قراءة فى كتاب أنباء الأذكياء بحياة الأنبياء
قراءة فى كتاب أنباء الأذكياء بحياة الأنبياء
المؤلف جلال الدين السيوطى والكتاب يدور حول كون الرسل(ص) أحياء فى قبورهم والكتاب عبارة عن سؤال أجاب عليه السيوطى والسؤال هو :
"وقع السؤال: قد اشتهر أن النبي(ص) حي في قبره وورد أنه(ص) قال ما من أحد يسلم على إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام فظاهره مفارقة الروح في بعض الأوقات فكيف الجمع وهو [ص 328] "
وقد أجاب فقال مستدلا باحاديث كلها كاذبة لأنها تكذب القرآن فقال :
"سؤال حسن يحتاج إلى النظر والتأمل فأقول:
حياة النبي(ص) في قبره هو وسائر الأنبياء معلومة عندنا علما قطعيا لما قام عندنا من الأدلة في ذلك وتواترت الأخبار.
وقد ألف البيهقي جزءا في حياة الأنبياء في قبورهم. فمن الأخبار الدالة على ذلك:
ما أخرجه مسلم عن أنس أن النبي(ص) ليلة أسرى به مر بموسى عليه السلام وهو يصلي في قبره، وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس أن النبي(ص) مر بقبر موسى عليه السلام وهو قائم يصلي فيه.
وأخرج ابو يعلي في مسنده والبيهقي في كتاب حياة الأنبياء عن أنس أن النبي(ص) قال:
الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن يوسف بن عطية قال:
سمعت ثابتا البناني يقول لحميد الطويل هل بلغك أن أحدا يصلي في قبره إلا الأنبياء قال لا.
وأخرج أبو داود والبيهقي عن أوس بن أوس الثقفي عن النبي(ص) أنه قال:
من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي الصلاة فيه فإن صلاتكم تعرض علي قالوا يا رسول الله وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت يعني بليت فقال أن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسام الأنبياء.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان والأصبهاني في الترغيب عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله(ص) من صلى علي عند قبري سمعته ومن صلى علي نائيا بلغته.
وأخرج البخاري في تاريخه عن عمار سمعت النبي(ص) يقول:
أن لله تعالى ملكا أعطاه أسماع الخلائق قائم على قبري فما من أحد يصلي علي صلاة إلا بلغتها.
وأخرج البيهقي في حياة الأنبياء والأصبهاني في الترغيب عن أنس قال:
قال رسول الله(ص) من صلى علي مائة في يوم الجمعة وليلة الجمعة قضى الله له مائة حاجة سبعين من حوائج الآخرة وثلاثين من حوائج الدنيا ثم وكل الله بذلك ملكا يدخله علي في قبري كما يدخل عليكم الهدايا أن علمي بعد موتي كعلمي في الحياة، ولفظ البيهقي يخبرني من صلى علي باسمه ونسبه فأثبته عندي في صحيفة بيضاء.
وأخرج البيهقي عن أنس عن النبي(ص) قال:
أن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ولكنهم يصلون بين يدي الله حتى ينفخ في الصور.
وروى سفيان الثوري في الجامع قال:
قال شيخ لنا عن سعيد بن المسيب قال ما مكث نبي في قبره أكثر من أربعين حتى يرفع. قال البيهقي فعلى هذا يصيرون كسائر الأحياء يكونون حيث ينزلهم الله.,
ثم قال البيهقي:
ولحياة الأنبياء بعد موتهم شواهد. فذكر قصة الإسراء في لقيه جماعة من الأنبياء وكلمهم وكلموه، وأخرج حديث أبي هريرة في الإسراء وفيه "وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلى فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوة وإذا عيسى بن مريم قائم يصلي وإذا إبراهيم قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم يعني نفسه فحانت الصلاة فأممتهم".
وأخرج حديث "أن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق" وقال: هذا إنما يصح على أن الله رد على الأنبياء أرواحهم وهم احياء عند ربهم كالشهداء فإذا نفخ في الصور النفخة الأولى صعقوا فيمن صعق ثم لا يكون ذلك موتا في جميع معانيه إلا في ذهاب الاستشعار انتهى.
وأخرج أبو يعلي عن أبي هريرة سمعت رسول الله(ص) يقول:
والذي نفسي بيده لينزلن عيسى بن مريم ثم لئن قام على قبري فقال يا محمد لأجيبنه.
وأخرج أبو نعيم في دلائل النبوة عن سعيد بن المسيب قال: لقد رأيتني ليالي الحرة وما في مسجد رسول الله(ص) غيري وما يأتي وقت صلاة إلا سمعت الآذان من القبر.
وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن سعيد بن المسيب قال:
لم أزل أسمع الآذان والإقامة في قبر رسول الله(ص) أيام الحرة حتى عاد الناس.
وأخرج ابن سعد في الطبقات عن سعيد بن المسيب أنه كان يلازم المسجد أيام الحرة والناس يقتتلون قال: فكنت إذا حانت الصلاة أسمع آذانا يخرج من قبل القبر الشريف.
وأخرج الدارمي في سنده قال أنبأنا مروان بن محمد عن سعيد ابن عبد العزيز قال: لما كان أيام الحرة لم يؤذن في مسجد النبي(ص) ثلاثا ولم يقم ولم يبرح سعيد بن المسيب المسجد وكان لا يعرف وقت الصلاة إلا بهمهة يسمعها من قبر النبي(ص) معناه فهذه الأخبار دالة على حياة النبي(ص) وسائر الأنبياء وقد قال تعالى في الشهداء (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل [ص 330] الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون). والأنبياء أولى بذلك فهم أجل وأعظم وما نبي إلا وقد جمع مع النبوة وصف الشهادة فيدخلون في عموم لفظ الآية.
أخرج أحمد وأبو يعلي والطبراني والحاكم في المستدرك والبيهقي في دلائل النبوة عن ابن مسعود قال:
لأن أحلف تسعا أن رسول الله(ص) قتل قتلا أحب إلى من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل وذلك أن الله اتخذه نبيا واتخذه شهيدا.
وأخرج البخاري والبيهقي عن عائشة قالت:
كان النبي(ص) يقول في مرضه الذي توفي فيه لم أزل أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أو إن انقطع أبهري من ذلك السم.
فثبت كونه(ص) حيا في قبره بنص القرآن أما من عموم اللفظ وأما من مفهوم الموافقة.
قال البيهقي في كتاب الاعتقاد:
الأنبياء بعد ما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم كالشهداء.
وقال القرطبي في التذكرة في حديث الصعقة نقلا عن شيخه: الموت ليس بعدم محض وإنما هو انتقال من حال إلى حال. ويدل على ذلك أن الشهداء بعد قتلهم وموتهم أحياء يرزقون فرحين مستبشرين. وهذه صفة الأحياء في الدنيا وإذا كان هذا في الشهداء فالأنبياء أحق بذلك وأولى. وقد صح أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء. وأنه(ص) اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس وفي السماء ورأى موسى قائما يصلي في قبره. وأخبر(ص) بأنه يرد السلام على كل من يسلم عليه، إلى غير ذلك مما يحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما هو راجع إلى أن غيبوا عنا بحيث لا ندركهم وإن كانوا موجودين أحياء وذلك كالحال في الملائكة فإنهم موجودون أحياء ولا يراهم أحد من نوعنا إلا من خصه الله بكرامته من أوليائه انتهى.
وسئل البارزي عن النبي(ص) هل هو حي بعد وفاته فأجاب أنه(ص) حي.
قال الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي الفقيه الأصولي شيخ الشافعية في أجوبة مسائل الجاجرميين قال المتكلمون المحققون من أصحابنا أن نبينا(ص) حي بعد وفاته وإنه يسر بطاعات أمته ويحزن بمعاصي العصاة منهم وأنه تبلغه صلاة من يصلى عليه من أمته، وقال أن الأنبياء لا يبلون ولا تأكل الأرض منهم شيئا. وقد مات موسى في زمانه وأخبر نبينا(ص) أنه رآه في قبره مصليا. وذكر في حديث المعراج أنه رآه في السماء الرابعة وأنه رأى آدم في السماء الدنيا ورأى إبراهيم وقال له مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح وإذا صح لنا هذا الأصل قلنا نبينا(ص) قد صار حيا بعد وفاته وهو على نبوته هذا آخر كلام الأستاذ.
وقال الحافظ شيخ السنة أبو بكر البيهقي في كتاب الاعتقاد: الأنبياء (ص) بعد ما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم كالشهداء وقد رأى نبينا(ص) جماعة منهم وأمهم في الصلاة وأخبروا خبر صدق أن صلاتنا معروضة عليه وإن سلامنا يبلغه وأن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء. قال: وقد أفردنا لإثبات حياتهم كتابا قال وهو بعد ما قبض نبي الله ورسوله وصفيه وخيرته من خلقه(ص). اللهم أحينا على سنته وأمتنا على ملته واجمع بيننا وبينه في الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير انتهى جواب البارزي.
وقال الشيخ عفيف الدين اليافعي:
الأولياء ترد عليهم أحوال يشاهدون فيها ملكوت السماوات والأرض وينظرون الأنبياء أحياء غير أموات كما نظر النبي(ص) إلى موسى عليه السلام في قبره قال وقد تقرر أن ما جاز للأنبياء معجزة جاز للأولياء كرامة بشرط عدم التحدي قال ولا ينكر ذلك إلا جاهل ونصوص العلماء في حياة الأنبياء كثيرة فلنكتف بهذا القدر.
(فصل) وأما الحديث الآخر فأخرجه أحمد في مسنده وأبو داود في سننه والبيهقي في شعب الإيمان من طريق أبي عبد الرحمن المقري عن حيوة بن شريح عن أبي صخر عن يزيد بن عبد الله بن قشيط عن أبي هريرة أن رسول الله(ص) قال:
ما من أحد يسلم علي إلا رد الله إلي روحي حتى أرد عليه السلام.
ولا شك أن ظاهر هذا الحديث مفارقة الروح لبدنه الشريف في بعض الأوقات وهو مخالف للأحاديث السابقة وقد تأملته ففتح علي في الجواب عنه بأوجه:
الأول وهو أضعفها:
أن يدعى أن الراوي وهم في لفظة من الحديث حصل بسببها
الإشكال وقد ادعى ذلك العلماء في أحاديث كثيرة لكن الأصل خلاف ذلك فلا يعول على هذه الدعوى.
الثاني: وهو أقواها ولا يدركه إلا ذو باع في العربية:
أن قوله رد الله جملة حالية وقاعدة العربية أن جملة الحال إذا وقعت فعلا ماضيا قدرت فيها قد كقوله تعالى (أو جاؤكم حصرت صدورهم) أي قد حصرت وكذا تقدر هنا والجملة ماضية سابقة على السلام الواقع من كل أحد. وحتى ليست للتعليل بل مجرد حرف عطف بمعنى الواو فصار تقدير الحديث:ما من أحد يسلم علي إلا قد رد الله علي روحي قبل ذلك فأرد عليه.
وإنما جاء الإشكال من ظن أن جملة رد الله علي بمعنى الحال أو الاستقبال. وظن أن حتى تعليلية وليس كذلك. وبهذا الذي قررناه ارتفع الإشكال من أصله وأيده من حيث المعنى أن الرد ولو أخذ بمعنى الحال والاستقبال لزم تكرره عند تكرر المسلمين وتكرر الرد يستلزم تكرار المفارقة وتكرار المفارقة يلزم عليه محذوران أحدهما تأليم، الجسد الشريف بتكرار خروج الروح منه أو نوع ما من مخالفة التكريم إن لم يكن تأليم، والآخر مخالفة سائر الناس الشهداء وغيرهم. فإنه لم يثبت لأحد منهم أن يتكرر له مفارقة الروح وعودها في البرزخ. والنبي(ص) أولى بالاستمرار الذي هو أعلى رتبة، ومحذور ثالث وهو مخالفة القرآن فإنه دل على أنه ليس إلا موتتان وحياتان وهذا التكرار يستلزم موتات كثيرة وهو باطل، ومحذور رابع وهو مخالفة الأحاديث المتواترة السابقة وما خالف القرآن والمتواتر من السنة وجب تأويله وإن لم يقبل التأويل كان باطلا فلهذا وجب حمل الحديث على ما ذكرناه.
|