|
 |
25-04-2011, 01:10 PM
|
#1
|
العضو المميز لعام 2007
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
|
سلطة الرقيق في الولايات المتحدة (1783ـ1865)
آدم روثمن
(1)
(كيف يمكن لأقلية من المواطنين نيل ما يريدونه مرةً بعد مرة في ظل نظام حكم يزعم اعتماد الديمقراطية؟) فقد أصبحت هذه المسألة أساسية لاكتشاف (سلطة رقيق) في الولايات المتحدة منذ أواسط الثلاثينات من القرن التاسع عشر.
هكذا بدأ الكاتب تساؤله، ولم يكن يقصد أن الرقيق هم من يحكمون، بل أن مالكي الرقيق وبفعل الثروات التي يجنونها من وراء امتلاكهم للرقيق. وقد كتب (جون غورهام بالفري) عام 1846، بأن غالبية كبيرة من مناصب الدولة العليا، بما فيها ثلاثة أرباع المناصب في الجيش والأسطول البحري، كان يشغلها مالكو الرقيق... وأن الاسترقاق هو الديكتاتور الأكبر، فبالرغم من أن عدد المقترعين (1846) كانوا ثلاثة ملايين، من بينهم مئة ألف فقط ممن يملك الرقيق، فإن السلطة الفعلية في الولايات المتحدة لهؤلاء.
توسعت سلطات مالكي الرقيق كثيراً، وزادت أملاكهم، وتطاولوا على الأراضي المجاورة لهم وقلصوا مساحات السكان الأصليين لدرجة العدم، ولم يعيروا اهتماما للانتقادات التي كانت تظهر بالكتابات والخطابات التي تغمز في جانبهم. حتى لو كلفهم ذلك ابتعادهم عن الشأن السياسي والمواقع السلطوية، فالاقتصاد بيدهم والرقيق في المزارع والمناجم والمصانع والصادرات التي تعزز رأسمال البلاد هي بفعلهم، وبقي وضعهم المتعجرف هكذا حتى انتخاب (ابراهام لنكولن) عام 1860.
بعد انتخاب لنكولن انسحبت 11 ولاية جنوبية من الولايات المتحدة وشكلت اتحاداً جديداً، قاد الى الحرب الأهلية التي استمرت خمس سنوات، منذ 1860ـ 1865، انتهت بهزيمة الولايات الجنوبية ومقتل لنكولن، وهزيمة أنصار الاسترقاق.
(2)
تشكلت الطبقة المالكة للرقيق في الولايات المتحدة انطلاقاً من علاقاتها التطورية مع أشخاص آخرين في المجتمع الأمريكي والعالم الأطلسي الأوسع. وهي لم تكن مجمدة في التاريخ بل كانت ناشطة ومتغيرة باستمرار. وكان في عام 1790 حوالي 8 آلاف أسرة تملك رقيقاً، رغم هروب الكثير من الرقيق في حرب الاستقلال (الثورة) فقد بقي حوالي 700 ألف من الرقيق وهو عدد يساوي 18% من سكان الولايات المتحدة آنذاك.
كان الاسترقاق متفشياً في كل مناحي المجتمع الأمريكي، وكان له فلاسفته المدافعين عنه. وكان سبعة من الرؤساء الأحد عشر الأولين، يملكون رقيقاً ومن بينهم (جورج واشنطن) نفسه. وكان واشنطن أحد كبار مزارعي التبغ في فرجينيا، وكان متأرجحاً في مسألة امتلاك كائنات بشرية، وقد عبر عن ذلك بقوله إنه يرغب بإعتاق ما يملك من رقيق.
كانت صادرات القطن واحدة من أسباب موجبات الاسترقاق، فقد زاد انتاج القطن الأمريكي من 23 ألف طن عام 1800، الى حوالي 750 ألف طن عام 1860، وهو يشكل ثلثي إنتاج العالم من القطن، وكان يشكل نصف صادرات الولايات المتحدة الإجمالية. ويذهب ثلثا هذا المحصول الى بريطانيا، التي كانت تجيد تصنيعه وتسويقه لكل أنحاء العالم.
وقد أعلن عضو مجلس الشيوخ (جيمس هنري هاموند) عام 1858، مستشعراً الهجمات التي كانت توجه لمالكي الرقيق، ورابطاً إياها بإنتاج القطن وصادرات الولايات المتحدة منه (لا، إنكم لا تجرؤون على شن الحرب على القطن... القطن هو ملك)*1
وإذا كان القطن ملكاً، فإن قطاعات التبغ والسكر والرز تشكل الحاشية لهذا الملك.
لقد زاد عدد الرقيق خمس مرات، فأصبح عددهم 4 ملايين، من أصل 30 مليون عدد سكان الولايات المتحدة عام 1860.
كان حوالي 70% من مالكي الرقيق، يملكون أقل من عشرة من الرقيق، و3% فقط يملكون خمسة عشر رقيقاً فأكثر. وكان أكثر مالك للرقيق في عام 1850 (ناتانييل هيوارد) إذ كان يملك (1834) رقيقاً.
(3)
في الوقت الذي كان أعداء الاسترقاق يهاجمون أنصاره، ويصفونهم بالجشع وحب جمع المال على حساب الأخلاق. كان أنصار الاسترقاق يعددون مزاياه، فيذكرون الإنتاج المتزايد وأثره على اقتصاد البلاد، ويذكرون المزايا التي يتمتع بها مالكو الرقيق من حيث حياتهم الأرستقراطية، وتشجيعهم للفن والأدب وغيره، كما أن الرقيق أنفسهم كانوا يعيشون في أجواء إنسانية ترعاهم وتصون حقوقهم!
كما أن أنصار الاسترقاق اكتشفوا الفائدة التي يجنيها أبناء الولايات الشمالية الذين يتظاهروا بأنهم ضد الاسترقاق، فقد كانت معظم الصادرات الآتية من الجنوب (المناصر للاسترقاق)، تمر عبر وسطاء ومصدرين من الولايات الشمالية، وهم يستفيدون من هوامش إنتاج الرقيق!، كما أن بريطانيا أو غيرها من الدول الأوروبية تستفيد هي الأخرى من تلك المنتجات التي يصدرها مالكو الرقيق. وقد دعوا السكوت عن تلك المسألة بالعبارة (خيط القطن يُبقي على الاتحاد متماسكا).
