قراءة فى كتيب كيف ترق قلوبنا؟
قراءة فى كتيب كيف ترق قلوبنا؟
المؤلف محمد بن محمد المختار الشنقيطي وموضوع الكتاب رقة القلب وقد استهل الرجل الكتاب برقة القلب لله وهو نفسه معنى الخضوع والخشوع لله وفى هذا قال :
اخواني في الله:
إن رقة القلوب وخشوعها وانكسارها لخالقها وبارئها منحة من الرحمن وعطية من الديان تستوجب العفو والغفران، وتكون حرزا مكينا وحصنا حصينا مكينا من الغي والعصيان.
ما رق قلب لله عز وجل إلا كان صاحبه سابقا إلى الخيرات مشمرا في الطاعات والمرضاة.
ما رق قلب لله عز وجل وانكسر إلا وجدته أحرص ما يكون على طاعة الله ومحبة الله، فما ذكر إلا تذكر، ولا بصر إلا تبصر.
ما دخلت الرقة إلى القلب إلا وجدته مطمئنا بذكر الله يلهج لسانه بشكره والثناء عليه سبحانه وتعالى.
وما رق قلب لله عز وجل إلا وجدت صاحبه أبعد ما يكون عن معاصي الله عز وجل.
فالقلب الرقيق قلب ذليل أمام عظمة الله وبطش الله تبارك وتعالى.
ما انتزعه داعي الشيطان إلا وأنكسر خوفا وخشية للرحمن سبحانه وتعالى.
ولا جاءه داعي الغي والهوى إلا رعدت فرائص ذلك القلب من خشية المليك سبحانه وتعالى."
والرقة فى العرف العام للناس هى ضعف واستكانة ولكن عندما تكون الرقة هى الخشوع لله فهة عز وأى عز لأنها طاعة لله فهى ليست حنان مع الكل وإنما حنان وشدة معا كما قال تعالى :
" محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم"
وتساءل الرجل عن مصدر الرقة ثم أجاب فقال :
"القلب الرقيق صاحبه صديق وأي صديق القلب الرقيق رفيق ونعم الرفيقولكن من الذي يهب رقة القلوب وانكسارها؟
ومن الذي يتفضل بخشوعها وإنابتها إلى ربها ؟
من الذي إذا شاء قلب هذا القلب فأصبح أرق ما يكون لذكر الله عز وجل، وأخشع ما يكون لآياته وعظاته ؟
من هو ؟ سبحانه لا إله إلا هو، القلوب بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء، فتجد العبد أقسى ما يكون قلب، ولكن يأبى الله إلا رحمته، ويأبى الله إلا حلمه وجوده وكرمه.
حتى تأتي تلك اللحظة العجيبة التي يتغلغل فيها الإيمان إلى سويداء ذلك القلب بعد أن أذن الله تعالى أن يصطفى ويجتبى صاحب ذلك القلب."
وهذا الكلام عن كون تلك الرقة مصدرها الله هو مثل الكلام عن كون الغلظة مصدرها الله فالمسئول حقا هو الإنسان كما قال تعالى :
" فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"
فالله هو خالق العمل وصاحبه مصداق لقوله تعالى:
" وما تشاءون إلا أن يشاء الله"
فالفرد لا يعمل شىء إلا أن يعطيه الله القدرة على عمل فالمشيئتان تحدثان فى نفس الوقت ولكن المسئولية هى مسئولية الأفراد عن مشيئتهم
وتحدث الرجل عن انتقال الإنسان من الغلظة وهى القسوة للرقة فقال :
"فلا إله إلا الله، من ديوان الشقاء إلى ديوان السعادة، ومن أهل القسوة إلى أهل الرقة بعد أن كان فظا جافيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه، إذا به يتوجه إلى الله بقلبه وقالبه.
إذا بذلك القلب الذي كان جريئا على حدود الله عز وجل وكانت جوارحه تتبعه في تلك الجرأة إذا به في لحظة واحدة يتغير حاله، وتحسن عاقبته ومآله، يتغير لكي يصبح متبصرا يعرف أين يضع الخطوة في مسيره"
وتحدث عن كون الرقة نعمة فقال :
"أحبتي في الله:
إنها النعمة التي ما وجدت على وجه الأرض نعمة أجل ولا أعظم منها، نعمة رقة القلب وإنابته إلى الله تبارك وتعالى.
وقد أخبر الله عز وجل أنه ما من قلب يحرم هذه النعمة إلا كان صاحبه موعودا بعذاب الله، قال سبحانه:
(فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله).
ويل، عذاب ونكال لقلوب قست عن ذكر الله، ونعيم ورحمة وسعادة وفوز لقلوب انكسرت وخشعت لله تبارك وتعالى."
قطعا المشيئة مشيئة الإنسان ليست نعمة ولا نقمة فهى من تقرر مصير الإنسان
وتساءل الرجل عن كيفية الوصول لرقة القلب وأجاب فقال :
"لذلك – أخواني في الله – ما من مؤمن صادق في إيمانه إلا وهو يتفكر كيف السبيل لكي يكون قلبي رقيقا؟
كيف السبيل لكي أنال هذه النعمة ؟
فأكون حبيبا لله عز وجل، وليا من أوليائه، لا يعرف الراحة والدعة والسرور إلا في محبته وطاعته سبحانه وتعالى، لأنه يعلم أنه لن يحرم هذه النعمة إلا حرم من الخير شيئا كثيرا.
ولذلك كم من أخيار تنتابهم بعض المواقف واللحظات يحتاجون فيها إلى من يرقق قلوبهم فالقلوب شأنها عجيب وحاله غريب.
تارة تقبل على الخير، وإذا بها أرق ما تكون لله عز وجل وداعي الله.
لو سألت أن تنفق أموالها جميعا لمحبة الله لبذلت، ولو سألت أن تبذل النفس في سبيل الله لضحت.
إنها لحظات ينفح فيها الله عز وجل تلك القلوب برحمته.
وهناك لحظات يتمعر فيها المؤمن لله تبارك وتعالى، لحظات القسوة، وما من إنسان إلا تمر عليه فترة يقسو فيها قلبه ويتألم فيها فؤاده حتى يكون أقسى من الحجر والعياذ بالله."
وكلام الشنقيطى هنا خاطىء فالقسوة وهى الغلظة ليست كلها ذنوب والرقة ليست كلها حسنات وإنما بعضها ذنوب فمثلا أمر الله بالغلظة فى القتال فقال :
" جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم"
واعتبر الرقة وهى الرحمة فى حق الكفار المحاربين كفر إذا تكررت الاعتداءات ولذا قال :
" وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به"
وحدثنا عن أسباب الرقة وأسباب القسوة فقال:
"وللرقة أسباب، وللقسوة أسباب :
الله تبارك وتعالى تكرم وتفضل بالإشارة إلى بيانها في الكتاب
فما رق القلب بسبب أعظم من سبب الإيمان بالله تبارك وتعالى.
ولا عرف عبد ربه بأسمائه وصفاته إلا كان قلبه رقيقا لله عز وجل، وكان وقافا عند حدود الله.
لا تأتيه الآية من كتاب الله، ويأتيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال بلسان الحال والمقال:
(سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير).
فما من عبد عرف الله بأسمائه الحسنى وتعرف على هذا الرب الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إلا وجدته إلى الخير سباق، وعن الشر محجام.
فأعظم سبب تلين به القلوب لله عز وجل وتنكسر من هيبته المعرفة بالله تبارك وتعالى، أن يعرف العبد ربه"
الشنقيطى هنا يخلط بين معنيين :
الأول الرقة التى هى عند العامة الحنان والرحمة
الثانى الرقة بمعنى الخشوع لله
وفى الفقرة السابقة اعتبر معنى العامة وهو ما يخالف كتاب الله فالرقة والشدة عند المسلم سببهما واحد وهو خوف عذاب الله ورجاء رحمته
وكرر الشنقيطى الحديث عن كون سبب الرقة معرفة الله فقال :
"أن يعرفه، وما من شيء في هذا الكون إلا ويذكره بذلك الرب.
يذكره الصباح والمساء بذلك الرب العظيم.
وتذكره النعمة والنقمة بذلك الحليم الكريم.
ويذكره الخير والشر بمن له أمر الخير والشر سبحانه وتعالى.
فمن عرف الله رق قلبه من خشية الله تبارك وتعالى.
والعكس بالعكس فما وجدت قلبا قاسيا إلا وجدت صاحبه أجهل العباد بالله عز وجل، وأبعدهم عن المعرفة ببطش الله، وعذاب الله وأجهلهم بنعيم الله عز وجل ورحمة الله."
ومعرفة الله على نوعين :
الأول معرفة قلبية فهو يعرف أن الخالق وهو الإلأه وحده ومع هذا لا يعمل بكلامه
الثانى معرفة قلبية عملية وهى التى يصف الله بها المؤمنين فيقوا الذين آمنوا فى قلوبهم وعملوا الصالحات استجابة لكلام الله
فالمعرفة إذا وحدها لا تكفى وإنما لابد من الايمان والعمل
وحدثنا عن كون الجهل بالله هو سبب الغلظة فقال :
"حتى إنك تجد بعض العصاة أقنط ما يكون من رحمة الله، وأيئس ما يكون من روح الله والعياذ بالله لمكان الجهل بالله.
فلما جهل الله جرأ على حدوده، وجرأ على محارمه، ولم يعرف إلا ليلا ونهارا وفسوقا وفجورا، هذا الذي يعرفه من حياته، وهذا الذي يعده هدفا في وجوده ومستقبله.
لذلك – أحبتي في الله – المعرفة بالله عز وجل طريق لرقة القلوب، ولذلك كل ما وجدت الإنسان يديم العبرة، يديم التفكر في ملكوت الله، كلما وجدت قلبه فيه رقة، وكلما وجدت قلبه في خشوع وانكسار إلى الله تبارك وتعالى."
وكما سبق القول الجهل والمعرفة القلبية ليسا سببا للرقة والغلظة وإنما مشيئة وهى إرادة الإنسان هى من تقرر أن يكون رقيقا أو قاسيا
وحدثنا عن السبب الثانى فى ظنه فقال :
"السبب الثاني:
الذي يكسر القلوب ويرققها، ويعين العبد على رقة قلبه من خشية الله عز وجل النظر في آيات هذا الكتاب،
النظر في هذا السبيل المفضي إلى السداد والصواب.
النظر في كتاب وصفه الله بقوله:
(كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير).
ما قرأ العبد تلك الآيات وكان عند قرأته حاضر القلب متفكرا متأملا إلا وجدت العين تدمع، والقلب يخشع والنفس تتوهج إيمانا من أعماقها تريد المسير إلى الله تبارك وتعالى، وإذا بأرض ذلك القلب تنقلب بعد آيات القرآن خصبة طرية للخير ومحبة الله عز وجل وطاعته.
ما قرأ عبد القرآن ولا استمع لآيات الرحمن إلا وجدته بعد قرأتها والتأمل فيها رقيقا قد اقشعر قلبه واقشعر جلده من خشية الله تبارك وتعالى:
|