العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الاسلامي > الخيمة الاسلامية

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: الرواسى فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الرغب في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: اسم فرعون بين القرآن والعهدين القديم والجديد (آخر رد :رضا البطاوى)       :: القضاء في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الطمع في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الاستنباط في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: المواقيت فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: العفاف فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الرد على مقال هل سورة يوسف من القرآن؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: التسنيم فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 28-12-2009, 11:14 AM   #1
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الانفتاح على الخارج

كان "علي دينار" حريصا على الانفتاح نحو الخارج وخلق نوع من التواصل بين دارفور والعالم الخارجي رغم حرص حكومة السودان على الوقوف له بالمرصاد في أي خطوة يقوم بها في هذا الاتجاه، فقد رفضت حكومة السودان التجاوب مع رغبة "علي دينار" في نشر كتاب عن حياته بعنوان "العمران" في القاهرة سنة (1330 هـ= 1912م) حيث رفض الحاكم العام للسودان هذا الأمر رفضا قطعيا، ولم يوافق إلا على طباعة ست نسخ فقط من الكتاب للاستخدام الشخصي للسلطان.

وقد تابع الإنجليز محاولات "علي دينار" الانفتاح على بعض الصحف المصرية، وراقبوا اتصالاته بجريدة "العمران" التي كانت تصدر في القاهرة ويُديرها "عبد المسيح الأنطاكي"، والتي كان يدعمها "دينار" بالمال، ورغم ذلك ؛ فقد كانت بعض الصحف المصرية النزيهة تنظر باحترام إلى "علي دينار" مثل صحيفة "اللواء" التي كان يُصدرها الزعيم المصري "مصطفى كامل" وتعتبره بادرة طيبة على طريق التحرر من السيطرة الاستعمارية، ونشرت مقالا مهما عنه في (2 من ربيع الآخر 1318 هـ=29 يوليو 1900م) عنوانه "علي دينار مسالم لا مستسلم"، ثم نشرت مقالا آخر بعد عامين بعنوان "محاولة التدخل الإنجليزي في شئون دارفور وفشلهم في ذلك".

وكان لعلي دينار دوره في العلاقات الإسلامية، فقام بحفر عدد من الآبار على مشارف المدينة المنورة عرفت بـ"آبار علي" نسبة إليه، وأصبحت ميقاتا لبعض الحجيج، كما كان له أوقاف بالحجاز.

أما موقفه من دولة الخلافة العثمانية، فكانت علاقته بها أثناء الحرب العالمية سببا رئيسيا في تحرك الإنجليز ضده للقضاء عليه وتقويض سلطنته؛ فعندما اشتعلت الحرب العالمية الأولى ودخلتها تركيا ضد إنجلترا، تغيرت الأوضاع ؛ فقد كانت مصر تابعة من الناحية الاسمية لدولة الخلافة، في حين أنها خاضعة من الناحية الفعلية لسيطرة الاحتلال الإنجليزي، وكان خديوي مصر "عباس حلمي" مساندا للخلافة ضد الإنجليز، ولذا قام الإنجليز بعزله وتعيين عمه "حسين كامل" سلطانا على مصر، وفي (18 من ربيع الأول 1333 هـ=3 من فبراير 1915م) أرسل وزير الحرب التركي "أنور باشا" خطابا إلى "علي دينار" يطلب منه مساندة تركيا في حربها ضد الحلفاء، وقد زاد من خطورة تلك الرسالة تحرك الأتراك مع السنوسية في ليبيا لتحريكهم ضد الوجود الفرنسي في بلاد المغرب ومنطقة تشاد، وضد الإنجليز في مصر والسودان.

الصدام والنهاية

ويبدو أن "علي دينار" بنى موقفه على أن ألمانيا وتركيا هما المنتصران في الحرب ضد الحلفاء، وأن عليه تقديم العون لتركيا حتى يجني ثمار هذه المساعدة بعد انتهاء الحرب، وإن كان ذلك لا يمنع انطلاق "علي دينار" من عاطفة وحمية دينية لمساندة دولة الخلافة ضد أعدائها من الفرنسيين والبريطانيين الذين أطلق عليهم صفة "الكفار".

أما البريطانيون فرأوا أن "علي دينار" قام بانقلاب في السياسة الدارفورية الخارجية نظرا لأنه كان يعاني من فقدان شعبيته فأراد أن يعوض ذلك باللجوء إلى الدين، وأيا ما كان الدافع وراء تمرد "علي دينار" على الإنجليز فقد وقعت الوحشة ثم القتال بين الجانبين، ورأى الإنجليز في البداية ضرورة تأليب القبائل عليه لإضعاف سلطته تمهيدا لحربه، فتم تسليح قبائل "الرزيقات" وتحفيزهم ضده، وتم استغلال شائعة أن السلطان "علي دينار" يجهز تعزيزات من الفور في منطقة جبل الحلة كذريعة لحربه؛ خاصة بعد تحسن الموقف العسكري للإنجليز في مصر ونجاحهم في القضاء على خطر السنوسية على الحدود الغربية لمصر.

وقد بدأت الحرب بين الجانبين في ( ربيع الآخر 1334 هـ= مارس 1916م)، ووقعت عدة معارك داخل أراضي دارفور كان أهمها معركة "برنجيه" الواقعة قرب العاصمة الفاشر، وتمكن الإنجليز من تبديد جيش دارفور البالغ 3600 مقاتل بعد أربعين دقيقة من القتال، وقتل في المعركة حوالي ألف رجل من جيش دارفور، وعندما علم "علي دينار" بالهزيمة استعد للقتال مرة أخرى للدفاع عن الفاشر، لكن الجيش الذي كان تحت يديه لم يكن مدربا ولم يكن يمتلك أي أسلحة حديثة، كما أن الإنجليز استخدموا الطائرات لأول مرة في إفريقيا، وكانت هذه المرة ضد جيش "علي دينار"، وتم لهم السيطرة على الفاشر في (22 من رجب 1334 هـ = 24 من مايو 1916م) ففر السلطان بأهله وحرسه نحو جبل مُرّة، وهناك تم اغتيال "علي دينار" أثناء صلاته الصبح على يد أحد أتباعه في (11 من المحرم 1335 هـ=6 من نوفمبر 1916م) بعدما رفض الإنجليز قبول أي تفاوض معه للاستسلام.

لقد عبر علي دينار عن تطور ملحوظ في الوعي السياسي للقادة المحليين في السودان وأفريقيا، وعن درجة كبيرة من الوعي الديني والإداري، حيث استطاع إقامة سلطنته في غرب السودان، وكون لها شبكة من العلاقات الخارجية كشفت عن وعي سياسي ناضج، وسعى لبناء سلطنته وفق نظام داخلي جيد مقارنة بالإمكانات التي كانت متاحة له في ذلك الوقت؛ حيث كوّن مجلسا للشورى، وعين مفتيا لسلطنته، ومجلسا للوزراء، وبدأ في تكوين جيش حديث، وأوكل تدريبه إلى ضابط مصري، ووضع نظاما للضرائب يستند إلى الشريعة الإسلامية.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 29-12-2009, 03:02 PM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الخليل قلاوون وقطز.. سيناريو مشترك

(في ذكرى وفاة خليل بن قلاوون: 12 من المحرم 693هـ)


شاءت الأقدار أن تكون دولة المماليك التي خرجت من رحم الأخطار العاتية التي أحدقت بالعالم الإسلامي هي التي تحمل على كاهلها تصفية الوجود الصليبي، ووقف الزحف المغولي المدمر الذي سحق في طريقه كل شيء، وزرع الفزع والهلع في نفوس الناس، وكاد يهلك ويدمر معالم الحضارة الإسلامية، ولو لم يكن لهذه الدولة من المفاخر سوى هذا لكفاها فخرًا، فما بالك وقد أحيت الخلافة العباسية في القاهرة، وازدهرت في ربوعها الفنون والعلوم والعمارة.

