> لكن، من بين ردود الفعل على الوثيقة قول بعض قيادات الخارج إن الوثيقة وليدة السجون والسجن إكراه؟
- ذكرت لك أن من الخارج لا يكون قيادة، وأنهم من العوام ودليل جهلهم هو في كلامهم هذا الذي يخدعون به السذج قليلي العلم.
أما قولهم إن الوثيقة وليدة السجن، فجوابه أن قول يوسف عليه السلام «يا صاحبي السجن أرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار» سورة يوسف 40، هذا القول هو أيضاً وليد السجن، فهل يرفضه مسلم لهذا السبب؟ وأنا دائماً أكرر أن (العبرة بدليل الكلام لا بمكانه).
وأما قولهم إن السجن إكراه، فأنا أعلم ذلك ولا أحتاج لمن يخبرني به بل كنت أعلّم الإخوة أحكام الإكراه والتقية والمداراة والمداهنة ومعناها وما يجوز منها عندما كنت أشرح لهم كتاب (الأدب) من صحيح البخاري في بيشاور، والآن وأنا في سجني أعلم أن لي رخصة في أن أقول ما أشاء لأرضي السلطات أو لأدفع عني أذاها، ولكنني لم أستعمل هذه الرخصة وإنما يعرف الإكراه إذا قال الشخص انه كان مكرها أو إذا قال في سجنه خلاف ما قاله في الحرية، وأنا أقر بأنه لم يقع عليّ إكراه لأكتب هذه الوثيقة، كما أكرر بأن ما قلته في السجن في (الوثيقة) هو ما قلته للإخوة منذ العام 1992 كما ذكرت من قبل، وبعض مسائل الوثيقة موجود في كتابي «الجامع» الذي سرقه الظواهري وحرفه.
ثم هل يقول المكره كل هذا الكلام الذي في الوثيقة؟ المكره يقول كلمتين ليخلص نفسه، ولا يذكر ما في الوثيقة من شرح واستدلال، أين ذهبت عقولكم؟ كالذين قالوا إن الذي علم النبي (صلى الله عليه وسلم) القرآن هو بحيرى الراهب، مع أنه لا يتكلم العربية ولم يره إلا مرة واحدة وهو صبي، فهل علمه كل هذا القرآن والحديث في مرة؟
عملية قطارات مدريد (أ ف ب)
ثم إنني أقول: إن لا من العلم ولا من العقل أن يهاجم أحد شيئاً لم يطلع عليه، وهم هاجموها قبل اكتمال نشرها، وهم بذلك يضعون بأنفسهم في عداد الحمقى والجاهلين الذي يحكمون على الشيء قبل معرفته، والله يقول: «وما شهدنا إلا بما علمنا» (يوسف 81 ).
ثم إنني أقول: لماذا يخافون من كلامي؟ وأنا لم أطلب من أحد أن يوافق على «الوثيقة»، ولست أمير تنظيم لألزم أتباعي الموافقة عليها، ولست شيخ الإسلام، ولا مفتي الديار، أم أنهم يعلمون أنهم لن يتمكنوا من سرقتها وتحريفها كما فعلوا بكتابي «الجامع» فيريدون أن يشوهوها قبل صدورها؟ هذه هي الحقيقة، إنهم يريدون أن تستمر معاناة الإخوة ومآسيهم في مختلف سجون العالم كي تستمر دكاكين قيادات الخارج مفتوحة وخزائنهم عامرة وصورهم في الفضائيات كل حين، ولهذا فإنهم ينفخون في النيران من بعيد لبعيد ليحترق بها غيرهم كم يفعل بن لادن وتابعه الظواهري اللذان يهربان من الميدان عن أول خطر.
> هناك من قال إن الذين كتبوا في السجن كابن تيمية وسيد قطب لم يتراجعوا أو يبدّلوا رأيهم بخلاف ما فعلت أنت؟
- هذا أيضاً من الجهل المزدوج: أولاً: لأن التراجع أو تبديل الرأي لا يذم إلا إذا خالف الدليل الشرعي، أما إذا كان من أجل النزول على الدليل الشرعي بعد وضوحه فهذا من الرجوع المحمود، والمؤمن أوّاب.
فقد قال عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري لما ولاّه القضاء: «ولا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس ثم هديت فيه إلى الرشد أن ترجع فيه إلى الحق، فإن الحق قديم»، هذا حاصل كلامه، وقد شرحه ابن القيّم في أول كتابه «إعلام الموقعين» رضي الله عنه. ونشأ أبو الحسن الأشعري على مذهب ضال ثم اعتزل الناس أربعين يوماً يدرس مذهب أهل السنّة ثم خرج فصعد المنبر وخلع ثوبه وقال للناس: «إنه قد انخلع من مذهبه السابق كما خلع ثوبه ويقول بمذهب أهل السنّة)». وكتب في هذا كتابه «الإبانة عن أصول الديانة».
والشافعي كتب مذهبه في العراق ثم غير فيه أشياء في مصر، وابن تيمية كان يمدح محيي الدين بن عربي لما قرأ كتابه «الفتوحات المكية»، فلما قرأ كتابه «فصوص الحكم» أدرك أنه زنديق، ونقل رأي عز الدين بن عبدالسلام في زندقة ابن عربي، بالمجلد الثاني من (مجموع فتاوى ابن تيمية رحمه الله)، فتبديل الرأي ليس عيباً إذا كان عن دليل شرعي أو بسبب حصول مزيد علم أو تغير الواقع فيختار له ما يناسب من الشرع، وقد فعل هذا أكابر العلماء وبه نصح عمر أبا موسى الأشعري رضي الله عنهما.
وأقول لهؤلاء الجهال: هل كان الله سبحانه متراجعاً عندما قال: «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله». الأنفال 39، ثم قال بعدها: «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله» الأنفال 61؟ مع أن القتال ضد السلم. وأقول لهؤلاء: هل كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) متراجعاً عندما قاتل كفار قريش في بدر وأحد والخندق ثم صالحهم في الحديبية؟ والصلح ضد القتال.
وأفتى عز الدين بن عبدالسلام رحمه الله رجلاً ثم تبين له خطأ ما أفتى به، فأرسل منادياً ينادي في المدينة ليعود إليه المستفتي ليخبره بالصواب، وهذا من آداب المفتي كما ذكر ابن القيم في إعلام «الموقعين» جـ 4.
حقيقة الأمر هي كما قال بعض السلف: «لو سكت الجاهل سقط الخلاف».
ثانياً: أين التراجع في (الوثيقة) وقد نهيت الظواهري وجماعته عن الصدام في مصر منذ 1992 حتى قال لي مجدي كمال «انتهى وقت الكلام وجاء وقت العمل»، وليسألوا الظواهري الذي تحول هو وأتباعه إلى عملاء للاستخبارات السودانية، ثم لما انهار التنظيم وسقطوا بين قتيل وأسير وطريد أعلن عن وقف العنف العام 1995، ثم أرسلوا إليّ يطلبون أن أعيد صلتي بهم، فقلت لهم: هيهات، فما زدت في (الوثيقة) على أن كتبت ما قلت لهم وكررته منذ العام 1992، فأين التراجع والتبديل؟
بل إن بعض ما في «الوثيقة» موجود في كتابي «الجامع» الذي سرقه الظواهري وحرفه حتى لا يعرف الناس عيوب الحركات الإسلامية ومخازيها، فأين التبديل، والفقيه هو من يختار من الشرع ما يناسب الواقع من حرب أو سلم أو صلح أو غير ذلك، لا من يقف في قالب جامد يورد أصحابه المهالك بجهله بالشريعة.
الظواهري طلب من أميركا أن تتفاوض معهم (صحيفة «الحياة» عدد 21/12/2006 صـ 4 في نهاية 2006)، فأين (الصامدون) وأين (الثابتون على العهد) ومن المتراجع والمبدل؟، وسبقه إلى ذلك شيخه بن لادن الذي طلب الهدنة من أميركا أول 2006 (صحيفة «الحياة» عدد 20/1/2006 ) فها هم يطلبون الهدنة والتفاوض بعدما وصلوا إلى طريق مسدود، وبعدما خانوا الصديق وغدروا بالعدو وجلبوا الكوارث على المسلمين ودمروا «طالبان» والعراق وهربوا عن نسائهم وأطفالهم وإخوانهم الذين تركوهم بين أسير وقتيل وشريد، فمن الذي تراجع؟ إنهم شيوخك قادة «القاعدة» تراجعوا بعدما كذبوا وخانوا وغدروا.
> بعض الإسلاميين في الخارج تساءلوا: لماذا تكتب عن ترشيد الجهاد وقد أعلن تنظيم الجهاد عن وقف عملياته بمصر منذ العام 1995؟
- لا أكتب لجماعة أو ضد جماعة بعينها، العلم يكتب لكل الناس، أما التنظيم المذكور فقد قطعت صلتي به من أول 1993، وقد نفذ في 1995 ما نصحته به العام 1992 من عدم الصدام في مصر، ولكن وصل إلى هذه القناعة بعد انهياره وإفلاسه وتشتت أتباعه بين قتيل وأسير وطريد... وأما المخالفات الجسيمة التي ترتكب باسم الجهاد في أماكن مختلفة من العالم فما زالت تحدث خصوصاً من المتأثرين بالمنهج المنحرف لـ «القاعدة»، والمخالفات في العراق شبه يومية، ومن قريب وقع حادث قتل السياح الفرنسيين في السعودية وظهر أنهم مسلمون، ومن قريب وقع حادث تنظيم الأطباء الهنود في بريطانيا، وكل حين يسقط تنظيم من صغار الشباب في مصر ممن تم تجنيدهم من طريق الإنترنت وهؤلاء يعرفون في السجون باسم «الإخوة نت». فالقول بأن المخالفات انتهت غير صحيح وخلاف الواقع. والجهاد ماض إلى يوم القيامة، والجهاد ليس محصوراً في تنظيم معين كما يظن هذا، بل هو شريعة ماضية إلى آخر الزمان.
> بعض التنظيمات أنكرت أن تكون هناك جماعات تقتل على الجنسية وإنما في إطار حربها مع الغرب أو الانظمة العربية؟
- هذا غير صحيح لأن تنظيم القاعدة وبن لادن أعلنوا أكثر من مرة أنهم يستهدفون الأميركيين من دون تمييز، وهذا ما فعلوه في 11 أيلول وهذا قتل على الجنسية... ثم إن المتعاطفين معهم نفذوا تفجيرات مدريد في 2004 فقتلوا الاسبان من دون تمييز، وكذلك حدث في تفجيرات مترو لندن في 2005 فقتلوا البريطانيين من دون تمييز، وهذا كله قتل على الجنسية، وقد ذكرت الأدلة على فساد ذلك في (الوثيقة) وأن الانتساب إلى بلد ما ليس دليل كفر أو إيمان وليس دليل استباحة دم أو مال، فقوله هذا مكابرة، وقد قال الشاعر: «وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل».
> ما الداعي لإصدار الوثيقة والجماعات الجهادية الموجهة لها الوثيقة كانت مثلاً تبرأت علانية من الجماعة المسلحة الجزائرية لما تيقنت من إسرافها في الدماء؟
- أنا لم أوجه الوثيقة لجماعة بعينها لأنني قد يئست من إصلاح هؤلاء منذ العام 1992، وكما يقال (كبر الكبير على الأدب)، وإنما أنا أكتب لكل الناس، المسلم وغير المسلم، الموجود ومن لم يولد بعد.
أما قول هذا القائل «إنهم تبرأوا من الجماعة المسلحة الجزائرية»، فهذه العبارة تدل على جهل قائلها بالدين وعدم دراسته عقيدة أهل السنّة، لأن المسلم لا يجوز لمسلم أن يتبرأ منه إن أخطأ وإنما يتبرأ من عمله المنكر، أما الذي يتبرأ من شخصه فهو الكافر، ودليل الأول: قول الله تعالى «وأخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين فأن عصوك فقل إني بريء مما تعملون»، الشعراء 215 - 216، وأيضاً قول النبي (صلى الله عليه وسلم): «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد» «رواه البخاري... ودليل الثاني» أي التبرؤ من شخص الكافر ومن عمله قول الله تعالى: «قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برء منكم ومما تعبدون من دون الله» الممتحنة 4. فليحذر هذا الجاهل في كلامه وليتعلم دينه قبل أن ينتقد غيره، وهذه الفائدة قد نبهت عليها في «الوثيقة»، لأن قوله إنهم تبرأوا من الجماعة الجزائرية هو تكفير ضمني لها.
- وأما قوله إنهم تبرءوا من هذه الجماعة، فحقيقة الأمور غير ذلك، والصحيح أن هذا الذي يصيح من لندن هو وشيخه الظواهري لما أفلسوا في مصر تعلقوا بشيء يبقي لهم حضوراً في العمل الجهادي فظلوا يشجعون الجماعة الجزائرية في نشرات «الأنصار» و «المجاهدون» وذلك لسنين، وظلوا يبررون لهذه الجماعة قتل المدنيين وقتل النساء والأطفال وأعمال الخطف والاغتصاب، وهذا من الذي وصفته في الوثيقة بـ «فقه التبرير» كما يبررون اليوم جرائم بن لادن، فلما بلغ السيل الزبى تبرأوا من الجماعة الجزائرية بعدما ورطوها وزينوا لها أعمالها، فكانوا وهذه الجماعة كما قال الله تعالى: «كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر، فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين، فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها، وذلك جزاء الظالمين» الحشر 16-17، ثم إن هذا التبرؤ لم يستمر طويلاً فلم تمض بضع سنين حتى عادت الجماعة الجزائرية الى أحضان تنظيم القاعدة، وسمت نفسها «قاعدة الجهاد ببلاد المغرب»، فكلامه هذا خلاف الواقع والحقيقة، فضلاً عما فيه من أخطاء شرعية. وأقول لهذا الذي يصيح من لندن: تعلم دينك قبل أن تتكلم في الدين أو تنتقد.
ولا يزال القادم أخطر
المصــــــدر