|
 |
24-08-2008, 02:15 AM
|
#1
|
عضو مميز
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
|
المقامة العشرين والمعروفة بـ "الفارقية " فان موضوعها الموت, فلا يعرج على تفاصيله سوى بالخطبة واعظ الاعتبار (ص 147- 151).
وفي المقامة الحادية والعشرين, والمسماة بالرازية, "فان الحريري يلبس بطله أبا زيد السروجي لباس الواعظ الديني، متلبسا شخصية فخرالدين الرازي ليعظ الولاة والحكام ص ( 151- 159).
وفي المقامة الثانية والعشرين, المسماة بـ "الفراتية " يصفح الحريري عن ذكر الفولكلور،ويخصصها لصناعة الحساب والانشاء ص 151 : 161 كما أن موضوع المقامة الثالثة والعشرين والمعروفة بـ" المقامة الشعرية " لا يقرب صوب الفولكلور وينحصر في السرقات الشعرية والمناظرات الأدبية (6) راجع 166_178.
فيما يعرج الحريري في المقامة الرابعة والعشرين, والمسماة _ "القطيعية " على موضوع النزهات في الربيع, والسيران في تلك الأوقات / ص 178، كما يذكر عادة دينية - إسلامية سازالت جارية هي "القسم " بتربة الاب الميت (ص 0 18).
وفي المقامة الخامسة والعشرين والمسماة بـ "الكرجية " فانه يطرق الفقر في الشتاء، وما يحتاجه الناس, ويذكر كافاته السبعة، والتي يقول فيها:
" جاء الشتاء وعندي من حوائجه سبع
اذا القطر عن حاجاتنا حبســـا
كن وكانون وكيس وكأس طــلا
بعد الكباب وكسّ ناعـم وكســـأ"
وفي المقامة السادسة والعشرين والمعروفة باسم "الرقطاء" فانه يطرق موضوع سداد الدين وقت العوز (ص 193-202.
وفي المقامة السابعة والعشرين والمسماة _ "الوبرية " فان الحريري يتوقف مليا مع صناعات الصوف اليدوية. من جهة ومن جهة ثانية, يأتي على ذكر القافي وحركته في الظهيرة, (ص 203) وأهمية نومة القيلولة, يقول : (ص 206) "قال, هل لك في أن تقيل, وتتحامى القال والقيل, فإن الأبدان انضاء تعب, والهاجرة ذات لهب, ولن يصقل الخاطر وينشط الفاتر كقائلة الهواجر، وخصوصا في شهري ناجر"وأراد بشهري ناجي تموز وآب ». ولا ينسى الحريري اشارات الدلالة في الطرق المقفرة مثل / الايماء بالثوب (ص 207) ويسميها أهل العراق /الومي/ وهي عادة فولكلورية معروفة مازال أهل الريف يستخدمونها.
وفي المقامة الثامنة والعشرين والمعروفة _ "السمرقندية "فان الحريري, يتناول فيها الموروث الاسلامي في مسألة الاستحمام في يوم الجمعة, يقول (ص 213) "فوافيتها / يقصد سمرقنا/ بكرة عروسة _أي يوم الجمعة _بعد أن كابدت الصعوبة, فسعيت وما ونيت, الى أن حصل البيت, فلما نقلت اليه قندي وملطت قول عندي (7) عجت الى الحمام على الأثر, فأمطت عني وعثاء السفر". وعند حلوله البيت فانه يعود الى مسمياته الشعبية للآنية والحوائج, فيقول (ص 218) : «وحين انتشر جناح الظلام, وحان ميقات المنام, أحضر أباريق المدام, معكومة بالفدام " ومعكومة أي مشدودة, ما يوضع في فم الابريق ليصفي ما فيه من الفدم, وهو السد (8) وأهل العراق يستعملونه من الليف.
وفي المقامة التاسعة والعشرين, والمعروفة بـ "الواسطية " نسبة الى واسط في العراق, فان الحريري, يتناول فيها عادات الناس في البيع والشراء داخل السوق (ص 20لأل ثم يذكر كنيات العجين والخبز، وقد وردت على لسان جار للحارث بن همام حيث يقول (ص 220- 221) "حتى سمعت جاري بيت بيت, يقول لنزيله في البيت, قم يا بني لا قعد جدك ولا قام ضدك, وا ستحصب ذا الوجه البدري/ يقصد الرغيف المستدير/ وألوان الذرى / الأبيض / والأصل النقي / الحنطة الجيدة / والجسم الشقي / أي الذي كتب عليه الشقاء من الطحن والعجن والخبز في النار / الذي قبض ونشر/ أي المأخوذ من العنبار _المخزن _ونشر في الشمس / وسجن وشهر/ أي أدخل في الرحى وأخرج منها/ وسقي وفطم / أي أضيف اليه الماء أثناء العجن ثم منع منه عند الخبز/ وأدخل النار بعدما لطم أي وضع في التنور وضرب باليدين / ثم أركض الى السوق ركض المشوق, فقايض به اللاقح الملقح /يعني حجر الزناد المفسد/ المصلح يعني يحترق ويستفاد من حرقه المكمد المفرح يقصد المخزن / المهنئ المروح / أي المتعب والمبلغ الراحة /ذا الزفير المحرق / يقصد ما يخرج من النار عند قدحه له, والجنين المشرق /كناية عن الشرر المضيء واللفظ المقنع والنيل الممتع من القناعة والعطاء المريح الذي اذا طرق رعد وبرق, وباح الحرق, ونفث في الخرق / أي عملت النار به /. أنظر كيف يكني الحريري الخبز، وكيف يصفه في مراحل صنعه, وكل هذه العملية لأجل مقايضة رغيف خبز واحد بحجرة القدح / راجع ص222.
ثم يذكر المهر والزواج على أساس ما سنه الرسول محمد صلى الله علية وسلم يقول (ص 223) : "الا أنهم لو خطب اليهم ابراهيم بن أدهم أو جبلة بن الأيهم (9) لما زوجوه الا على خمسمائة درهم, اقتداء بما مهر به الرسول ثنئو زوجاته, وعقد به انكحة بناته, على أنك لن تطالب بصداق ولا تلجأ الى طلاق ".
وبعد اعداد مراسيم الزواج, ينبري أبوزيد السروجي بخطبة عصماء، يضمنها المواعظ الدينية والأمور الاعتبارية (ص 226- 227), يتم عقد الزواج بخمسمائة درهم, يلتفت الى الحارث ويقول له : "بالرفاء والبنين " ثم احضر الحلواء التي كان اعدها, وأبدى الآ بدة عندها، وكدت أهوى بيدي اليها, فزجرني عن المؤاكلة وأنهضني للمناولة ". وهذه أحدى العادات والتقاليد التي يتوجب الالتزام بها الرجل _الزوج بعد عقد القران. كما أن هناك اشارة الى زواج الضرتين (ص 229).
وعند المقامة الثلاثين المعروفة بـ"الصورية " نسبة الى "صور اللبنانية "الأن, فان الحريري يتعرض الى موضوعة الزواج ثانية, ولكن عند فئة أخرى من الناس هم "المكديون " يشرح مباهج احتفالاتهم بمصر, بعد أن رحل عن صور, يقول (ص 232- 233) : "فبينما أنا يومها بها أطوف, وتحتي فرس تطوف, اذ رأيت على جرد من الخيل عصبة كمصابيح الليل, فسألت لانتجاع النزهة, عن العصبة والوجهة فقيل أما القوم فشهود، وأما المقصد فملاك مشهود/ أي أن هناك زفة عرس "/ يستأنف الحارث بن همام قوله : "فحدثني ميعة النشاط,, على أن سرت مع الخراط Il فوز بحلاوة اللقاط /" هنا يبرز مظهر فولكلوري آخر هو نثر الملبس والحلوى والرز على العروس وهي في طريقها الى بيت العريس, وهي عادة موروثة مازالت قائمة حتى اليوم. ثم يعرض الحريري مواصفات الدار التي يتم بها الزفاف وما حوته من نمارق وأرائك منقوشة وطنافس مفروشة ومجوف مرصوفة وغيرها (ص 234). ثم يذكر خطبة الزواج - ضمن أعراف المكديين, مضمنها شرائع الدين (ص 236)، حتى يجهز بقيمة المهر عندهم, يقول : (ص 237) "وقد بذل لها من الصداق شلاقا/ هو شبه المخلاة / وعكازا وصقاعا/ هو رداء المكدي / وكرازا / هو كوز ضيق العنق /" وهنا يلاحظ أن الحريري كان دقيق المشاهدة عميقها، حيث إنه يذكر زواج المكديين ومهورهم تتم بتبادل وتهادي أشيائهم الخاصة بالشحاذة والكدية, كعرف خاص بهم, وهي التفاتة واعية ونادرة, ثم يشرح خطبة الزواج عندهم وفق عرفهم واعتقادهم, يقول (ص 237) : "فانكحوه انكاح مثله, وصلوا حبلكم بحبله, وان خفتم عليا فسوف يفنيكم آت من فضله, أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم وأسأله أن يكثر في المصاطب نسلكم, ويحرس من المعا طب شملكم, قال, فلما فرغ الشيخ من خطبته, وأبرم للحتم عقد خطبته, تساقط من النشار ما استغرق حد الاكثار، وما أغرى الشحيح بالايثار»، هذا الاستبيان يبرز مظاهر العرس وعقد النكاح وكيفية نثر الدراهم والملبس والفواكه على العروس بعد عقد القران, وهو أمر يشير الى أن مختلف الفئات الاجتماعية تحيي هذه المراسيم والعادات في مثل هذه المناسبات, وكل ضمن دائر ته ومحيطه الاجتماعي.
ولا يتوقف الحريري في المقامة الحادية والثلاثين,والمسماة _ "الرملية " عند الفولكلور. الا أنه يمر مر الكرام في المقامة الثانية والثلاثين والمعروفة بـ "الطيبة » يذكر بعض أواني الدار، ويطلق عليها اسم "أساود الدار" ص 263، وهي الآلات المستعملة كالاجانة والقدر والجفنة.
وفي المقامة الثالثة والثلاثين والمعروفة _ "التفليسية " يصفح عن الفولكلور ويتناول موضوع _ الحيلة بمرض الفالج (268-273).
وفي المقامة الرابعة والثلاثين والمسماة – "الزبيدية " يتناول الحريري موضوع بيع العبيد في سوق زبيد - باليمن - لكنه يذكر عادة فولكلورية قميئة هي (الضراط بواسطة كف اليد) وهو ما يعرف اليوم عند أهل بغداد بـ "الزيج " وأهل اليمن مازالوا يستعملونها (10) وقد وردت في "المقامات " على النحو التالي. وعلى لسان الحارث بن همام : (ص 282)"فقلت أنسيت أنك احتلت وحكت, وفعلت فعلتك التي فعلت, فأضرط بي متهازيا".
وفي المقامة ( 35الشيرازية) و(39الملطية) و(37 الصعدية), فإن الحريري يختار مواضيع مختلفة, ليس للفولكلور فيها نصيب, وكذلك المقامة (38والمعروفة بـ المروية) فإنه يتجاهل الفولكلور,لكنه يعرج على عادة الفأل وزجر الطير (ص 707.
|
|
|
24-08-2008, 02:16 AM
|
#2
|
عضو مميز
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
|
وفي المقامة التاسعة والثلاثين والمسماة "العمانية " فإن الحريري يطرق موضوعا فولكلوريا بحتا, هو "العرافة والتطبب " اضافة الى ايراد بعض أسماء الآنية البيتية, كالزنبيل, وكلك يذكر - العوذة - أو الرقية, والحرز، (ص 314)، ثم انه يلبس أبا زيد السروجي لباس احراق الكافي والو صاف الشافي (ص 317) ثم يذكر _ النذور _ وكيفية نذرها وأسبابها، لاسيما عند النساء العقم (ص 317). ثم يصف كيفية كتابة "عزيمة الطلق " للمرأة المعسرة, قال (ص 318): "فاستحضر قلما بديا، وزبدا بحريا، وزعفرانا قد ديف في ماء ورد نظيف, فما إن رجع النفس حتى أحضر ما التمس, فسجد أبوزيد وعفر وسبح واستغفر، وأبعد الحاضرين ونفر، ثم أخذ القلم واسحنفر (أي أسرع) وكتب على الزبد المزعفر.
أيهذا الجنين اني نصيح لك والنصح من شروط الدين
أنت مستعصم بكن وكنين وقرار من الشكون مكين
ما ترى فيه ما يردعك من الف مداج ولا عدو مبين
فمتى برزت منه تحولــت الى منزل الاذى والهون
وتراءى لك الشقء الذي تلقي فتبكي له بدفع هتون
فاستدم عيشك الرغيد وحاذر ان تبيع المحقوق بالمظنون
واحترس من مخادع لك يرقيك ليلقيك في العذاب المهين
ولعمري لقد نصحت ولكن كم نصيح مشبه بظنين
ثم انه طمس المكتوب على غفلة وتفل عليه مائة تفلة وشد الزبد في خرقة حرير، بعدما ضمخها بعبير، وأمر بتعليقها على فخذ الماخض والا تعلق بها يد حائض (ص 319).
هذه العادات والتقاليد مازال كثير من الشعوب العربية يتعاملون بها، لاسيما عند أهل البوادي والأرياف, لذلك يكون للسحر والشعوذة أثر واضح, وما الرقية الشعرية أعلاه الا دليل على _ الترهات _ التي تنطلي على عديمي المعرفة, لكن الحريري ضمنها بعبارات اصلاحية _ تربوية, واعظة وينفس الوقت رسم لنا صورة "فتاح الفأل » وشعوذاته وطرائق مسلكيته.
وفي المقامة الأر بعين والمسماة بـ "التبريزية " فان يتطرق في ثناياها الى السب والشتم والتخاصم بين الزوج والزوجة وتنابزهما بالالقاب المشينة كجزء من عادات شرقية, مازالت قائمة حتى اليوم, عند بعض الشعوب, اسمع ماذا يقول (ص 324) : "وقال لها ويلك, يا دفاع، يا فجار، يا غصة البعل والجار، أتعمدين في الخلوة لتعذيبي وتبدين في الحفلة تكذيبي،وقد علمت أني حين بنيت عليك ورنوت اليك, ألفيتك أقبح من قردة, وأيبس من قدة, وأخشن من ليفة, وأنتن من جيفة, وأثقل من هيضة, وأقذر من حيضة, وأبرز من قشرة وأبرد من قرة, وأحمق من رجلة, وأوسع من دجلة فسترت عوارك "(11).. بعد هذا الكيل من النعوت الجارحة من قبل الزوج _ وهو هنا أبوزيد السروجي _ ترد الزوجة عليه بعبارات ألذع ومعان أوجع, تقول (ص 325) : "يا ألأم من مادر, وأشأم من, قاشر، واجبن من ظافر, واطيش من طامر(12)، اترميني بشنارك, وتفري عرضي بشفارك (أي سكاكينك) وأنت تعلم أنك أحقر من قلامة, وأعيب من بغلة أبي دلامة, وأفضح من حبقة (ضرطة) في حلقة وأحير من بقة في عقة ", وهكذا يرسم الحريري في هذه المقامة تلك المشاهد الاجتماعية الحية والماثلة حتى اليوم.
وفي المقامة الحادية والأربعين والمعروفة _ "التنيسية " يتجاوز الحريري الفولكلور الشعبي الى التراث الديني، فالمقامة تحكي عن جمع التبرعات بالدعاء (ص 332- 338).
وفي المقامة الثانية والأربعين والمسماة بـ "النجرانية " يستفيض الحريري أيما استفاضة في الموضوعات الفولكلورية, حيث أنه يظهر تلك الموضوعات بقالب فني رفيع المستوى، صقيل السبك والنحوى، مازجا بين هذه الموضوعات الشيقة وبين الأدب ويعرضها بشكل الغاز أدبية - فكرية ذات نسيج اجتماعي - معرفي دقيق اضافة الى أنه يذكر بعض الملابس الشعبية مثل "الهدم " وهو العباءة الخفيفة المنسوجة من الصوف حصرا (ص 339)، ثم يبرز أبا زيد السروجي في ذلك "الهدم » وهو يتطارح الألفان، ويقول (ص 341) : وهو يلفز في مروحة الخيش.
وجارية في سيرها مشمعلة ولكن على اثر المسير قفولها
لها سائق من جنسها يستحثها على أنه في الاحتثاث رسيلها
ترى في أوان القيظ تنظف بالندى ويبدو اذا ولى المصيف قحولها
|
|
|
24-08-2008, 02:18 AM
|
#3
|
عضو مميز
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
|
من هذه المروحة, أو المهفة بالاصطلاح الشعبي، ينتقل الى آلة شعبية أخرى، ويدوية أيضا هي (حابول النخل) ويسميه أهل العراق بعدة تسميات منها (الصاعودة والغروند) عند أهل الجنوب والفرات الأوسط.، و"التبلية "عند أهل الوسط وخصوصا أهل بغداد, يقول اللغز (ص 341).
ومنتسب الى أم تنشأ أصلة منها
يعانقها وقد كانت نفته برهة عنها
به يتوصل الجاني ولا يلحى ولا ينهى
ومن (حابول النخل) يعرض صوب القلم بالتلغيز (ص 341), الى أن يتوقف عند "الميل " الأداة الرئيسية في تكحيل العين, ويسميه أهل العراق (المرود) يقول في اللغز (ص 342).
وما ناكح أختين قهرا وخفية وليس عليه في النكاح سبيل
متى يغش هذي في الحال هذه وان مال بعل لم تجده يميل
يزيدهما عند المشيب تعهدا وبرا وهذا في البعول قيل
ومن الميل ينزل صوب "الدواليب " أو ما تعرف بـ "النواعير»، تلك الالات القديمة التي يستسقي بها (13) يقول في ذلك ملغزا : (ص 342).
وجاف وهو موصول وصول ليس بالجافي
غريق بارز فأعجب له من راسب طاف
يسح دموع مهضوم ويهضم هضم متلاف
وتخشى منه جدته ولكن قلبه صاف
ثم تستثير الأواني الفخارية, وما يركب عليها من "المزملات " القصبية أو الفضية فيغازلها بلغزه قائلا (ص 343).
ومسرورة مغمومة طول دهرها وما هي تدري ماالسرور وما الغم
تقرب أحيانا لأجل جنينها وكم ولد لولاه طلقت الأم
وتبعد أحيانا وماحال عهدها وأبعاد من لم يستحل عهده ظلم
اذا قصر الليل استلذ وصالها وان طال فالاعراض عن وصلها غنم
لها ملبس باد أنيق مبطن بما يزدري لكن لما يزدري الحكم
ثم يلتفت الحريري ,الى "ميزان الذهب " وكان يسمى وقتذاك _ "الطيار" فيوصف جماله ودقته ويورد ذلك في اللغز, أيضا : (ص 344- 345).
وذي طيشة مائل وما عابه بهما عاقل
يرى أبدا فوق علية كما يعتلي الملك العادل
تساوي لديه الحصار والنضار وما يستوي الحق والباطل
وأعجب أوصافه أن نظرت كما ينظر الكيس الفاضل
تراضى الخصوم به حاكما وقد عرفوا أنه مائل
وفي المقامة الثالثة والأربعين والمعروفة _ "البكرية " يميل الحريري الى ذكر مواصفات النساء, ولكنه يتجاوز ذلك الى القيافة والعرافة والفراسة, من خلال سوق الجمال,ونداءات باعة النوق (ص 351-352) ثم يستكمل الصورة بايجاد "حالة خلاف" في "حضرموت " بين بائع الناقة (المنادي) وصاحبها الأصلي - أبوزيد السروجي - والذي فقدها في أحدى رحلاته, فيتقاضيا عند "العارفة " وهو _ القاضي العرفي _ ويسميه الحريري - قاضي الحي - وينقل الصورة الفولكلورية على النحو التال (ص 352- 353) : «قال, فأخذت بتلابيبه, وأصدرت على تكذيبه, وهممت بتمزيق جلابيبه، وهو يقول : يا هذا ما مطيتي بطلبك فأكفف عني من غربك, وعد عن سبك, وإلا فقاضني الى حكم هذا الحي, البريء من الغي، فإن أوجبها لك, فتسلم, وان واها عنك فلا تتكلم " هنا وضعنا الحريري أمام تلك التقاليد القبلية والاعراف السائدة في تلك الربوع, ليوضح لنا كيفية حل التنازعات والخلافات, يستأنف الحديث : "قال, فلم أر دواء قصتي، ولا ساغ غصتي، إلا أن أتى الحكم, ولو لكم, فانخرطنا الى شيخ ركين النصبة, أنيق العصبة, يؤنس منه سكون الطائر، وان ليس بالجائر (انظر مواصفات الشيخ) فاندرأت أتظلم وأتألم, وصاحبي مرم لا يترمرم, حتى اذا نثلت كنانتي, وقضيت من القصص لبناتي، أبرز نعلا رزينة الوزن, محذرة لمسلك الحزن وقال : هذه التي يفت واياها وصفت, فان كان هي التي أعطى بها عشرين, وما هو من المبصرين, فقد كذب في دعواه وكبر ما افتراه, اللهم الا أن يمد قذاله, ويبين مصداق مقاله, فقال الحكم : اللهم غفرا، وجعل يقلب النعل بطنا وظهرا، ثم قال : أما هذه النعل فنعلي وأما مطيتك ففي رحلي, فانهض لتسلم ناقتك وافعل الخير بحسب طاقتك ".
ومن هنا يتبين لنا شكل المرافعة العرفية وكيف تطور الحكم بعد ثبوت الأدلة, بحيث أن قرار "الفريضة " كان دقيقا وحازما وأعطى الحق لأصحابه, ورضي الطرفان بذلك.
وفي المقامتين 44و45(الشتوية والرملية) يصفح الحريري عن ذكر الفولكلور فيما يمر به مر الكرام في المقامة (46) والمعروفة باسم "الحلبية "حيث يذكر بعض رقاعات أهل حمص والألقاب العالقة بهم وبشكل متفرق (ص 385-393).
يبدو أن الحريري تستهويه عادات الشعوب فهو يركز عليها كثيرا، ففي المقامة السابعة والأربعين والمعروفة بـ "الحجريه " نسبة الى "حجر اليمامه "(14) يتطرق الى موضوع "الحجامة " يقول في مستهل المقامة (ص 397) : (حكى الحارث بن همام قال : "احتجت الى الحجامة وأنا بحجر اليمامة, فأرشدت الى شيخ يحجم بلطافة ويسفر عن نظافة, فبعثت غلامي لاحضاره, وأرصدت نفسي لانتظاره " وبعد ذلك الانتظار يأتي الحجام, ويبدأ الحريري يصف هيئته وطريقته في العمل وأدواته وعدته, يقول (ص 399) "رأيت شيخا هيئته نظيفة, وحركته خفيفة, وعليه من النظارة أطواق, ومن الزحام طباق, وبين يديه فتى كالصمصامة (15), مستهدف للحجامة ». ثم يذكر - بمساجلة لطيفة - بين الحجام وغلامه _ أم من الحجامة في الجسم, يقول (ص 400) :" فقال الشيخ, يا ويلة أبيك وعولة أهليك, أأنت في موقف فخر يظهر، وحسب يشهر، أم موقف جلد يكشط, وقفا يشرط, وهب لك البيت, كما ادعيت, أيحصل بذلك حجم قذالك "، ثم ينتقل بالخصام الى تعداد مثالب الحجام, والتنابز بالألقاب, كي يذكر الأمثال والصفات التي تعلق بمهنة الحجامة, يقول الغلام لشيخه الحجام (ص 402- 403) "فان يكن سبب نعتك, نفاق صنعتك, فرماها الله بالكساد, وافساد الحساد، حتى ترى أفرغ من حجام ساباط, وأضيق رزقا من سم الخياط, فقال له الشيخ : بل سلط الله عليك بثر الغم, وتبيع الدم, حتى تلجأ الى حجام غطيم الاشتطاط, كليل المشراط, كثير المخاط والضراط ". اذن هناك صفات وثغرات ومثالب, دائرة مفرداتها في قاموس الحجامة, ومتعارف عليها ومتداولة فيما بينهم ذكر الحريري قسما منها.
وفي المقامة الثامنة والأربعين, والمسماة "الحرامية " وهي أول مقامة يصنفها الحريري، فانه يذكر فيها حنينه الى البصرة وحاراتها (ص 408- 417).
وفي المقامة التاسعة والأربعين والمعروفة _ "الساسانية " يصف الحريري حيل المكديين وذكر لبعض الصناعات (ص 419)، ويتوقف عند كنايات الطيور وصفاتها، وكيف تضمنتها الأمثال العربية, يقول السروجي في معرض حديثه في الوصية لابنه وهو متلبس حالة المكدي (ص 422) : "ثم أبرز يا بني في بكور أبي زاجر (الغراب) وجرأة أبي الحارث (الأسد) وحزامة أبي قرة (الحرباء) وختل أبي جعدة (الذئب) وحرص أبي عقبة (الخنزير) ونشاط أبي وثاب (الظبي) ومكر أبي الحصين (الثعلب) وصبر أبي أيوب (الجمل) وتلطف أبي غزوان (الهر) وتلون أبي براقش (طائر متلون يشبه القنفذ, أعلاه أغبر، وأوسطه أحمر وأسفله أسود، اذا نفش ريشه تلون). ومن ثم يعرض بوصيته تلك الى بعض العادات السارية عند نشطاء الناس, يقول (ص 423) : "وامتر الضرع قبل الحلب ( أي أمسحه)... وأشحذ بصريتك للعيافة, وانعم نظرك للقيافة, فان من صدق توسمه طال تبسمه, ومن أخطأت فرأسته, أبطأت فريسته ".
ويختم الحريري مقاماته بالمقامة الخمسين, ويعطيها اسم "البصرة " وفاء لها باعتباره أحد أبنائها, ذاكرا مناقب علمائها وأهلها (ص 426- 441).
وهكذا أظهر لنا الحريري في موسوعته المعرفية / المقامات / كل هذه المظاهر الفولكلورية في القرن السادس الهجري.
الهوامش
1- انظر رسالته / الاعتراض على الحريري في مقاماته (ص 3) والمنشورة بذيل كتاب المقامات / طبعة البابي الحلبي الثالثة _ مصر 1369هـ /1950م والتي اعتمدنا عليها في هذه الدراسة.
2- ياقوت الحموي / معجم البلدان 1 /7 38_ مادة «برقعيد» طبعة دار صادر _بيروت
3- هي مدينة حسنة بين الري وهمذان _ معجم البلدات 2/ 179_ مادة "ساوة ".
4- أذكر بطفولتي, أن أمي _ رحمها الله.. كانت تقدم لنا هذه المادة اللذيذة «الألبا " شرط أن نكون قد نجحنا في المدرسة, وهذه الألبا. حولية تقدم في مواسم توالد الغنم بفصل الربيع
5- انظر_ اللسان _مادة "عيم ".
6- لنا دراسة أخرى عن موضوع «المناظرات الأدبية في مقامات الحريري» ستصدر ضمن كتاب / مقالات في أدب الحريري/,
7- قول "عندي" يقصد به "عندي كذا وكذا, أي معي أو في بيتي".
8- اللسان _مادة _ فدم.
9- ابراهم بن الأدهم _ يضرب به المثل في الزهد _ و جبلة بن الايهم, آخر ملوك الغساسنة في الشام.
10 - في عام 1979_ 1981-عشت مع أهل اليمن في محافظتي عدن وأبين, وشاهدت هذه العادة الفولكورية شائعة عندهم, وكذلك مازالت موجودة عند أهل العراق ويسمونها« العفاط, أو _ الزيج ".
11- راجع معاني تلك المفردات في "المقامات " ص 324في الحواشي.
12- راجع عن هؤلاء, شروح الشراح على المقامات » ص 325 الحواشي.
13- راجع _التاج واللسان _ مادة "دلب ».
14- معجم البلدان 2/ 221 مادة "حجر».
15- الصمصامة = كنية لسيف عمرو بن معد يكرب الزبيدي
د. خيرالله سعيد
باحث – أكاديمي في شؤون التراث العربي – الاســلامي
said333777@yahoo.com
مشاركاته في النخلة والجيران
العودة الى صفحة مقالات
|
|
|
عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
|
|
قوانين المشاركة
|
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts
كود HTML غير متاح
|
|
|
| |