المماليك والحروب الصليبية

وكان أول نجاح أحرزه المماليك في وجه الصليبيين هو انتصارهم في معركة المنصورة المعروفة، وإيقاعهم بالملك الفرنسي "لويس التاسع"، زعيم الحملة الصليبية السابعة أسيرا، ولم يفرج عنه إلا بعد أن تعهد بألا يقصد شواطئ الإسلام مرة أخرى.

وواصل "الظاهر بيبرس" الجهاد ضد الصليبيين، ووضع برنامجًا طموحًا للقضاء عليهم وطردهم من الشام، وبدأت هجماته وحملاته في وقت مبكر من توليه السلطنة؛ فهاجم إمارة إنطاكية سنة (660هـ= 1262م) وكاد يفتحها، ثم بدأ حربه الشاملة ضد الصليبيين منذ عام (663هـ= 1265م) ودخل في عمليات حربية ضد إمارات الساحل الصليبي، وتوج أعماله العظيمة بفتح مدينة إنطاكية سنة (666هـ= 1268م)، بعد أن ظلت رهينة الأسر الصليبي على مدى أكثر من مائة وخمسين عامًا، وكان ذلك أكبر انتصار حققه المسلمون على الصليبيين منذ أيام حطين واسترداد بيت المقدس.

وواصل المماليك جهادهم ضد الصليبيين في عهد السلطان "المنصور قلاوون"، الذي تولى السلطنة في سنة (678هـ= 1279م)، فاستولى على "حصن المرقب" سنة (684هـ= 1285م)، واسترد "اللاذقية" سنة (686هـ= 1287م)، وفتح "طرابلس" بعد حصار دام شهرين في (688هـ= 1289م) ثم تلتها "بيروت" و"جبلة"، ولم يبق للصليبيين في الشام سوى "عكا" و"صيدا" و"عثليت" وبعض المدن الصغيرة، وتجهز لفتح "عكا"، غير أن المنية كانت أسبق من إنجاز حلمه؛ فتوفي في (ذي القعدة 689هـ= نوفمبر 1290م).

الأشرف خليل

وبعد وفاته خلفه على السلطنة ابنه "الأشرف خليل"، وشاء الله تعالى أن يطوي آخر صفحة للحروب الصليبية على يديه، وأن ينهي الفصل الأخير من القصة الدامية للحروب الصليبية في بلاد الشام.

لم يكن "الأشرف خليل" محبوبًا من أمراء المماليك، حتى إن أباه لم يكتب له ولاية العهد؛ بسبب شدته وصرامته واستهانته بأمراء المماليك، لكنه كما يقول "ابن إياس" في "بدائع الزهور": "كان بطلاً لا يكل من الحروب ليلاً ونهارًا، ولا يعرف في أبناء الملوك من كان يناظره في العزم والشجاعة والإقدام".

استهل "الأشرف" حكمه بالتخلص من بعض رجال الدولة البارزين، الذين كانت لهم السطوة والنفوذ في عهد أبيه، وبإحلال الأمن في جميع ربوع البلاد، وبدأ في الاستعداد لمواصلة الجهاد ضد الصليبيين، وإتمام ما كان أبوه قد بدأه، وهو فتح عكا، وإنهاء الوجود الصليبي.

الاستعداد للمعركة

خرج الأشرف خليل من القاهرة في (صفر 690هـ= 1291م) قاصدًا "عكا"، وأرسل في الوقت نفسه إلى كل ولاته بالشام بإمداده بالجنود والعتاد، ونودي في الجامع الأموي بدمشق بالاستعداد لغزو "عكا" وتطهير الشام نهائيًا من الصليبيين، واشترك الأهالي مع الجند في جر المجانيق.

وخرج الأمير "حسام الدين لاجين" نائب الشام بجيشه من "دمشق"، وخرج الملك المظفر بجيشه من "حماة"، وخرج الأمير "سيف الدين بلبان" بجيشه من "طرابلس"، وخرج الأمير "بيبرس الدوادار" بجيشه من "الكرك"، وتجمعت كل هذه الجيوش الجرارة عند أسوار عكا، وقدر عددها بنحو ستين ألف فارس، ومائة وستين ألفًا من المشاة؛ مجهزين بالأسلحة وعدد كبير من آلات الحصار، وبدأت في فرض حصارها على "عكا" في (ربيع الآخر 690هـ= 5 من إبريل 1291م)، ومهاجمة أسوارها وضربها بالمجانيق؛ وهو ما مكنهم من إحداث ثقوب في سور المدينة.

اشتد الحصار الذي دام ثلاثة وأربعين يومًا، وعجز الصليبيون عن الاستمرار في المقاومة، ودب اليأس في قلوبهم؛ فخارت قواهم، وشق المسلمون طريقهم إلى القلعة، وأجبروا حاميتها على التراجع؛ فدخلوا المدينة التي استسلمت، وشاعت الفوضى في المدينة، بعد أن زلزلت صيحات جنود المماليك جنبات المدينة، وهز الرعب والفزع قلوب الجنود والسكان؛ فاندفعوا إلى الميناء في غير نظام يطلبون النجاة بقواربهم إلى السفن الراسية قبالة الشاطئ؛ فغرق بعضهم بسبب التدافع وثقل حمولة القوارب.

انهارت المدينة ووقع عدد كبير من سكانها أسرى في قبضة المماليك، وسقطت في يد الأشرف خليل في (17 من جمادى الأولى 690هـ= 18 مايو 1291م)، ثم واصل سعيه لإسقاط بقية المعاقل الصليبية في الشام؛ فاسترد مدينة "صور" دون مقاومة، و"صيدا" ودمرت قواته قلعتها، وفتح "حيفا" دون مقاومة، و"طرسوس" في (5 من شعبان 690هـ= 3 من أغسطس 1291م)، و"عثليث" في (16 من شعبان 690هـ).

ظلت الجيوش المملوكية تجوب الساحل الشامي بعد جلاء الصليبيين من أقصاه إلى أقصاه بضعة أشهر تدمر كل ما تعتبره صالحًا لنزول الصليبيين إلى البر مرة أخرى، وبهذا وضع "الأشرف خليل" بشجاعته وإقدامه خاتمة الحروب الصليبية.

عاد السلطان إلى القاهرة يحمل أكاليل النصر، وسار موكبه في الشوارع يسوق أمامه عددًا كبيرًا من الأسرى، وخلفهم جنوده البواسل يحملون أعلام الأعداء منكسة، ورؤوس قتلاهم على أسنة الرماح.

قلاوون وقطز!

ولم تطل مدة حكم الأشرف خليل أكثر من ثلاث سنوات وشهرين وأربعة أيام؛ فقد كان الود مفقودًا بينه وبين كبار المماليك، وحل التربص وانتظار الفرصة التي تمكن أحدهما من التخلص من الآخر محل التعاون في إدارة شئون الدولة، وكانت يد الأمراء المماليك أسرع في التخلص من السلطان، ولم يشفع عندهم جهاد الرجل في محاربة الصليبيين؛ فكانت روح الانتقام والتشفي أقوى بأسًا من روح التسامح والمسالمة؛ فدبروا له مؤامرة وهو في رحلة صيد خارج القاهرة – كما فعل بقطز بعد انتصاره على التتار في عين جالوت- وتمكنوا من قتله في (12 من المحرم 693هـ= ديسمبر 1293م) وبقيت جثته ملقاة في الصحراء أيامًا إلى أن نُقلت إلى القاهرة؛ حيث دفنت بالمدرسة التي أنشأها لنفسه بالقرب من ضريح السيدة نفيسة.‏‏
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 01-01-2010, 01:54 PM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

"مروحة" تتسبب في احتلال الجزائر!

(في ذكرى احتلال الجزائر: 14 من المحرم 1246 هـ)


بعد سقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس في (21 من المحرم 898 هـ = 25 من نوفمبر 1492م) بدأ الأسبان يهاجمون الشمال الأفريقي في مطلع القرن السادس عشر الميلادي، في ظل حركة صليبية تدعو إلى الضغط على المسلمين في شمال أفريقيا باحتلال ثغورهم، وتحويلهم إلى المسيحية إن كان ذلك ممكنًا.

احتلال أسباني

ونجح الأسبان في دخول الجزائر والاستيلاء على "المرسى الكبير" سنة (911هـ = 1505م) ووهران سنة (915 هـ = 1509م) وبعد احتلالهما قاموا بتنظيم أمورهما، واعتبروهما أيضًا أسبانيين، وأخضعوهما لسلطة حاكم عسكري، ونشروا فيهما الجند والمرتزقة، ووطنوا بهما عددًا من المدنيين المجرمين والمنفيين من (أسبانيا).

وفي الوقت الذي توسع فيه الأسبان في احتلال الثغور الإسلامية المطلة على غرب البحر المتوسط، ظهرت قوة بحرية إسلامية، خاضت جهادًا عظيمًا ضد السفن الأسبانية، ودفعت خطرهما، وكان يقود حركة الجهاد الأخوان (بابا عروج) وخير الدين برباروسا، وتطورت تلك الحركة فتمكنت من تحرير الجزائر بمساعدة الدولة العثمانية، وإخضاع الملاحة في البحر المتوسط للبحرية الإسلامية، ومد النفوذ العثماني في الشمال الأفريقي.

أطماع فرنسية


وظلت الجزائر تابعة للدولة العثمانية، حتى بدأت فرنسا تتطلع باهتمام بالغ إلى احتلال الجزائر، وكان "نابليون بونابرت" يحلم بجعل البحر المتوسط بحيرة فرنسية، وأخذ يخطط لقيام حملة كبيرة تمكنه من ضم دول المغرب العربي، وإقامة مستعمرات عسكرية فرنسية، وطلب من الفرنسيين الذين سبق لهم العيش في "الجزائر" أن يمدوه بمعلومات عنها وعن سكانها وتحصيناتها، ولم يكتف بذلك، وإنما كلف وزير البحرية بأن يبعث أحد جنوده الأكفاء الذين يمتازون بالروح القتالية والمهارة الهندسية إلى الجزائر سرًا، ليدرس أحوال الجزائر العسكرية عن كثب، ويوافيه بتقرير شاف، وقد نجح هذا المبعوث في كتابة تقرير واف عن تحصينات الجزائر، وطبيعة أراضها، وعدد قواتها، وزيّن الحملة المقترحة، والمدة التي تستغرقها لتحقيق هدفها، وعدد القوات اللازمة للقيام بالحملة، غير أن انشغال نابليون بأطماعه في أوروبا أرجأ مشرعه.

حادثة المروحة

تولى الباشا حسين حكم الجزائر سنة (1234 هـ = 1818م) وكان رجلاً مشهورًا بالغيرة على الدين، واليقظة الدائمة، والميل إلى الأهالي، فطلب من "دوقال" قنصل فرنسا أن يبلغ حكومته بضرورة الإسراع في تسديد الديون التي عليها للجزائر.

وجرت العادة أن يقوم قناصل الدولة الأجنبية بزيارة (الباشا) لتهنئته بعيد الفطر (2 شوال 1243 هـ = 29 من إبريل 1827م) وكان القنصل الفرنسي حاضرًا، ودار حديث بينه وبين الباشا حول الديون، فأساء القنصل الفرنسي الرد، فأمره الباشا بالخروج من حضرته، لكنه لم يتحرك فقام الباشا بضربه بالمروحة التي كانت في يده، فكتب القنصل إلى بلاده بما حدث، وادعى أنه ضُرب ثلاث مرات.

اتخذت فرنسا من هذه الحادثة ذريعة لاستغلالها لمصلحتها، وبخاصة بعد أن كتب القنصل تقريره إلى حكومته في الليلة نفسها، وطلب منها اتخاذ الوسائل اللازمة للمحافظة على كرامتها في شمال أفريقيا، وقرأ وزير الخارجية الفرنسية ذلك التقرير في مجلس الوزراء، وطلب إجبار الجزائر على الاعتذار عن الإهانة التي لحقت بالملك في شخص ممثله، ولو أدى ذلك إلى استخدام القوة.

أرسلت فرنسا قطعة من أسطولها إلى الجزائر في (18 ذي القعدة 1243 هـ = 12 من يونيو 1827)، وجاء قبطانها إلى الباشا وطلب منه أن يأتي معه إلى السفينة ويقدم اعتذارا شخصيًا للقنصل الفرنسي، ولما كان هذا الطلب متعذرًا، وأن الباشا لن يوافق عليه، فإن القبطان تقدم إلى الباشا باقتراحين آخرين: إما أن يعتذر للقنصل بمحضر الديوان وفي وجود القناصل الأجانب جميعًا، وإما أن يرسل الباشا بعثة برئاسة وزير بحريته إلى قطعة الأسطول الفرنسي، ليعتذر باسم الباشا إلى القنصل، وفي حالة عدم استجابة الباشا لأحد الاقتراحات الثلاثة يُعلن الحصار رسميًا على الجزائر.

لم يقبل الباشا أيًا من الاقتراحات الثلاثة؛ فضرب الفرنسيون الحصار على الجزائر وظل مضروبًا ثلاث سنوات، ولم يكن حصارًا هينًا لفرنسا، وإنما كان متعبًا ومملوءا بالمخاطر، وبخاصة في الفترة الأخيرة، حيث نجح الجزائريون في أسر بعض رجال القطع البحرية الفرنسية وقتلهم، وكلف هذا الحصار الخزينة الفرنسية سبعة ملايين فرنك سنويًا، وأصاب التجارة الفرنسية في البحر المتوسط بخسائر كبيرة، ومن ثم لم يعط الحصار نتائج إيجابية، ولم يجبر الباشا على تقديم اعتذار لفرنسا دون أي شروط.

الحملة الفرنسية

أدى فشل المفاوضات بين الطرفين، وعجز الحصار البحري على الجزائر، والرغبة في توجيه نظر الشعب الفرنسي إلى تحقيق نصر خارجي إلى إعلان مجلس الوزراء الفرنسي في جلسة (5 شعبان 1245 هـ = 30 من يناير 1830) القيام بالحملة ضد الجزائر، ثم قام الملك بإصدار مرسوم بالتعبئة العامة، وأعلن في خطاب العرش يوم (7 من رمضان 1245هـ = 2 من مارس 1830م) عزمه على مهاجمة الجزائر، مدعيًا أن هذه الحملة لم تقم إلا للانتقام من الإهانة التي لحققت بالشرف الفرنسي، وأصر على أنها "حملة مسيحية على بلاد البرابرة المسلمين"، وأنها في صالح كل العالم المسيحي.

تجمعت القوات البرية والبحرية مع معدات الحرب والذخائر في المنطقة الواقعة بين طولون ومرسيليا وبلغ مجموع رجال الحملة (37600) جندي، واشتملت على (45000) حصان، و(91) قطعة مدفعية، ووصل عدد قطع الأسطول إلى (6000) قطعة، منها (103) قطع حربية.

أبحرت الحملة من ميناء طولون ونزلت في منطقة سيدي فرج في (23 ذي الحجة 1245 هـ = 14 من يونيو 1830م) دون مقاومة وقام الفرنسيون بتحصين منطقة إنزالهم، لاتخاذها قاعدة عسكرية لهم، وتصبح نقطة تموين من الأسطول أثناء العمليات الحربية.

وعلى الرغم من أن موقع "سيدي فرج" لا يبعد عن مدينة الجزائر إلا بنحو 25 كيلومترا، فإن الفرنسيين اضطروا إلى خوض ثلاث معارك طاحنة حتى تمكنوا من احتلال مدينة الجزائر في ( 14 كم المحرم 1246 هـ = 5 يوليو 1830) بعد أن وقّع الباشا معاهدة تسليم المدينة، وفق بنود اتفق عليها الطرفان، تضمنت تسليم قلعة القصبة، وكل القلاع الأخرى المتصلة بالمدينة إلى الجيش الفرنسي، وأن يتعهد القائد العام الفرنسي لباشا الجزائر بأن له الحرية في أن يذهب هو وأسرته إلى المكان الذي يختاره، وتعهد بحمايته وتعيين حرس له لو فضل البقاء في الجزائر، وختمت المعاهدة بأن العمل بالدين الإسلامي سيظل حرًا، ولن تمس حرية السكان مهما كانت طبقتهم ودينهم وأملاكهم.

دخلت القوات الفرنسية مدينة الجزائر في هرج ودون أي نظام أو ضبط، وأخذوا في القتل والسلب والنهب في أحياء متعددة من المدينة، واستولى الفرنسيون على الخزانة، وأعلنوا أنه لا توجد سجلات عن محتوياتها، ثم أبلغوا الحكومة في باريس أنهم وجدوا ما قيمته (48700000) فرنك من الذهب، وكان هذا المبلغ يكفي لتغطية نفقات الحملة التي وصلت إلى (43500000) فرنك ذهبي.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 05-01-2010, 12:54 PM   #4
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

فتح القسطنطينية بين الحلم والحقيقة

(في ذكرى حصار مسلمة لها : 19 من المحرم 99هـ)



بدأ التفكير في فتح القسطنطينية يراود خيال خلفاء المسلمين منذ بداية العصر الأموي؛ فعندما ولي الخليفة "معاوية بن أبي سفيان" خلافة المسلمين كان في مقدمة الأهداف التي وضعها نصب عينيه فتح القسطنطينية، تلك المدينة الجميلة الساحرة، أشهر مدن الدولة البيزنطية وعاصمتها المتألقة.

وكان لموقع القسطنطينية المتميز أكبر الأثر في اتجاه أنظار المسلمين إلى فتحها، وانتزاعها من الإمبراطورية البيزنطية التي كانت مصدر قلق دائم للدولة الإسلامية، وضم تلك اللؤلؤة العزيزة إلى عقد الإمبراطورية الإسلامية الواعدة.

كانت مدينة القسطنطينية محط أنظار المسلمين بجمالها وبهائها، كأنها درة قد احتضنها خليج البسفور من الشرق والشمال، وامتدت من جهة الغرب لتتصل بالبر، وتطل أبراجها وحصونها في شموخ وكأنها تتحدى الطامعين فيها، وقد برزت أسوارها العالية من حولها في كل اتجاه فتتحطم عندها أحلام الغزاة وتنهار آمال الفاتحين.

الحملة الأولى إلى القسطنطينية

وبرغم تلك الأسوار المنيعة والأبراج الحصينة التي شيدها أباطرة البيزنطيين حول المدينة، فإن ذلك لم يفتّ في عضد معاوية، ولم يثنه عن السعي إلى فتح القسطنطينية.. وبدأ معاوية يستعد لتحقيق حلمه الكبير.

استطاع معاوية في مدة وجيزة أن يجهز لأول حملة بحرية إلى القسطنطينية (سنة 49 هـ = 669م) حشد لها جيشا ضخما، وشارك فيها عدد كبير من الصحابة منهم "عبد الله بن عمر" و"عبد الله بن عباس" و"أبو أيوب الأنصاري"- رضي الله عنهم- وجعل عليها "سفيان بن عوف"، وأخرج معه ابنه "يزيد بن معاوية".

ولكن تلك الحملة لم يكتب لها النجاح؛ فقد حال سوء الأحوال الجوية وبرودة الجو الذي لم يعتدْه العرب دون استمرار المسلمين في الحصار الذي فرضوه على المدينة، بالإضافة إلى قوة تحصين المدينة التي حالت دون فتحها. وعادت الحملة مرة أخرى بعد أن استشهد عدد من المسلمين، منهم الصحابي الجليل "أبو أيوب الأنصاري".

ولكن معاوية لم ييئس، ولم يخبُ حماسه وإصراره على مواجهة هذا التحدي الجديد؛ فراح يعد لحملة جديدة، ومهد لذلك بالاستيلاء على عدد من الجزر البيزنطية في البحر المتوسط، مثل: جزيرة "كريت" وجزيرة "أرواد" في سنة (54 هـ = 674م).

وكان معاوية يهدف من وراء ذلك إلى أن تكون هذه الجزر محطات للأسطول الإسلامي عند خروجه لغزو القسطنطينية.

سر النار الإغريقية

فرض المسلمون الحصار على المدينة المنيعة لدفعها إلى الاستسلام، واستمر الحصار من عام (54 هـ = 674م) إلى عام (60 هـ = 680م)، وتحمل المسلمون طوال تلك السنوات السبع كثيرا من الصعاب، وواجهوا العديد من المشاق والأخطار حتى فاجأهم البيزنطيون بسلاح جديد لم يألفه المسلمون من قبل وهو "النار الإغريقية"، وهي عبارة عن مزيج كيميائي من الكبريت والنفط والقار، فكان البيزنطيون يشعلونه ويقذفون به سفن الأسطول الإسلامي فتحترق بالنار وهي في الماء؛ مما اضطر المسلمين في النهاية إلى رفع الحصار عن المدينة والعودة مرة أخرى إلى دمشق بعد أن احترق عدد كبير من السفن واستشهد عدد كبير من الجنود.

حملة سليمان بن عبد الملك

أحجم المسلمون فترة من الزمان عن محاولة فتح القسطنطينية لمناعتها وتحصنها، حتى جاء الخليفة الأموي "سليمان بن عبد الملك" فبدأ يجهز جيشا ضخما بلغ نحو مائة ألف جندي، وزوده بنحو ألف وثمانمائة سفينة حربية، وجعل على رأسه أخاه "مسلمة بن عبد الملك".

وانطلق مسلمة نحو القسطنطينية عام (98 هـ = 717م) فحاصرها مدة طويلة، وبرغم تلك الاستعدادات الكبيرة والإمكانات الضخمة الهائلة التي توافرت للجيش، فإن تلك المدينة استعصت عليه، وعجز عن فتحها، فبعث مسلمة أحد رجاله، ويدعى سليمان على رأس جيش يستطلع الطريق عبر آسيا الصغرى.

وسار سليمان حتى بلغ عمورية فحاصرها مدة، وعلم أن "ليون" حاكم هذه المدينة يناهض الإمبراطور البيزنطي "تاود أسيوس" فأراد أن يخدعه ويستميله معه، ويغريه بعرش الإمبراطورية الرومانية، ولكن ليون تظاهر بمساعدته وأضمر في نفسه شيئا آخر، فدخل في مفاوضات مع المسلمين وطلب منهم رفع الحصار عن عمورية، ثم صحب جيش المسلمين قاصدا القسطنطينية، وأصبح ليون موضع ثقة المسلمين، فسمحوا له بأن يسبقهم إلى القسطنطينية.

وسرعان ما كشف "ليون" عن حقيقة نواياه عندما احتل العاصمة البيزنطية واستطاع الوصول إلى العرش الإمبراطوري مستغلا وصول الحملة الإسلامية إلى القسطنطينية، فأسرع بتحصين المدينة وتدعيم أسوارها وتقويتها لمواجهة الحصار الإسلامي المرتقب.

بدأ الحصار البحري لمدينة القسطنطينية في (19 من المحرم 99هـ = أول سبتمبر 717م) وعندما وصل إليها مسلمة بجيشه ضرب عليها حصارا شديدا قاسيا، واستمر حتى الشتاء، وتحمل المسلمون البرد القارس؛ حيث عانوا كثيرا؛ وجاء أسطول من مصر وآخر من شمال إفريقيا، كما وصلت نجدات برية أخرى.

وأخذ المسلمون يهاجمون المدينة مستخدمين النفط، واستعانوا بسلاح جديد أشبه بالمدفع، وأظهر المقاتلون شجاعة نادرة وفدائية فريدة.

وفي تلك الفترة التي اشتد فيها حصار المسلمين لمدينة القسطنطينية توفي الخليفة سليمان بن عبد الملك، وتولى بعده الخليفة "عمر بن عبد العزيز"، واستقر رأى الخليفة الجديد على سحب القوات الإسلامية المحاصِرة للقسطنطينية للإفادة منها في تأمين الدولة الإسلامية وتنظيمها قبل الاستمرار في الفتح والتوسع. وأرسل الخليفة في (12 من المحرم 100 هـ = 15 من أغسطس 718م) يطلب من مسلمة العودة بجيوشه وأساطيله إلى الشام بعد حصار دام اثني عشر شهرًا كاملة، بعد أن أدت دورها في إعزاز دولة الإسلام، وحمل البيزنطيين على التخلي عن أحلامهم وأطماعهم السابقة في استعادة أراضيهم التي انضوت تحت لواء الإمبراطورية الإسلامية الجديدة.

