فإذا أتقن متن الآجرومية فالأولى التدرج منه إلى حفظ قطر الندى وبل الصدى للإمام أبي محمد بن هشام الأنصاري - رحمه الله - أو المقدمة الأزهرية للشيخ خالد الأزهري، فإذا حفظ هذين المتنين أو أحدهما، فالأولى الشروع في حفظ ألفية ابن مالك - رحمه الله - فإنها مغنية عن كثير من المتون النثرية والنظمية.
وهناك شروحات كثيرة للألفية منها: شرح المكودي، وشرح البهجة المرضية للسيوطي، ومؤلفا هذين الكتابين قد اعتنيا بشرح ألفاظ الألفية وبيان محتواها بشكل موجز. وهناك شروحات أضافت معلومات جديدة على ما تحتويه الألفية كشرح ابن عقيل وهو شرح متوسط ليس بالطويل ولا بالقصير، وهناك حاشية عليه مفيدة للخضري، وهناك شروح موسعة على الألفية كشرح الأشموني وعليه حاشية الصبان وشرح المرادي"
وللأسف الشديد فإن معظم تلك الكتب تشتت طالب العلم ولا تفيده خاصة أن علوم النحو واللغة ليس منها فائدة لمخالفتها القرآن فى قواعدها ومعانيها فى الغالب وكذلك كتب الفقه المذهبية التى تجعل فى بعض المسائل عشرات الآراء ولم يقل الله أن ندرس تلك الكتب بل قال شىء واحد وهو دراسة كتابه وهى لا تتم من خلال دراسة تلك الكتب لأنها لو كانت كتبا صحيحة لاتفقت كلها على مراد الله ولكن كل منها يدعى أو يزعم أن صاحب التفسير أو الرأى الصحيح خفا]ها سيصدق طالب العلم وهو يرى أن علماء المذهب الواحد فضلا عن علماء المذاهب الأخرى متفرقين
ثم نصح العلوان طالب العلم بالنصائح المعتادة مطالبا إيباه بالجد والاجتهاد فقال :
"وهذا آخر جواب السائل في بيان المتون التي ننصح طالب العلم بحفظها وإتقانها والاعتناء بها، ولا يحسن في حق طالب العلم الاشتغال عن حفظ وضبط المتون بالمطولات، وقد قيل: (من لم يتقن الأصول حرم الوصول).ونوصي طالب العلم بالجد والاجتهاد في طلب العلم والصبر والمثابرة عليه وتعهد المحفوظات بالمراجعة فمن تعهدها أمسكها، وفي إمساكها العلم الكثير، وفي إهمال وترك مراجعتها إهمال لأصل عظيم من أسباب حفظ العلم، وقد قال الإمام ابن عبد البر في التمهيد على قوله، صلى الله عليه وسلم:" إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت قال: (وفي هذا الحديث دليل على أن من لم يتعاهد علمه ذهب عنه أي من كان، لأن علمهم كان ذلك. الوقت القرآن لا غير، وإذا كان القرآن الميسر للذكر يذهب إن لم يتعاهد فما ظنك بغيره من العلوم المعهودة، وخير العلوم ما ضبط أصله واستذكر فرعه، وقاد إلى الله تعالى، ودل على ما يرضاه).
ونوصي طالب العلم بالجد في تفهم المعاني والحرص على الحفظ وعدم الملل والسآمة من ذلك، فإن الحفظ رأس المال، وقد قال بعضهم (حرف في فؤادي ولا ألف في كتابي)، وقال آخر: (ليس العلم ما حواه القمطر إنما العلم ما حواه الصدر)
وقال آخر شعراً:
العلم ويحك ما في الصدر تجمعه ... ... حفظاً وفهماً وإتقاناً فداك أبي
وقد أحسن بعضهم حيث يقول:
اصبر ولا تضجر من مطلب ... ... فآفة الطالب أن يضجرا
أما ترى الحبل بتكراره ... ... في الصخرة الصماء قد أثرا"
ونصح العلوان الطالب بمصاحبة العلماء فقال :
وعلى طالب العلم ملازمة العلماء العاملين، والاستفادة من علومهم، والصبر على ما يبدر منهم إن بدر وقد أحسن الإمام الشافعي حيث يقول:
اصبر على مر الجفا من معلم
ومن لم يذق مر التعلم ساعة
ومن فاته التعليم وقت شبابه
وذات الفتى والله بالعلم والتقى
فإن رسوب العلم في نفراته
تجرع ذل الجهل طول حياته
فكبر عليه أربعاً لوفاته
إذا لم يكونا لا اعتبار لذاته وعلى طالب العلم أن يحرص كل الحرص على العمل بالعلم، فعلم بلا عمل كشجر بلا ثمر. وقد وصف الله اليهود بالمغضوب عليهم، لأن معهم علماً لم يعملوا به فليحذر المسلم أن يتشبه بهم:
وقد قال سفيان بن عيينة (من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى)."
والخطأ فى الكلام هو وصف اليهود فقط بالمغضوب عليهم مع أن الله غضب على كل الكفار كما قال سبحانه:
"ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم"
وحذر الطالب من طلب العلم لهدف دنيوى فقال:
"وليحذر طالب العلم الداء الدفين الذي وقع فيه كثير من أبناء هذا الزمن من طلب العلم للدنيا وحطامها، فقد جاء الخبر عن سيد البشر: " من تعلم علماً مما يبتغي به وجه الله - عز وجل - لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة) رواه أبو داود وابن ماجة من حديث أبي هريرة، وفي سنده فليح بن سليمان مختلف فيه ورجح الدار قطني إرساله . وله شاهد عند الترمذي من حديث ابن عمر بلفظ: " من تعلم علماً لغير الله أو أراد به غير الله فليبتوأ مقعده من النار " وفيه نظر"
والجنون فى الحديث هو أمر الكاذب أن يتبوء مقعده من النار وقطعا الكاذب لن يذهب بنفسه النار حتى يدخلها وإنما تسوقه الملائكة فتدخله بالقوة كمما قال تعالى :
" وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا"
ثم قال :
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال: " تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعت رأسه مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع "
والحديث باطل فالمجاهد فى المسلمين هو الأعلى درجة وليس من لا يؤذن له وهو من يتولى المناصب قبل غيره كما قال تعالى :
"فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
وأما الشفاعة فى الإسلام فلا وجود لها فى الدنيا فى الأحكام سواء لمجاهد أو غيره
ونقل عن ابم القيم كلاما فى طلب أغراض الدنيا فقال :
"قال العلامة ابن القيم (كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها، فلا بد أن يقول على الله غير الحق في فتواه وحكمه في خبره وإلزامه، لأن أحكام الرب سبحانه كثيراً ما تأتي على خلاف أغراض الناس، ولا سيما أهل الرياسة والذين يتبعون الشهوات فإنهم لا تتم لهم أغراضهم إلا بمخالفة الحق ودفعه كثيراً، فإذا كان العالم والحاكم محبين للرياسة متبعين للشهوات لم يتم لهما ذلك إلا بدفع ما يضاده من الحق ولا سيما إذا قامت له شبهة فتتفق الشبهة والشهوة، ويثور الهوى فيخفى الصواب وينطمس وجه الحق، وإن كان الحق ظاهراً لا خفاء به ولا شبهة فيه أقدم على مخالفته، وقال لي مخرج بالتوبة.
وفي هؤلاء وأشباههم قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا }
وقال تعالى فيهم أيضاً: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ }
وطريق النجاة والسلامة من ذلك إخلاص العمل لله في الأقوال والأفعال والإرادات والنيات، قال تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلآَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ }
والله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لله تعالى وأريد به وجهه كما في صحيح الإمام مسلم من طريق العلاء بن عبدالرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه "
وفي صحيح مسلم أيضاً من طريق سليمان بن يسار قال تفرق الناس عن أبي هريرة فقال له ناتل أهل الشام: أيها الشيخ، حدثنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه، رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمة فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قبيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمة فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن، ليقال قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمة فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار "
والكلام هنا عن أن طلب الحق لشىء دنيوى باطل هو كلام ليس كله صحيحا فلو كان المطلوب مثلا عدم كلام الناس فلماذا أباح الله التصدق فى العلن فقال :
"الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم"
فهناك أمور يعلم الله أن النفس تواقة لها ولو كان مطلوبا ألا يقول الناس لكانت الأحكام المطلوب تنفيذها كلها فى السر ولكن هذا غير ممكن فصلاة الجماعة يوم الجمعة تؤدى علنا ومثلا من يدفعون الزكاة لابد أن يكونوا معروفين للعاملين عليها وإلا كيف سيدفعونها ؟
|