعها في أيام الحصاد والغلال ، ذلك أن فلسطين كلها في أيام الربيع باقة أزهار وسلة ثمار ، وجنة أطيار ..

ولكن فلسطين ، ويا ويح فلسطين ، لم تشهد ربيعاً عام 1099 ، كما لم تشهد ربيعاً منذ عام 1948 ، وما تلاه من أعوام عجاف ، فإن فلسطين اليوم ذبلت فيها الأزهار ، وتهاوت الثمار ، وتشردت الأطيار .

ومدينة الرملة بالذات ، مدينة النسمات الرقراقة ، والقسمات الحلوة المشرقة، الزاهية بالسهول اليانعة ، والمروج الخضراء ، وما أن نزل فيها الإفرنج حتى استحالت إلى قفر يباب وبلد خراب ، فنزح أهلوها وأصبحوا مهاجرين لاجئين ، ونزحت معهم أمجادهم وذكرياتهم ,الطارف ، والتليد .
ولقد أُعجب المتنبي بالرملة ، وكان قد عرّج عليها قبل أن عرج عليها الإفرنج بخمسين عاماً ، فامتدح أميرها أبا محمد الحسن بقصيدة رائعه كان يحفظها أهل الرملة ، ومنها قوله وكأن المتنبي تنبأ بما سيحل بالرملة :

ومن عرف الأيام معرفتي بها * وبالناس رَوّى رمحه غير راحم

في مدينة الرملة هذه ، وكل رملة فيها جنة ، عقد أمراء الإفرنج مجلسهم الحربي ، والعمارات من حولهم تعج بذكريات الأمويين الذين كانوا يخلدون إليها أيام الراحة والدعة ، وبدأ الحوار الساخن بينهم ، وماذا بعد الرملة؟ هل نمضي إلى مصر ونقضي على دولة الفاطميين في عقر دارهم ، أم نزحف على بيت المقدس ، ونرى بعد ذلك ما يكون ؟

وانقسم الأمراء في ما بينهم ، فرأى فريق أنه "لا بد من الزحف على مصر والاستيلاء على الدلتا ، فإن مصر هي مفتاح بيت المقدس ، ولا قرار ولا استقرار في بيت المقدس إلا بالاستيلاء على مصر" .. ورأى فريق آخر" أن الزحف الطويل من اواسط أوروبا قد استنفد الكثير من قواتهم ، وليكن الإستيلاء على بيت المقدس أولاً ، ثم يتّم الاستعداد للزحف على مصر".

وتساءل أهل فلسطين يومذاك .. كما تساءلوا في غزوات إسرائيل .. أين الخلفاء والامراء ، أين الملوك والرؤساء ، أين الخليفة الفاطمي الناعم في قصوره في القاهرة ، أين الخليفة العباس الساجي في طيلسانه في بغداد ، وأين أمراء الشام ,شمس الدولة ، وفخر الدولة ، وقوام الدولة .. وسائر الألقاب ، وهي لا تتصل "بالدولة " من قريب أو بعيد .

ومرة أخرى أطلّ حزيران على صفحات التاريخ ... وكان اليوم السابع من حزيران ، وحزيران ما أشقاه بنا ، وما أشقانا فيه ..
في ذلك اليوم وصلت جموع الإفرنج إلى بيت المقدس ، وعسكروا حول أسوارها ، ومن سخرية القدر أنه هو اليوم نفسه الذي سقط فيه بيت المقدس على يد القوات الاسرائيلية .. في السابع من حزيران من عام 1967.

ووصلت أنباء الزحف إلى بيت المقدس ، وكانت يومئذ تابعة للدولة الفاطمية في القاهرة ، واسم واليها افتخار الدولة ، حاكم آخر من الذين تشرفوا باسم "الدولة " ولم تتشرف بهم ..
ولكن الشعب ، افتخار الشعب ، هب عن بكرة أبيه للدفاع عن مدينته المقدسة الغالية ، التي بناها جدنا الأعلى يبوس العربي ، وإليه ينسب اليبوسيون العرب، الذين استوطنوا بيت المقدس قبل اليهودية والمسيحية والإسلام بأجيال وأجيأل .