كان الأدباء يبينون وجهات نظر مالكي الرقيق، والكيفية التي يتعاملون بها معهم، ويكفي قراءة رواية (كوخ العم توم) لمؤلفها (هارييت بيشر ستوو) للتدليل على ذلك.
(4)
هل كان للرقيق وجهات نظر أو نشاطات مُضادة؟
لم يصل الى صفحات الكتب الوثائقية شيءٌ يُذكر عن ثورة العبيد التي قامت في سنة 1811 إلا تاريخها. وهذا سهل الفهم لمن أراد البحث عن أسباب حجب مثل تلك المعلومات، فقد يكون هناك من حاول أن يؤرخ لها، ولكن لم يُسمح بنشره، وهذا جليٌ أيضاً في تراث المجتمع الأمريكي في ما يخص حروب البيض مع الهنود الحمر، السكان الأصليين للبلاد، فلم تعرف البشرية عن تلك الحروب سوى الصور التي كانت تُقدم بأفلام (الكاوبوي) لتبين مهارات الأبيض بالقتل!
كان مالك الرقيق يمر على أكواخ الرقيق مرتين في اليوم، في الصباح وقبل النوم. وكان يمر مرة بشكل مفاجئ أسبوعياً. وكانت العقوبات تتدرج من حرمان من الطعام والاستراحة الى الجلد أو البيع. وقد كتب أحد الرقيق (إن لم تكن في مكانك الخاص عندما يصل قاشرو الأرز (البيض) فهم سيجلدونك حتى تصبح أسود وأزرق)*2
لكن المطالبة بإنهاء الاسترقاق، توحي بأنه كان هناك نشاطات واسعة يقوم بها الرقيق ومن يناصرهم من غير الرقيق. وقد عبر الشاعر (هنري تيمرود) من تشارلستون عام 1861، (أي إبان الحرب الأهلية التي خاضها لينكولن لتحرير العبيد) في قصيدة ((نشوء العِرْق)):
... في النهاية، نحن
أمةٌ بين الأمم؛ والعالم
سيرى قريباً مرفأً بعيداً
وعلما آخر.. مرفرفاً*3
هوامش من تهميش المؤلف
*1ـ Congressional Globe, Senate, 35th Cong., appendix (1858), 70.
*2ـ Sally Hadden, Slave Patrols: Low and Violence in Virginia and the Carolinas (Cambridge, Mass,: Harvard University Press, 2001) 71
*3ـ The Poems of Henry Timrod (New York: E. J. Hale& Sons, 1872), 100
__________________
ابن حوران
|
|
|
11-05-2011, 09:49 AM
|
#2
|
العضو المميز لعام 2007
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
|
الفصل الثالث: تُجَّار وصناعيو الشمال قبل الحرب
زفن بيكر*
ص 103
خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، انحلّت بشكلٍ دراماتيكي العُرى الوثيقة للمجتمع القوي الذي كان قد تشكل من نُخب الاقتصاد الشمالي في أمريكا. وظهرت انقسامات جديدة في صفوفه جعلت العمل السياسي أمراً صعباً أكثر فأكثر. وبرز هناك من يتحدى سلطة المجتمع القديمة، وقويت تلك التحديات بعد الثورة الصناعية وبالذات بعد عام 1830. وسنمر باختصار على تلك القوى:
المزارعون الجنوبيون:
بعد الهجرات المتتالية من أوروبا الى شمال الولايات المتحدة، وانخراط هؤلاء بتجارة أو صناعة على هامش الزراعة وبالذات القطن والسكر، فقد قويت العلاقة فيما بينهم وبين مزارعي الجنوب، فاستحسن هؤلاء الاسترقاق طالما أنها تصب في مصلحة زراعة الجنوب وبالتالي مصلحتهم (في التصدير وصناعة النسيج). من هنا اكتشف المزارعون بالجنوب أن لهم أنصاراً إستراتيجيون. فأخذ التمرد على نُخب الشمال المسيطر تاريخياً يأخذ شكلاً علنياً.
التجّار
كان التجار، الى حدٍ بعيد، الشريحة الأكثر أهمية في النُخب الاقتصادية الشمالية قبل الحرب الأهلية. وفي السنوات التي تلت الثورة، كان التجار الذين جمعوا ثرواتهم من خلال استفادتهم من تمويل بنوك أوروبا أولاً كونهم أتوا أصلاً في مهمات تجارية ممولة من رأسماليين أوروبيين لنقل محاصيل أمريكا الغنية لأوروبا والاتجار بها، ففضلوا البقاء في أمريكا وبالذات في شمال الولايات المتحدة. كما استفادوا من الحروب التي كانت تدور في أوروبا وفيما بعد في أمريكا، ليتفننوا في جمع المال والتحكم بأسعار السلع.
كان 69% من سكان (بوسطن) الأكثر غنى تجاراً ويدفعون 37% من ضرائب بوسطن عام 1848، كما كان 1% من سكان فيلادلفيا يملكون 50% من موجودات المدينة تجاراً. وحوالي 9 آلاف من سكان نيويورك (1.4%) تجاراً يملكون 71% من موجودات المدينة*1، ومن المفارق أن 84% من سكان نيويورك لا يملكون أي ثروة حقيقية هامة.
لم يكتفِ تجار الولايات المتحدة بنوعٍ واحد من المهن (التجارة)، بل كان سبعة من ثمانية من كل التجار لهم علاقة بالتصنيع (مساهمات مالية)، رغم احتقارهم لمهنة الصناعة. وكانت لهم أساطيل من السفن فمثلاً كان تاجر اسمه (جوزيف بيبودي) من سكان مرفأ (سالم) يملك أسطولاً من ثلاثٍ وثمانين سفينة. كانت سفن التجار تجوب العالم من سومطرة الى بيونس آيرس.
تزاوج أبناء كبار التجار فيما بينهم، لزيادة رأس المال للأسرة، وسكنوا في أحياء منفصلة، وكانوا يتباهون بأثاث بيوتهم وسجادها والتحف التي يحصلون عليها من سفرهم. وكان للنساء دورٌ كبير في تنظيم شبكات النسب والتفاخر به. ففي بوسطن كانت علاقات النسب بين أغنى العائلات تشكل 76% من جميع الزيجات، وكان الأنسباء يديرون مصالح الأثرياء، وتترك لهم حرية اتخاذ القرار، ففي رسالة لأحد تجار بوسطن (باتريك ترايسي) لوكيله (نسيبه) الذي كان يمثله في الهند يقول فيها (اتكل على حكمك ولا تنتظر توجيهات مني)*2.
لم يقتصر نشاط النساء على تأمين شبكات النسب، بل زاد اهتمامهن بأقمشة ملابسهن وإبداء تذوقهن للموسيقى والفنون المختلفة، لإضفاء طابع أرستقراطي خاص بتلك الطبقة من الناس.
الصناعيون والحرفيون والعمال
بدأت الثورة الصناعية في أمريكا متأخرة بعض الشيء عن مثيلاتها في أوروبا، ولكنها بدأت قوية وسريعة، حيث ازدهرت صناعات النسيج على هامش زراعة القطن الواسعة، وظهرت صناعة الأصباغ، والغراء، وامتد النشاط ليصل الى سكك الحديد وما يتطلب هذا النوع من النشاط ازدهار نشاط التنقيب عن الحديد وصهره، والتنقيب عن الفحم الحجري ومصادر الوقود، وكان نصيب النسيج والحياكة وما يتعلق بها الأكبر في بداية الثورة.
قام (اسحق سينجر) باختراع وصناعة ماكنة الخياطة التي لا تزال تحمل اسمه وتنتشر في كل أنحاء العالم، كما قام (روبرت إدوين دييتز) باختبارات على حرق مواد عضوية لتحويلها الى وقود صالح للإضاءة. وقام (بيبر كوبر) بصناعة الغراء، حتى أصبح هؤلاء الثلاثة من أكثر سكان أمريكا ثراءً.
لم يمنع اشتراك التجار الأثرياء ومساهماتهم المالية في الصناعة، من أنهم يستهزئون من الصناعيين وتحقيرهم بحجة أنهم لا تُعرف لهم أصول، ولم تشفع لهم ثرواتهم الطائلة لكي يقبلوا في علية القوم. ويذكر المؤلف مثالاً لتلك السخرية، ما روي عن المليونير (كوبر: صانع الغراء)، حيث كان يميل الى الملابس البسيطة ويسكن في الأحياء الشعبية، فعندما زار أمير ويلز نيويورك دُعي (كوبر) ليكون من ضمن المستقبلين له، وتم إقناعه بلبس (بدلة) تليق بمثل تلك المناسبة، ففعل وبالغ في الأناقة حتى بدا مثاراً لاشمئزاز أمير ويلز وضحك الآخرين عليه.
كان احتقار الأثرياء (التجار) للصناعيين لا يتوقف عندما يطلقون عليهم (ميكانيكيين) لتصغير شأنهم، بل زاد عن ذلك بكثير، حيث أحس التجار أن التفاف المهاجرين والهاربين من الرق حول الصناعيين، سيهدد مستقبل هؤلاء الأثرياء في إدارة شؤون أمريكا.
لم يستسلم الصناعيون لسخرية الأثرياء، بل قابلوهم بحملات مضادة، واصفين الصناعة في أمريكا بأنها (شجرة تطرح البَق) يأكل إنتاجهم التجار الذين لا يعملون شيئاً سوى استغلال جهود الآخرين. فقاموا بتنظيم النقابات والاتحادات ومعاهد التدريب، والاهتمام بالفن والفلسفة والسياسة، والاصطفاف مع مناهضي الاسترقاق، كونه هو من يحمي هؤلاء المستغلين.
وهكذا انقسم المجتمع في الولايات المتحدة حول الرق ك (ساتر) يتمترس خلفه المتصارعون من الصناعيين والتجار.
هوامش من تهميش المؤلف
*زفن بيكر: (أستاذ تاريخ في جامعة هارفارد ومؤلف كتاب الولاية الثرية: مدينة نيويورك وتماسك البرجوازية الأمريكية، وصاحب كتاب (التاريخ العالمي للقطن).
*1ـ Seven Becket, The Moneyed Metropolis: New York City and the Consolidation of the American Bourgeoisie (New York: Cambridge University Press, 2001), 19
*2ـ Quoted in Jaher, Urban Establishment, 23
__________________
ابن حوران
|
|
|
24-05-2011, 01:49 PM
|
#3
|
العضو المميز لعام 2007
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
|
الفصل الرابع: تعاليم عصر الثراء وحقائقه
ص 135
ديفيد ناسو *
(1)
السيدة (لايتفوت لي) وهي الأرملة الثرية بطلة رواية (الديمقراطية) التي وضعها (هنري آدامز) عام 1882، انتقلت الى واشنطن لأن الملل كان يعذبها، فمنذ وفاة زوجها قبل خمس سنوات، فقدت ولعها بمجتمع نيويورك؛ وهي لم تعد مهتمة بأسعار الأسهم أو بالأشخاص الذين تمارس التجارة معهم؛ فقد باتت جادة. كانت منزعجة من أصحاب الملايين في نيويورك الذين كدّسوا ثروات طائلة ولا يدرون ما يفعلون بها.
هكذا، بدأ الكاتب بمقدمة بحثه، ليشبه تلك السيدة براكب في سفينة أراد الدخول الى غرفة المحركات والحديث مع المهندس. وهذه الرغبة لم تقتصر على بطلة الرواية الخيالية، بل تجاوزتها للكثير من الموسرين الذين انتبهوا الى الحياة السياسية بعد أن شبعوا من ملذَّات الحياة.
يتحدث الكاتب، عن أصنافٍ من الأثرياء في الولايات المتحدة، الذين جمعوا ثرواتهم بمعدلات تفوق أثرى أثرياء أوروبا عشرات المرات، وبوقت سريع. وذكر أن أشهر تلك الأصناف ما عمل بالاستثمار بسكك الحديد، والصناعة والمناجم وتوضيب اللحوم الخ.
وكانت ثرواتهم مثار لنقاش كل الطبقات، السياسية الحاكمة أو العمالية أو الفكرية أو الصحفية الخ. وكانت ثرواتهم تنمو باطراد وبمعدل مثير، فبينما كان حديثو النعمة وأبناؤهم مضطجعين في أحضان الرفاهية، كانت أموالهم تتضاعف بسرعة أكبر مما يمكن إنفاقه.