تحقق الحلم

وبرغم كل تلك المحاولات لفتح القسطنطينية، والتي لم يكتب لها النجاح؛ فقد ظل الاستيلاء على هذه المدينة حلما يداعب خيال المسلمين، وأملا يراود نفوسهم، وأمنية تجيش في صدورهم حتى استطاع السلطان العثماني "محمد الفاتح" أن يحقق ذلك الحلم بعد عدة قرون من الزمان، ويفتح القسطنطينية في سنة (857هـ = 1453م).
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 07-01-2010, 11:06 AM   #5
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

غروب شمس الأندلس

(في ذكرى معاهدة تسليمها:21 من المحرم 897 هـ)





ما كان أحد يظن أن شمس الإسلام التي أشرقت على أرض الأندلس ستغرب عنها يومًا، وأن كلمات الأذان الصادح من فوق قامات المآذن ستتحول إلى أصوات أجراس من فوق أعواد الكنائس، وما كان أحد يتصور أن ستغيب عن الأندلس حلقات العلم، ودروس الحديث والفقه في جوانب المساجد، وأن الأرض التي امتلأت جنباتها شعرًا ونثرًا عربيًا ستصبح غريبة الوجه واللسان.. ولكن هذا ما كان.

أخذ الضعف يدب في أوصال دولة الإسلام منذ أوائل القرن السابع الهجري، وبدأ الغزو الأسباني يجتاح أرض الأندلس، ويلتهم قواعدها وثغورها واحدًا إثر آخر، ولم يكد ينتصف القرن السابع الهجري حتى كانت ولايات الأندلس الشرقية والوسطى قد سقطت جميعها في يد أسبانيا النصرانية، وتقلصت دولة الإسلام، في بضع ولايات صغيرة في الطرف الجنوبي من الأندلس.

مملكة غرناطة

وقامت في هذه الرقعة الصغيرة مملكة غرناطة سنة (629 هـ = 1232م) على يد "محمد بن يوسف بن نصر (ابن الأحمر)، وضمت ثلاث ولايات كبيرة هي ما بقي من أرض الأندلس للمسلمين: "غرناطة" في الوسط، وفيها العاصمة غرناطة، وولايات المرية في الشرق، وولاية مالقة في الغرب والجنوب، وامتدت حدودها حتى بلغت شاطئ البحر المتوسط ومضيق جبل طارق.

وتتابع على مملكة غرناطة اثنان وعشرون أميرًا في أكثر من قرنين ونصف من الزمان، واستطاعت في ثبات عجيب أن تستمر رغم صغرها وقلة عدد سكانها، وأن تواجه ببسالة محاولات أسبانيا لالتهامها -على ما بين الدولتين من بون شاسع في القوة والعدد، والإمكانيات والمدد- وأن تقيم بين ربوعها حضارة حافلة بأرقى نظم الحياة المادية والأدبية.

أراجون وقشتالة


اتحدت أسبانيا النصرانية باتحاد مملكتي أراجون وقشتالة، وذلك بزواج الملكة "إيزابيلا" ملكة قشتالة من "فرديناند الخامس" ملك أراجون سنة (884 هـ = 1479م)، واتحدت إرادتهما على غزو مملكة غرناطة والقضاء على الأمة الأندلسية المسلمة، وساعدهما على ذلك اشتعال الصراعات الأسرية والحروب بين أبناء البيت الحاكم في غرناطة، وتفرق كلمتهم، وتوقد نار التعصب في قلبي الملكين الكاثوليكيين.

تدفقت جيوش الملكين المتحدين على مملكة غرناطة، ونجحا في الاستيلاء على مالقة أمنع ثغور الأندلس في (شعبان 892 هـ = أغسطس 1487م) ثم على وادي آش والمنكب والمرية في أواخر سنة (894 هـ = 1489م) ثم على بسطة في (المحرم 895 هـ= ديسمبر 1489م)، ولم يبق من معاقل الإسلام التي لم تسقط سوى مدينة غرناطة.

روح المقاومة

في أوائل (صفر 895 هـ= 1490م) أرسل الملكان الكاثوليكيان إلى أبي عبد الله الصغير أمير غرناطة سفارة يطلبان فيها تسليم مدينة "الحمراء" مقر الملك والحكم، وأن يبقى مقيمًا في غرناطة في طاعتهما وتحت حمايتهما، أو أن يُقْطِعاه أي مدينة أخرى من مدن الأندلس يختار الإقامة فيها، وأن يمداه بمال وفير.

وكان جواب أبي عبد الله عدم الاستجابة لمطلب الملكين، وقام بجمع كبار رجال دولته، فأيدوا موقفه، وأعلنوا عزمهم الراسخ على الدفاع عن مدينتهم ودينهم ما وسعهم الجهد والطاقة، واشتعلت الحرب بين المسلمين والأسبان خلال سنة (895 هـ = 1490م)، في عدة معارك واسترد المسلمون عدة حصون، ثم توقفت الحرب لمجيء الشتاء.

حصار غرناطة

أيقن ملك قشتالة أنه لا بد من الاستيلاء على غرناطة حتى تستتب له الأمور في المناطق الإسلامية؛ فهي لا تزال تبث روح الجهاد في نفوس المسلمين، وتحيي الأمل في نجاح المقاومة، فخرج على رأس جيش جرار يبلغ خمسين ألف مقاتل من الفرسان والمشاة، ومزود بالأسلحة والعتاد واتجه إلى غرناطة، وضرب حصارًا شديدًا حولها في (12 جمادى الآخرة 896 هـ = 23 من إبريل 1491) وأتلف الحقول القريبة منها، ليمنع عنها المؤن والغذاء، وقطع كل اتصال لها بالخارج سواء من البر أو البحر، ورابطت السفن الأسبانية في مضيق جبل طارق على مقربة من الثغور الجنوبية لتمنع وصول أي إمداد من مسلمي الشمال الأفريقي.

لم تستسلم غرناطة ورجالها البواسل للحصار الغاشم؛ فهي لا تملك أمام الجيوش الحرارة التي تموج كالبحر الزاخر سوى الشجاعة والإقدام، فكان المسلمون يخرجون لقتال العدو المحاصر يهاجمونه ويسببون له خسائر كبيرة، ولبثت المدينة عدة أشهر تعاني شدائد الحصار وهي صابرة محتسبة، حتى دخل الشتاء ونزلت الثلوج، واشتد بالناس الجوع والبلاء، وقلت المؤن، ودب اليأس إلى قلوب الناس جميعًا، وعند ذلك لم يجد أبو عبد الله مفرًا من بحث الأمر، فدعا مجلسًا من كبار الجند والفقهاء والأعيان وتبحاثوا ما هم فيه من ضيق وحرج، وأن المؤن أوشكت على النفاد، وأنه لم يعد للناس من طاقة للدفاع، واتفق الجميع على التسليم، وضاعت في هذا الجو المتخاذل أصوات الداعين إلى الصمود والثبات، ومقاومة المعتدي حتى الموت.

مصرع غرناطة

أرسل أبو عبد الله الصغير قائده "أبا القاسم عبد الله" إلى معسكر الملكين للمفاوضة في شروط التسليم، واستمرت المفاوضات بضعة أسابيع، وانتهى الفريقان إلى وضع معاهدة للتسليم وافق عليها الملكان، ووقعت في (21 من المحرم 897 هـ= 25 من نوفمبر 1491م).