وراح الشعب يحمل المعاول بيديه ، والحجارة على كتفيه ليقوي الأسوار والأبراج ، ويسد المنافذ والمعابر ، وانطلق المتطوعون بالعشرات يسممون الآبار خارج المدينة ، ويجمعون المواشي من الحقول ، حتى لا تقع في يد العدو .

ولم يكن في بيت المقدس إلاّ حامية من العرب والسودان لا يتجاوز عددها ألف مقاتل ، يقابلهم من الفرنجة عشرون ألف محارب ولكن أهل بيت المقدس ، تعاهدوا في ما بينهم ، على ان يدافعوا عن مدينتهم المقدسة ، إلى أن يفنى الرجال والنساء والأطفال .. أليست مدينتهم مسرى الرسول ومعراجه .. ألم يقل القصصي الشعبي " وتُزف الجنة يوم القيامة زفا مثل العروس إلى بيت المقدس .." وإليها يُزف الحجر الاسود ، وتزف مكة بحاجها.

وشدد الإفرنج الحصار ، وراحوا يهاجمون الأسوار ، يحاولون اقتحام أبواب المدينة الغالية ، ولا تزال أبوابها قائمة بأسمائها التي يعرفها أطفالنا إلى يومنا هذا ، باب العمود ، باب الساهرة ، باب الخليل ، إلى آخر الأسماء التي ازدادت بها صفحات التاريخ ..

وازدادت لهفة الإفرنج إلى اقتحام المدينة المقدسة ، بعد أن أيقنوا أن القوات العربية والاسلامية في الوطن العربي متقاعدة ومتقاعسة ، وبدأوا يضربون الأسوار بالمجانيق ، ويصعدون إلى الأسوار على السلالم ، التي صنعوها من الغابات والأحراش التي اقتطعوها من المناطق المجاورة وامتد الحصار نيفا وأربعين يوماً ، والقتال دائر بين الفريقين ، إلى أن قام الإفرنج بهجومهم الكبير في اليوم الرابع عشر من شهر تموز عام 1099 ، وكان يوماً من أيام التاريخ الحزين ..

وانسحب افتخار الدولة وجنوده إلى محراب داود ، في القسم الجنوبي من المدينة ، واعتصموا به وقاتلوا ثلاثة أيام ،" ثم لم يلبثوا أن ألقوا السلاح بعد أن بذل لهم الإفرنج الأمان ، وسمح الإفرنج لافتخار الدولة وجنوده أن ينسحبوا من القدس وذهبوا إلى عسقلان .. في ذل وامان ".

وبدأت المذبحة الرهيبة ، وأصبح بيت المقدس كله مسرحاً كاملاً للدماء والدمار ، في البيوت والشوارع والمعابد ، وعلى الأسطحة ، وفي المسجد الأقصى .. من بابه إلى محرابه !!
ولقد سجل المؤرخون ، المسلمون والمسيحيون على السواء ، وأناملهم راجفة واجفة ، الوقائع الهمجية لتلك المذبحة الرهيبة التي حلّت بالمدينة المقدسة ..

يقول ابن الأثير أن الإفرنج قد ذبحوا ما يقرب من سبعين الفاً ، بينهم جماعة من أئمة المسلمين وعلمائهم.
ويقول ابن القلانسي أن الإفرنج قد "جمعوا اليهود في الكنيسة وأحرقوها عليهم "ويقول أبو المحاسن "وهرب الناس إلى الصخرة والأقصى واجتمعوا بهما فهجموا عليهم ، وقتلوا في الحرم ماية ألف ، وسبوا مثلهم ، وقتلوا الشيوخ والعجائر ، وسبوا النساء ، وأخذوا من الصخرة والأقصى سبعين قنديلا ، منها عشرون ذهباً ، وخمسون من فضة ... وتنّورا من فضة زنته أربعون رطلاً بالشامي ، وأخذوا من الأموال ما لا يحصى ".

أما المؤرخون المسيحيون ، وبعضهم كان يقاتل في صفوف الإفرنج، فقد تركوا لنا وقائع رهيبة أشد هولاً مما أشار اليه المؤرخون المسلمون . فهذا المؤرخ المسيحي ابن العبري الملطي يقول "ولبث الإفرنج في البلد أسبوعاً يقتلون فيه المسلمين ، وقُتل بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفاً.
أما المؤرخ المسيحي الآخر متى الرهاوي فقد أنقص العدد بمقدار خمسة آلاف ، وقال "إن عدد من قتلهم الإفرنج من المسلمين زاد على خمسة وستين ألفاً ".

