والخطأ هو سؤال العصافير عن قتلها لغير الأكل فلا أحد يسأل الله في القيامة وحتى اللاعب لا يسئاه الله عن ذنبه كما قال :
ط فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان "
وتحدث ذاكرا أحاديث عن رحمة الحيوان بطرق مختلفة فقال :
"بل وردت الوصية بها في أحاديث:
[1] فروى الحارث بن أبي أسامة في «مسنده» من حديث أبي الدرداء أنه أتى بقوم قد أناخوا فحمَّلوه غِرارتين ثم عَلوْه بأخرى فلم يستطع البعيرُ أن ينهض فألقاها عنه أبو الدرداء ثم أنهضه فانتهض فقال أبو الدرداء: إن غفر الله لكم ما تأتون إلى البهائم ليغفرنَّ عظيمًا إني سمعت رسول الله (ص)يقول: (إن الله يوصيكم بهذه العُجم خيرًا أن تنزلوا بها منازلها فإذا أصابتكم سَنَة أن تنجو عليها نقيها)
[2] وعند الإمام أحمد في «مسنده» وكذا عند غيره مرفوعًا منه: «لو غفر لكم ما تأتون الرواية إلى البهائم لغَفَر كثيرًا»
[3] وعند الإمام أحمد في «مسنده» من حديث عبيد الله بن زياد أنه دخل على ابني بُسْرٍ السُّلمِيِّين فقال لهما: «يرحمكما الله الرجل منا يركب دابته فيضربها بالسوط ويكفحها باللجام هل سمعتما من رسول الله (ص)في ذلك شيئًا؟ فإذا امرأة قد نادت من جوف البيت: أيها السائل إن الله عز وجل يقول: { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ }فقالا: هذه أختنا وهي أكبر منا وقد أدركتْ رسول الله (ص)
[4] وللطبراني في «الكبير» بسند جيد عن عبد الله بن عمرو بن العاص ما أن رسول الله (ص)صلى الظهر فوجد ناقة معقولة فقال: (أين صاحب هذه الراحلة؟) فلم يستجب له أحد فدخل المسجد فصلى حتى فرغ وخرج فوجد الراحلة كما هي فقال: (أين صاحب هذه الراحلة؟) فاستجاب له فقال: أنا يا نبي الله فقال: (ألا تتقي الله عز وجل فيها؟ إما أن تعقلِها وإما أن ترسلها حتى تبتغي لنفسها)
[5] ونحوه حديث: (دَخلت امرأةٌ النارَ في هِرَّةٍ حبسَتْها حتى ماتت لا هي أطعمَتْها وسَقَتْها إذ هي حبستْها ولا هي أرسَلتها تأكلُ من خَشاش الأرض)
وبه استُدل لجواز حبس الطائر ونحوه في القفص ونحوه وكذا استنبطه أبو العباس ابن القاص من فوائد حديث: (يا أبا عُمير ما فعل النُّغَير) وسبقه لذلك البخاري فإنه ترجم في «الأدب المفرد»من تصانيفه:«الطير في القفص» وساق بسند صحيح عن هشام بن عروة قال:«كان بن الزبير بمكة وأصحاب رسول الله (ص)يحملون الطير في الأقفاص» ثم أردفه بحديث: (يا أبا عُمير ما فعل النعير )
[6] وروى أبو داود في «سننه» والطبراني وصححه ابن خزيمة وغيره من حديث سهل بن الحنظلية قال: « مرّ رسول الله (ص)ببعير قد لحق ظهره ببطنه فقال: (اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة وكلوها صالحة)» وفي رواية: _فاركبوها صحاحًا)
[7] وفي «سنن أبي داود» من حديث عبد الله بن جعفر ما أنه (ص)قال لبعض الأنصار -وقد جاء بعير له يشكوه إلى النبي (ص)وأنه يُدْئبُه في العمل ويُجيعُه-: (أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها) "
وحديث كلام البعير معجزة وقد منعها الله فقال " وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"
وتحدث عن حرمة ذبح البعر عندما يكبر سنها فقال :
"وفي رواية أن البعير كان لجماعة وأنهم قالوا: «يا رسول الله إنا سَنَوْنا عليه منذ عشرين سنة فلما كبُرتْ سنُّة وكانت عليه شُحَيمة أردنا نحره لنَقْسمه بين غلمتنا» وأنه (ص)سألهم في ابتياعه منهم فقالوا: «هو لك يا رسول الله قال: فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله» ومنعهم من نحره ومحل الإقتداء بهذا الصنيع إذا أمن الضياع ولم يجُرَّ ذلك إلى فساد منه
ونحو هذا في إعفاء الدابة من النحر قصة إغارة المشركين على سَرح الدينة وفيه العضباءُ ناقةُ النبي (ص)وكانت من سَوابق الحاجِّ وفي المأسورين امرأة من الأنصار -يُقال يُقال أنها امرأة أبي ذر ما- قال الراوي: «فكانوا إذا كانوا من الليل يريحون إبلهم في أفنيتهم قال: فنوَّموا ليلة فقامت المراة فجعلت لا تضع يدها على بعير إلا رَغًا حتى أتتعلى العَضبْاء قال: فأتَّتْ على ناقةِ ذلولٍ مُجَرَّسَةٍ -وفي رواية: وهي ناقةُ مُدَربَّةُ- فلم ترْعث قال: فركبتْها قعَدتْ في عَجُزِها ثم زجَرتْها فانطلقت ونذِرُوا بها فطلبوها فأعْجزتهم»قال: ونذرت لله إنْ نجّاها اللهُ عليها لتَنْحَرنَّها قال: فلما قدمتْ المدينة عُرفت الناقة ناقة النبي (ص)فأخبر النبي (ص)بذلك فقال: (بئس ما جَزَتْها -أو جَزَيتيها- إن الله أنجاها عليها لتنْحَرنَّها لا وفاءَ لنذْر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم) أخرجه مسلم في «صحيحه» وأبو داود وغيرهما وفي رواية عند البيهقي من حديث عمرو بن شعيب "
وتحريم ذبح الأنعام لكبر سنها أو للنجاة عليها هو تشريع لم يقله النبى (ص)لتعارضه مع قوله تعالى " أحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم " فلم يذكر الله في المحرمات الأنعام المنجو عليها أو الكبيرة السن
وتحدث عن إحسان ذبح الحيوان فقال :
وما أحسن قوله (ص) (إن الله كتبَ الإحسان على كلِّ شيء فإذا قتلتُم فأحسنوا القِتْلة وإذا ذبحتُم فأحسنوا الذِّبْحة وليُحِدَّ أحدُكم شفْرَته وليُرحْ ذبيحته) (لا تُنزعُ الرحمةُ إلا من شقيٍّ) (من رحم ولو ذبيحة يوم القيامة) (والشاة إن رحمتها رحمك الله) ... في أحاديث كثيرة يندرج فيها ما نحن فيه"
كما تحدث وجوب الرفق بأولاد الدواب والطيور من خلال ابقاء لبن لرضاعتهم فقال :
ونحوها: (إذا حلبتَ شاة فأبْقِ لولدها دع دواعي اللبن) (قلموا أظفاركم لا تعطبوا بها ضروع مواشيكم)"
ونهى عن نزع أولاد الدابة منها وكذلك الطير فقال :
" (ونزل (ص)منزلًا فأخذ رجلٌ بيْضَ حُمَّرة فجاءت ترفّ على رأس النبي (ص)فقال: أيكم فجَع هذه ببيضتها؟ فقال رجل: يا رسول الله أنا أخذت بيضتها فقال النبي (ص) اردد رحمة لها) وروِّينا في «فوائد ابن ملاس» من طريق الحسن بن أبي الحسن عن أبي هريرة أن رسول الله (ص)قال: (كان فيمن كان قبلكم رجل يأتي وكْرَ طائر إذا أفرخ يأخذ فرخيه فشكا ذلك الطائر إلى الله عز وجل ما يصنع ذلك الرجل به فأوحى الله عز وجل إليه: إن هو عاد فسأهلكه فلما أفرخ خرج ذلك الرجل كما كان يخرج وأخذ سُلمًا فلما كان في طريق القرية لقيه سائل فأعطاه رغيفًا من زاده ثم مضى حتى أتى ذلك الوكر فوضع سلمه ثم صعد فأخذ الفرخين وأبواهما ينظران فقالا: يا رب إنك وعدتنا أن تهلكه إن عاد وقد عاد فأخذها فلم تهلكه قال: فأوحى الله إليهما ولم تعلما أني لا أغلب أحدًا تصدَّق في يوم -بصدقة ذلك اليوم- بميتة سوء) "
والحديث السابق لم يقله النبى(ص) لأنه اتهام لله تعالى باخلاف الوعد وهو ما لا يتفق مع قوله تعالى " إن الله لا يخلف الميعاد "
وتحدث عن القول عند ركوب الدابة فقال :
"بل وردت فيه بخصوصه أحاديث؛ منها في القول عند ركوبها رجاء التخفيف عنها:
فيروى أنه (ص)قال: (من قال إذا ركب دابة: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء سبحانه ليس له سميّ سبحان الذي سخر لنا هذا وما كما له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعليه وسلم قالت الدابة: بارك الله عليك من مؤمن خففتَ عن ظهري وأطعتَ ربك وأحسنتَ إلى نفسك بارك الله في سفرك وأنجح مقصدك)
والحديث يعارض كتاب الله مزيدا القول " والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعليه وسلم" وقول القرآن هو " وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذى سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون"
وتحدث عن مظاهر أخرى لرحمة الحيوان فقال :
"ومنها في كيفية وضع الحمل عليها مما يكون عونًا لها على السير وتخصيص كل دابة بما تطيقه والمبادرة لحلِّ الرِّحال عن النزول عنها وتقديم علفها على أكل صاحبها وكذا المباردة إلى سقيها كل ذلك شفقة عليها وإبقاء لها: ففي حديث عند الطبراني والبزار وغيرهما أنه (ص)قال: (أخِّروا الأحمال فإنَّ اليدَ مُغْلقةٌ والرِّجْلَ مُوثَقَة)
ولأبي يعلى عن عائشة قالت: «خرجت مع رسول الله (ص)في حجة الوداع وخرج معه نساؤه وكان مَتاعي فيه خف وهو على جمل ناج وكان متاع صفية في ثِقل وهو على جمل ثِفال بَطيء يَتبطأ بالركب فقال رسول الله (ص) حوِّلوا متاع عائشة على جمل صفية وحولوا متاع صفية على جمل عائشة حتى يمضي الركب»وينبغي أن لا يجمع بين ركوبه ومتاعه في الحمل إلا إن كانت الدابة المركوبة محتملة للحمل عليها؛ لأنه (ص)قال -كما سيأتي -: (اركبوها سالمة وايْتَدِعوها سالمة)
وفي «سنن أبي داود» من حديث حمزة الضَّبّيّ عن أنس بن مالك قال: «كنا إذا نزلنا منزلًا لا نسبّح حتى نحُل الرِّحال» يريد بذلك: لا نصلي سُبحة حتى نحط الرحال ونُجمَّ المطي
وكان بعض العلماء يستحب إذا نزل منزلًا أن لا يَطعَم حتى يعلف الدابة ولا يقصِّر في سقيها فقد صح أنهم قالوا: «يا رسول الله وإنَّ لنا في البَهائم لأجرًا؟» قال: (في كُلِّ ذاتِ كَبِدٍ رَطبةٍ أجْرٌ)
ومنها في كراهة وقوف الدابة وراكبها جالس على ظهرها؛ شفقة عليها: ففي «سنن أبي داود» من حديث أبي مريم عن أبي هريرة عن النبي (ص)أنه قال: (إياي أن تتخذوا [ظهور] دوابكم منابر فإن الله عز وجل إنما سخَّرها لكم لتُبْلغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجتكم)
|