قراءة فى كتاب آداب الجوال
قراءة فى كتاب آداب الجوال
المؤلف هو محمد بن إبراهيم الحمد وهو يدور حول أحكام استخدام الهاتف الذى يسمى بالجوال والمحمول وفى المقدمة بين الرجل فوائده قائلا :
" أما، بعد:
فإن الهاتف بجميع خدماته يقوم بدور مهم، ويقدم خدمة جليلة، ويوفر جهدا كبيرا، سواء في الوقت، أو في المال، أو الذهاب، أو الإياب.
ولقد تكلم الفضلاء من أهل العلم على الهاتف وآدابه، وما يجب وما ينبغي أن يراعى في ذلك.
وعلى رأس أولئك العلامة بكر أبو زيد حيث ألف كتابه الماتع الرائع (أدب الهاتف).
وهو بسبق حائز تفضيلا
مستوجب ثنائي الجميلا
والحديث ههنا سيكون حول أدب الجوال على وجه الخصوص"
وتحدث الرجل مفرقا بين الهاتف العادى والجوال فقال :
"وما يقال في حق الهاتف العادي يقال في حق الجوال، إلا أن الجوال ينفرد في أمور خاصة قد لا توجد في الهاتف العادي؛ فالجوال في الأغلب يكون خاصا بشخص لا يرد عليه غيره، بخلاف الهاتف العادي؛ حيث يكون في مكان عام، أو مكتب أو منزل، وقد يرد عليه أكثر من شخص.
ثم إن الجوال يمتاز بخدمات أخرى لا توجد في الهاتف ولاريب أن الجوال نعمة كبيرة، يقضي بها الإنسان حاجاته بأقرب طريق، وأيسر كلفة.
ولكن هناك أمور تنافي شكر هذه النعمة، وهناك ملحوظات يحسن التنبه لها، والتنبيه عليها؛ حتى تتم الفائدة المرجوة من هذه النعمة، ولأجل ألا تكون سببا في جلب الضرر على أصحابها"
وبعد أن بين أهمية الجهاز عاد فبين انه مضار فقال :
"فمما يحسن التنبيه عليه ومراعاته في هذا الأمر ما يلي:
أولا: الاقتصاد في المكالمات: حتى لا تحصل الخسارة المالية بدون داع، ولأجل ألا يتأذى الإنسان من جراء الإطالة.
وعلى هذا فإنه يحسن بالمتصل أن يقتصد في كلامه، وأن يتجنب التطويل في المقدمات، والسؤال عن الحال.
وينبغي له أن يحذر من كثرة الاتصالات بلا داع، وأن يحذر فضول الكلام في المهاتفة؛ فإن بعض الناس قد يمتد به الحديث ساعات وساعات.
يقول العلامة بكر أبو زيد احذر فضول المهاتفة، حتى لا يصيبك سعار الاتصال؛ فكم من مصاب به؛ فمن حين يرفع رأسه من نومته يدني مذكرته _نوتته_ ولا كالطفل يلتقم ثدي أمه، فيشغل نفسه وغيره عبر الهاتف من دار إلى دار، ومن مكتب إلى آخر يروح عن نفسه، ويلقي بالأذى على غيره.
وليس لنا مع هؤلاء حديث إلا الدعاء بالعافية، وننصحهم بمعالجة وضعهم من هذا الفضول. أدب الهاتف ص32_33.
ثانيا: الحذر من إحراج المتصل عليه: كأن يمتحن المتصل المتصل عليه بقوله: هل تعرفني؟ فإذا قال: لا، بدأ يلومه، ويعاتبه على نسيانه له، وعدم تخزينه لرقم هاتفه.
مع أن المتصل عليه قد يكون ذا مكانة في العلم أو القدر أوالسن، وقد يكون ممن لا يخزن الأرقام في جواله، وقد يكون جواله مليئا ولا يتسع للمزيد؛ فأولى للمتصل أن يخبر عن اسمه في البداية إن كان يريد أن يعرف، وأن ينأى عن تلك الأساليب المحرجة.
جاء في الصحيحين عن جابر بن عبدالله
_رضي الله عنهما_ قال: أتيت النبي " فدعوت، فقال النبي ": من هذا؟ فقلت: أنا، فخرج وهو يقول: أنا أنا!! البخاري (6250)، ومسلم (2155).
ثالثا: مراعاة حال المتصل عليه، والتماس العذر له: فقد يكون مريضا، أو في مكان لا يسمح له بالتفصيل كأن يكون في مسجد، أو مقبرة، أو بين أناس لا يود أن يقطع حديثهم أو نحو ذلك؛ فإذا لم يرد، أو رد ردا مقتضبا، أو كانت الحفاوة أقل من المعتاد فعلى المتصل أن يبسط له العذر، وألا يسيء به الظن.
كما يحسن بالمتصل عليه أن يخبر المتصل فيما بعد، أو يرد عليه ردا سريعا يبين من خلاله أنه في مكان لا يسمح له بالحديث؛ فذلك أسلم للقلوب، وأبعد لها من الوحشة والنفرة.
رابعا: إغلاق الجوال أو وضعه على الصامت عند دخول المسجد: وذلك لئلا يشوش على المصلين، ويقطع عليهم خشوعهم وإقبالهم على صلاتهم.
وإذا حصل أن نسي ولم يغلقه أو يضعه على الصامت فليبادر إلى إغلاقه وإسكاته إذا اتصل أحد؛ لأن بعض الناس يدعه يرن وربما كان بنغمات موسيقية مؤذية، فلا يغلقه ولا يسكته؛ خوفا من حدوث الحركة في الصلاة.
والذي ينبغي لهذا أن يعلم أن تلك الحركة لمصلحة الصلاة، بل لمصلحة المصلين عموما.
كما ينبغي أن يبسط العذر لمن نسي إغلاق جواله أو وضعه على الصامت، وألا يشدد في النكير عليه، والنظر شزرا إليه، خصوصا إذا كان ممن يخشى نفوره، وغضبه، أو أن يكون فاضلا نسي؛ فلا يحسن إحراجه وتبكيته.
ولنا في رسول الله أسوة حسنة حينما لطف بالأعرابي الذي بال في المسجد، وأمر أن يهراق سجل أو ذنوب من ماء على مكان بوله.
جاء في صحيح البخاري(2201) عن أبي هريرة قال: قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي ": دعوه، وأهريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين.
خامسا: البعد عن استعمال النغمات الموسيقية: لما في ذلك من الحرمة، وانتقاص العقلاء لمن يستعملها، ولما فيها من التشويش والأذى.
ويقبح استعمالها إذا كان في المساجد، أو المجالس العامة.
سادسا: استعمال الجوال في مجالس العلم ومجالس الأكابر عموما: لأن استعماله يذهب بهيبة المجلس، ويقطع الفائدة على المتعلمين، ويؤذي من يلقي الدرس أو الفائدة، ويرزي بمن يستعمل الجوال في تلك المجالس.
بل ينبغي للإنسان ألا يتصل وألا يرد على المتصل إذا كان في مجلس يسوده الجد، ويتكلم فيه متكلم واحد، أو أن يكون في ذلك المجلس من يكبره في السن والقدر؛ لأن الاتصال أو الرد يقطع الحديث، ويكدر على الحاضرين، وينافي أدب المحادثة والمجالسة، قال أبو تمام:
من لي بإنسان إذا أغضبته
وجهلت كان الحلم رد جوابه
وتراه يصغي للحديث بسمعه
وبقلبه ولعله أدرى به
وقد يغتفر الاتصال أو الرد إذا كان في الأمر ضرورة، أو حاجة يخشى فواتها ويراعى في ذلك ترك التطويل.
ويغتفر أيضا لكبير القدر أو السن أن يتصل أو يرد، ويغتفر كذلك إذا كان الإنسان في مجلس إخوانه أو أصدقائه الذين يطرح الكلفة بينهم، أو الذين لم يسترسل حديثهم.
ويجمل بالمرء أيضا إذا أراد الاتصال أن يستأذن ويخرج عن المجلس.
سابعا: تسجيل المكالمات، أو وضع الجوال على مكبر الصوت بحضرة الآخرين دون علم الآخر: فقد يتصل أحد من الناس على صاحبه، أو يتصل عليه صاحبه فيسجل المكالمة، أو يضع الجوال على مكبر الصوت وحوله من يسمع الحديث.
وهذا العمل لا يليق بالعاقل خصوصا إذا كان الحديث خاصا أو سريا؛ فقد يكون ضربا من الخيانة، أو نوعا من النميمة.
ويقبح إذا كان المتصل عليه من أهل العلم ثم سجل المتصل حديثه دون إذنه، ثم نشره بعد ذلك، أو وضعه في الإنترنت، أو كتبه وزاد فيه ونقص.
قال الدكتور بكر أبو زيد لا يجوز لمسلم يرعى الأمانة ويبغض الخيانة أن يسجل كلام المتكلم دون إذنه وعلمه مهما يكن نوع الكلام: دينيا، أو دنيويا كفتوى، أو مباحثة علمية، أو مالية، وما جرى مجرى ذلك أدب الهاتف ص28.
وقال فإذا سجلت مكالمته دون إذنه وعلمه فهذا مكر وخديعة، وخيانة للأمانة.
وإذا نشرت هذه المكالمة للآخرين فهي زيادة في التخون، وهتك الأمانة.
وإن فعلت فعلتك الثالثة: التصرف في نص المكالمة بتقطيع، وتقديم، وتأخير، ونحو ذلك إدخالا أو إخراجا دبلجة فالآن ترتدي الخيانة مضاعفة، وتسقط على أم رأسك في: أم الخبائث غير مأسوف على خائن.
والخلاصة أن تسجيل المكالمة هاتفية أو غير هاتفية دون علم المتكلم وإذنه فجور، وخيانة، وجرحة في العدالة، ولا يفعلها إلا الضامرون في الدين، والخلق، والأدب، لاسيما إن تضاعفت _كما ذكر_ فاتقوا الله _
|