وكان مؤرخ آخر من الذين قاتلوا في صفوف الإفرنج ، ذهب لزيارة الحرم الشريف بعد المذبحة الرهيبة, ولم يجد بدأً من الاعتراف بانه لم يستطع أن يشق طريقة "وسط أشلاء المسلمين إلا بصعوبة بالغة ، وأن دماء القتلى بلغت ركبته" .

ويشاء القدر أن يحفظ لنا مذكرات وافية كتبها أحد الذين قاتلوا في تلك المعركة ، وترجمت أخيراً إلى اللغة العربية . وقد ورد في مذكرات ذلك المؤرخ المقاتل وقائع تقشعر لها الأبدان ، منها قوله " إن الإفرنج جدّوا في قتل الأهلين ومطاردتهم حتى قبة عسر ، حيث تجمعوا واستسلموا لرجالنا الذين أعملوا فيهم أفظع القتل طيلة اليوم باكمله ، حتى فاض المعبد كله بدمائهم .. وانطلق رجالنا في جميع أنحاء المدينة يستولون على الذهب والفضة والجياد والبغال ، كما أخذوا في نهب البيوت الممتلئة بالثروات .. وفي صباح اليوم التالي تسلق رجالنا على أسطح "المعبد " وهجموا على الأهلين رجالاً ونساء ، واستلموا سيوفهم وراحوا يعملون فيهم القتل ، ورمى بعضهم بنفسه من أعلى المعبد ، وصدر الأمر بطرح الموتى كافة خارج البلدة لشدة النتن المتصاعد من جثثهم ، ولأن المدينة كادت أن تكون باجمعها مملوءة بجثثهم ... وتعالت أكوامهم حتى جاوزت البيوت ارتفاعاً "ويمضي التاريخ بعد ذلك يروي كيف استتب الأمر للإفرنج ، وحكموا بيت المقدس ، وأقاموا فيها مملكة دامت ثمانية وثمانين عاماً ..

فحق ضائع وحمى مباح
وسيف قاطع ودم صبيب
وكم من مسلم أمسى سليباً
ومسلمة لهـا حرم سـليب
أمور لو تأملـهنّ طفـل
لطفّل في عوارضه المشـيب
أتسبى المسلمات بكل ثغر
وعيش المسـلمين إذاً يطيب
أما لله والإسـلام حـق
يدافـع عنه شـبان وشـيب
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 03-01-2009, 08:22 PM   #6
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

يقول التاريخ إن استيلاء الإفرنج على بيت المقدس في عام 1099 قد تم بعد مقاومة ضارية .. وأن الحصار قد اضني المهاجمين أكثر مما فعل بالمدافعين ."وان الإفرنج كانوا يحاربون في بلاد لم تسبق لهم معرفة بها ، وكان يعوزهم السلاح ، ولم يتوافر عندهم من الأقوات ما يكفي لحصار المدينة ، يضاف إلى ذلك اشتداد الحرارة وتعذر الوصول إلى أماكن ظليلة ، وثقل الأسلحة التي يحملها الفرسان ، وتعرض العساكر للهجمات المفاجئة ، إذا توجهوا لالتماس الماء من جهات تبعد عن مواضعهم ، فضلاً عن أن الأقوات أخذت في النفاد.
وهكذا لم يسقط بيت المقدس سهلاً ومهلاً في عام 1099 ، كما سقط على يد اسرائيل !!.

وحين نعود إلى المقاتل الإفرنجي صاحب المذكرات نجد وصفاً دقيقاً للضائقة الخانقة التي كان يعيشها الإفرنج في معركة القدس ، إذ يقول – "وفي اثناء هذا الحصار بقينا عشرة أيام لا نجد خلالها خبزاً نشتريه .. ووقعنا فريسة الظمأ المحرق ، واحتملنا أشد المخاوف حتى لقد كنا نمشي ستة أميال لإرواء جيادنا وحيواناتنا ، غير أننا وجدنا الماء عند نبع سيلو (سلوان) الواقع عند سفح جبل صهيون ، إلا أنه كان يباع بيننا بثمن جد غال ... وكابدنا وطأة الظمأ ، حتى لقد كنا نخيط جلود الثيران والجاموس لنحمل فيها الماء مسافة أميال ، وكان الماء الذي حملناه معنا في الأواني قد أسِن ونتن ، واقتصر طعامنا اليومي على خبز الشعير ، مما صار مثار حزننا ومبعث أسانا ، حتى لقد أصبح الرجل منا يعجز عن أن يجد جرعة كافية من الماء تروي غلته لقاء دينار .. أما بصدد معركة الاقتحام ، فيقول المحارب الإفرنجي صاحب المذكرات .. " وفي يوم الاثنين ، 12 يونيو(حزيران)،هاجمنا البلدة هجوماً عنيفاً ، وحطمنا السور الصغير ، ورفعنا السلم على السور الرئيسي ، وصعد فرساننا وضربوا المدافعين عن المدينه بالسيوف ، وناوشوهم بالرماح ، وكان قتلاهم أكثر من قتلانا ، والأهالي حصنوا المدينه تحصيناً عجيباً ، وقوموا الدفاع عن الأبراج أثناء الليل وفي يوم الجمعة قمنا بهجوم على البلد دون أن نستطيع أخذها . فاصبحنا في ذهول وخوف شديدين، وقد حمي وطيس القتال بين المدافعين عن المدينة ورجالنا " وهنا .. هنا يذكر التاريخ .. أن الإفرنج قد ساءت حالتهم لقلة الماء, وندرة الأقوات ، وشدة الحرارة ، وتعرضهم باستمرار لهجمات المدافعين ، ونشوب النزاع بين أمراء الإفرنج أنفسهم .. كل ذلك حمل كثيراً من الإفرنج على أن يتسللوا وأن يتوجهوا إلى يافا ، لعلهم يجدون سفناً تحملهم إلى بلادهم .

لقد سقطت يافا في عام 1948, كما سقطت عام 1099 .
وكما تلقى الإفرنج المؤن والسلاح والرجال من يافا في الماضي ، فقد تلقى اليهود في زماننا ، السلاح والرجال بعد أن استولوا على ميناء يافا ...

ولقد سقطت القدس في عام 1099 ، والإفرنج يعانون الجوع والعطش ، وسقطت القدس الجديدة في عام 1948 وكاد مئة ألف من اليهود أن يستسلموا بعد أن حاصرهم العرب ومنعوا عنهم الماء ، لولا الوساطة العربية ولولا وقف إطلاق النار ... ثم سقطت القدس القديمة في عام 1967 من غير حصار ولا قتال .
وكان أول ما فعلوا أن زحفوا صوب مدينة نابلس في أواخر تموز 1099، ولم تكن المدينة قادرة على الدفاع عن نفسها، فلم يبقَ أمامها إلا أن تستسلم، وأنباء المذبحة الرهيبة التي ألمَّت ببيت المقدس لماّ يمض عليها إلا شهر واحد…. وهكذا استسلمت مدينة نابلس أو "دمشق الصغرى" كما حلا للمؤرخين أن يصفوها.
ثم توجه الإفرنج بعد ذلك شمالا، في اتجاه منطقة الجليل في فلسطين، فاحتلوا بيسان وطبريا والناصرة، وأنشأوا فيها تحصينات قوية وأقاموا حاميات عسكرية.

وبعد أن تم للإفرنج توطيد أقدامهم في تلك المناطق، توجهوا نحو الساحل، لتحقيق هدفين استراتيجيين، الأول تمكين اتصالهم البحري بأوروبا، وثانيها قطع الصلة بين العالم العربي وفلسطين.
ووضع الإفرنج خطتهم للاستيلاء على أرسوف-شمال يافا-(كانون الأول 1099) ولكن هذا الثغر العربي لم يكن هدفا سهل المنال، فقد أخفقت الحملة، وارتدت على أعقابها خائبة، فقد دافع الأهلون عن مدينتهم دفاعا باسلا…جعل لأرسوف مقاما مرموقا في التاريخ.

وترصد الإفرنج لأهالي أرسوف قرابة شهرين، وهم يشنون عليهم غارات متوالية حينا بعد حين، إلى أن خرج المزارعون من هذه المدينة الباسلة للعمل في أراضيهم، ولم تكن معهم إلا معاولهم، فانقض عليهم الإفرنج وأسروهم وانتقموا منهم انتقاما وحشيا بالغا، فقطعوا أنوفهم وأقدامهم وأيديهم…..وهذا ما أثبتته المصادر الغربية قبل العربية .

وعاد الإفرنج إلى مناطق الجليل مرة ثانية، فسيطروا على إقليم السواد شرقي بحيرة طبريا، وكان هذا الإقليم تابعا لدمشق، و وقعت بين الإفرنج والأهلين مناوشات متعاقبة، وأنزل الإفرنج بالقرى والمزارع المجاورة خسائر فادحة، حتى توغلوا في الجولان، واقتربوا من دمشق نفسها. وجولان الماضي تذكرنا بجولان الحاضر!!

وكانت أخبار هذه المعارك التي خاضها الإفرنج لاحتلال فلسطين بأسرها، بعد أن فتحوا بيت المقدس، تتجاوب في أرجاء العالم العربي فتهزه هزاً عميقا، وتبعث في نفسه كل مشاعر الحزن والغضب وراح الشعراء في الوطن العربي يندبون سقوط بيت المقدس، وينعون على حكامهم تقاعدهم عن الجهاد.


وكانت النقمة، أشد النقمة، على الخلافة الفاطمية في القاهرة، فقد كانت البلاد من غزة حتى نهر الكلب شمالا تحت حكم الفاطميين.

وأخيرا تحرك الفاطميون، إزاء النقمة العارمة، وخرج الوزير الفاطمي، الأفضل، على رأس جيش لمقاتلة الإفرنج، ووصل إلى عسقلان في شهر آب 1099، وكان ذلك بعد أن استولى الإفرنج على بيت المقدس بثلاثة أسابيع، أي "بعد أن فات الأمر" كما عبر المؤرخ العربي. وهو مماثل للتعبير الشعري:

وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل ..

ذلك أن الحب والحرب سواء بسواء، ..كلاهما له أوانه وزمانه"!!
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 03-01-2009, 08:22 PM   #7
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

ولعل الوزير الأفضل قد عاد بذاكرته، عامين إلى الوراء، حين كان يفاوض الإفرنج للمرة الأولى، وهم يحاصرون إنطاكية، فأرسل يعاتبهم على احتلال بيت المقدس، ولم يكن من التاريخ العربي إلا أن يسخر منه، كما يسخر من حكام هذا الزمان، فقال "إن الأفضل قد أرسل رسولا إلى الإفرنج يوبخهم على ما فعلوه"….كأن التوبيخ والاستنكار والاحتجاج يرد المعتدي عن عدوانه.

ولكن الإفرنج، لم يتركوا جيش الأفضل يعود أدراجه إلى مصر، فجمعوا قواتهم وهاجموه عنيفا، ودارت معركة حامية بين الطرفين كانت الغلبة فيها للإفرنج…وتشتت شمل الفاطميين، حتى "أن بعضهم لم يجد نجاة إلا في البحر، فألقوا بأنفسهم فيه وغرقوا، واحتمى البعض الآخر بشجر الجميز، وكان هناك كثيراً فأحرق الإفرنج بعض الشجر حتى هلك من كان فيه". أما الوزير الأفضل فقد هرب إلى عسقلان ومعه بعض رجاله , وركبوا سفينة وهربوا الى مصر بحرا، وهكذا وصف التاريخ العربي تلك الهزيمة العربية .

وكان طبيعيا أن تحل الهزيمة بالفاطميين، فقد كانوا كحكام هذا الزمان، يحسنون الظن أمام العدو، ولم يجد المؤرخ العربي في وصف تلك المأساة إلا أن يقول "…….تمكنت سيوف الإفرنج من المسلمين، فأتى القتل على الراجل والمطوعة وأهل البلد، وكانوا زهاء عشرة آلاف نفس، ونهب العسكر. وهكذا تكون عاقبة الذين يحسنون الظن بالأعداء، يفاوضونهم متهافتين، وإذا حاربوا، يحاربونهم متخاذلين!!
وسقطت هيبة الفاطميين، ولم يستشعر أهل البلاد أن لهم أملا في الخلافة الفاطمية في القاهرة أن تحميهم، ولم يبق أمام الإفرنج إلا أن يتوجوا انتصاراتهم في سائر أنحاء البلاد، بأن يعلنوا في بيت المقدس، قيام المملكة وتسمية الملك.

وفي عيد الميلاد، في كانون الأول من عام 1099، كانت كنيسة العذراء في بيت لحم تدق أجراسها، فرحا وابتهاجا، بتتويج أمير الإفرنج بلدوين، أول ملك على بيت المقدس، يتبعه بعد ذلك ثمانية عشر ملكا، آخرهم هنري الثالث.... والشعوب العربية غامضة مذهولة، والملوك والخلفاء يتوارثون العروش في قصورهم الباذخة…واحداً بعد واحد...

وأدرك بلدوين أن "مملكته" لا تزال تحت رحمة "جيوب" عربية قائمة على ساحل فلسطين، أهمها قيسارية، وأرسوف، وكان الأهلون يقومون بغارات باسلة على مواقع الإفرنج القريبة منهم، ويكبدونها خسائر فادحة . ذلك أن الشعب يظل دوما يقاوم الاحتلال حتى ولو كان حكامه سادرين في الضلالات والجهالات.

ولهذا فقد عزم بلدوين على أن يضرب مقاومة الشعب في عقر دارها، فوجَّه حملة إلى قيسارية وأرسوف، وكان قد وصل إلى حيفا أسطول بحري من جنوة (آذار سنة 1101) محمل بالمؤن والعتاد…واستطاع الإفرنج، ما لم يقدروا عليه في الماضي، فاستولوا على قيسارية وأرسوف، وأعملوا السيف في رقاب الأهلين، حتى أن المراجع التاريخية الأوروبية ذكرت أن الإفرنج قد ارتكبوا مذبحة بالغة الوحشية في قيسارية، فقتلوا كثيراً من أهلها الأبرياء، ولم يتركوا شيئا إلا نهبوه…وعندما احتمى الأهالي بجامع المدينة لحق بهم الإفرنج وذبحوهم داخل الجامع عن آخرهم، دون أن يفرقوا بين الرجال والنساء والأطفال، وتحول الجامع إلى بركة من دماء قتلى المسلمين.

ووصلت أنباء هذه الفواجع والمذابح، إلى أرجاء العالم العربي، وضج الناس ينددون بالحكام أجمعين، وأحس الفاطميون في القاهرة بأن الأبصار الغاضبة تتجه إليهم، وأن أصابع الاتهام تكاد تفقأ عيونهم.
فشرعوا يعدون العدة للقيام بحملات عسكرية ضد مواقع الإفرنج في فلسطين.

وحدثت أربع معارك ..

انتهت إلى أربع هزائم…


وكانت المعارك في ربيع 1101، وكان قائد الفاطميين صاحب لقب آخر ينتسب إلى الدولة، "سعد الدولة القواسي"، وقد تجمعت الحملة المصرية، بعد اجتيازها سيناء، عند عسقلان….وقضى الجيش الفاطمي عدة أشهر من غير قتال ولا يزال ينتظر المدد من الفاطميين…ثم اتجه إلى الرملة حيث يستطيع منها أن يضرب مواصلات الإفرنج في يافا، ويزحف على بيت المقدس.
وسارع الإفرنج بقيادة مليكهم، ولم تكن قوتهم تتجاوز مائتين وستين فارسا، وتسعماية من المشاة، تقابلها قوات كبيرة من الجيش الفاطمي.
وفي صباح السابع من شهر أيلول التقى الجيشان، وشهدت سهول الرملة معركة قاسية بين الفريقين، انتصر فيها الإفرنج، وانهزم الفاطميون وقتل منهم عدد كبير، وفر الباقون في اتجاه عسقلان، وقُتل القائد سعد الدولة القواسي، ولحق الإفرنج بالمسلمين وظلوا يطاردونهم حتى أسوار عسقلان، وغنم الإفرنج أموالا كثيرة وعِددا وفيرة.

وقد تملك الحزن ابن الأثير، كما تملكنا اليوم، فلم يجد في وصف تلك المعركة، إلا أن يقول أربع كلمات وحرفا واحدا ...

فملك الفرنج جميع ما للمسلمين .

ووقعت المعركة الثانية، في السنة الثانية-أيار 1102-ذلك أن الهزيمة التي حلت بالفاطميين قد انتشرت أخبارها، وأصبح الناس يتندرون بها، ويسخرون من حكامهم، فجدد الوزير الأفضل الحملة مرة ثانية، في محاولة لإزالة آثار العدوان حسب تعبير هذا الزمان.

ووصلت الحملة إلى الرملة، فهي ساحة المعارك التي يفصل فيها بين النصر والهزيمة، وكانت هذه المعركة بعد عام من المعركة الأولى، ففي ربيع 1102، وصلت قوات الفاطميين إلى عسقلان ومنها اتجهت إلى الرملة واللد ويازور، وكما في الحملة السابقة، فقد كان الهدف الاستيلاء على يافا لقطع الشريان بين أوروبا ومملكة الإفرنج في بيت المقدس.

ودارت رحى الحرب بين الفريقين، وانهزم الإفرنج في المرحلة الأولى من الحرب، وكاد الملك بلدوين أن يسقط في المعركة، فقد "اختفى في أجمة قصب، فأحرقها المسلمون ولحقت النار ببعض جسده وفر إلى الرملة" وسقطت الرملة في يد المسلمين ولكن لبضعة أيام…..
غير أن الإفرنج كانوا أكثر تنظيما وأحسن تنسيقا، فدرات الدائرة على الفاطميين، وألحق بهم الإفرنج هزيمة ساحقة، وظلوا يطاردونهم حتى وصلوا إلى عسقلان…و كانت الهزيمة الثانية.

ووقعت المعركة الثالثة حول أسوار عكا، وهي المدينة التاريخية الشهيرة، وكانت عكا بحكم مركزها الجغرافي مفتاح ديار الشام، مَنْ ملكها فقد ملك ديار الشام، حسب تعبير المؤرخين الإفرنج والعرب….ودارت هذه المعركة، متقطعة عبر عامين متعاقبين.

وكان أن بدأت المعركة في ربيع عام 1103، بأن قام الملك بلدوين بمحاصرة المدينة، ولكنه لم يستطع الاستيلاء عليها لمناعة حصونها واستبسال أهلها في الدفاع، مع أن بلدوين حسب قول ابن الاثير، "ضيق عليها وكاد يأخذها"…ولكنه اضطر إلى أن يرفع الحصار عنها ونكص على أعقابه.

وأطل حزيران مرة أخرى، وأطلت معه الهزيمة ….ففي الأول من حزيران من عام 1104 عاد الملك بلدوين إلى عكا وضرب عليها الحصار مرة ثانية، وكان حاكم عكا في تلك الفترة زهر الدولة الجيوشي، فلم يستطيع الصمود أمام الحصار، "وقاتل حتى عجز" وهو أبلغ تعبير خلفه لنا التاريخ العربي عن أنباء تلك المعركة الطاحنة.

وسقطت عكا، وأصبح مفتاح ديار الشام في يد الإفرنج!!

وكانت المعركة الرابعة وهي آخر معركة كبرى في تلك الحقبة، في صيف 1105، وقد وقعت هذه المعركة في سهول الرملة، حيث التقت قوات الفاطميين بالإفرنج وكانت نتيجتها، أن حلت الهزيمة بالفاطميين وتمزقت قواتهم شر ممزق.

وهكذا فقد انتصر الإفرنج على العرب في أربع معارك خلال أربع سنوات (1101-1105) وكانت الهزيمة الكبرى على أسوار عكا، وفي شهر حزيران…شهر الهزائم و الأحزان.

لماذا انهزمنا في المعركة تلو المعركة…والأمة العربية قبل ثلاث قرون من تلك الهزائم قد حققت انتصارات باهرة ؟

الأسباب أولا: إن إقليم الجليل كان موضع نزاع بين دقاق ملك دمشق، والخلافة الفاطمية في القاهرة، أهو تابع للقاهرة أم لدمشق.
وبسبب هذا الخلاف، خرج هذا الإقليم من سلطة حكام القاهرة، ودمشق معا، واستولى عليه الإفرنج بسرعة فائقة، ونزح عن أهله كما نزحوا عنه اليوم، على رغم قلة المقاتلين الإفرنج….كما أكد هذه الحقيقة أكثر المصادر التاريخية الغربية.

والأسباب ثانيا: إن قادة الفاطميين في معارك الرملة، لم يكونوا متحدين على خطة واحدة، فقد كان الانقسام والانفصال ديدنهم، ومن ذلك ما رواه لنا ابن الأثير من أن قائد القوة البحرية وأميرها "تاج العجم" رفض أن يسند قائد القوة البرية، وأميرها القاضي ابن قادوس، أثناء المعركة….وقد ترك لنا ابن الأثير وصفا مروعا لما دار بين القائد البحري والقائد البري، ووصف لنا كيف رفض تاج العجم معاونة ابن قادوس قائلا له "ما يمكنني أنزل إليك إلا بأمر الأفضل-الوزير بالقاهرة-ولم يحضر عنده ولا أعانه، فأرسل القادوسي إلى قاضي عسقلان وشهودها وأعيانها وأخذ خطوطهم، بأنه أقام على يافا عشرين يوماً، واستدعى تاج العجم فلم يأته ولا أرسل رجلاً.

وليت لنا من يرسم اليوم، كاريكاتوراً لهذه الكوميديا التراجيدية: القوات البحرية تخذل القوات البرية.

ويقول مؤرخ عربي، إكمالا للمأساة، إن الوزير الأفضل قد طلب من شمس الملوك دقاق، ملك دمشق، أن ينجد المسلمين على الإفرنج في تلك المعركة، ولكن شمس الملوك "اعتذر عن ذلك ولم يحضر" وهذا كلام المؤرخ ابن ميسر".

والأسباب ثالثا: إنه في معركة الرملة، كذلك، كان شقيق دقاق ملك دمشق، قد لجأ إلى الملك بلدوين بسبب خلافات عائلية على السلطة، ولما نشبت معركة الرملة قاتل شقيق دقاق، ومعه ماية من رجاله إلى جانب الإفرنج، وظل معهم إلى النهاية، حتى النصر… نصر الإفرنج على المسلمين.

والأسباب رابعا: إن الفاطميين قد تركوا عكا محاصرة، تقاتل وحدها من غير نجدة حقيقية، ويقول مؤرخنا وهو يكظم غضبه ويكتم حزنه عن المعركة مع الإفرنج "وقاتلهم أهل عكا حتى عجزوا، لقصور المادة بهم، وكان أهل مصر لا يمدونهم بشيء، فسلموا (عكا) إليهم (الإفرنج) وقتلوا منهم خلقا كثيرا .

هذه الأسباب وغيرها، كان من نتيجتها أن الأمراء المحليين في فلسطين والشام، لم يجدوا أمامهم إلا أن يجعلوا "هدنة" بينهم وبين الإفرنج ، كاتفاقية الهدنة العربية الإسرائيلية، ووقف إطلاق النار، المعروفة في هذا الزمان.

ويعود المواطن العربي ليسأل في نبرة ونفرة….كيف وقعت الأمة العربية الشجاعة الباسلة فريسة هذه الهزائم؟

والجواب الصادق الأمين، يقدمه لنا الصادقون الأمناء، الثوار الأبرار، وهم المؤرخون المسلمون.
ويقول أبو المحاسن، في سياق كلامه عن سقوط البلاد الإسلامية على يد الإفرنج، في عهد الخليفة الفاطمي، " كان الخليفة متناهيا في العظمة ويتقاعد عن الجهاد حتى استولت الفرنج على غالب السواحل وحصونها في أيامه ….ولم ينهض لقتال الفرنج البتة، وإن كان أرسل مع الأسطول عساكر، فهو كل شيء".
ثم يذهب أبوا لمحاسن، في غضبه وثورته، يصف ملك حلب، فيقول "كان بخيلا شحيحا، قبيح السيرة، ليس في قلبه رأفة ولا شفقة على المسلمين، وكانت الفرنج تناور وتسبي…ولا يخرج إليهم..
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .