اذا، المواطنية الافتراضية هي وليدة المنطق المقفل على «وحدة الطائفة» و«وحدة السلطة». بينما تعمل المدرسة الاجتماعية الواقعية على تفكيك الطائفة والسلطة من أجل بناء «كتلة تاريخية» تحمل المواطنية مشروعا سياسيا للاصلاح والنضال، مستندة الى قوى اجتماعية موجودة في الواقع المجتمعي، لها مصلحة ورؤية في قيام دولة مدنية تكرس سلطة القانون والمساواة وحقوق المواطنية.
من مخاطر نهج الحلقة المفرغة الذي اعتمده التقرير، أنه يؤدي الى نتيجة معاكسة لهدف المشروع المعلن وهو «نحو دولة المواطن». فهو يخلص الى حل توفيقي يحاول ان يجمع بين الطائفية السياسية والمواطنية، من أجل «تحقيق التوازن بين حقوق المواطنين الأفراد وبين حقوق الطوائف، بين متطلبات المواطنية وبين التعددية الطائفية. وفي هذا السياق تكون الطائفية نوعا من الايديولوجيا السياسية».
في الواقع، هذا التعايش القسري ـ حكما ـ لا يؤدي الى «دولة المواطن» التي يدعو اليها التقرير، ولا الى ارساء المواطنية الكاملة التي بشرنا بها. فالحل الوسطي أو المرحلي الذي خرج به، ما هو الا اعادة انتاج للأزمة بشكل مختلف، سبق أن أشار اليه الميثاق الوطني واتفاق الطائف. لكن المؤقت أصبح دائما، ولم يتم تجاوز الطائفية بهذه الطريقة التوفيقية. وهذا القصور في التقرير هو نتيجة طبيعية لقراءته المجتزأة للواقع الاجتماعي اللبناني.
يقول المنطق أنه اذا كانت الطائفية السياسية أصيلة في التركيبة السياسية اللبنانية الى هذا الحد، من المبرر عندها أن يطرح بعض المفكرين تجاوز الكيان اللبناني ذاته، من أجل تجاوز الطائفية السياسية.
واليوم، يجمع كثيرون على أن «لبنان كيان سياسي أقيم بالتوافق الدولي (العربي) وليس نتيجة بديهية لإرادة مواطنيه، ومع الزمن صار حقيقة سياسية، لكن دولته ظلت مرتهنة لذلك التوافق ، ان هو اهتز ، اهتزت معه ...» ( طلال سلمان ـ السفير 06/07/2009)
وعلى أن «الدولة القائمة ستبقى عاجزة بكل مؤسساتها عن حماية المواطنين... لبنان دولة اصطناعية أو زائفة... يمكن الاستغناء عنها ، كما يمكن استعمالها ساحة وأبناءها أدوات». (سركيس نعوم ـ النهار 08/07/2009)
لكن يبقى السؤال المطروح: هل تستطيع المواطنية استبدال الطائفية في لبنان، ليصبح «أفراده» مواطنين منتمين الى الوطن وليس الى الطائفة؟
تقرير «نحو دولة المواطن»، محاولة أجابت عن زوايا من المسألة، مبقية المواطنية معلقة بين هيمنة دولة الطوائف ودولة المواطن المؤجلة.
([) كاتب من لبنان
|