وتضمنت المعاهدة شروطًا عديدة بلغت 56 مادة خلاصتها: أن يتعهد ملك غرناطة بتسليم المدينة إلى الملكين الكاثوليكيين خلال ستين يومًا من بدء توقيع المعاهدة، وأن يُطلق سراح الأسرى من الطرفين دون فدية، وأن يؤمّن المسلمون في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وأن يحتفظوا بشرائهم وقضاتهم، وأن يتمتعوا بحرية إقامة شعائرهم من صلاة وصوم، وأن تبقى المساجد حرمًا مصونة، وألا يدخل نصراني مسجدًا أو دار مسلم، وألا يُولّى على المسلمين نصراني أو يهودي، وأن يعبر إلى "أفريقيا" من شاء من المسلمين في سفن يقدمها ملك النصارى في ظرف ثلاثة أعوام.

غير أن هذه العهود لم تكن في الواقع -حسبما أيدت الحوادث فيما بعد- سوى ستار للغدر والخيانة؛ فقد تم نقض كل هذه الشروط، وأُجبر المسلمون بعد سقوط غرناطة على الهجرة خارج البلاد والتنصر
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 10-01-2010, 07:30 AM   #6
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

القبارصة ينهبون الإسكندرية

(في ذكرى الاعتداء عليها: 23 من المحرم 767هـ)



لم تنته الحروب الصليبية في المشرق الإسلامي باسترداد المسلمين لمدينة عكا في (17 من جمادى الأولى سنة 690هـ=18 من مايو 1291م)، والتي ترتب عليها تصفية الوجود الصليبي في الساحل الشامي بعد احتلال دام قرنين من الزمان، وكان للسلطان المملوكي الأشرف خليل قلاوون شرف وضع هذه النهاية المشرقة، ووضع اسمه في قائمة أبطال المسلمين الذين قادوا حركة الجهاد ضد الصليبيين التي تضم آق سنقر، وعماد الدين زنكي، ونور الدين محمود، وصلاح الدين الأيوبي، والظاهر بيبرس.

وظن الناس أن هذه النهاية التي وضعها الأشرف خليل طوت صفحة الحروب الصليبية، وأن عهدا من العلاقات السلمية سينشأ من جديد، لكن ذلك كان ضربا من ضروب الأحلام، فقد كانت فكرة معاودة الغزو لا تزال تشغل أذهان بعض ملوك أوربا، وكان الحقد الدفين ضد المسلمين لا يزال يأكل صدور باباوات الكنيسة، وكان العدو ينتظر اللحظة المناسبة للغزو والانقضاض.

قبرص تجدد الدعوة للصليبية

تولى بطرس الأول لوزينان عرش قبرص سنة (760هـ=1359م)، خلفا لأبيه هيو الرابع، وكانت نفسه تطمح إلى أن يكون البطل المدافع عن المسيحية، وأن يكرس حياته لخدمة الحروب الصليبية، واستهل حكمه بمهاجمة شواطئ آسيا الصغرى وانتزاع عدة قواعد مهمة من السلاجقة الأتراك، لكن ذلك لم يكن كافيا لإشباع نهمه ورغبته في أن يكون بطلا يلقى تأييدا من الكنيسة، وتحيطه العيون بنظرات الإعجاب والتقدير، ففكر في القيام بحملة صليبية كبرى هدفها احتلال بيت المقدس، وطاف بغربي أوربا ثلاث سنوات للدعاية لحملته والحصول على معونات دولها، لكنه لم يجد ما كان يأمله من عون ومساعدة، ولم يظفر إلا بانضمام عدد كبير من صغار الفرسان ومباركة البابا أوربان الخامس لحملته، واحتشد لديه في النهاية مائة وخمس وستون سفينة مشحونة بالرجال والمؤن والسلاح، وتجمعت في مياه جزيرة رودس تنتظر الإبحار إلى الهدف المنشود.

التوجه إلى الإسكندرية

لم يكن بطرس الأول قد حدد المكان الذي يتوجه إليه ليضرب المسلمين في مقتل، فاستشار خاصته، فنصحه أحدهم بالتوجه إلى الإسكندرية وأن يهاجمها في يوم الجمعة، والمسلمون في المساجد، فقبل الملك هذه الفكرة بعد تردد، إذ كان يخشى مهاجمة مدينة عظيمة مثل الإسكندرية، ولم تكن مهاجمة مصر بعيدة عن أذهان قادة الحروب الصليبية من قبل فقد تعرضت لحملتين سابقتين، وباءتا بالفشل، وكان احتلال مصر في أذهان هؤلاء الغزاة خطوة أولى لاستخلاص الأراضي المقدسة من المسلمين.

واتخذ بطرس الأول الاحتياطات اللازمة لسرية الحملة، ومنع تسرب أخبارها إلى مصر فيستعد أمراؤها لمواجهة الحملة، وكان الغزاة قد اختاروا وقتا مناسبا لحملتهم، فنائب الإسكندرية صلاح الدين خليل بن عوام متغيب عنها لذهابه إلى أداء فريضة الحج، وحل محله أمير يدعى "جنغرا" ضعيف الشخصية، غير متمرس بأمر الحرب، لا يصلح لمواجهة مثل هذه الظروف.

ولم تكن تحركات الغزو خافية عن القائمين على الأمر في مصر على الرغم من السرية البالغة التي أحاطت بتحركات الحملة، غير أنها لم تؤخذ لدى المصريين على محمل الجدية، وكانوا يعتقدون "أن القبرصي أقل وأذل من أن يأتي إلى الإسكندرية"، وكل ما قام به نائب السلطنة في المدينة أن قام بتعلية سور المدينة القصير في بعض الجهات التي تواجه الميناء.

وفي الوقت الذي لم تستعد فيه الإسكندرية لمواجهة الخطر الذي سيحدق بها كان الملك القبرصي على دراية تامة بدفاعات المدينة ومواطن الضعف فيها.

ويصف النويري الإسكندراني وهو المؤرخ الوحيد الذي عاصر الحملة وشاهد كوارثها تلك الدفاعات وصفا لاذعا، فيقول: "وكان الخبر يأتي إلى القبرصي أن الإسكندرية بها طوائف قاعات يبيتون بساحل ميناها، ولم يعرفوا الحرب ولا باشروه أبدا، بل يخرجون متزينين بالملبوس، قد تطيلسوا من فوق العمائم التي على الرؤوس، يتبخترون في مشيتهم، ويتطيبون بطيبهم، فتزغرد لهم النسوان، ويصير كل واحد بزينته فرحان، ومعهم الأسلحة الثقال، ولكن ليس تحتها لموقف الحرب رجال، مع كل واحد منهم سيف تقلده، مجوهر النصل جيده، مزخرف بالذهب كجمرة نار ملتهب، ومع ذلك حامله جبان، يفزع من نعيق الغربان".

الحملة على شواطئ المدينة

وفي (20 من المحرم سنة 767هـ=7 من أكتوبر 1365م) قدم الأسطول القبرصي مدينة الإسكندرية في وسط أجواء مهيئة لنجاح مهمته على النحو الذي أشرنا إليه، وحسب الناس أن الأسطول القادم أسطول من البندقية جاء ليشتري التوابل كالمعتاد، فأسرعوا لرؤيته، غير أنهم فوجئوا بعد أن رسا على الشاطئ أنه جاء للغزو والنهب، وأن الجنود القبارصة جاءوا بسيوفهم المسلولة لضرب أهالي المدينة العزل من السلاح، وأدرك الناس الحقيقة ولم يكونوا مستعدين لمواجهتها، فاستولى عليهم الرعب، وقضوا ليلتهم في خوف وفزع.

وفي صباح اليوم التالي أقبلت السفن وقد ملأت البحر لكثرتها ورست على الشاطئ، وأيقن المدافعون عن المدينة بحقيقة الموقف العصيب، فأغلقوا أبوابها، وامتلأت قلاع المدينة المواجهة للميناء بالرجال والرماة، وتدافع الفرسان إلى أسوار المدينة لدفع الخطر القادم، وبذل الناس محاولات مستميتة في الدفاع والاستبسال، لكنها لم تستطع الصمود أمام هجمات القبارصة الذين نزلوا بر الإسكندرية في نهار يوم الجمعة الموافق 22 من المحرم، وانتظروا استعدادا للخطة الحاسمة التي ينقضون فيها على المدينة التي لم يحسن أمراؤها مواجهة هذا الهجوم الزاحف.

سقوط الإسكندرية

ولم يستطع المهاجمون الاقتراب في بادئ الأمر من أسوار المدينة وأبراجها الحصينة، خوفا من سهام المدافعين التي كانت تحصد كل من يقترب من الأسوار، ثم اكتشف العدو أن جانبا من السور خال من المدافعين، فنصبوا عليه سلالمهم الخشبية، وصعدوا عليها إلى أعلى السور، واتجه بعضهم إلى باب السور الذي في هذه الجهة، ويعرف بباب الديوان فأحرقوه، وقد أذهلت هذه المفاجأة المدافعين عن المدينة، بعد أن تدفق القبارصة إلى داخل المدينة، فعجزوا عن رد هذا الهجوم، وأصاب الناس فزع شديد، فاتجهوا نحو بوابات المدينة طلبا للأمان والنجاة بحياتهم، فضاقت الأبواب على الفارين لكثرتهم، فهلك منهم المئات من شدة الزحام.

وفي أثناء ذلك نجح نائب المدينة "جنغرا" بجمع ما في بيت المال من ذهب وفضة، وقبض على تجار الفرنج وقناصلهم بالمدينة وكانوا نحو خمسين وقادهم إلى دمنهور وهم مقيدون بالسلاسل.

ولم تمض ساعات حتى سقطت الإسكندرية في يد بطرس الأول ملك قبرص فدخلها باطمئنان وحوله جنوده، يمني نفسه ببناء إمارة صليبية، ويعيد ما كان لسلفه من الصليبيين من إمارات في بلاد الشام.

ويتعجب النويري المؤرخ المعاصر لهذه الكارثة لسقوط المدينة بهذه السهولة المفرطة، فقد جرت العادة أن تقاوم المدن شهورا وسنوات، وينحى باللائمة على أهل الثغر، ويتهمهم بالتفريط وعدم الثبات في المقاومة، إذ لو بقي كل واحد منهم بداره ورمى الفرنج من أعلاه بالطوب والحجارة لسلم للمسلمين ما بالدور على الأقل.

وحشية الغازي


وما أن دخل بطرس الأول وجنوده المدينة حتى قاموا بنهب الحوانيت والفنادق وأحرقوا القصور والخانات، واعتدوا على النساء، وخربوا الجوامع والمساجد، وقتلوا كل من وجدوه في الشوارع والمنازل والجوامع والحوانيت والحمامات، وبلغ من وحشيتهم ورغبتهم في التشفي أنهم كانوا يقتلون المرأة ويذبحون ابنها على صدرها، ولم يفرقوا في النهب والتدمير بين المنشآت الخاصة بالتجار المسلمين أو التي تخص المسيحيين مثل فنادق أهل جنوة ومرسيليا، ولم يقتصروا على ذلك، بل أخذوا معهم أسرى من المسلمين وأهل الذمة، وبلغ عددهم كما يقول النويري مؤرخ هذه الكارثة: "نحو خمسة آلاف نفر ما بين مسلم ومسلمة ويهودي ذمي ويهودية، ونصراني ونصرانية وإماء وأطفال"، وقد حملت سبعين سفينة قبرصية أكثر من طاقتها من الغنائم، حتى إنها اضطرت إلى إلقاء أجزاء من حمولتها في البحر، منعا لتعرضها للغرق أو الإبحار البطيء، فيعرضها بالتالي للمعارضة من قبل البحرية المصرية.

دخلها لصا وخرج منها لصا

بعد أن سقطت الإسكندرية فكر بطرس الأول في الاحتفاظ بالمدينة حتى تأتي النجدة من أوربا، لكن هذا الرأي لقي معارضة شديدة من قبل كثير من الأمراء الذين أجمعوا على ضرورة العودة والاكتفاء بما حققوه من غنائم، وأصروا على رأيهم، فاضطر الملك للرضوخ لرأيهم، في الوقت الذي تحركت فيه القاهرة، وبعثت بطلائعها العسكرية، لاسترداد المدينة، وطرد الغازي المحتل، فوصلت والصليبيون في مرحلة الإقلاع بسفنهم ودارت مفاوضات بين السلطات المصرية وبطرس الأول الذي بدأ في الانسحاب إلى البحر على تبادل الأسرى المسلمين بجميع التجار المسيحيين من الإفرنج وكانوا نحو خمسين لكن المفاوضات تعثرت بعد أن قرر بطرس الأول الإبحار بسرعة مكتفيا بما حققه من سلب ونهب، واحتلال دام بضعة أيام، وخوفا من أن تطارده البحرية المصرية.

احتفالات بنصر مزيف

ولما عاد بطرس الأول لوزجنان إلى قبرص أقيمت له احتفالات عظيمة، وأخذ هو في كتابة الرسائل إلى البابا وملوك أوربا يخبرهم بما أحرزه من نصر وما حققه من نجاح ويبرر لهم عدم احتفاظه بالإسكندرية بقلة ما في يديه من سلاح، ويؤكد لهم على معاودة الكرة مرة أخرى.

وفد أحدث هذا الحدث فرحا شديدا في أوربا، وبعث البابا إلى بطرس الأول مهنئا، كما أرسل إلى ملوك أوربا وأمرائها يناشدهم في الإسراع بتقديم العون والمساعدة للملك المظفر!

ثم تدخلت بعد ذلك مساعي الصلح بين سلطان مصر وبطرس الأول، ودارت مفاوضات بينهما لتبادل الأسرى وهو الشرط الذي وضعه السلطان للصلح، فوافق الملك بطرس على ذلك، وعاد الأسرى المسلمون إلى الإسكندرية.

قبرص ولاية مصرية

ولم تجد محاولات الصلح بين دولة المماليك في مصر وجزيرة قبرص التي دأبت سفنها على مهاجمة السفن المحملة بالبضائع إلى مصر؛ الأمر الذي أفزع السلاطين المماليك وهدد تجارة مصر في البحر المتوسط.

وظل الأمر على هذا النحو من التوتر حتى هاجم القراصنة القبارصة سنة (827هـ = 1424م) سفينتين بالقرب من دمياط تحملان بضائع وساقوهما إلى قبرص، ثم استولى "جانوس" ملك قبرص على سفينة محملة بالهدايا كان قد بعثها السلطان برسباي إلى السلطان العثماني مراد الثاني، وعلى إثر ذلك قرر السلطان برسباي وضع حد لهذا التعدي السافر، والقضاء على خطر القبارصة، فقرر فتح الجزيرة وضربها بيد من حديد، واستعد لهذا الأمر فأشرف بنفسه على بناء سفن جديدة في دار الصناعة ببولاق "وأمر ببناء سفن أخرى في بيروت وطرابلس حتى نجح في تكوين أسطول قوي قادر على تحقيق النصر".

وأرسل السلطان ثلاث حملات عسكرية لفتح جزيرة قبرص في ثلاث سنوات متتالية، نجحت الثالثة في أن تفتح الجزيرة بعد قتال عنيف سنة (829هـ = 1426م) وتوغلت داخل الجزيرة واحتلت عاصمتها نيوقسيا، وأحرقت الأسطول القبرصي وبعد أن دخل قائد الحملة الأمير تغري بردي المحمودي قصر الملك أعلن أن الجزيرة أصبحت من جملة بلاد السلطان الأشرف برسباي.

وعادت الحملة بعد هذا النصر الكبير إلى مصر، ومعها آلاف الأسرى، وعلى رأسهم جانوس ملك قبرص، فخرجت القاهرة لاستقبالها باحتفال مهيب، وعندما دخل الملك القبرصي على السلطان قبل الأرض وأخذ يستعطف السلطان.

وبعد مباحثات جرت بين الملك القبرصي والسلطان المصري، وافق الأخير على إطلاق جانوس مقابل فدية قدرها مائتي ألف دينار، وأن يكون نائبا للسلطان في الجزيرة، وبذلك أصبحت قبرص ولاية مصرية.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 12-01-2010, 07:35 AM   #7
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

المأمون وازدهار الحركة العلمية

(في ذكرى توليه الخلافة: 25 من المحرم 198هـ)



ولد عبد الله المأمون في [15 من ربيع الأول 170 هـ= 6 من سبتمبر 786م]، في اليوم الذي استُخلف فيه الرشيد، وقد سماه المأمون تيمنًا بذلك، وكانت أمه "مراجل" جارية فارسية، وما لبث أن توفيت بعد أيام من ولادته متأثرة بحمى النفاس.

وبالرغم من أن المأمون كان هو الابن الأكبر للخليفة هارون الرشيد، ومع كل ما كان يتميز به المأمون من نجابة وذكاء وعلو همة، وما حظي به من ثقة أبيه فيه.. فإن الرشيد آثر أن يجعل البيعة بولاية العهد للأمين، وقد كان لزبيدة أم الأمين الدور الأكبر في ذلك؛ فقد كان لها من المكانة لدى الرشيد ما لم يكن لأم المأمون، فاستغلت حظوتها لديه ومنزلة أخوال ولدها الأمين ومكانتهم لدى زوجها الرشيد في حثه على إعلان ولاية العهد لابنها الأمين وهو لم يتجاوز الخامسة من عمره سنة [175 هـ = 791هـ]، ولكن الرشيد عاد فأشرك المأمون مع أخيه في ولاية العهد سنة [183 هـ = 799م].

أراد الرشيد بذلك أن تستقر الأمور بين الأخوين من بعده، فلا يثور الخلاف بينهما ولا يحدث ما كان يحدث عادة من صراع حول الحكم بعد كل خليفة، فاستوثق لكل منهما من أخيه سنة (186 هـ = 802م) وأشهد على ذلك كبار رجال دولته.

الطريق إلى العرش

توفي الخليفة هارون الرشيد وتولّى الأمين الخلافة من بعده، وبدأ الخلاف يدب بين الأخوين، خاصة بعد تراجع الأمين عما قطعه لأبيه من عهود ومواثيق، حيث جعل ابنه موسى وليًا للعهد بدلاً من أخويه المأمون و"المؤتمن"، كما رفض أن يردَّ إلى أخيه المأمون مائة ألف دينار كان والده قد أوصى بها إليه، وسرعان ما تطور الخلاف بين الأخوين إلى صراع وقتال، ودارت حرب عنيفة بين الجانبين، وقامت جيوش المأمون بمحاصرة بغداد وانتهى الأمر بمقتل الأمين عام (198هـ = 813م)، وتولى المأمون على إثر ذلك الخلافة من بعده في [25 من المحرم 198هـ= 25من سبتمبر 813م].

القضاء على الفتن والثورات

سعى المأمون منذ الوهلة الأولى للعمل على استقرار البلاد، والقضاء على الفتن والثورات، فتصدى بحزم وقوة لثورات الشيعة، وواجه بحسم وعنف حركات التمرد ومحاولات الخروج على سلطة الخلافة، فقد قضى على حركة "ابن طباطبا العلوي" سنة [199هـ = 814م]، وثورة "الحسن بن الحسين" في الحجاز، و"عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب" في اليمن سنة [207هـ = 822م].

وفي مقابل ذلك فإنه أقدم على خطوة جريئة، وأمر لم يسبقه إليه أحد من الخلفاء، فقد اختار أحد أبناء البيت العلوي وهو "علي بن موسى الرضا" ليكون وليًا للعهد من بعده، وقد أثار هذا الأمر غضب واستياء العباسيين؛ مما دفعهم إلى مبايعة "إبراهيم بن المهدي" –عم المأمون– بالخلافة سنة [202هـ =817م].

لما علم المأمون بذلك جهز جيشًا كبيرًا، وسار على رأسه من خراسان قاصدًا بغداد، فهرب إبراهيم بن المهدي من بغداد. وفي ذلك الوقت توفي علي بن موسى، فكان لذلك أكبر الأثر في تهدئة الموقف، فلما دخل المأمون بغداد عفا عن عمه.

نهضة علمية

شهد عصر المأمون نهضة حضارية كبيرة، فقد كان المأمون محبًا للعلم والأدب وكان شاعرًا وعالمًا وأديبًا، يحب الشعر ويجالس الشعراء ويشجعهم، وكان يعجب بالبلاغة والأدب، كما كان للفقه نصيب كبير من اهتمامه، وكان العلماء والأدباء والفقهاء لا يفارقونه في حضر أو سفر، وقد أدى تشجيعه للشعراء في أيامه إلى إعطاء الشعر دفعة قوية، وكان تشجيعه للعلوم والفنون والآداب والفلسفة ذا أثر عظيم في رقيها وتقدمها، وانبعاث حركة أدبية وعلمية زاهرة، ونهضة فكرية عظيمة امتدت أصداؤها من بغداد حاضرة العالم الإسلامي ومركز الخلافة العباسية إلى جميع أرجاء المعمورة، فقد استطاع المأمون أن يشيد صرحًا حضاريًا عظيمًا، وأن يعطي للعلم دفعة قوية ظلت آثارها واضحة لقرون عديدة.

لقد أرسل المأمون البعوث إلى "القسطنطينية" و"الإسكندرية" و"إنطاكية" وغيرها من المدن للبحث عن مؤلفات علماء اليونان، وأجرى الأرزاق على طائفة من المترجمين لنقل هذه الكتب إلى اللغة العربية، وأنشأ مجمعًا علميًا في بغداد، ومرصدين أحدهما في بغداد والآخر في "تدمر"، وأمر الفلكيين برصد حركات الكواكب، كما أمر برسم خريطة جغرافية كبيرة للعالم.

حركة الترجمة

وكان لتشجيعه حركة الترجمة أكبر الأثر في ازدهارها في عهده، فظهر عدد كبير من العلماء ممن قاموا بدور مهم في نقل العلوم والفنون والآداب والفلسفة إلى العربية، والإفادة منها وتطويرها، ومن هؤلاء:

"حنين بن إسحاق" الطبيب البارع الذي ألف العديد من المؤلفات الطبية، كما ترجم عددًا من كتب أرسطو وأفلاطون إلى العربية.

و"يحيى بن ماسويه" الذي كان يشرف على "بيت الحكمة" في بغداد وكان يؤلف بالسريانية والعربية، كما كان متمكنًا من اليونانية، وله كتاب طبي عن الحميات اشتهر زمنًا طويلاً، ثم ترجم بعد ذلك إلى العبرية واللاتينية.

و"ميخائيل بن ماسويه" وكان طبيب المأمون الخاص، وكان يثق بعلمه فلا يشرب دواءً إلا من تركيبه.

المأمون والروم

ولعل من أبرز الأسباب التي أدت إلى ظهور تلك النهضة الحضارية والعلمية في عصر المأمون ذلك الهدوء الذي ساد الأجواء بين الخلافة العباسية والروم، والذي استمر لأكثر من عشرة أعوام.

ولكن ما لبث أن تبدد ذلك الهدوء حينما بدأ المأمون حملاته ضد الروم عام [215هـ = 830م] ففتح عددًا من الحصون القريبة من حدود دولته، مثل حصن "قرة" و حصن "ماجدة" و حصن "سندس" وحصن "سنان" ثم عاد إلى الشام، ولكن الروم أغاروا على "طرسوس" وقتلوا نحو ألف وستمائة من أهلها، فعاد إليهم المأمون مرة أخرى، واستطاع أخوه "المعتصم" أن يفتح نحو ثلاثين حصنًا من حصون الروم.

وفي العام التالي أغار عليهم المأمون مرة أخرى، حتى طلب منه "تيوفيل" – ملك الروم- الصلح، وعرض دفع الفدية مقابل السلام.

ولم يمر وقت طويل حتى توفي المأمون في "البندون" قريبًا من طرسوس في [18 من رجب 218هـ= 10من أغسطس 833م] عن عمر بلغ ثمانية وأربعين عامًا، قضى منها في الخلافة عشرين عامًا.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .