العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: المواقيت فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: العفاف فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الرد على مقال هل سورة يوسف من القرآن؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: التسنيم فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الخزى فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: اللعب فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: فرسة و خيّال (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: الصرف في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الرد على مقولات الباحث عن الحقيقة المنسية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الفروج في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 15-08-2007, 02:31 PM   #1
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

أبو فوطة

من بين القضايا الاجتماعية الكثيرة التي تجمعت لديه دون أن يقرأها بكتاب أو يتعلمها في مجلس، قضية سلوك الآخرين تجاه ما تكون عليه هيئتك الخارجية .. فقد كان يستعمل بصفة شخصية مركبتين: أحدهما (بيك أب) ياباني موديل 1988 و سيارة مرسيدس 2000 (قرش ونص) [حسب التسميات الدارجة] .. فإذا أراد أن يتفقد أعماله الزراعية استخدم ( البيك أب) .. ولم يكن يفاجأ بطريقه في أن يستوقفه الكثير من الناس الذين يطلبون توصيلهم الى المدينة كركاب، وأحيانا يكون مع هؤلاء المسافرين (كبشا) أو (كيسا) من (جعابير) و(هو الشمام الذي لم ينضج بعد، تكون أحجام ثماره بأحجام كرات التنس الأرضي) .. فيكفي منه إشارة بالاعتذار عن التوقف، وأحيانا يتوقف ويحمل أحدهم بعد تقدير الجانب الإنساني للحالة ..

أفراد شرطة المرور ودوريات الجمارك، هم الآخرون لا يتوانون عن توقيفه عندما يقود (البيك أب) .. ولكن كل تلك المظاهر تختفي عندما يركب سيارته (المرسيدس) .. فلا يعود هناك من يؤشر له ليحمله معه من على الطريق، وإن توقف متطوعا لحمل أحدهم فإن هذا (الأحد) سيتردد كثيرا قبل أن يوافق على نقله .. وإن مر بجانب دورية شرطة أو جمارك، فإن رفع يده بتحيتهم سيردون على تلك التحية بحماسة لم تكن موجودة عندما كان يركب (البيك أب)..

ما الذي يجعل الناس يتعاملون على هذا النحو؟ فقد يحس الفرد بأن هذا الكائن الذي يستقل تلك المركبة الفخمة، أحد وجهاء المنطقة أو أحد المدعومين أو أحد اللصوص أو أحد المرابين، فالاقتراب منه لن يكون مريحا، فإن خالفه الشرطي أو استوقفه لا يضمن شكل ردة فعله فيما بعد، وإن طلب أحد منه أن يوصله فقد تكون نظرات صاحب السيارة المرفه قد تضايق من ركب بجانبه إذا ما اكتشف ثقبا في ساق جوربه أو سوء كي ملابسه .. فيفضل الواقف على الطريق المكوث بشكل أطول من أن يغامر تلك المغامرة غير مضمونة العواقب..

على الإشارات الضوئية تجد أناسا طوروا فكرة التسول وجعلوا منها عملا مبررا (بالإلزام ) .. فمنهم من ينفخ (بالونا) ويتقدم به نحو أنماط من السيارات ينتقي منها ما يتناسب مع الفترة التي ستعلن الإشارة الحمراء انتهاء فترة التوقف فيتجول بين عينات هي الأفضل من العينات الأخرى للسيارات، عله يحظى بمن يشتري ذلك (المنطاد) .. كما سترى أطفالا يحملون أوعية مسطحة بها بعض قطع (العلكة) .. يتقدمون نحو نوافذ السيارات يرسمون على وجوههم مسحة حزن ورجاء، تدربوا عليها جيدا لتكون مؤثرة بشكل قياسي ـ استغلالا لوقت الإشارة الضوئيةـ .

كان (أبو فوطة) يحمل فوطة لا لون لها، فلن يستطيع أحد أن يقول أن لونها أبيض أو أسود أو بني .. كان فيها كل الألوان ولكن دون وضوح .. وكانت ليست جافة وليست رطبة، وهي مهارات استدل صاحب الفوطة على الهيئة التي يجب أن تكون بها حالة الفوطة، فإن كان بها ماء زائد قد تسيل وتترك دروبا على زجاج وجسم السيارة يصعب إزالة ما حملت من ذرات غبرة مع سيلانها بسرعة .. وإن كانت جافة لن تدل حركتها على أن صاحبها قد قام بعمل يستحق عليه (البخشيش) ..فقد كان يعصرها جيدا لدرجة انعدام وزن ما تحمل من ماء، وكان يستبق قدوم صاحب السيارة بثواني ليضيف لمساته الأخيرة على سيارته، وقد تكون تلك اللمسات ليست الأخيرة فحسب، بل الوحيدة أيضا ..

كان لا يشاور من يريد أن يمسح سيارته، وكان ينتقي السيارات الحديثة والنظيفة، ويدرس هيئة من نزل منها ومن يصطحب، فكان لا يحبذ مسح السيارات التي أصحابها شباب، أو أصحابها متقدمين في السن، بل كان يُفضل من جاء مع صديقته وكان يدرس كعالم نفس هيئة هؤلاء، فكرم الصديق يكون أفضل إذا كانت فترة صداقته أو معرفته بمن معه سواء كانت خطيبته أو زوجته المدللة، أما من كانت زوجته سمينة و اقتربت حياتهما الزوجية على التقاعد فسيكون اعتراض الزوجة أكبر من اعتراض زوجها .. فقد تبادر لسؤاله: من كلفك بمسح السيارة؟ هذا إن لم تشتمه وتنهره ..

كان أبو فوطة يتواجد في ساحة واسعة، لا سور لها ولا عليها حارس، فتقف بها سيارات المستعجلين والذين لا يرغبون في دفع أجور التوقف في مواقف مرخصة ومعروفة .. فكانت قيمة (البخشيش) تجمع معه يوميا ما يحصل عليه ثلاثة من عمال البناء ..

تحرى أبو فوطة عن صاحب الساحة، فعرف أن صاحبها في كندا، وإنه كان على خلاف مع ورثة آخرين متناثرين في أكثر من بقعة جغرافية، ولما لم يراجعه أي منهم طيلة سنوات .. فقرر أن يضع عوائق أمام الساحة لا تلفت الانتباه بأن هذه الساحة أصبحت مرخصة خشية من دوائر البلدية أن تلاحقه، ولكنه يقف في الفتحة التي تفضي الى الساحة مبتسما، ويشير الى صاحبها محددا مكان وقوفه .. وعند خروجه من نفس الفتحة، كان يقف مبتسما فيناوله صاحب السيارة بعض النقود، حتى تعود الناس ذلك.. قام بعدها بطباعة أوراق عليها التسعيرة، فكان أصحاب السيارات يدفعون له دون تذمر ..

لكنه لم يستغن عن الفوطة نهائيا، تحسبا لحضور مفاجئ لأصحاب الساحة، أو تحسبا لمطالبة الدوائر المعنية إبراز رخصته، فإن سلوك (حمل الفوطة) هو ما سيشفع له .. فلم يثبت التسعيرة على (الكرت) أنها بدل وقوف السيارة، فإن سأله أحد عنها سيجيب إنها تسعيرة (الفوطة)..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 20-10-2007, 11:22 AM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

أبو طايل عامل التنظيف :

حاول أن يتنبأ بالظروف التي دفعت (أبا طايل) للالتحاق بعمال النظافة لدى البلدية، كان وهو يراقبه من على شرفة غرفته المطلة على الشارع من وضع سيناريوهات دفعت أبا طايل للالتحاق بهذا العمل .. ما الذي جعله يختار هذا العمل منذ أكثر من عشرين عاما؟

إن علامات التراتب الاجتماعي، تظهر في المسكن والملبس والمأكل والعمل وما يقتني من سيارة وما يملك من عقارات وحجم علاقاته مع وجهاء ومسئولي الدوائر الحكومية وما يقال عنه في المحيط الذي يعيش فيه، ومكان جلوسه في مجالس الرجال وكم من الوقت يمكن أن يستمع إليه الآخرون دون مقاطعة أو تشويش بابتسامة أو ضحكة أو سؤال خبيث .. هذه مسطرة علامات التراتب الاجتماعي في بلادنا، وأكبر الظن أن علية القوم وأقلهم شأنا يتفقون على معظم نقاطها .. وتلك النقاط ستسهل معاملاته أو تعقدها في حياته، فإن تعرض لمشكلة وهو في أدنى سلم التراتب الاجتماعي سيكون أثر تلك المشكلة عليه أكبر منها لدى من يتقدم عليه في سلم التراتب.

أن يقوم رجل بتنظيف الشوارع وحمل أكياس القمامة، ومرافقة سيارات رفع القمامة حتى تصل الى مكان تجميعها، فهي مهمة وإن بدت حقيرة، فهي خطيرة بكل تأكيد، وخطورتها تعود على من يمتهنها، فهو سيعلن للآخرين بكل وضوح أنه اختار موقعا في أسفل درجات السلَم ..فلن يطمح أن يزوج ابنته لأحد أفراد المجتمع المهم، أو يزوج ابنه من إحدى فتيات من يتفوق عليه في سُلَم التراتب الاجتماعي، ولن يشترك في أحاديث التباهي بالطعام والملابس والمساكن، ولن يشترك بأحاديث الانتخابات أو يفكر أن يرشح نفسه أو أحد أبناءه ..وفوق ذلك لن يتنفس هواء نقيا، هذا إذا لم يتسلل له أحد الميكروبات اللعينة من فوطة مشبعة بدماء وصديد نزيف، أو ضمادة خراج مصاب بمرض خبيث!

لتجاوز كل ذلك والهزيمة من ملاحقة أجواء نظرات المجتمع، يفر من تضيق عليهم الحياة الى بلاد بعيدة، حيث يتحولون هناك الى أرقام أو (صفات) دون اسم أو دون معرفة إحداثيات مواقعهم الاجتماعية، فلن يعرف ابن الدنمرك من هو أبوه أو خاله أو عمه، وقد يبعث ببعض النقود فيتزوج ابنه من ابنة رجل يفوق وضعه الاجتماعي وضع أبيه قبل أن يهاجر ليمارس عمله بعيدا عن عيون المجتمع المحلي .. وقد يُنظر لبناته نظرة حسد وتوق كبير للزواج بهن.. وقد يعود وتقام له ولائم احتفاء بعودته ..

لكن ما الذي جعل (أبا طايل) يختار هذا العمل في بلدته، والعمال الوافدين كثيرون، ورواتب تلك الأعمال لا تفوق غيرها من رواتب العمال؟

من يعرف؟ فلعل أبا طايل لديه فلسفة خاصة، فقد يرى نفسه أكثر أهمية من طبيب مختص في (الأجهزة الليمفاوية) أو الأمراض التنفسية، فلولا خدمة أبي طايل لاحتاجت البلاد أربعة أضعاف ما هو موجود من أطباء الاختصاص، فهو بالنتيجة يساوي أهمية ثلاثة أطباء مختصين!

سأل نفسه : لماذا أشغل نفسي في مراقبة الناس، فترتيبهم وتسخيرهم لأعمال يختارونها تعود لله وليس لي ولهم . فلو تساوى الناس في تفكيرهم ورغباتهم وأعمالهم لخربت الدنيا .. لكن في أسواق الأبقار تجد هناك من يرغب في التخلص من بقرة وآخر يرغب بقوة في شراءها .. وفي المحاكم الشرعية تجد هناك من يريد التخلص من زوجته بطلاقها، وآخر ينتظر انتهاء فترة (العدة) للزواج بها.. ولو تساوت عقول الناس وسلوكهم لكان جميع من في الأرض يتسابقون لجمع أوراق (التين) لتغطية عوراتهم.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 17-11-2007, 11:14 PM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

حارس الزنزانة

كانت زنزانته رقم 11 قبالة تجمع الحراس الذين كانوا يجلسون لفترات بسيطة، إذا ما أحسوا أن كادر إدارة المعتقل قد هجع نشاطه، كان باستطاعته أن يسمع قليلا مما يتهامسون به، إذا ما اعتقدوا أنه نائم .. لم تكن لهم أسماء على صدورهم كباقي أفراد الجيش أو الشرطة، بل أرقام، شأنهم شأن مسئوليهم الذين لم يكونوا يناديهم أحد بأي اسم يدلل عليهم بل كانت لهم ألقاب ..

لم يكن يعرف الوقت، فقد أخذوا ساعته من ضمن الأغراض التي أودعوها بالأمانات هي والحزام وعلبة السجائر والولاعة، فالاحتياطات كانت واجبة، فقد تسول له نفسه أن يحرقها أو يستخدم الحزام ليموت مشنوقا، كما أنه لم يرى الشمس طيلة الفترة التي أعتقل بها، وزنزانته تقع في الطابق الثاني تحت سطح الأرض، وقد سمع أن هناك طابقا آخر تحته .. كان يتعرف على الأيام من خلال برنامج العشاء ..

في ذات الليلة كان العشاء مكونا من سلطة شيء أخضر مع لبن رائب وكبب مقلية، مكونة من بعض البقوليات، أي أنه كان يوم الثلاثاء.. كانوا قد أحضروا رجلا في متوسط عمره، لمحه عندما وضعوه في زنزانة رقم 5 التي كانت على ممر متعامد مع الممر أو (النفق) الذي تقع فيه زنزانته. كان شعره أسود اللون، فقدر أنه قد صبغه حديثا، كان مجيئه بعد تناول وجبة الغداء، وعندما تم تقديم مخصصاته من الطعام، قال: أنه لا يحب اللبن مع الشيء الأخضر الذي كان ممزوجا به، ولم يكن من الخيار أو الخس بطبيعة الحال.. فهمس بأذنه الحارس وقال فتت الخبز وضعه في داخل الطبق حتى لا يقال عنك أنك مضرب عن الطعام، فأجابه فليقولوا عني أني مضرب عن الطعام، ترجاه الحارس أن يفعل ما ينصحه به ولكنه أبى ..

مر من أمامه رجل في أوائل الخمسينات ومعه ثلاثة من الحراس، فهتف رئيسهم للحراس افتح رقم خمسة وأخرج (بارد الوجه) فسحبوه سحبا الى مكان لم يستطع رؤيته لكنه عد له حوالي تسعين صرخة، وبعدها أعادوه وكان شعره أبيضا كالقطن، وقدموا له طبق السلطة الخضراء باللبن فأكلها (ممتنا) .. فعاد إليه مَن سبق ونصحه قائلا : ألم أقل لك ما تعمل، لو فتفتت الخبز ووضعته بالصحن لما اعترض عليك أحد، هل تظن نفسك بالسويد؟

بعد ساعات قال أحد الحراس للآخر: هل تظن أن الله سيبارك لنا في رزقنا وأولادنا ؟ ما الذي يجبرنا على ضرب مثل هذا (الشايب ) .. هل انقطع الرزق إلا بتلك المهنة؟ لو أننا بين أولادنا الآن نتناول الشاي و نتسامر ونفلح أرضنا وإذا الله جابها نشتري بعض الحلقوم والبسكوت ونتلذذ من دون تلك الكوابيس .. وحدثه عن حالات سبقت تلك الحالة .. وانقطع كلامهم ..

في اليوم الثاني جاءوا بشاب مهندس كان قد عاد من كندا، ووضعوه في نفس الزنزانة 11 التي كان بها سريران ثبتا فوق بعض ليتركا جانبهما ممرا بعرض متر وأمامهما مسافة متر تفصلهما عن الباب الذي يشغل كل الواجهة لكنه لم يكن بابا بل شبكا بقضبان مربعة الشكل تحتاج لثنيها الى قوة ستين رجل أو مئة حصان ..

لم يتم التعارف بينهما، فقد كان كل منهما يخشى أن يكون الآخر قد وضعته الأجهزة الأمنية للتجسس على الآخر .. ولكنه بادر وقال لضيفه: ليس لدينا ما نقضي به وقتنا سوى القرآن الكريم الموضوع جنبنا، وقد تطول إقامتنا شهورا هنا، وأنت تخشاني كما أنا أخشاك، ماذا لو ابتكرنا طريقة لتمضية الوقت، كان ضيفه شابا مهذبا، فاستجاب بعد أن عرف منهج صاحبه في تمضية الوقت .. فكانا يمضيان وقتا في تعداد أسماء رؤساء لبنان أو أنواع السيارات أو العواصم التي تبدأ بحرف الباء .. فيطلب أحدهما من الآخر (هات لي خمسة أنواع ساعات) فيعد على أصابعه بهمس شديد .. ويطلب هات لي خمسة أنهار في البلدان العربية ..

كان الحارس الذي وشى بمن حاول الإضراب عن الطعام، لا يرتاح لهمسهما، فيأتي بحالات تنصت مختلفة أحدها أن يضع أذنه قرب أسفل الشبك، أو أعلاه من جهة كان يعتقد أنهما لا يرياه فيها .. ولكن دون جدوى .. فيبادر بخشونة : هل تعرفا بعضا سابقا، فلا يجيباه .. ماذا تعدان على أصابعكما ؟ فلا يجيبان .. فيلجأ لعقابهما .. أخرجا ونظفا الحمامات ..

كان يسيئه أن يأخذ حماما في مكان كمربط الخيل لا باب له إلا ما يغطي نصف متر مما داخل الحمام، وكان كأبواب مقاهي الكاوبوي، وكان يسيئه أكثر عندما يريد أن يقضي حاجته في الحمامات .. فالدجاجة تتضايق إذا ما أحست أن هناك من يراقبها في عمليتها (الأيضية) ..

في ظهر اليوم التالي أتى مندوب للصليب الأحمر ومعه مترجم .. وكان قد علم أن معظم موظفي تلك المنظمات يرتبطون بأجهزة استخبار معادية .. كان مندوب الصليب الأحمر سويسريا ربى شاربه ولف طرفيه الشقراويين بشكل حاد على غرار باشوات مصر الملكية .. فسأله كيف اهتمام إدارة السجن بصحتكم ؟ فأجاب على خير ما يرام.. ثم سأله: كيف طبيعة الطعام الذي يقدم لكم؟ فأجاب: تعجز زوجتي عن عمل مثل هذا الطعام اللذيذ .. ثم سأله : لماذا أنت موقوف؟ فأجاب: إنها قضية بيني وبين دولتي لا شأن لك بها .. فغادره حانقا ..

أخرج لفافة تبغ من علبته وتقدم الى الشبك، فإذا بمن أمر بضرب من حاول الإضراب عن الطعام يصيح بالحراس .. ولعوا للأستاذ سيجارته .. أدرك أنه تنصت على الحوار الذي دار بينه وبين مندوب الصليب الأحمر فكانت تلك مكافأة مع قدح شاي (بلاستيك!) ..

وكان قد تسمع لحوار في زنزانة رقم 4 التي تسبق زنزانته في السؤال، وكانت الإجابات مغايرة، حيث أن صحة الموقوف معتلة والطعام سيء و لا يعلم سبب توقيفه .. فتبعتها أسئلة أين تقيم وكم رقم تلفونك، فتهيأ له أن ذلك مشروع لاصطياد الجواسيس والمتعاونين مع الغرب من خلال المعتقلات!

بعدما ذهب مندوبو الصليب الأحمر أمرهم المسئول بفتح زنزانة رقم 4 فسحب على الأرض، وهم يخاطبونه سنمسح بك الأرض.. الأكل ليس جيدا؟ لا تعرف لماذا أنت هنا؟ واختفى من الطابق الى الطابق الأكثر عمقا ..

بعد سنوات رأى الحارس الذي أنبه ضميره على ضرب من حاول الإضراب عن الطعام، فأوقف سيارته جنبه، وسلم عليه، فأجاب الحارس بذعر شديد، فذكره أنه قبل عدة سنوات كنت أنت حارسا في المعتقل الفلاني .. فأنكر الحارس ورفض دعوة الغداء منه وقد يكون طلب نقلا من تلك المنطقة .. فلم يعد يراه ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 25-12-2007, 05:51 PM   #4
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

أبو مروان السايس

زالت ملامح الدهشة من نفسه بعد أن أكمل العمال تحميل عشرين بقرة تم تنزيلها من طائرة شحن تابعة لخطوط (لوفتاهنزا الألمانية)، تلك الدهشة التي كانت مخلوطة بالإعجاب من الكيفية التي أعد بها سبعون رأس من الأبقار من نوع (فريزيان) من مطار (أمستردام) حيث وضع كل خمس أبقار في صندوق مستطيل بشكل مخالف حيث تكون رؤوس الأبقار باتجاه متعاكس رأس يتجه الى طرف الصندوق المستطيل والرأس المحاذي له في الاتجاه المعاكس .. كان أحد الواقفين من أصحاب الأبقار الخمسين الأخرى والذين سبق لهم أن استوردوا أبقارا قبل تلك المرة، يتحدث عن الكيفية التي يتم بها تجويع تلك الأبقار قبل شحنها من أجل تخفيف وزنها من ناحية، ومن أجل تقليل ما تطرحه من فضلات في طائرة الشحن من ناحية أخرى ..

ابتدأ بالتفكير بالكيفية التي سيعامل بها تلك الأبقار، فقد تأخر أبو مروان السايس عن الالتحاق بعمله، والوقت كان منتصف الليل، وليس له دراية سابقة بالتعامل مع هذا الكم من الأبقار، فكل ما يعرفه عنها معلومات نظرية تلقاها بالجامعة، لن تسعفه كثيرا في التعامل مع الأبقار .. شكا للمستورد، فطمأنه أنه سيكلف ابنه أن يقوم بإدارتها ريثما يحضر أبو مروان ..

وصلت الشاحنتان الى المزرعة بعد منتصف الليل بساعتين .. وتم تنزيل الأبقار في المزرعة، التي كان بناؤها يثير إعجاب حتى المهندسين المعماريين لما فيه من دراسة لعلاقة المكان بما خصص له، فهنا مخزن العلف الخشن وهنا مخزن العلف المركز، وهناك مرابط الأبقار حيث درست المسافة بعناية، بين واحدة وأخرى ووضع حاجز من أنبوب صلب بين كل بقرتين واستحدث مجرى خلف الأبقار بعمق غير مضر للبقرة، ولكنه يسمح لبول الأبقار أن يجري فيه دون تلويث المكان، وهناك ممر أمامي يسمح للسايس بأن يتجول بحريته من أمام الأبقار لكي يقدم لها الأعلاف ..

لم تغمض له جفن، فكل فترة يوقظ ابن المستورد ويخبره بأن بقرة قد أخرجت صوتا كأنها متضايقة، جاراه ابن المستورد ثلاث مرات، ثم طمأنه بأن الأمر اعتيادي وطلب منه النوم وعدم إيقاظه مرة أخرى ..

وصل أبو مروان بعد ثلاثة أيام من وصول الأبقار، وغادر ابن المستورد المزرعة، وكان صاحب المزرعة الذي بدا عليه التعب من السهر لا يفارق المزرعة نهائيا، اكتشف أبو مروان أهمية ندرته ـ على الأقل في دائرة معرفة صاحب المزرعة ـ وكان قد حدد معه راتبا يعادل ما يتقاضاه خريج جامعي مرة ونصف .. ولكنه بادر لحظة وصوله في طلب زيادة الراتب حتى أصبح ضعف ما يتقاضاه خريج ..

ولدت أول بقرة، وفرح صاحب المزرعة بتلك الولادة أكثر مما فرح بولادة أول أطفاله.. استأذن أبو مروان الغياب عدة ساعات، فعاد ومعه أثاث بيت كامل ومجموعة من الأطفال و حوالي ثلاثين خروفا والكثير من الدجاج البلدي والديك الرومي والإوز وغيره .. لم يعترض صاحب المزرعة الذي ما زال ببقايا فرحة المولود الجديد من العجول ..

كان طول أبو مروان حوالي المترين ومع ذلك كان ينتعل حذاءا بكعب عال، وكان عندما يريد صاحب المزرعة أن ينطلق بسيارته لمشوار اقترحه عليه أبو مروان، يعتمر حطة بيضاء على رأسه ويلبس ملابس (مكوية)، وكانت الحطة البيضاء تتناسب مع أسنانه البيضاء العريضة والطويلة ووجهه الوردي، والذي كان يبدو بهيئته تلك كأنه أحد المتقدمين لتمثيل دور عميل إنجليزي في فلم عربي وثائقي ..

كان يبدو صاحب المزرعة، الذي يتوجب أن يكون الشخصية المحورية في كل النشاطات الخاصة بالمزرعة، شخصية ثانوية الى جانب السايس أبو مروان، وكان ذلك يحدث في الزيارات الخارجية لتمشية شؤون المزرعة، فكان المتكلم والمفاوض هو أبو مروان، وصاحب المزرعة يستمع وينفذ ويقود السيارة بالسايس .. حتى من كان يزور المزرعة، يكون في ضيافة أبي مروان ..

تضاعفت كميات الحيوانات التي يملكها أبو مروان داخل المزرعة، حتى غدت أبقار المزرعة هي الأخرى ثانوية بالنسبة لممتلكات أبي مروان .. وإن جاءت سيارة (برسيم أخضر) تجمعت عليها في البداية حيوانات أبي مروان وما يفضل منها يقدم للأبقار ..

أحضر أبو مروان عاملا من العمال العرب الوافدين دون أن يشاور صاحب المزرعة، وهمس بأذن صاحب المزرعة قائلا : إنه عامل لقطة وأجرته قليلة حيث لا تزيد عن ربع أجرتي، وكما ترى فإن عمل المزرعة زاد والأبقار قد اكتملت ولاداتها، فكان لا بد من أن يكون معي من يساعدني، لم يعترض صاحب المزرعة كعادته ..

بعد خمسة شهور، حضر صاحب المزرعة ولم يحس به من كان فيها، فسمع صوت رجاء و مسكنة من العامل العربي الوافد، حيث كان يطالب أبا مروان بإعطائه بعض رواتبه لتحويلها الى أهله، وكان أبو مروان يأخذها من صاحب المزرعة لكي يسلمها لأجيره، ولكنه كما يبدو لم يعطيه شيئا، فعندما اقترب صاحب المزرعة منهما وجد العامل العربي يقبل حذاء أبي مروان ويشبك يديه بساقه .. فار الدم برأس صاحب المزرعة وأخذ يخطط للتخلص من أبي مروان..

في اليوم الثاني أحضر بعضا من أقاربه ومعهم أسلحتهم، وجعلهم بعيدين عن المكان قليلا تحسبا لأي طارئ، وأمره على الفور بإحضار سيارات والخروج من المزرعة دون تأخير ..

انصاع أبو مروان للأوامر بعد رجاء لم يفده، ولكن أقارب صاحب المزرعة بقوا يتناوبون على حراستها مدة أسبوع تحسبا من عمل تخريبي قد يتسلل أبو مروان ليلا ليسمم الأبقار.. لكن ذلك لم يحدث ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .