السلام عليكم ورحوة الله وبركاته
التهديدات الضمنية الايرانية التي صدرت مؤخراً لتحرير بعض دول الخليج، والافتتاحية الايرانية التي زعمت أن البحرين هي منطقة ايرانية – كلها تسببت في حالة من الذعر والهلع الشديد الذي اجتاح دول الخليج. ففي البحرين، خرجت العديد من المظاهرات وتوجهت نحو السفارة الايرانية وتم تقديم احتجاج رسمي الى طهران. ونشر مقال ايراني آخر من قبل نفس الكاتب والذي استخف فيه بالدول الخليجية وانتقدها بشدة وأثار تهديدات اقليمية أخرى في نفس الشأن.
لدى ايران طموحاتها ومتطلعاتها في الخليج العربي التي لا تخفيها. ففي نظرها أن كل بقعة من الخليج هي في حقيقة الأمر فارسية وليست عربية، اضافة الى نظرتها بأن الغالبية العظمى من السكان الذين يعيشون بمنطقة الخليج هم من الشيعة.
والمحاولات الايرانية الحثيثة التي لا تتوقف بهدف انشاء جيشاً قوياً وتطوير الامكانيات النووية العسكرية والمدنية هي جزء رئيسي من هذه الاستراتيجية التي تهدف الى تحويل ايران من قوة اقليمية الى قوة دولية تباري الولايات المتحدة الأمريكية والغرب. وكلما كانت ايران أقرب من التسلح نووياً، كلما كان الغرب والدول المجاورة أكثر حيطة وحذراً منها.
لقد ترجمت النظرة المستقبلية لايران عملياً في هذا الانتشار العقائدي للشيعة في العديد من الدول الاسلامية، ومنها باكستان والهند(كشمير) وتركيا ومصر والجزائر ولبنان والأردن ودولاً أخرى. وظل كبار العلماء من السنة يدقون ناقوس الخطر من حملة " التبشير" الشيعية التي اجتاحت العالم العربي.
ايران تراقب عن كثب " الأنظمة الحاكمة الغير شرعية" في دول الخليج
زادت حدة التوتر بين ايران وامارات النفظ الخليجي بسبب المزاعم الايرانية الاقليمية وتهديدها الضمني لتحرير بعض دول الخليج والحاق بعضها الى ايران – "الوطن الأم ". وقد أشعل لهيب هذه الأزمة تلك الافتتاحية التي كتبها حسين شرياتماداري، مستشار الزعيم الروحي الايراني على خامنئي ورئيس تحرير صحيفة كايهان، والذي أكد على أن " البحرين واحدة من المناطق التابعة لايران"، وكتب قائلاً:
" في وقتنا الراهن، واستناداً الى الوثائق التي تثبت السيادة الكاملة التي لا لبس فيها لايران على الجزر الثلاث ( طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى)، علينا أن نطرح عليهم سؤالاً: " هل الدافع لزعمهم (اشارة الى السيادة الكاملة للامارات العربية المتحدة على الجزر الثلاث كما هو مبين في قرار مجلس التعاون الخليجي) عدم الخوف من هذا الزلزال الذي رجت به الثورة الاسلامية حكوماتهم التي لم يكن لها معالماً في القرون الماضية والتي هي الآن غير شرعية؟ لقد قامت كافة حكومات دول الخليج نتيجة لهذا التدخل المباشر لتلك الفرق الامبريالية المتغطرسة، ولم يطلق العنان للشعوب في هذا الوقت باختيار حكوماتهم وصياغة سياساتهم وصنع القرار. الحقيقة هي أن كافة الحكومات الأعضاء في هذا المجلس (مجلس التعاون الخليجي) متهمة من قبل شعوبها بالتعاون مع الكيان الصهيوني..".
" أما الزلزال الذي سقناه من هذا النموذج الذي وضع من قبل الجمهورية الاسلامية الايرانية سوف يؤدي لا محالة الى انهيار أنظمتهم الحاكمة الغير شرعية. وسوف يعرفون هذا جيداً وقد بدأوا بالفعل في التعبير عن عدائهم لايران الاسلامية كهدف استرايتيجي لهم. وهذا المسلك جد خطيرـ ليس فقط بالنسبة لايران- وانما أيضاً بالنسبة لاستئناف أعمال حكوماتهم".
ذعر في البحرين
تسببت هذه المقالة في احداث ذعر شديد في البحرين، الامر الذي أدى الى خروج الناس في مظاهرات وصلت الى السفارة الايرانية، وتم تقديم احتجاج رسمي الى طهران. وذكر عضو البرلمان البحريني، محمد خالد ، من جماعة الاخوان المسلمين، في حوار له باحدى الصحف أن ايران ينبغي عليها تقديم اعتذار رسمي بسبب مقالة شرياتماداري، وان لم تفعل ذلك، سوف تستدعي البحرين سفيرها من طهران وقطع العلاقات الدبلوماسية معها. وعبر عن خوفه وقلقه من نية ايران من اشعال انتفاضة أهلية داخل البحرين والتي يمثل الشيعة فيها 70% من اجمالي السكان. وقال خالد: " البحرين من الدول التي دائماً ما اتخذت مواقفاً ايجابية ازاء الأزمة النووية الايرانية وأعلنت مراراًَ رفضها التام لأية هجمة عسكرية موجهة لايران، وهذا هو الرد " اللطيف " لموقف البحرين".
وقد أخبر مصدر من كبار المسئولين الايرانيين صحيفة الشرق الأوسط أن هذه المقالة كانت بمثابة رد فعل للبيان الذي اعلنه وزراء الدفاع والخارجية بدول الخليج في جلستهم التي عقدت بجدة مطلع شهر يوليو، والذي عبروا من خلاله عن دعمهم لمطلب دولة الامارات العربية المتحدة الذي يفضي الى ارجاء السيادة الكاملة لها على الجزر الثلاث التي تم الاستيلاء عليها من قبل ايران. وذكر مجلس التعاون الخليجي ، الذي يوحد بين الامارات النفطية، في قراراته النقاط التالية:
" أما وقد استأنفت ايران احتلالها للجزر الثلاث ( طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى)، والتي هي تابعة لدولة الامارات العربية المتحدة، فإن المجلس يعيد التأكيد ثانية على مواقفهم الثابتة وهي:
1ـ دعم حق الامارات العربية المتحدة للاحتفاظ بسيادتها على الجزر الثلاث بمياهها الاقليمية ومجالاتها الجوية التي تعد جزء لا يتجزأ من دولة الامارات العربية المتحدة.
2ـ التعبير عن حالة الندم لعدم تحقيق المطمح اليه من اتصالات مباشرة واقليمية ودولية مع ايران.
3ـ دعوة جمهورية ايران الاسلامية بالاستجابة للجهود التي تبذلها الامارات العربية المتحدة والمجتمع الدولي من أجل حل المشكلة من خلال مفاوضات مباشرة بين الجانبين، أو احالتها الى محكمة العدل الدولية للبت فيها.
الضغط الايراني مستمر
التفسيرات الايرانية لم تمتص غضب ومخاوف الامارات النفطية الخليجية لاسيما في ضوء الهجمات المستمرة التي تشن ضدهم، واتهامات حكوماتهم وانظمتهم الحاكمة بعدم الشرعية، وفضلاً عن ذلك، التعاون مع الولايات المتحدة الامريكية التي تسعى لضرب ايران. لم يتوقف شرياتماداري عن هذا بعد توجيه النقد اللاذع له، بل زاد في ذلك، حيث كتب مقالة أخرى في صحيفة كايهان في عددها الصادر 15 يوليو 2007 بعنوان " ما الذي ألم بشعبنا؟ " – وكرر فيها استخفافه بدول الخليج وانتقادها، ولكنه أحجم عن التعبير عن البحرين بـ " دولة البحرين " وأطلق عليها " جزيرة البحرين". وقد شدد شرياتماداري في مقالته هذه على أنه منذ عقود مضت كانت البحرين تعد احدى المقاطعات والمدن الايرانية ولكنها انفصلت عنها بموجب اتفاقية بين شاه محمد رزا بهلافي وحكومات الولايات المتحدة والبحرين. وشن هجوماً على حكام دول الخليج الذين أنكروا، على حد قوله، " السيادة الايرانية التامة على الأجزاء المعترف بأنها تابعة للأراضي الايرانية" ووصفهم، متهما اياهم، بالمتحدث الرسمي للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الذين يعملون بجهد من اجل فتح جيهة جديدة ضد ايران في سياق الحرب الضروس بين طهران وواشنطن.
شن على أحمدي، عضو البرلمان الايراني واللجنة البرلمانية للأمن القومي والسياسة الخارجية، هجوماً بسبب موقف دول الخليج من قضية السيادة التامة على الجزر الثلاث. وقال أحمدي، الذي أشار الى فكرة أن الكثير من الدول العربية، والتي من بينها البحرين، كانت جزءاً من ايرن : " لو أن هذه الدول ترغب في كشف أشباح هذه القضايا، فسوف تضرها أكثر مما تنفعها".
وقد ذكر الموقع الالكتروني على شبكة الانترنت "أخبار رجاح " والموالي للرئيس الايراني أحمدي نجاد أن الشيعة في البحرين يشكلون 70% من اجمالي السكان الأصليين داخل الدولة وأن الكثير منهم يتكلم باللغة الفارسية، ويشاهدون القنوات التلفازية الايرانية ويشجعون المنتخبات والفرق الايرانية. وأشار الموقع الى التهديدات التي أرسل بها القادة الايرانيون الى دول الخليج والتي أفضت الى أن الدعم المستمر لزعم حق السيادة التامة للامارات العربية المتحدة على الجزر الثلاث سوف يحيي الزعم الايراني من جديد بحق السيادة التامة على البحرين على الرغم من تنازل الشاه عن البحرين عام 1971.
ايران لديها طموحاتها الاقليمية في الخليج العربي التي لا تخفيها. ففي نظرها، كل منطقة من الخليج هي بطبيعة الامر فارسية وليست عربية، علاوة على أن هناك نسبة كبيرة من السكان الشيعة الذين يعيشون في دول الخليج. ان المحاولات الحثيثة التي لا تتوقف بهدف انشاء جيشاً قوياً وتطوير الامكانيات النووية العسكرية والمدنية هي جزء رئيسي من هذه الاستراتيجية التي تهدف الى تحويل ايران من قوة اقليمية الى قوة دولية تباري الولايات المتحدة الأمريكية والغرب. وكلما كانت ايران أقرب من التسلح نووياً، كلما كان الغرب والدول المجاورة أكثر حيطة وحذراً منها.
الرؤية المستقبلية لـ أحمدي نجاد
في المرحلة المقبلة، سوف تكون المظلة النووية بمثابة القاعدة الأساسية للسياسة الخارجية الفعالة والتي ستحمل شعار الثورة الاسلامية. ان الرؤية الدينية التي تستنهض ايران هي منصة النشاط العسكري والسياسي، وهذه الرؤية تأتى في منتصف الهدف الذي يئول الى اعادة اقامة الخلافة الاسلامية التي ستهييء الظروف لظهور المهدي المنتظر- المخلص للمسلمين. وقد صرح أحمدي نجاد بهذا في احدى خطاباته التي وجهها لأعلام رجال الدين (نوفمبر 2006)، وفي رسالة أخرى موجهه للمسيحيين (19 ديسمبر 2006) والتي ذكر فيها أن " عهد الأسى والمعاناة والتهديدات سوف ينتهي في ذلك اليوم الذي سيعود فيه المسيح الى الدنيا من جديد بظهور نبي الاسلام الأكرم، امام المهدي (مخلص الشيعة)، والذي سيقضى على معالم الظلم والمعاناة والعذاب ويمحيها من العالم ".
ينظر الى أحمدي نجاد في المجتمعات الشيعية على أنه تجسيد للقائد المسلم الذي يصك ويمنح الغفران والخلاص. ففي كتاب " أحمدي نجاد وثورة العالم القادم "، ربط شادي فاكيا مباشرة بين أحمدي نجاد والمهدي وقال أن الرئيس الحالي لايران يتناسب كثيراً مع السمات والصفات التي يتحلى بها قائد جيوش المهدي التي ستحرر القدس وفقاً للعقيدة الشيعية. لقد وصف أحمدي نجاد بالفرد الصامد الثابت الذي يتحرك بأمر الله ويؤمن بأن " جيش تحرير القدس" سوف يمر من خلال العراق، وهو نفس معتقد الخميني ، الذي قال أن " طريق القدس سوف يكون عبر كربلاء ". وتصميم أحمدي نجاد على تطوير أسلحة نووية قد فسر أيضاً بأنه علامة من علامات ظهور المهدي المخلص، حيث أن مواجهة الضغوط الدولية – على حد معتقده هو ورفاقه – لمنع ايران من أن تحظى بتقنية نووية ، هو احدى الطرق لفرش البساط استعداداً لظهور المهدي.
ان تجليات السياسية الخارجية العدوانية لايران في تنامي وتزايد مشهود، وانعكس هذا جيداً في مخاوف دول الخليج الشديدة. لقد هدد زعماء وقادة الجيش الايراني أكثر من مرة بالهجوم على دول الخليج ومنشآت النفط في حال مدوا يد العون للولايات المتحدة الأمريكية في هجمتها على ايران. والآن، واضافة الى تلك التهديدات، يأتي بيان تعقد فيه ايران نيتها على الاستيلاء على منطقة الخليج واحتياطاتها الضخمة من البترول التي تعتبرها المصدر الاقتصادي الهائل والوسيلة التي ستدمر الاقتصاد الغربي .
منقول