وبيان هذا الإجمال بالعبارة الظاهرة أنه سبحانه وتعالى خلق مادة واحدة في كل مرتبة على حسب مقامه وهي من جهة قربها إلى المبدأ بالنسبة إلى صورها وهيئاتها فإنها حدود وأعراض تعرض تلك المادة كانت في الغاية من الشعور والإدراك فهي من حيث وحدتها وبساطتها الإضافية عين الشعور والإدراك ، ولكنها لا تلتفت إلا إلى بارئها ومبدئها ولا تتوجه إلى غيره سبحانه وهي النفس التي من عرفها فقد عرف ربه لأن معرفتها عبارة عن التوجه إليها وهي غير التوجه إلى الله تعالى"
ونلاحظ هنا تناقض كلام الرشتى فمرة يقول أن المخلوقات تتوجه إلى الله" ولا تتوجه إلى غيره سبحانه" ومرة يقول أنها ان المخلوقات تتوجه إلى نفسها بقوله" لأن معرفتها عبارة عن التوجه إليها وهي غير التوجه إلى الله تعالى"
والخطأ هو أن معرفة النفس تعنى معرفة الرب لأن العبارة كفر فمعناها أن المخلوق هو نفسه الله ولو كانت العبارة صحيحة كما يظن البعض فلماذا نسأل عن الله ونريد معرفته ؟
وتحدث عن خلق المخلوقات حيث قال سابقا أن المخلوقات خلقت كلها من نفس المادة وهى الماء ولكن بهيئات وصور متعددة ويكمل بخلق النفس التى تعرف وتشتهى وغير ذلك فيقول :
" ثم خلق الله سبحانه فيها ذكر الموجودات وصلاحية التصور بالصور والهيئات والحدود والجهات فنظرت إليها واشتغلت بها فتخصصت بتلك الجهات المذكورة واختلفت شهواتها وميولاتها واقتضاءاتها ، ثم لما دعاهم داعي الحق سبحانه بلسان أنفسهم ((ألست بربكم ، الأعراف172)) فمن مقدم بالإجابة بقوله بلى ومن مقدم فيها بقوله نعم فالأول استحق المقام في عليين والثاني استحق الهبوط في السجين وقد أشار الإمام عليه السلام إلى تلك الاقتضاءات لقوله عليه السلام في جواب القائل (كيف أجابوا و هم ذر قال جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه ، الكافي 2/12 ) وهي تلك الشؤون والإقتضاءات الموجبة للاختيار والقبول والأدبار ، فالذر هي تلك المادة المتخصصة بتلك الحدود والجهات في الصلوح والذكر القابلة لكل صورة وهيئة من صور السعادة والشقاوة والإنسانية والشيطانية وهي في تلك الحالة شاعرة عالمة بتلك الاقتضاءات والمقتضيات وهي المصححة لتحقق الاختيار والاختبار "
وحديث الذر هو حديث موضوع فمعنى الآية :
"وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا"
فأولا الآية تتحدث عن بنى آدم(ص) وليس عن آدم(ص)ومن ثم صحة للحديث ولا لفهم الآية كما هو شائع والآية تتحدث عن أن الله يأخذ الميثاق من كل الناس عن طريق الوحى المرسل لكل أهل عصر على حدة كما قال تعالى :
" واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذى واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا"
وليس أن لنا وجود سابق على وجودنا الحالى لأنه لو كان لنا وجود خلقى من قبل لعلمنا به ولكن وجودنا كان وجودا علميا لله وحده بمعنى أن قضى في لوح القدرأنه سيخلقنا في المستقبل
وعاد للحديث عن الفهم الخاطىء للآية فقال :
"وإحداثها في عالم الكون لابد منه لاقتضاء الفيض ذلك والتحقق في الكون لابد له من صورة بها يتميز مما هداها واختلاف الصور معلوم لأنه مأخوذ في حقيقتها فجعل الكل من نوع صورة واحدة إن كان على جهة الإلجاء والجبر قبيح لا يصدر عن الحكيم والاختلاف من دون داع ترجيح من غير مرجح فأهلهم الله سبحانه للاختلاف وأعطاهم قوة التميز وأذكر فيهم الاختيار وأراهم ما يحبه الله وما يكرهه من الحدود والصور والأعمال ومقتضياتها ثم كلفهم وقال ((ألست بربكم ، الأعراف172)) فاختلفوا وهو قوله ((ما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ،يونس19)) فاختلفوا في الإجابة والإنكار فقدمهم الله سبحانه وأخرهم وألبسهم صور طاعته ومعصيته بحقيقة ما هم أهله وهو قوله تعالى ((بل طبع الله عليها بكفرهم ، النساء 155)) وقوله تعالى ((يهديهم ربهم بإيمانهم ، يونس9)) وقوله ((لعناهم و جعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ، المائدة13))
فتبين لك من هذا البيان التام أن التأهب والقابلية إلى اختلاف الإجابة والإنكار بفعله سبحانه وتعالى ، فلولا أهلهم سبحانه ما قدروا على شيء وحيث ما أهلهم الله سبحانه فليس هو الذي أوقعهم في الإجابة أو الإنكار أي حتم عليهم أحد الصورتين وجبرهم عليها ، تعالى ربنا عن ذلك علوا كبيرا ، وأما تقدم بعضهم على بعض فهو بفعله سبحانه اختيارهم وإقبالهم وإدبارهم لابتداء حتى يلزم الترجيح من غير مرجح وهم كانوا شاعرين بما يكون لكل مرتبة من حكم السعادة والشقاوة إذ لو يكونوا شاعرين امتنع تكليفهم والخطاب عليهم فإنه (مح) ."
وهذا الكلام عن اختلاف إجابات الناس على ميثاقه كان في علم الله وليس انهم كفروا أو أسلموا لأنه لم يكن لهم وجود خلقى ولا يعلم بما قدره الله سواه
ثم تحدث عن جزئية أخرى من السؤال فقال:
"وقولكم والشعور لا يكون إلا بعد الكون صحيح لا شك فيه إلا أن الكون على قسمين ، كون إجمالي وهذا في المادة المطلقة الصالحة للسعادة والشقاوة قبل وقوع أحدهما عليهم كالخشبة الصالحة للصنم والسرير والباب والضريح وفي هذه المرتبة تحقق الشعور والإدراك فحصلت الإجابة ، والإنكار في الخلق الثاني بذلك الشعور وأما قبل الكون بمعنى قبل الوجود مطلق وهناك لا يصح لأنه صفة الوجود فإذا فقد الموصوف فالصفة بطريق أولى ، نعم تحقق الشعور قبل الكون الثاني المعبر عنه بالخلق الثاني مقام التمييز وتمام الأمر والحكم بالسعادة والشقاوة فافهم وفق الله لخير الدارين ."
ومعنى الكلام في كتاب الله هو:
أن المخلوق يكون عند الله في المرحلة الأولى مجرد علم له وحده بأنه سيخلق فلانا وأن عمله كذا وكذا وفى المرحلة الثانية يخلق المخلوق فعليا فيحدث المخلوق بإرادته ما كتب الله عن حياته ومصيره
وتحدث عن جزئية أخرى فقال :
"قال سلمه الله تعالى : وأرشدني إلى علم وذكر يورث فتح النور ودفع الشك والأوهام والخطورات القلبية لعل الله سبحانه يوفقني للعمل به والمواضبة عليه.
أقول : اعلم أن الذي يورث فتح النور ورفع الشكوك والأوهام هو الإخلاص المسبب للاعتصام بحبل آل محمد صلى الله عليه وعليهم والتمسك بهم والانقطاع إليهم والأعراض عما عداهم واعتقاد أن الحق لهم ومعهم وفيهم وبهم وعنهم وعندهم ومنهم فإن الخير لهم ومعهم وفيهم وهم معدنه ومأواه وميراث النبوة عندهم وإياب الخلق إليهم وحسابهم عليهم فتكثر الصلاة عليهم في آناء ليلك وأطراف نهارك ، فإن من صلى عليهم مرة واحدة صلى الله عليه في ألف صف من الملائكة طول كل صف ما بين المشرق والمغرب ، وتعرض عن كل شيء لا ينسب إليهم في كل شيء فإذا كنت كذا فتح مسامع قلبك للخير والرشد ويدفع عنك كل شك وشبه فإن الظنون والشكوك والشبهات ليست منهم ولا ترجع إليهم صلى الله عليهم ، وإنما هي من شئون أعدائهم ومعاكسيهم في عالم الظلال فإذا استشرق قلبك بنورهم وقابلت مرآة قابليتك إلى جنابهم فتذهب بنورهم كل الظلمات وترفع كل الشبهات وكن دائم الفكر في هذا العالم فهناك تؤثر كل أثر ذكر تذكر الله تعالى به ويفعل كل اسم تدعوا الله سبحانه به فتكون حينئذ كالسراج تضيء نفسك وعينك "
وهذه نصيحة تخالف كتاب الله فما أمر الله باتباع مخلوق من مخلوقات كآل محمد(ص) وقد ماتوا جميعا لأنهم هم بناته وزوجاته لأنه ذريته انقطعت بقوله تعالى :
" ما كان محمد أبا أحد من رجالكم"
ومن ثم فالموجود تاريخيا هو آل على لأن الأولاد في كتاب الله ينسبون لأبيهم :
" ادعوهم لآباءهم هو أقسط عند الله"
وإنما أمر باتباع كلامه المنزل على الرسول الأخير (ص)كما قال :
" اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم"
|