(2)
تصاعدت حملات الانتقاد لأصحاب الثروات الطائلة، حتى وصلت الى أروقة الكونجرس، وكواليس الأحزاب والنقابات العمالية. فكان لا بُد لأصحاب تلك الثروات أن يتجمعوا لاتخاذ ما يُبعد خطر أولئك الأعداء. وبالرغم من أن العداء كان في البداية بين أصحاب تلك الثروات فيما بينهم، من باب المنافسة، أو على هامش تضرر مصالح فئة من أخرى كتضرر أصحاب المزارع الجنوبية من الرسوم الطائلة التي يفرضها عليهم المتحكمون بسكك الحديد؛ أو تضرر أصحاب الأفران من زيادة رسوم نقل الفحم الحجري أو المواد الى أفرانهم، فإن تلك العداوات تم تذليلها وتطويعها لتوجه ضد السياسيين والمشرعين وضد الحركات العمالية والسياسية.
كان لا بُد من ظهور مُنظرين ومفكرين لأصحاب الثروات لكي يوقفوا النظرات الحاسدة لثرواتهم، والتي لم تتوقف عند الحسد بل امتدت لتعيق جمع تلك الثروات.
كان الجشع وشهوة المال، هو تفسير الآخرين لجمع هؤلاء لثرواتهم. في حين ظهر من يرجع تلك الثروة لتوفيق الله ورضاه على هؤلاء الناس، وعندما تقارن أفعالهم ومجونهم وعربدتهم بما لا يرضي الله، كان الصحافيون الساخرون يقولون: لماذا لا يرضى الله عن الفقراء والمحتاجين ويرزقهم؟
ظهر (هربرت سبنسر) الفيلسوف البريطاني كمرشدٍ ودليل لطبقة أثرياء الولايات المتحدة، فهو صاحب كتاب (الرجل ضد الدولة) وهو صاحب مقولة (البقاء للأصلح) وإن كان الرجل من مذهب (اللاأدرية) التي تؤمن بنظريات دارون وتطورها، فقد كان بنظرياته خير نصير للأثرياء.
تأثر (أندرو كارنيغي) بأفكار هربرت سبنسر، وطور عليها، وأندرو هذا اسكتلندي مهاجر من فقر مدقع الى الولايات المتحدة، وعمل بالصلب والسكك حتى أصبح من كبار الأثرياء، ووكيل لوزارة الحربية. فلم يقبل بفكرة الحظ والتوفيق من الله ولم يقبل أن يُسمى أمثاله باللصوص والجشعين، بل دافع عن ذلك بقوله: إن الموهبة وحسن إدارة الأفراد لأموالهم هي من تجعلهم أكثر ثراء من غيرهم.
(3)
كَثُرت استجوابات لجان التحقيق للأثرياء عن مصادر رزقهم، وعن القلق الذي تتركه ثرواتهم على المجتمع والدولة. وقد أجاب أحدهم (جاي غولد) : (أظن أن لا داعي للخوف من الرأسماليين على حريات الشعب. فالرأسمالي محافظ ومرتعب؛ ولكن ما عليكم الخوف منه هي الجماهير العريضة من غير المثقفين والجهّال)*1
في عام 1886 حصل أكثر من 1400 إضراب عن العمل، لأكثر من 400 ألف عامل، و(هو العام الذي شهد 1أيار/مايو 1886 الذي يحتفل به عمال العالم كعيد للعمال).
كانت حجج أصحاب الثروات عندما خفضوا أجور العمال 10%، من أن العمل هو سلعة كأي السلع، يخضع للعرض والطلب. ونحن لم نخترع هذه القاعدة بل وجدت منذ القِدم.
لقد دفعت الإضرابات والتي تضرر منها أصحاب الثروات، الى التفكير الفوري بإنشاء مصانع للأسلحة والذخيرة وإنشاء المليشيات التي تجبر العمال على الانتظام بعملهم، طالما أن الجيش الحكومي والحرس الوطني لا يقوم بمهامه!
في عام 1890 انضمت 6 ولايات جديدة للولايات المتحدة هي (واشنطن وداكوتا الشمالية وداكوتا الجنوبية وأيداهو ومونتانا ووايومنغ) وهي ولايات غنية بالفضة، مما شجع على تمرير قانون يعتبر سك الفضة كعملة موازية للذهب، وهذا خلق حِراكاً جديداً*2
هذا الحراك أدى تجييش كبير من أنصار إبقاء الذهب كضامن رئيسي للعملة، الى تبرع (ستاندرد أويل) بمبلغ ربع مليون دولار، ومؤسسة روكفيلر بمبلغ مثيل، وساهم كارينغي ليس بالمال فحسب بل بطباعة خمسة ملايين نسخة من كراس معد للعقول الساذجة، فنجح مرشحهم في انتخابات 1896 (وليام مكينلي) وانهزم الديمقراطيون. *3
من يومها، انتبه أصحاب الثروة على ضرورة تمثيلهم بقوة في المجالس التشريعية بالولايات (منفردة ومجتمعة) وانتبهوا الى رشوة الصحافيين وشراء الذمم وإقامة دور النشر ومراكز الدراسات الموجهة.
هوامش من تهميش المؤلف
*ديفيد ناسو: أستاذ تاريخ، ومدير مركز العلوم الثقافية في مركز (كاني) للتخرج. مؤلف أربعة كتب، بما فيها الرئيس (حياة وليام راندولف).
*1ـ Jay Gould testimony, United States Congress, Senate, Committee on Education and Labor, Report upon the Relations between Labor and Capital (Washington, D.C.: Government Printing Office,1885), 1089
*2ـ Richard Hofstadter, The Age of Reform (New York: Vintage Books, 1955), 104
*3ـ Strouse, Morgan,355; Chernow, Titan,388; Mark Hanna to Andrew Carnegie, October17,1896, Vol. 39. Library of Congress
__________________
ابن حوران
|
|
|
15-06-2011, 08:43 PM
|
#4
|
العضو المميز لعام 2007
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
|
الفصل الخامس: نفوذ الثرواتالطائلة المُخفق
ص 163
ألن داولي*
(1)
افتتن الكُتّاب في المجادلة بين (سكوت فيتزجيرالد) و (آرنست همنغواي) حول مكانة الثروات الطائلة في المجتمع الأمريكي، وأعادوا تلك المجادلة مئات المرات:
سكوت فيتزجيرالد: اسمح لي بإخبارك شيئاً عن الأغنياء.. هم مختلفون عنك وعني.
آرنست همنغواي: أجل.. لديهم مزيدٌ من المال.
وهذه الإشارة رغم قلة كلماتها، إلا أنها تنطق بلسان مجلدات عدة حول الطبقات في أمريكا.
بدأ قادة الصناعة في عصر الثراء رحلة تحويل أنفسهم من مجرد كادحين لجمع المال الى نماذج مثالية في المجتمع ينعمون بكل ما توفره الطبقة الأرستقراطية من رفعةٍ في المقام ومنحٍ عديدةٍ أخرى، وغير مكتفين بما حققوه من ثراء، فقد سعت السلالات الحاكمة الشهيرة لآل (روكفيلر) و (مورغان) و (ألدريتش) الى احتكار النفوذ السياسي. وسعى الجيل الجديد من العائلات الثرية المرتبطة بشركات صناعية ومالية الى إخضاع مصير بلدهم لمشيئة طبقتهم.
(2)
أشارت التغيرات الهامة في نهاية القرن التاسع عشر الى تماسك طبقة أرستقراطية وطنية وزعت اهتماماتها بين (وال ستريت) و (واشنطن). وبدأ عصر الثراء والاتحادات الضخمة كتلك التي حصلت بين (ستاندرد أويل) التي يملكها (جون روكفيلر) وإمبراطورية الفولاذ التي يملكها (أندرو كارنيجي) الى تأسيس أول مؤسسة بالعالم رأسمالها (مليار) دولار عام 1901. وقد دعا المراقبون تلك الشركة باسم (الاحتكار) ووصفوا جمعها للأموال بأنه كحمم البراكين التي تنفث مالاً غزيراً*1
يشير المؤلف الى اختلاف بين الطبقة الأرستقراطية والنُخبة، فيقول عن النخب بأنهم أولئك الذين ارتقوا الدرجات العليا من سلم النجاح في القانون، والتربية، والسياسة، والأعمال، وأي حقل آخر. فقد كانوا المحركين الذين ظهرت أسماؤهم في لائحة القادة. وبشكل مغاير، كانت الطبقة الأرستقراطية مؤلفة من مجموعة العائلات المترابطة التي نعمت بقيادة اجتماعية واحترام ثقافي في المجتمع ككل.
والمجموعتان متداخلتان في الدرجات العليا*2، لكن متطلبات الانتساب الى إحداها مختلفة. فبالنسبة الى النخب، كان مفتاح الانتساب متمثلاً بالموثوقية التربوية والعلاقات الشخصية، في حين أن ولوج الطبقة الأرستقراطية كانت تتطلب نوعية السلالة، والتربية، والمال الذي كل ما كانت كميته كبيرة كان الأمر أفضل.
(3)
والانتقال الى الرأسمالية المالية يؤكد تأثير الثروة الطائلة على تشكيل الطبقة الأرستقراطية. ولو أخذنا (جاي. بيربونت مورغان) أول من جمع مليار دولار في العالم وهو مصرفي كبير مغرور كان بجرة قلم قادرا على تأمين أو إلغاء أرزاق الآلاف. وإبان حالة الذعر التي أصابت أثرياء الولايات المتحدة في عام 1907، حيث كانت الشركات تتكبد الخسارة تلو الأخرى في (وول ستريت)، وكان معظمها على شفير الإفلاس. دعا هؤلاء عند منتصف الليل لاجتماع في قصره الرائع، والذي لن ينسى من دخله فخامة موجوداته.
أقفل الأبواب، وسلم الحاضرين نسخاً مكتوبة لخطته، وكان يكتفي بالقول لكل واحدٍ منهم (هنا توقع) ويضيف بحزم (هاك القلم). لقد أنهى حالة الذعر، ويدلل هذا السلوك على الصلة الوثيقة بين القطاعين المالي والصناعي*3
وبالرغم من أن أحداً لم يعتبر (جاي. بي. مورغان) فاتناً، فقد كان نهماً في جمع الكنوز الفنية وملء قصره بزخارف الثقافة الأوروبية الرفيعة، ووصف أحدهم المشهد قائلاً: (في إحدى الغرف، كانت هناك تطاريز رسومية رفيعة وعالية معلقة على الجدران، ونُسَخ نادرة للكتب المقدسة ومخطوطات مضاءة عن القرون الوسطى تملأ الخزائن؛ وكانت في غرفة أخرى تلك المجموعة التي تتناول فنانين مثل كاستانيو، وغيرلاندايو، وبيروجينو، وغيرهم.
وفي إطار التحول للثروات الموروثة، تحول الجوهر الأساسي لمكاسب عصر الثراء الى إرث ذهبي. وبهدف احتمائها من نوبات السوق التنافسية، عززت العائلات (البارونية) الكبيرة (آل روكفيلر، وهاريمان، ومورغان وغيرها) ثرواتها من خلال زيجات مصاهرة كانت النسخة الاجتماعية لتشابك مجالس الإدارات المتحدة.
كان الى جانب المال، يوجد تفكير أقرب للعنصرية التي تمجد البيض ومن ثم البروتستانت، وتعتبر العرق الأنجلوسكسوني هو الأجدر بأن يملك العالم، فلم تكن الطبقة الأرستقراطية احتراما للكاثوليك الأيرلنديين (كآل كيندي مثلاً) ولا اليهود*4.
(4)
لم تتوقف الطبقة الحاكمة عند حدود الولايات المتحدة، فقد شرعت بسلسلة من عمليات الضم الاستعماري والتدخلات العسكرية في الحرب الإسبانية الأمريكية التي بدأت عام 1898، ثم في أمريكا اللاتينية وكوبا وبنما والفلبين. وقد سارت الولايات المتحدة على خطى بريطانيا، ومع ذلك لم تنس أن تغلف نشاطاتها الاستعمارية بغلاف إنساني، وقد عزز كُتاب أمريكيون ذلك التوجه بكتاباتهم، فيكتب (راديار كيبيلنغ) بعد العصيان المسلح لأهل الفلبين ضد المحتل الأمريكي، بأن سكان الفلبين لم يصبحوا بعد مستعدين لحكم أنفسهم! [ هذا ما يحدث في العراق وأفغانستان بعد مرور حوالي ثمانية عقود].
وقد كان لالتحام المال والسياسة والحرب صورٌ متجسدة في المكسيك مثلاً شركات (روكفيلر ومورغان وستيلمن و دودج). وفي منطقة الكاريبي (مورغان وستيلمن) وفي أمريكا الوسطى (يونايتد فروت) وكذلك في كوبا.
أما في الفلبين فقد كان الحاكم فيها (وليام تافت) والذي عينه (روزفلت) قد كتب يقول (أوصل الجيش الأمريكي الفلبين الى مرحلة باتت فيه حقلا جاهزا ومغريا للاستثمار والعمل. ولكن لجعل هذا الأمر ممكناً، يجب أن تكون هناك قوانين للتعدين وقوانين للمساكن والأراضي والعمل المصرفي والعملات)*5. و(تافت هذا أصبح رئيساً للولايات المتحدة)
هوامش من تهميش المؤلف:
· ألن داولي: أستاذ تاريخ في كلية نيوجيرسي. هو مؤلف كتاب الطبقة والمجتمع المحلي: الثورة الصناعية في لين 1967. وهو مؤلف كتاب النضال من أجل العدالة: المسؤولية الاجتماعية والدولة الليبرالية 1991. وكتاب تغيير العالم: التقدميون الأميركيون في الحرب والثورة 2003.
*1ـ Beyond Markets and Hierarchies: Toward a New Synthesis of American Business History Review 108( April 2003) 404-433
*2ـ The distinction follows Baltzell, Protestant Establishment 7-8; Batzell also identifies members of upper class by the overlap of names between Whos Who and The Social Register.
*3ـ Quote from Thomas Lamont, Across W0rld Frontiers (New York: Harcourt, Brace, 1951), 39
*4ـ Aldrich, Old Money, 275; Baltzell, Protestant Establishment, was written in part, to alert members of upper class to the inevitable disappearance of any resolutely Protestant Establishment in a society with successful Catholics and Jews.
*5ـ Taft to Root, August 18/1900
__________________
ابن حوران
|
|
|
16-06-2011, 04:38 PM
|
#5
|
عضو جديد
تاريخ التّسجيل: Aug 2007
المشاركات: 52
|
السيد بن حوران:
يبدو أن الأمور ليست واضحة لديك بأن الظروف قد تغيّرت ومعايير حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم هي مختلفة تماما عن تلك التي كانت سائدة حتى قبل خمسين عاما. عندما نتحدث عن مئات السنين من التاريخ التي هي أصبحت بالفعل وراءنا، تظل بمثابة تذكير كيف تطورت حياتنا منذ ذلك الحين.
حقيقة أن هناك أناس لا تزال ترغب في اللجوء إلى مثل هذا السرد يجب أن تدفعنا لمواصلة البحث عن الأرضية المشتركة التي توّحد بيننا بدلا من تلك التي تفرّق بيننا. وأود أن أذكرك بما حدث مؤخرا في مصر وتونس كمثال عن تحول المنطقة نحو مستقبل أكثر إشراقا.
في أيامنا هذه، الدافع السائد في الحوار الرسمي على المستوى الدولي هو كيف نجعل العالم مكانا أكثر أمانا في الوقت نفسه نسعى نحو الرخاء للجميع. وهذا هو السبب المهم بالنسبة لك أن تتعلم متى عليك المضي قدما ومتى عليك أن تتوقف لإعادة النظر في الماضي.
العبودية في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، كانت خطأ مما دفع البلاد ان تمر في مرحلة حرب أهلية دامية من أجل وضع حد لها.
وأخيرا، نحن لا ندعي بأننا مجتمع مثالي لكن وجود القانون والنظام يضمن أن أولئك الذين ينتهكون الأنظمة والقوانبن يكونون دائما عرضة للمساءلة. نحن أيضا لا ندعي بأن لدينا سجل مثالي تاريخي كما يبدو وأنك تعتقد. قوة أي مجتمع تكمن في قدرته على تصحيح أدائه وإصلاح أنظمته وهذا شيء له أهميته في الولايات المتحدة.
الرجاء ان تختار موضوع محدد ، وسوف أكون سعيدا لمناقشته بطريقة تضمن أن كلا منا سوف يتعلم من الآخر.
طارق حداد
فريق التواصل الألكتروني
وزارة الخارجية الامريكية
|
|
|
28-06-2011, 08:25 AM
|
#6
|
العضو المميز لعام 2007
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
|
السيد طارق حداد
في هذا النمط من المساهمات التثاقفية يتم قراءة الكتاب بطريقة ملخصة حتى يتسنى لمن لم يقتن النسخة المكتوبة الاطلاع عليه، وقد قمنا بعرض مجموعة من الكتب تتطرق لقضايا مختلفة، وأوردناها كما أراد مؤلفوها أن يقدموها مع تصرف بسيط بحكم التلخيص...
أرى أن حضرتكم قد لفت الانتباه بأن الأمور ليست واضحة لدينا، أي أمور تقصد حضرتكم؟ هل تريد القول أن الولايات المتحدة قد هجرت أساليبها في التعاطي مع القضايا المحلية والعالمية منذ تأليف الكتاب (الكتاب تم تأليفه عام 2004 وترجمته للعربية عام 2006).
نحن نأمل أن تتغير الولايات المتحدة، ولنا مسطرتنا ـ كمثقفين عرب ـ في قياس ذلك التغيير، وهذا يتم عندما تتوقف عن استعمال الفيتو بما يحمي المصالح الصهيونية، وتتوقف عن التدخل الاستعلائي في قضايانا الوطنية وكأنها وصي عينه رب العالمين على قضايا العالم..
عندما نرى ذلك، ونحن لا نراه حتى هذا الوقت، سأقر لحضرتكم بفتح مداخل أكثر يقينية مما هي في حالة التوجس التي نعيشها وخصوصاً نحن نعيش آثار الغزو الغاشم على العراق ونهب متاحفه وإطلاق الكلاب المسعورة التي تتربص في أمتنا من كل جانب أو غض النظر عما تعمله كما في الحالة الإيرانية التي تتناغم مع الرؤية الصهيونية والإمبريالية..
