نقد كتاب أدب الاختلاف
نقد كتاب أدب الاختلاف
المؤلف عبد الله بن بيه وقد استهل الكلام ببيان معنى الاختلاف والخلاف ووقوعهما في آيات القرآن فقال :
مقدمة:
الاختلاف هو التباين في الرأي والمغايرة في الطرح وقد ورد فعل الاختلاف كثيرا في القرآن الكريم قال تعالى:{ فاختلف الأحزاب من بينهم } (مريم) ،وقال تعالى:{ يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون }(البقرة) ،وقال تعالى:{ و ما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جائتهم البينات }(البقرة) ،وقال تعالى:{ وما اختلفتم فيه من شيء... }
أما الخلاف فهو مصدر من خالف إذا عارضه ،قال تعالى:{ وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه } (هود) ،وقال تعالى:{ فليحذر الذين يخالفون عن أمره }
وجاء بصيغة المصدر قال تعالى{ لا يلبثون خلافك إلا قليلا } ،وقال تعالى{ وأرجلهم من خلاف}
والاختلاف قد يوحي بشيء من التكامل والتناغم كما في قوله تعالى { فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها } (فاطر).
وأما الخلاف فإنه لا يوحي بذلك وينصب الاختلاف غالبا على الرأي اختلف فلان مع فلان في كذا والخلاف ينصب على الشخص.
ثم إن الاختلاف لا يدل على القطيعة بل قد يدل على بداية الحوار فإن ابن مسعود اختلف مع أمير المؤمنين عثمان في مسألة إتمام الصلاة في سفر الحج ولكنه لم يخالف بل أتم معه وقال : الخلاف شر.
قد يدل الخلاف على القطيعة.
هذا الإيحاءات والظلال جعلتنا نفضل كلمة الاختلاف التي قد تكون مقدمة للتفاهم والتكامل على كلمة الخلاف وإن كان العلماء يستعملون كلتا الكلمتين لتأدية نفس المعنى باعتبارهما من المترادف فتتعاوران وتتعاقبان ."
وفيما سبق بين تفضيله لكلمة الاختلاف للدلالة على التفاهم وهو كلام مبنى على خطأ لفهم آيات القرآن :
هناك اختلافات أرادها الله كما في المخلوقات في الألوان والألسن وكما في اختلاف ما يفضله البشر من أنواع الطعام كما قال تعالى:
" ونفضل بعضها على بعض في الأكل "
وكذلك ما جعل فيه اختيارات من الأحكام كاختيار الزوج واختيار الزوجة واختيار الحكم المنفذ في القتل قصاص أو عفو مع دية أو عفة بدون دية أو اختيار الحكم المنفذ في الحرابة كالقتل بالسيف أو تقطيع الأيدى والأرجل من خلاف أو التغريق في الماء وهو النفى من الأرض
وأما الاختلاف المحرم فهو الاختلاف في الحكم وهو مدار هذا البحث وقد حرم الله الاختلاف في الأحكام تماما لأنه أنزل الكتاب فيه حكم كل شىء فقال :
" ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
وبين الله أن هدى المؤمنين إلى حكمه في كل شىء بحيث لا يختلفون من خلال إذنه وهو وحيه فقال :
فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه
ومن ثم لا يوجد اختلاف بين المسلمين في حكم أى قضية وإنما الاختلاف خارج نطاق الوحى من خلال الأخذ بروايات تعارض كتاب الله أو الأخذ بهوى النفس وما شابه
وتحدث بن بيه عن الكلمات ذات المعنى الواحد مع الاختلاف كالنزاع والشقاق فقال :
"الكلمات ذات العلاقة :
هناك كلمات قوية في دلالتها على اشتداد الخلاف كالنزاع والشقاق وهو الوقوف في شق أي في جانب يقابل ويضاد الجانب الآخر.
الاختلاف ظاهرة لا يمكن تحاشيها باعتبارها مظهرا من مظاهر الإرادة التي ركبت في الإنسان إذ الإرادة بالضرورة يؤديان إلى وقوع الاختلاف والتفاوت في الرأي.
وقد انتبه لذلك العلامة ابن القيم عندما يقول : "وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه لتفاوت أغراضهم وأفهامهم وقوى إدراكهم ولكن المذموم بغي بغضهم على بغض وعدوانه" ( إعلام الموقعين)
فإن الشقاق يمكن تفاديه بالحوار الذي من شأنه أن يقدم البدائل العديدة لتجنب مأزق الاصطدام في زاوية الشقاق."
وابن القيم مخطىء في قولته والكفار هم من اوقعوا الاختلاف في الأحكام لأن الله نص على وجود حكم لكل شىء أى قضية فقال:
" وما تنازعتم فيه من شىء فردوه إلى الله "
وقال:
" وما اختلفتم فيه من شىء فحكمه إلى الله "
ومن ثم انتهى الاختلاف المزعوم
وابن بيه بنى بحثه على مقولة كاذبة وهو وقوع الاختلاف بين المسلمين في أحكام الله فقال :
"ونحن في ورقتنا هذه إنما نبحث عن البدائل انطلاقا من الشريعة الإسلامية نصوصا ومقاصد وأصولا وفروعا وتطبيقات بنماذج تاريخية .
الباعث : إن الباعث على هذه الورقة هو ملاحظة لا تعزب عن بال أحد بل لا تغرب عن حواسه تتمثل في اختلاف كثير تصديقا لقوله (ص){ وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا } .
وهو اختلاف انتشر في الأمة أفقيا وعموديا في كل الفئات وعلى مختلف المستويات. تعددت أسبابه وتنوعت ألوانه واستعلمت فيه كل الوسائل من تكفير وتفسيق وتبديع وتشويه وتسفيه وما شئت من مصدر على وزن تفعيل.
وأستعمل فيه الخصوم كل أدوات الدفاع والهجوم وضاقت بالحياد فيه الأرض بما رحبت فالكل متهم والكل براء وأعجز داء الأمة الدواء فحضر الشهود إلا شاهد العقل واستحضرت الحجج إلا حجة الإنصاف ( وما أبرئ نفسي ).
ونحن هنا لا نحاول إصدار فتاوى في مسائل الاختلاف ولا تحضير بلسم سحري يبرء الأوصاب لأن ذلك ليس في مقدورنا ولا في طاقتنا فقد نتكلف شططا ونكلفكم عناء وعنتا لو حاولنا ذلك ، وقد يكون من المفارقات أن أطلب من الآخرين التواضع والنسبية في الحكم ، وفي الوقت نفسه أصدر أحكامه باتة في قضاياهم.
إن محاولتنا تعنى بحثا عن كيفية تعقيل أو عقلنة جدلنا وتنظيم اختلافاتنا وترتيب درجات سلم أولوياتنا وتحسين نياتنا وإرادتنا على ضوء ما يستخلص من نصوص شرعية حاكمة وآثار عن السلف شارحة وممارسات رشيدة هادية. إذ من شأن ذلك أن يقلل من الخلاف أو ينزع فتيل ناره لتصبح بردا وسلاما."
وكعادة الفقهاء بعضهم يبنى كلامه على كلام بشر سابق له بدلا من أن يبنى كلامه على كلام الخالق ومن ثم يصر على الاستشهاد بكلام ابن القيم في وجود الاختلاف فيقول:
"يقول العلامة ابن القيم : " فإذا كان الاختلاف على وجه لا يؤدي إلى التباس والتحري وكل من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله لم يضر ذلك الاختلاف فإنه أمر لا بد منه في النشأة الإنسانية لأنه إذا كان الأصل واحدا والغاية المطلوبة واحدة والطريقة المسلوكة واحدة لم يكد يقع اختلاف وإن وقع كان اختلافا لا يضر كما تقدم من اختلاف الصحابة ) (الصواعق المرسلة ج 2 ص 519 )
كيف نجعل اختلافنا من هذا النوع الذي أشار إليه ابن القيم ؟ فإذا ذلك غرضنا فلننتقل إلى تأصيل أهمية الألفة وإصلاح ذات البين."
وبالقطع لو فقه القوم قوله تعالى :
" وأن هذه أمتكم أمة واحدة "
لعلموا أنه لا يوجد اختلاف لأن الوحدة تدل على البوحدة وليس على الاختلاف
الغريب أن الرجل رغم اعترافه بوجود الاختلاف والخلاف واستمرارهم فهو يحاول جمع المسلمين على حبل الله وهو كتابه فيقول :
"تأصيل الألفة والاعتصام بحبل الجماعة :
إنه من المعلوم ضرورة من الذين قال تعالى { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}،{ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم }.قوتكم وجماعتكم ونصركم.
{ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البيانات}،{أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه}.
أوامر بالاعتصام بحبل الله تعالى وإقامة دينه مقرونة بنواه عن التفرق والنزاع مع التنبيه إلى النتائج الحتمية المتمثلة في الفشل الذي يعنى العجز عن الوصول إلى غاية معينة وهنا فشل الأمة وعجزها عن القيام بوظيفتها في هداية البشر والخلافة الراشدة في الأرض { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم }.
|