أنا ... فرناس
هناك نقص فاضح و كمال واضح و الناس مابين هاتين النقطتين يتمركزون ، و ليس هناك كمال في الكمال إلا للكامل سبحانه ، و كل صفة و ميزة بنسبة في من يملكها فالذكاء يتفاوت فيه الناس و الكرم و الشجاعة و الحلم و القيادة و كثير من الصفات الكل يملكها لكن بنسب مختلفة و من كانت نسبة هذه الصفة عنده مرتفعه عرفه الناس و حفظت مواقفه و شاعت أخباره في كل الأرجاء فهذا سليمان عليه السلام يقول ( رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ) فيرزقه الله ذلك الملك العظيم و يسخر له الإنس و الجان و الحيوان و بعض المخلوقات فيخلد التاريخ اسمه ، و هذا يوسف عليه السلام يهبه الله الجمال ، و هذا أيوب _ عليه السلام _ يرزق الصبر ، و لقمان الحكيم الحكمة ، و رسولنا _ صلى الله عليه و سلم _ يوصف بأنه على خلق عظيم ، و خالد _ رضي الله عنه _ القيادة ، و الأحنف الحلم ..
إن هؤلاء العظام عندما يتأملهم الواحد و يتمعن في صفاتهم و يتذكر مواقفهم ، ثم يقف وقفة إجلال و إكبار لهم و لهذه الصفات النبيلة التي حملوها ، ثم ينظر إلى نفسه و هو مرتاح البال صاف المزاج في خلو من هموم الدنيا و مشكلاتها ثم يتذكر قول الشاعر :
و ليس على الله بمستغرب
أن يجمع العالم في واحد
و مع ترديده لهذا البيت و الإستغراق فيه فإنه يظن أنه لم يسبق بمثله في جميع الأعصار و الأمصار ، فتتمدد نفسه حتى لا تسعها الدنيا و السماوات ، ثم يقلب صفاتها و يود لو أنها زيدت بالشعر حتى يقول فيها ما ظنه صحيحا و يمدحها مدح شعراء البلاط لاسيادهم ،
ثم يذكر جميع الشبهات التي تردعه عن هذه الأفكار و يتهجم عليها بوحشية غير معتادة فمن الغرور إنكار هذه الميزات و إن من الكبر غمط هذه الصفات و حاملها فحري بحامل هذه الصفات أن لا يغفلها أو يتجاهلها .. و في ثوان هذا الإستغراق الجميل يأتيه إتصال من أخته الكبير :
نعم
كيفك
تمام
فيه سؤال على الطاير
حمم _ لحظة أعدل جلستي _ و في نفسي ( خوضي بحاري و اسألي عما شئتي ستجدين اللالئ و الكنوز اسألي عن الدين أو الإقتصاد أو السياسة أو عن فنون التربية أن أردتي الإستشارة فقد ربحتي و عند غايتك وصلتي هاتي ما عندك ) ..
قالت : ولدي يقول إنك أنت من علمه قوانين الشطرنج ..
و ما قالت ( شط رنج ) إلا و قد عادت النفس إلى شواطئها مفجرة كل الأوهام التي عاشتها في ردهة الخيال .. أعاذنا الله و إياكم من الغرور .
|