تقبل احترامي
__________________
ابن حوران
|
|
|
28-06-2011, 08:26 AM
|
#7
|
العضو المميز لعام 2007
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
|
مشكلة الطبقات الثرية الحاكمة
بالرغم من نجاحهم، شعر زعماء الرأسمالية الأمريكية المتوّجين بإكليل المجد بأنهم متقلقلون. فقد وصف والتر ليبمان، وهو أحد المراقبين الأكثر إدراكاً للمشهد الأمريكي، مأزقهم قائلاً: (( اكتسبوا ثقافة تحقيق النجاح؛ قِلّةٌ منهم دُرِّبوا على ممارسة السلطة. وهم لا يُدخلون في حسابهم الاحتفاظ بنفوذهم وتسليمه الى أبنائهم. فهم يعيشون ليومهم)...(كلهم قلقون في شأن كيفية الحؤول دون تداعيهم))*1
يقول الكاتب: قد يكون الأثرياء والمقتدرون موضع حسد، ولكنهم قد لا يكونون موضع تبجيل. فقد يُطاعون دون أن يُجَلّوا. لقد لخص محامي الشعب (لويس برانديس) بجلسة سماع واسعة النطاق للكونجرس بسخرية لاذعة بأن المصرفيين الأثرياء يستخدمون أموال أشخاص آخرين ليزدادوا ثراءً. إنه امتياز أخذ البيض الذهبي الذي وضعته إوزة شخص آخر*2
لم يستطع أحد أن يرفع صوته في وجوههم مثل (ثيودور روزفلت) عندما قال: (من بين كل أشكال الطغيان، فإن الأقل جاذبية والأكثر ابتذالاً هو طغيان الثروة بذاتها، وطغيان الطبقات الثرية الحاكمة.*3
ونشأت مجموعة أخرى من المشاكل في مجال الشؤون الخارجية. ففي الوقت الذي ظهرت فيه رغبات أصحاب الثروات الطائلة للتوسع خارج الولايات المتحدة، لجمع المزيد من الأموال، مستخدمين في ذلك هيبة الدولة وإمكاناتها العسكرية، وصف مناهضو هذا التوجه بأنه يهدد الديمقراطية. وسيرهق دافعي الضرائب، واشتركت في تلك الجهود الرافضة لهذا التوجه عصبة النساء العالمية للسلام والحرية.
وتمثلت مشكلة أخرى واجهت الطبقات الثرية الحاكمة بمعاملة اليد العاملة، فقد كان أرباب العمل يضغطون على موظفيهم ويرهقونهم لدرجة إلحاق الضرر بصحتهم وسلامتهم في غالب الأحيان، كما حدث في الميدان الصناعي و لا سيما الحريق الذي شب في شركة (تراينغل شرتوايست في نيويورك 1911.
وكان قمع العمال يأتي بأشكال مختلفة منها (مليشيات) خاصة بالشركات، أو بواسطة أجهزة الحكومات المحلية، أو حتى الجيش، ولا يتوقف هذا داخل الولايات المتحدة، بل يتعداها الى ما وراء الحدود (بنما، المكسيك، الفلبين).
كما كان هناك صراعٌ دائم بين الأغنياء القدماء (الحافظين) وحديثي النعمة (النائلين)، فالقديم يكره الوافد الجديد للطبقة ويحاربه، وما أن تمر عشرة سنوات أو أكثر حتى يُضاف حديثو النعمة الى القدماء ويقومون بتمثيل نفس الدور.
إصلاح، حرب، وثورة، 1912-1921
حاول أصحاب الثروات الطائلة تحسين الصور المأخوذة عنهم، في إنشاء منظمات خيرية تهتم بصحة الفقراء وتعزيز مستوياتهم الثقافية، والابتعاد عن التعامل المباشر في قمع العمال، وخصوصا بعد الوحشية التي حدثت في مجزرة (لادلو).
وبازدياد الاستياء العمالي ومشاكل اجتماعية أخرى، اخترقت الجماعة الراقية الصفوف للمشاركة في حركات الإصلاح الاجتماعي. ومولوا مؤسسات خيرية. إلا أنه لم يمض وقت طويل حتى وقعت تلك المؤسسات بشبكاتها الواسعة في شرك السياسات الانتخابية.
ولمنتقدي السياسات الإصلاحية الذين اتهموا القائمين بها بأنهم يتجهون الى طريق الاشتراكية، جادل روزفلت تكراراً: (الإصلاح الاجتماعي ليس نذيراً للاشتراكية بل عاملاً للحؤول دون بلوغها)*4
في الحرب العالمية الأولى، ساد قلقٌ حيال الحرب يتعلق بواقع (جاي مورغان) وشركاه كانت الوكيل الأمريكي الرسمي لعقد الصفقات مع الحكومة البريطانية. وحصل (مورغان) على 30 مليون دولار كعمولة لصفقة مباشرة أجراها الحلفاء بقيمة 3 مليار دولار، وكسب ملايين عدة على قرض أنغلو فرنسي بقيمة 500 مليون دولار.
وظهرت نزعات تخص الجانب العنصري واستحداث قومية (أمريكية) من خلال رسم مواصفاتها من قِبَل الطبقة الثرية الحاكمة، فأُغلقت الأبواب في وجه السلافيين والإيطاليين واليهود بين عامي 1921 و 1924*5
الإقطاعية المتحدة, 1922ـ 1932
في دراستهما بعنوان (الشراكة الحديثة والملك الخاص 1932) وصف (أدولف بيرل) و (غاردينز ميتر) النظام المتحد الذي تطور في العشرينات من القرن العشرين بأنه المرادف العصري للنظام الإقطاعي الذي تبدو فيه الشركات وكأنها حلت مكان الدولة بوصفها النموذج المهيمن على النظام السياسي*6
وقد شملت المساعي للتخطيط المتحد، والاتحادات التجارية على مستويات عليا على طراز إنشاء لجنة التداول الخاصة عام 1919 وهي اتحاد مالي بين مؤسسات عملاقة تضم (ستاندرد أويل؛ و دوبون؛ وجنرال إلكتريك).
في عام 1929 بلغت عملية توزيع الثروة قمة كبيرة جداً من عدم المساواة، عندما كانت الهوة بين الأغنياء والفقراء أوسع منها في أي وقت آخر من القرن العشرين. وأخذت أشكال الترف والبذخ من جميع أوجهه تطال كل الجوانب، حتى تلك التي كانت تحاكي سلوك الأوروبيين الذين كانوا يكثروا السفر والسياحة في مستعمراتهم القديمة لزيادة رصيدهم الثقافي الخاص بالاطلاع على عادات الشعوب وطرقه في الحياة في الفن والثقافة وغيرها... فكثرت السفن التي تبحر لهذا الغرض لتجوب بحار العالم.
وما أن وقعت الأزمة المالية الكبرى في عام 1929 بانهيار الأسواق المالية حتى حل الذعر في كل أنحاء الولايات المتحدة. ولقد دعا الرئيس (هوفر) 400 شخصية مالية كبرى الى البيت الأبيض في كانون الأول/ديسمبر 1929. وقد نجح في ذلك بتصويب أوضاع العمال والإسهام في جمع مبالغ طائلة من الأموال لدعم الشركات المهددة بإعلان الإفلاس.
بعد الخروج من الأزمة عادت عملية انتقاد الطبقة الثرية وشحذ السكاكين للهجوم على 60 عائلة كبيرة لأنها بالغت في تأثيرها في إدارة البلاد والهيمنة عليها. وقد ساعد الرئيس (فرانكلين روزفلت 1932) في تقليم أظافر تلك العائلات وإدخال وتطعيم الطبقة الحاكمة من العناصر السياسية الاحترافية من الطبقة الوسطى.
فهل سيعود نفوذ تلك العائلات مرة أخرى؟
هوامش منتهميش المؤلف:
*1ـ Quoted in Aldrich, Old Money, 36
*2ـ Louis Brandeis, Other People's Money and How the Bankers Use It (1914; New York: Harper& Raw,1967),12
*3ـ Quoted in John Milton Cooper, The Warrior and the Priest: Woodrow Wilson and Theodore Roosevelt (Cambridge, Mass: Belknap Press of Harvard University Press, 1983), 116
*4ـ Quoted in Cooper, The Warrior and the Priest, 113; Garraty, Right Hand Man, deals with Perkins's career.
*5ـ See Gary Gerstle, American Crucible: Race and Nation in the Twentieth Century (Princeton University Press, 2001)
*6ـ Berle and Means, The Modern Corporation and Private Property, 1,356.
__________________
ابن حوران
|
|
|
29-06-2011, 05:18 PM
|
#8
|
عضو جديد
تاريخ التّسجيل: Aug 2007
المشاركات: 52
|
إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة ابن حوران
السيد طارق حداد
في هذا النمط من المساهمات التثاقفية يتم قراءة الكتاب بطريقة ملخصة حتى يتسنى لمن لم يقتن النسخة المكتوبة الاطلاع عليه، وقد قمنا بعرض مجموعة من الكتب تتطرق لقضايا مختلفة، وأوردناها كما أراد مؤلفوها أن يقدموها مع تصرف بسيط بحكم التلخيص...
أرى أن حضرتكم قد لفت الانتباه بأن الأمور ليست واضحة لدينا، أي أمور تقصد حضرتكم؟ هل تريد القول أن الولايات المتحدة قد هجرت أساليبها في التعاطي مع القضايا المحلية والعالمية منذ تأليف الكتاب (الكتاب تم تأليفه عام 2004 وترجمته للعربية عام 2006).
نحن نأمل أن تتغير الولايات المتحدة، ولنا مسطرتنا ـ كمثقفين عرب ـ في قياس ذلك التغيير، وهذا يتم عندما تتوقف عن استعمال الفيتو بما يحمي المصالح الصهيونية، وتتوقف عن التدخل الاستعلائي في قضايانا الوطنية وكأنها وصي عينه رب العالمين على قضايا العالم..
عندما نرى ذلك، ونحن لا نراه حتى هذا الوقت، سأقر لحضرتكم بفتح مداخل أكثر يقينية مما هي في حالة التوجس التي نعيشها وخصوصاً نحن نعيش آثار الغزو الغاشم على العراق ونهب متاحفه وإطلاق الكلاب المسعورة التي تتربص في أمتنا من كل جانب أو غض النظر عما تعمله كما في الحالة الإيرانية التي تتناغم مع الرؤية الصهيونية والإمبريالية..
تقبل احترامي
|
السيد أبن حوران
يمكن لأي مراقب موضوعي أن يؤكد بأن الولايات المتحدة تدعم هذه الرغبة من أجل الديمقراطية التي تسود حاليا في المنطقة ونحن دعمنا منذ وقت طويل الإصلاحات الديمقراطية في المنطقة. على المدى الطويل فقد كانت الناس دائما هي التي تقرر التطور السياسي لكل دولة.
أنا حقا لا أعرف لماذا وفجأة يريد البعض الاصرار بأن إيران هي حليف للولايات المتحدة عندما هو معروف بأن هناك قضايا لا تزال تشكل سببا رئيسيا للقلق مع هذا البلد.
في العراق، عليك أن تعير أهتماما أكثر لما حاولت القاعدة القيام به والذي كان عبارة عن مسعى الى تدمير العراق من أجل خدمة أجندتها في اسقاط النظام السياسي. حان الوقت للمضي قدما في موضوع العراق والتركيز على حقيقة أن الأمر متروك للعراقيين لاختيار ممثليهم.
أستطيع أن أرى أن العالم قد اُلهم بهذه الرغبة الكبيرة للتغيير في المنطقة ولكن أنكار حقيقة أن العراق هو افضل حالا بدون صدام حسين يتعارض مع كل منطق وجوهر ما تتوق له الجماهير. لا يمكن للمرء دعم شعب مصر وتونس في تحقيق أهدافهما في حين يتمنا بأن العراقيين كانوا لا يزالون يرزحون تحت حكم جمهورية الخوف التى خلقها.
مع التحيات
طارق حداد
فريق التواصل الالكتروني
وزارة الخارجية الامريكية
آخر تعديل بواسطة DigitalOutreach ، 29-06-2011 الساعة 05:45 PM.
|
|
|
عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
|
|
قوانين المشاركة
|
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts
كود HTML غير متاح
|
|
|
| |