العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > مكتبـة الخيمة العربيـة > دواوين الشعر

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة فى كتاب حكم تنفيذ القصاص والإعدام بالوسائل الحديث في الفقه الإسلامي (آخر رد :رضا البطاوى)       :: The international justice court (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: نقد تنبيه الأنام على مسألة القيام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال الزراعة المثالية ولعنــة الأدويــة الكيماويــة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: New death (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: قراءة في مقال البروباغاندا الهدوءُ والفتك (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى كتاب إرشاد الأخيار إلى منهجية تلقي الأخبار (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الميسر والقمار فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال لغز زانا الأم الوحشية لأبخازيا (آخر رد :رضا البطاوى)       :: Can queen of England? (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 04-08-2008, 01:48 AM   #1
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي


بلقيسُ ..
إنَّ زُرُوعَكِ الخضراءَ ..
ما زالتْ على الحيطانِ باكيةً ..
وَوَجْهَكِ لم يزلْ مُتَنَقِّلاً ..
بينَ المرايا والستائرْ
حتى سجارتُكِ التي أشعلتِها
لم تنطفئْ ..
ودخانُهَا
ما زالَ يرفضُ أن يسافرْ

بلقيسُ ..
مطعونونَ .. مطعونونَ في الأعماقِ ..
والأحداقُ يسكنُها الذُهُولْ
بلقيسُ ..
كيف أخذتِ أيَّامي .. وأحلامي ..
وألغيتِ الحدائقَ والفُصُولْ ..
يا زوجتي ..
وحبيبتي .. وقصيدتي .. وضياءَ عيني ..
قد كنتِ عصفوري الجميلَ ..
فكيف هربتِ يا بلقيسُ منّي ؟..
بلقيسُ ..
هذا موعدُ الشَاي العراقيِّ المُعَطَّرِ ..
والمُعَتَّق كالسُّلافَةْ ..
فَمَنِ الذي سيوزّعُ الأقداحَ .. أيّتها الزُرافَةْ ؟
ومَنِ الذي نَقَلَ الفراتَ لِبَيتنا ..
وورودَ دَجْلَةَ والرَّصَافَةْ ؟

بلقيسُ ..
إنَّ الحُزْنَ يثقُبُنِي ..
وبيروتُ التي قَتَلَتْكِ .. لا تدري جريمتَها
وبيروتُ التي عَشقَتْكِ ..
تجهلُ أنّها قَتَلَتْ عشيقتَها ..
وأطفأتِ القَمَرْ ..

بلقيسُ ..
يا بلقيسُ ..
يا بلقيسُ
كلُّ غمامةٍ تبكي عليكِ ..
فَمَنْ تُرى يبكي عليَّا ..
بلقيسُ .. كيف رَحَلْتِ صامتةً
ولم تَضَعي يديْكِ .. على يَدَيَّا ؟

بلقيسُ ..
كيفَ تركتِنا في الريح ..
نرجِفُ مثلَ أوراق الشَّجَرْ ؟
وتركتِنا - نحنُ الثلاثةَ - ضائعينَ
كريشةٍ تحتَ المَطَرْ ..
أتُرَاكِ ما فَكَّرْتِ بي ؟
وأنا الذي يحتاجُ حبَّكِ .. مثلَ (زينبَ) أو (عُمَرْ)

بلقيسُ ..
يا كَنْزَاً خُرَافيّاً ..
ويا رُمْحَاً عِرَاقيّاً ..
وغابَةَ خَيْزُرَانْ ..
يا مَنْ تحدَّيتِ النجُومَ ترفُّعاً ..
مِنْ أينَ جئتِ بكلِّ هذا العُنْفُوانْ ؟
بلقيسُ ..
أيتها الصديقةُ .. والرفيقةُ ..
والرقيقةُ مثلَ زَهْرةِ أُقْحُوَانْ ..
ضاقتْ بنا بيروتُ .. ضاقَ البحرُ ..
ضاقَ بنا المكانْ ..
بلقيسُ : ما أنتِ التي تَتَكَرَّرِينَ ..
فما لبلقيسَ اثْنَتَانْ ..

بلقيسُ ..
تذبحُني التفاصيلُ الصغيرةُ في علاقتِنَا ..
وتجلُدني الدقائقُ والثواني ..
فلكُلِّ دبّوسٍ صغيرٍ .. قصَّةٌ
ولكُلِّ عِقْدٍ من عُقُودِكِ قِصَّتانِ
حتى ملاقطُ شَعْرِكِ الذَّهَبِيِّ ..
تغمُرُني ،كعادتِها ، بأمطار الحنانِ
ويُعَرِّشُ الصوتُ العراقيُّ الجميلُ ..
على الستائرِ ..
والمقاعدِ ..
والأوَاني ..
ومن المَرَايَا تطْلَعِينَ ..
من الخواتم تطْلَعِينَ ..
من القصيدة تطْلَعِينَ ..
من الشُّمُوعِ ..
من الكُؤُوسِ ..
من النبيذ الأُرْجُواني ..

بلقيسُ ..
يا بلقيسُ .. يا بلقيسُ ..
لو تدرينَ ما وَجَعُ المكانِ ..
في كُلِّ ركنٍ .. أنتِ حائمةٌ كعصفورٍ ..
وعابقةٌ كغابةِ بَيْلَسَانِ ..
فهناكَ .. كنتِ تُدَخِّنِينَ ..
هناكَ .. كنتِ تُطالعينَ ..
هناكَ .. كنتِ كنخلةٍ تَتَمَشَّطِينَ ..
وتدخُلينَ على الضيوفِ ..
كأنَّكِ السَّيْفُ اليَمَاني ..

بلقيسُ ..
أين زجَاجَةُ ( الغِيرلاَنِ ) ؟
والوَلاّعةُ الزرقاءُ ..
أينَ سِجَارةُ الـ (الكَنْتِ ) التي
ما فارقَتْ شَفَتَيْكِ ؟
أين (الهاشميُّ ) مُغَنِّيَاً ..
فوقَ القوامِ المَهْرَجَانِ ..
تتذكَّرُ الأمْشَاطُ ماضيها ..
فَيَكْرُجُ دَمْعُهَا ..
هل يا تُرى الأمْشَاطُ من أشواقها أيضاً تُعاني ؟
بلقيسُ : صَعْبٌ أنْ أهاجرَ من دمي ..
وأنا المُحَاصَرُ بين ألسنَةِ اللهيبِ ..
وبين ألسنَةِ الدُخَانِ ...
بلقيسُ : أيتَّهُا الأميرَةْ
ها أنتِ تحترقينَ .. في حربِ العشيرةِ والعشيرَةْ
ماذا سأكتُبُ عن رحيل مليكتي ؟
إنَ الكلامَ فضيحتي ..
ها نحنُ نبحثُ بين أكوامِ الضحايا ..
عن نجمةٍ سَقَطَتْ ..
وعن جَسَدٍ تناثَرَ كالمَرَايَا ..
ها نحنُ نسألُ يا حَبِيبَةْ ..
إنْ كانَ هذا القبرُ قَبْرَكِ أنتِ
أم قَبْرَ العُرُوبَةْ ..
بلقيسُ :
يا صَفْصَافَةً أَرْخَتْ ضفائرَها عليَّ ..
ويا زُرَافَةَ كبرياءْ
بلقيسُ :
إنَّ قَضَاءَنَا العربيَّ أن يغتالَنا عَرَبٌ ..
ويأكُلَ لَحْمَنَا عَرَبٌ ..
ويبقُرُ بطْنَنَا عَرَبٌ ..
ويَفْتَحَ قَبْرَنَا عَرَبٌ ..
فكيف نفُرُّ من هذا القَضَاءْ ؟
فالخِنْجَرُ العربيُّ .. ليسَ يُقِيمُ فَرْقَاً
بين أعناقِ الرجالِ ..
وبين أعناقِ النساءْ ..
بلقيسُ :
إنْ هم فَجَّرُوكِ .. فعندنا
كلُّ الجنائزِ تبتدي في كَرْبَلاءَ ..
وتنتهي في كَرْبَلاءْ ..
لَنْ أقرأَ التاريخَ بعد اليوم
إنَّ أصابعي اشْتَعَلَتْ ..
وأثوابي تُغَطِّيها الدمَاءْ ..
ها نحنُ ندخُلُ عصْرَنَا الحَجَرِيَّ
نرجعُ كلَّ يومٍ ، ألفَ عامٍ للوَرَاءْ ...
البحرُ في بيروتَ ..
بعد رحيل عَيْنَيْكِ اسْتَقَالْ ..
والشِّعْرُ .. يسألُ عن قصيدَتِهِ
التي لم تكتمِلْ كلماتُهَا ..
ولا أَحَدٌ .. يُجِيبُ على السؤالْ
الحُزْنُ يا بلقيسُ ..
يعصُرُ مهجتي كالبُرْتُقَالَةْ ..
الآنَ .. أَعرفُ مأزَقَ الكلماتِ
أعرفُ وَرْطَةَ اللغةِ المُحَالَةْ ..
وأنا الذي اخترعَ الرسائِلَ ..
لستُ أدري .. كيفَ أَبْتَدِئُ الرسالَةْ ..
السيف يدخُلُ لحم خاصِرَتي
وخاصِرَةِ العبارَةْ ..
كلُّ الحضارةِ ، أنتِ يا بلقيسُ ، والأُنثى حضارَةْ ..
بلقيسُ : أنتِ بشارتي الكُبرى ..
فَمَنْ سَرَق البِشَارَةْ ؟
أنتِ الكتابةُ قبْلَمَا كانَتْ كِتَابَةْ ..
أنتِ الجزيرةُ والمَنَارَةْ ..
بلقيسُ :
يا قَمَرِي الذي طَمَرُوهُ ما بين الحجارَةْ ..
الآنَ ترتفعُ الستارَةْ ..
الآنَ ترتفعُ الستارِةْ ..
سَأَقُولُ في التحقيقِ ..
إنّي أعرفُ الأسماءَ .. والأشياءَ .. والسُّجَنَاءَ ..
والشهداءَ .. والفُقَرَاءَ .. والمُسْتَضْعَفِينْ ..
وأقولُ إنّي أعرفُ السيَّافَ قاتِلَ زوجتي ..
ووجوهَ كُلِّ المُخْبِرِينْ ..
وأقول : إنَّ عفافَنا عُهْرٌ ..
وتَقْوَانَا قَذَارَةْ ..
وأقُولُ : إنَّ نِضالَنا كَذِبٌ
وأنْ لا فَرْقَ ..
ما بين السياسةِ والدَّعَارَةْ !!
سَأَقُولُ في التحقيق :
إنّي قد عَرَفْتُ القاتلينْ
وأقُولُ :
إنَّ زمانَنَا العربيَّ مُخْتَصٌّ بذَبْحِ الياسَمِينْ
وبقَتْلِ كُلِّ الأنبياءِ ..
وقَتْلِ كُلِّ المُرْسَلِينْ ..
حتّى العيونُ الخُضْرُ ..
يأكُلُهَا العَرَبْ
حتّى الضفائرُ .. والخواتمُ
والأساورُ .. والمرايا .. واللُّعَبْ ..
حتّى النجومُ تخافُ من وطني ..
ولا أدري السَّبَبْ ..
حتّى الطيورُ تفُرُّ من وطني ..
و لا أدري السَّبَبْ ..
حتى الكواكبُ .. والمراكبُ .. والسُّحُبْ
حتى الدفاترُ .. والكُتُبْ ..
وجميعُ أشياء الجمالِ ..
جميعُها .. ضِدَّ العَرَبْ ..

لَمَّا تناثَرَ جِسْمُكِ الضَّوْئِيُّ
يا بلقيسُ ،
لُؤْلُؤَةً كريمَةْ
فَكَّرْتُ : هل قَتْلُ النساء هوايةٌ عَربيَّةٌ
أم أنّنا في الأصل ، مُحْتَرِفُو جريمَةْ ؟
بلقيسُ ..
يا فَرَسِي الجميلةُ .. إنَّني
من كُلِّ تاريخي خَجُولْ
هذي بلادٌ يقتلُونَ بها الخُيُولْ ..
هذي بلادٌ يقتلُونَ بها الخُيُولْ ..
مِنْ يومِ أنْ نَحَرُوكِ ..
يا بلقيسُ ..
يا أَحْلَى وَطَنْ ..
لا يعرفُ الإنسانُ كيفَ يعيشُ في هذا الوَطَنْ ..
لا يعرفُ الإنسانُ كيفَ يموتُ في هذا الوَطَنْ ..
ما زلتُ أدفعُ من دمي ..
أعلى جَزَاءْ ..
كي أُسْعِدَ الدُّنْيَا .. ولكنَّ السَّمَاءْ
شاءَتْ بأنْ أبقى وحيداً ..
مثلَ أوراق الشتاءْ
هل يُوْلَدُ الشُّعَرَاءُ من رَحِمِ الشقاءْ ؟
وهل القصيدةُ طَعْنَةٌ
في القلبِ .. ليس لها شِفَاءْ ؟
أم أنّني وحدي الذي
عَيْنَاهُ تختصرانِ تاريخَ البُكَاءْ ؟

سَأقُولُ في التحقيق :
كيف غَزَالتي ماتَتْ بسيف أبي لَهَبْ
كلُّ اللصوص من الخليجِ إلى المحيطِ ..
يُدَمِّرُونَ .. ويُحْرِقُونَ ..
ويَنْهَبُونَ .. ويَرْتَشُونَ ..
ويَعْتَدُونَ على النساءِ ..
كما يُرِيدُ أبو لَهَبْ ..
كُلُّ الكِلابِ مُوَظَّفُونَ ..
ويأكُلُونَ ..
ويَسْكَرُونَ ..
على حسابِ أبي لَهَبْ ..
لا قَمْحَةٌ في الأرض ..
تَنْبُتُ دونَ رأي أبي لَهَبْ
لا طفلَ يُوْلَدُ عندنا
إلا وزارتْ أُمُّهُ يوماً ..
فِراشَ أبي لَهَبْ !!...
لا سِجْنَ يُفْتَحُ ..
دونَ رأي أبي لَهَبْ ..
لا رأسَ يُقْطَعُ
دونَ أَمْر أبي لَهَبْ ..

سَأقُولُ في التحقيق :
كيفَ أميرتي اغْتُصِبَتْ
وكيفَ تقاسَمُوا فَيْرُوزَ عَيْنَيْهَا
وخاتَمَ عُرْسِهَا ..
وأقولُ كيفَ تقاسَمُوا الشَّعْرَ الذي
يجري كأنهارِ الذَّهَبْ ..

سَأَقُولُ في التحقيق :
كيفَ سَطَوْا على آيات مُصْحَفِهَا الشريفِ
وأضرمُوا فيه اللَّهَبْ ..
سَأقُولُ كيفَ اسْتَنْزَفُوا دَمَهَا ..
وكيفَ اسْتَمْلَكُوا فَمَهَا ..
فما تركُوا به وَرْدَاً .. ولا تركُوا عِنَبْ
هل مَوْتُ بلقيسٍ ...
هو النَّصْرُ الوحيدُ
بكُلِّ تاريخِ العَرَبْ ؟؟...

بلقيسُ ..
يا مَعْشُوقتي حتّى الثُّمَالَةْ ..
الأنبياءُ الكاذبُونَ ..
يُقَرْفِصُونَ ..
ويَرْكَبُونَ على الشعوبِ
ولا رِسَالَةْ ..
لو أَنَّهُمْ حَمَلُوا إلَيْنَا ..
من فلسطينَ الحزينةِ ..
نَجْمَةً ..
أو بُرْتُقَالَةْ ..
لو أَنَّهُمْ حَمَلُوا إلَيْنَا ..
من شواطئ غَزَّةٍ
حَجَرَاً صغيراً
أو محَاَرَةْ ..
لو أَنَّهُمْ من رُبْعِ قَرْنٍ حَرَّروا ..
زيتونةً ..
أو أَرْجَعُوا لَيْمُونَةً
ومَحوا عن التاريخ عَارَهْ
لَشَكَرْتُ مَنْ قَتَلُوكِ .. يا بلقيسُ ..
يا مَعْبُودَتي حتى الثُّمَالَةْ ..
لكنَّهُمْ تَرَكُوا فلسطيناً
ليغتالُوا غَزَالَةْ !!...

ماذا يقولُ الشِّعْرُ ، يا بلقيسُ ..
في هذا الزَمَانِ ؟
ماذا يقولُ الشِّعْرُ ؟
في العَصْرِ الشُّعُوبيِّ ..
المَجُوسيِّ ..
الجَبَان
والعالمُ العربيُّ
مَسْحُوقٌ .. ومَقْمُوعٌ ..
ومَقْطُوعُ اللسانِ ..
نحنُ الجريمةُ في تَفَوُّقِها
فما ( العِقْدُ الفريدُ ) وما ( الأَغَاني ) ؟؟
أَخَذُوكِ أيَّتُهَا الحبيبةُ من يَدي ..
أخَذُوا القصيدةَ من فَمِي ..
أخَذُوا الكتابةَ .. والقراءةَ ..
والطُّفُولَةَ .. والأماني

بلقيسُ .. يا بلقيسُ ..
يا دَمْعَاً يُنَقِّطُ فوق أهداب الكَمَانِ ..
عَلَّمْتُ مَنْ قتلوكِ أسرارَ الهوى
لكنَّهُمْ .. قبلَ انتهاءِ الشَّوْطِ
قد قَتَلُوا حِصَاني
بلقيسُ :
أسألكِ السماحَ ، فربَّما
كانَتْ حياتُكِ فِدْيَةً لحياتي ..
إنّي لأعرفُ جَيّداً ..
أنَّ الذين تورَّطُوا في القَتْلِ ، كانَ مُرَادُهُمْ
أنْ يقتُلُوا كَلِمَاتي !!!
نامي بحفْظِ اللهِ .. أيَّتُها الجميلَةْ
فالشِّعْرُ بَعْدَكِ مُسْتَحِيلٌ ..
والأُنُوثَةُ مُسْتَحِيلَةْ
سَتَظَلُّ أجيالٌ من الأطفالِ ..
تسألُ عن ضفائركِ الطويلَةْ ..
وتظلُّ أجيالٌ من العُشَّاقِ
تقرأُ عنكِ أيَّتُها المعلِّمَةُ الأصيلَةْ ...
وسيعرفُ الأعرابُ يوماً ..
أَنَّهُمْ قَتَلُوا الرسُولَةْ ..
قَتَلُوا الرسُولَةْ ..
ق .. ت .. ل ..و .. ا
ال .. ر .. س .. و .. ل .. ة
***
نزار قباني – بيروت في 15/12/1981
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 04-08-2008, 01:52 AM   #2
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

http://images.abolkhaseb.net/articles/balqis1.jpg
قصيدة : 25 وردة في شعر بلقيس

1

كنت أعرف أنّها سوف تقتل..
وكانت تعرف أنّني سوف أقتل..
وقد تحقّقت النبوءتان...
سقطت هي، كفراشة، تحت أنقاض الجاهليّة
وسقطت أنا.. بين أنياب عصرٍ عربي
يفترس القصائد..
وعيون النساء..
ووردة الحرّية..

2

كنت أعرف أنّها سوف تقتل..
وأنّ أنوثتها لن تشفع لها..
فالأنوثة في هذا الوطن الممتدّ جغرافياً
من البشاعة إلى البشاعة..
ومن القذيفة إلى القذيفة
ليست سبباً تخفيفياً
يحمي الحمائم من الذبح..
ولا تعطي امتيازاً اللأمّهات
لكي يكملن ارضاع أطفالهن..

3

كنت أعرف أنّها سوف تقتل..
فقد كانت جميلة ً في عصر ٍ عربيٍّ قبيح..
وكانت نقيّة ً في عصر ٍ عربيٍّ ملوّث
وكانت نبيلة ً في عصر الصعاليك.
وكانت لؤلؤة ً نادرة ً
بين أكداس اللؤلؤ الصناعي
وكانت امرأة ً متفرّدة..
بين أرتال النساء المتشابهات...

4

كنت أعرف أنّها سوف تقتل..
ففيها تجسّدت حضارة ما بين النهرين
ونحن متخلـِّفون..
هي مقامٌ بغدادي رائع..
ونحن لا نسمع..
هي قصيدة ٌ عباسية..
ونحن لا نقرأ..
هي فصلٌ من ملحمة (جلجامش)
ونحن أميون..
هي أجمل ما كُتب من شعر..
ونحن أردأ ما كتب من نثر..

5

كنت أعرف أنّها سوف تقتل..
لأنّ عينيها كانتا صافيتين كنهرين من الزمرّد..
وشعرها كان طويلاً كموالٍ بغدادي
فأعصاب هذا الوطن،
لا تتحمّل كثافة اللون الأخضر
ولا تتحمل رؤية مليون شجرة نخل
تتجمع في عيني بلقيس..

6

كنت أعرف أنّها سوف تقتل..
فكلـّنا -دون استثناءٍ- موضوعون على قائمة الطعام
في هذا الوطن الذي احترف أكل مواطنيه..
والغريب.. أنّهم يطالبون قبل أن يأكلونا..
أن نغنّي النشيد الوطني!!
ونأخذ التحية العسكرية لرئيس المائدة
وللغارسونات الذين يحيطون به..
أي نشيدٍ وطنيّ؟. أي وطن؟..
حين تكون جثّة المواطن العربي
مدفونة ً في مكانٍ ما..
بين معدة الحاكم العربي..
وبين مصرانه الغليظ...

7

كنت أعرف أنّها سوف تقتل..
فقد كانت مساحة كبريائها
أكبر من مساحة شبه جزيرة العرب
وكانت حضارتها لا تسمح لها
أن تعيش في عصر الإنحطاط..
وكانت تركيبها الضوئي..
لا يسمح لها أن تعيش في العتمة...

8

كانت تعتقد من شدّة عنفوانها
أنّ الكرة الأرضية صغيرة عليها..
ولهذا حزمت حقائبها،
وانسحبت على أطراف أصابعها،
دون أن تخبر أحداً..

9

لم تكن خائفة أن يقتلها الوطن
ولكنّها كانت خائفة على الوطن
أن يقتل نفسه..

10

كسحابةٍ حبلى بالشِعر..
نقّطت فوق دفاتري
نبيذاً.. وعسلا.. وعصافير..
وياقوتاً أحمر..
ونقّطت فوق مشاعري
قلوعاً.. وطيوراً بحريةً
وأقمار ياسمين
بعد رحيلها،
بدأت عصور العطش
وانتهى زمن الماء..

11

كان حبّها العراقيّ
له طعم الورد.. وطعم الجمر..
وكان إذا فاض في موسم الربيع
كسر جميع السدود..
وكسرني عشرين ألف قطعة..

12

أسّست معها في 5 آذار 1962
أول مدرسة للعشق في بغداد
وعندما سقطت بلقيس في 15/12/1981
إستقال المعلـّمون والمعلـّمات
وهرب التلاميذ
وتأجّلت دراسة الحب..
إلى أجلٍ غير مسمى...

13

قبل أن يتركني شعرها الذهبي
ويسافر..
لم أكن أعرف أبداً
أنّ من بعض هوايات العصافير..
تجميع سبائك الذهب..

14

بعد رحيل بلقيس
لن يكبر الشجر
ولن يستدير القمر
ولن يشتعل الماء...

15

لأن الشعب العربي
كان يتمنّى أن يكون حراً كشَعر بلقيس
وغير معتقل ٍ بالدبابيس
والزنزانات.. والأسلاك الشائكة..
كشعر بلقيس..
فقد أمر السلطان -نصره الله على أعدائه-
-وزاد من عدد محظيّاته ونسائه-
بإشعال النار في حقول الحنطة..
وقطع رأس كل سنبلة ٍ تتكلم مع سنبلةٍ أخرى
والتخلّص من شعر بلقيس الجامح
كحصان أشقر..
لأنه يعلّم الناس الطموح
ويحرّضهم على الحرية

16

كنت دائماً أحس أنّها ذاهبة..
وكان في عينيها دائماً
قلوعٌ تستعد للرحيل..
وطيّاراتٌ جاثمة ٌ على أهدابها
تستعد للإقلاع.
وفي حقيبة يدها -منذ تزوّجتها-
كان هناك جواز سفر.. وتذكرة طيران
وتأشيرات دخول إلى بلادٍ لم زرها..
وعندما كنت أسألها:
ولماذا تضعين كلّهذه الأوراق في حقيبة يدك؟
كانت تجيب:
لأنّني على موعدٍ مع قوس قزح...

17

بعدما سلـّموني حقيبة يدها..
التي عثروا عليها تحت الأنقاض
ورأيت جواز السفر..
وتذكرة الطائرة..
وتأشيرات الدخول..
عرفت أني لم أتزوّج بلقيس الراوي
وإنّما تزوجت قوس قزح...

18

في الحفلات العامّة..
كانت تتحاشى أن تقف معي..
أو تتصوّر معي..
أو تقول للناس: إنها زوجة الشاعر.
أنا الذي كنت أبحث عنها هنا.. وهناك..
وأطلب من المصورين أن يصوروني معها..
حتى أدخل التاريخ..

19

عندما كانت تحضر أمسياتي الشعريّة
كانت هي التي تسرق الضوء
وأنا الذي أبقى في الظل.
لم تكن تطلب رضى الشعر..
كان الشعر هو الذي يطلب رضاها...

20

عندما تموت امرأة جميلة..
تفقد الكرة الأرضيّة توازنها
ويعلن القمر الحداد لمئة عام
ويصبح الشعر عاطلاً عن العمل..

21

لم تكن تعترف بأوساط الحلول
حضورها كان استثنائياً..
وحديثها كان استثنائياً..
وشعرها الذي كان يسافر في كلّ الدنيا..
كان حادثاً استثنائياً..
لذلك..
كان موتها استثنائياً مثلها...

22
تزوّجتني.. رغم أنف القبيلة
وسافرت معي..
رغم أنف القبيلة..
وأعطتني زينب وعمر..
رغم أنف القبيلة..
وعندما كنت أسألها: لماذا؟
كانت تأخذني كالطفل إلى صدرها
وتتمتم:
"لأنك قبيلتي.."

23

كانت خرافيّة الألوان.. كفراشة
ورشيقة الطيران.. كفراشة..
وقصيرة العمر.. كفراشة..
وعندما أحرقوها في يوم 15 ديسمبر 1981
قالت إحصاءات الأمم المتحدة
إنّنا القبيلة الوحيدة في العالم
التي تأكل الفراش..

24

بلقيس الراوي
بلقيس الراوي
بلقيس الراوي
كنت أحبّ إيقاع اسمها..
وأتمسّك برنينه..
وكنت أخاف أن ألصق به كنيتي
حتى لا أعكّر ماء البحيرة..
وأشوه روعة السمفونيّة..

25

ما كان لهذه المرأة أن تعيش أكثر..
ولا كانت تتمنّى أن تعيش أكثر
فهي من فصيلة الشموع والقناديل
وهي كاللّحظة الشعرية
لا بدّ لها أن تنفجر قبل آخر السطر....



pg

آخر تعديل بواسطة السيد عبد الرازق ، 04-08-2008 الساعة 02:01 AM.
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .