العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: الطبع في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الصفق فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الولدان المخلدون (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الخمار فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الحجاب في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: رقص و قذارة سفيرة (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: الخنق في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الغلمة في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: السجل فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: حكم تارك الصلاة فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 30-03-2009, 01:29 PM   #1
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(11)

هناك من يعول على الليلة الأخيرة التي تسبق يوم الانتخابات في تغيير النتائج، فإن حدث بها اتفاق جديد يؤثر على سير الانتخابات والتحالفات، فإن الوقت لن يسعف من سيتأثر جراء ذلك التغيير، والانتخابات كمباريات كرة القدم، قد يتم تسجيل هدفٍ فيها في الدقائق الأخيرة من المباراة، ويكون ذلك الهدف هو من يقرر من فاز ومن خسر، وسيترك المدرب واللاعبين في حسرتهم.

وهناك من يعول على الجو الذي يسود يوم الانتخابات، فإن كان القائمون على إدارة الحملة الانتخابية على قدرة في ترك انطباع عام لدى جمهور الناخبين أن مرشحيهم في وضع أفضل، فإنهم يستطيعون بذلك اجتذاب أصوات لم تكن لتحسم أمرها بعد فيمن ستنتخب من المرشحين.

(12)

بدأ وصول الحافلات التي تقل الناخبين من مختلف المحافظات، كما بدأت سيارات الناخبين الذين اعتادوا على التصويت بشكل يعتقدون فيه أنهم خارج تأثير القوى الدعائية، وكان بانتظارهم أطقم الاستقبال من الكتلتين، وفوجئ البعض بأن هناك مرشح مستقل لمركز النقيب، كان المرشح هو (رشيد) صاحب (قمر الدين) ورفيق عمره.

كان هناك فتيات بعمر لا يوحي أنهن من النقابة، بل كن من بنات المرشحين أو من يلتف حولهم من المؤيدين، كن يتوشحن بأوشحة ملونة منقوش عليها اسم الكتلة المرشحة التي ينتمين إليها، كن يقفن عند المدخل الرئيسي، يناولن الداخل زهرة من القرنفل و(مطوية) تحتوي أسماء المرشحين وصورهم ونبذة قصيرة عن كل واحد منهم، وبرنامج عمل الكتلة.

في زاوية أخرى، كان يجلس طاقم إداري من النقابة، يقوم بتثبيت اسم الناخب أو الناخبة، ويناول كل من يشطب اسمه، بطاقة تحدد القاعة والصندوق، كما تناوله (بونات) لوجبات (الفطور والغداء والعشاء) وشرائح ورقية تسمح له بتناول المشروبات الساخنة المتوفرة كلما أراد.

(13)

انشغل الحضور في مسائل عدة، فهذا يعانق زميلا له لم يره منذ عدة سنوات، وذلك يسلم آخر بطاقة مثبتا بها أرقام هواتفه، وذلك يتمتم بعدم الرضا عن تلك التشكيلة الانتخابية، وإن كان سيلتزم بها.

كما كان هناك الكثيرون مَن يجلسون على المقاعد يستمعون للتقارير الكلاسيكية المًعَدة تذكر إنجازات النقابة خلال الدورة الانتخابية السابقة، ومن تلك التقارير ما يتعلق بمطالب الأعضاء، ومنها ما كان يكون بشكل توصيات، ومع ذلك فإن المنصتين لتلك التقارير ليسوا بوضع يسمح لهم أن يناقشوا تلك التقارير بأريحية وإسهاب، فكان من يعترض يذهب صوته ضائعا بين تحريك المقاعد وضحكات الذين اشتاقوا لبعض لمدة طويلة، وكانت إدارة الاجتماع الكبير تعلم أن من حضروا جاءوا ليصوتوا للمرشحين، فكانت إدارة الاجتماع تطرح ما قيل للتصويت، فترتفع الأيدي موافقة، ومعظم من يرفعون أيديهم لا يعلمون على وجه الدقة ما هو موضوع ما وافقوا عليه، ومن باب التغني بالديمقراطية تطلب إدارة الاجتماع من المعارضين أن يرفعوا أيديهم، فيرفع القليل من الحضور أيديهم، فيبادر رئيس الاجتماع بقفل الموضوع.

(14)

انطلق الحضور لتناول الغداء، فامتلأت القاعات والردهات والممرات والحدائق وما جانب المسابح الخاصة بالنقابات، بأعضاء يحملون وجبات غدائهم معهم، يأكلون ويتحدثون ويضحكون، وكأنهم في رحلة سياحية.

وبعد أن انتهى الكل من تناول وجباتهم، نادى صوت (الحاكي) الحضور للاستعداد للتوجه الى صناديق الاقتراع، ليقوموا بالخطوة الحاسمة التي جاءوا من أجلها.

كان من لم ير صاحبه أو زميله من بين هذا الحشد الضخم، يستطيع التحري عنه عند المناداة على الأسماء، وكان من يريد أن يتعرف على أسماء كان يسمع بها بنشرات الأخبار، أو يقرأ عنها بالصحف، أو يستمع إليها بأحاديث الزملاء، كان بإمكانه أن يشخص بصره على ممرات السائرين الى التصويت.

(15)

كان البعض عندما يقوم بالتصويت، يغادر الى بيته، وهم أولئك الذين لا يهمهم أن يعرفوا من فاز ومن أخفق على وجه السرعة، فكانوا يمنون أنفسهم بأن الأخبار ستعلن غدا.

بقي بضع مئات من المهندسين الذين أدلوا بأصواتهم، وأصروا أن يعرفوا النتائج النهائية بتفاصيلها الدقيقة.

انتصف الليل، وامتلأت الأجواء بدخان التبغ المنفوث عصبية ومراقبة، وبعض المحللين الذين لا يتوقفون عن شرح النتائج أولا بأول، كالمعلقين على المباريات أو كالمراسلين الصحفيين. فهذا يذكر أن قمر الدين في المقدمة وكتلته تتفوق على كتلة عصام، وعندما تستمع إليه وتراقب النتائج التي تظهر فرز الأصوات على اللوحة (الصبورة)، تدرك أن هذا المعلق هو من أنصار قمر الدين حتى العظم.

لم يمض وقت طويل بعد منتصف الليل حتى ظهرت النتائج النهائية، كان عصام في المقدمة ومعه كل أعضاء كتلته عدا اثنين أخفقا في النجاح. كان الفرق بين الأصوات التي حصل عليها عصام وقمر الدين 14 صوتا، فقد حصل عصام على 3778 صوتا و حصل قمر الدين على 3764 صوتا في حين حصل رشيد على 78 صوت.

خرج أنصار قمر الدين صامتين، وهم يعرفون أن الطعنة أتت من داخلهم من طرف (رشيد). ركبوا سياراتهم دون أن يعلقوا على شيء!
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 21-04-2009, 02:01 PM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

انتخابات غرفة تجارة

في كل الشؤون الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية، تلجأ بعض الحكومات في العالم الى تشجيع تكوين بعض المؤسسات التي يبنيها المواطنون المعنيون لتكون ممثلة لهم أمام الأجهزة الحكومية، ولتساعد المشرعين على سن قوانين يرضاها المواطنون المعنيون، فتكون متكاملة غير منقوصة، تؤمن حاجة الدولة (بجانبها الحكومي) لمراقبة ورصد حركات المجتمع، ولتحول دون انتشار الفوضى وإثارة المشاكل بين الأفراد أو المؤسسات.

هذا النمط من النشاط ينتمي لما يُسمى (المجتمع المدني). وقد يرتقي هذا النمط من النشاط في الدول المتقدمة الى أن يصبح التشكيل المدني شريكا معترفا فيه، يراقب الخلل وبوادر الفساد، ويترافق جهده مع جهد مؤسسة البرلمان التي تستجوب الجهاز الحكومي التنفيذي بمسائلة ترشد أجهزة الدولة بطرفيها الحكومي والشعبي على الكيفية التي تعيد فيه مسار الحركات لوضعه الصحيح.

في دولنا العربية، يقف الهاجس الأمني حائلا دون اكتمال نمو مثل تلك المؤسسات، فتؤسس مؤسسات للمجتمع المدني، لكن بشروط يصنعها الهاجس الأمني، فلا تدقق بكفاءة المرشحين لتبوء مقاعد إدارة مثل تلك المؤسسات، لا بل تمهد الطريق أمام أشخاص غير أكفاء ليحتلوا تلك المقاعد.

ومن بين تلك المؤسسات، غرف التجارة، وقد كانت غرفة تجارة دمشق أول غرفة تجارة في المدن العربية، حيث أسست عام 1840، ووضعت لنفسها أهدافا لخدمة الاقتصاد الوطني وحماية منتسبيها. ثم نشأت غرف تجارية في معظم المدن العربية، وتطورت خدماتها فأصبحت تنظم العقود التجارية، وتمنح الرخص التجارية والسجل التجاري الخ.

ومع ذلك، بقيت غرف التجارة قاصرة في أداءها من حيث أنها لم تستطع ربط نقل التقنيات مع العقود التجارية فبقي التاجر العربي مسوقا لبضائع غيره، في حين كان بإمكان غرف التجارة أن تربط تلك الخدمة مع نقل التقنيات و نقل التصنيع الى المنطقة العربية، وقد جاء إنشاء غرف الصناعة متأخرا ليقوم بدور مثل ذلك. وقد يكون لطبيعة انتخابات إدارات تلك الغرف أثر في تواضع أداءها لنرى.

(1)

دعا محمود خمسين تاجرا من أكبر تجار المدينة، وبالغ في دعوته حيث كانت أصناف الطعام الفاخر، والحلويات الفاخرة، والكلام المعسول، والتنقل بين مقاعد المدعوين بابتسامة ثابتة وكأنه قد ثبت خديه مبتسمين بملقطي غسيل غير مرئيين.

لم يكن لديه خطاب واضحا، فهو يعرف أن الخطاب المتعارف عليه هو أنه (مشتهي ليكون رئيسا للغرفة)، وحتى يكون خطاب الشهوة مؤثرا، لا بد أن يكون له قدرة على المقارنة، فكان قد بحث بحسه الفطري عن تاريخ كل تاجر من الحضور، ومعرفة من هم خصومه ومن هم منافسيه ومن هم الذين كادوا أن يخرجوه من السوق عندما طالبوه في دين كان لا يملك منه شيئا، ومن الذي أنقذه من مأزقه. فتكون حملة التعبئة العامة هي إحياء عداوات قديمة تتعلق بمن يفكر أن يكون منافسا لمحمود.

وبعد أن تمتلئ البطون، ويتجشأ الجميع، ويمسحوا (دلاغيمهم) من أثر الحلوى والشراب، تكون المرحلة الأولى قد اكتملت، فهم غير مطالبين بشيء غير أن يعلنوا عن تأييدهم لمحمود في حملته. أما ضمان الناخبين وتسديد رسوم تسجيلهم ونقلهم من أماكنهم الى موقع الاقتراع فهي مهمة محمود، وهنا يبرز المثل ( من يريد أن يصبح جَمَالاً عليه أن يُعلي باب داره).

(2)

كان (جاسر) كالكثير من أصحاب الدكاكين، الذين يفتتحون دكانا ببعض النقود، يضعون فيه حاجيات الجيران من مواد تنظيف وحلوى للأطفال وبعض المواد التموينية كالرز والسكر والزيوت، وهؤلاء قد لا يطيلوا مدة افتتاحهم لدكاكينهم فقد تنقل زوجاتهم محتويات الدكان الى البيت، فيضطرون لإغلاقها بسبب عدم النجاح بالمشروع. وكونهم كذلك، فلا خبرة لديهم بالإجراءات الواجب إتباعها لاكتمال شروط فتحهم للدكان، فلم يكونوا قد راجعوا البلدية أو غرفة التجارة، ولو علموا بالرسوم التي تترتب عليهم لما فكروا بفتح مثل تلك الدكاكين، ولكون دكاكينهم تقع في أطراف الأحياء، فإنهم لن يكونوا عرضة لمداهمة أجهزة الرقابة بسرعة، وقد يطول غياب تلك الأجهزة لسنتين أو ثلاثة أحيانا.

فوجئ (جاسر) بموظفين اثنين من البلدية والصحة، يحملون معهما دفاتر للإنذار وتحرير المخالفات، يسألان عن (الرخصة) وأوراق أخرى تتعلق بدكان (جاسر). لم يعرف جاسر ما سيقول لهما، ولكنه تذرع أنه لم يمر على فتحه للدكان سوى أيام قليلة، وهو في صدد التوجه لاكتمال أوراق الترخيص. كان يعلم أن أحد الموظفين كان قد اشترى من دكانه قبل عام بعض الخضراوات، فابتسم ذلك الموظف، وأعطاه إنذارا لتصويب وضعه خلال أسبوع.

كانت تلك الحركات، توجه من خلال (لوبيات) الكتلتين المتنافستين على انتخابات غرفة التجارة. فهم يعلمون أن أصحاب الدكاكين هؤلاء سيكونون مادة سهلة أمام من يسبق إليهم ويتبرع بتسديد ما عليهم من مستحقات للبلدية وغيرها من الدوائر.

(3)

في المساء، حضر (محمود) ومعه مجموعة من أصحاب الملابس المكوية جيدا، وأوقفوا سياراتهم الفارهة أمام بيت (جاسر)، فتفاجأ بهم وبهيبتهم، ولم يكن لأمثال هؤلاء أن يطرحوا على مثله السلام، فما الذي جاء بهم؟

شاغلهم قليلا، بعدما توجه بأكثر من نصف وجهه الى داخل المنزل، ليخبر زوجته بضرورة تهيئة مكان لاستقبال استثنائي. ثم طلب منهم الدخول.

لم يكن ضيوفه مهتمين بالمكان الذي سيجلسون فيه، ولم يكن واجب الضيافة الذي سيقوم به (جاسر) هو ما يهمهم. كانوا مهتمين بمسألة واحدة، هي أن يأخذوا وعدا صادقا منه على التصويت لهم.

كان (جاسر) يتوقع أن يتعرض الى زجر من هؤلاء على رداءة تهوية غرفته، فكان يهم بالاعتذار في كل لحظة، وكان يتحرك قياما وقعودا ليجعل من جسمه المتحرك عاملا لتشتيت تركيز هؤلاء على تواضع أثاثه، أو أنهم سيلحظون الرقعة على أحد (الوسائد).

طلب منه محمود، أن يجلس ويتوقف عن حركته، ففعل، وهم محمود بالكلام عن هدف الزيارة، فقاطعه (جاسر) بالسؤال: شاي أم قهوة؟ فهب به الجميع: أنهم لا يريدون شيئا، وطلبوا منه الاستماع. فانصاع لطلبهم وتحدث محمود عن هدفه بالترشيح، وعرض على جاسر أن يسدد ما عليه من رسوم للبلدية ويصوب وضع دكانه.

كان بؤبؤ عين (جاسر) اليمين لا يستطيع التناغم مع البؤبؤ اليسار، فكانا يدوران بحركات غير إرادية، لا يعلمان أين سيستقران من هول المفاجأة، فهؤلاء جاءوا لينقذونه مما هو فيه من حرج أمام البلدية.

قبل أن يكمل محمود شرحه، كان رأس جاسر يتحرك بالموافقة، وشفتاه يتحركان دون أن يخرج منهما حرف، كان موافقا على اقتراح محمود، فهجم عليه وقال ( احنا زلمك : نحن رجالك).
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-05-2009, 02:21 PM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(4)

في الأيام الماطرة، نادرا ما يتوجه أحد لغسل سيارته في مغسلة أبو عارف، فلا فائدة من الغسيل، طالما أن الجو ينذر بمزيد من الأمطار، وحتى لو لم ينزل المطر، فإن ارتطام عجلات السيارات بالأحواض المنخفضة التي تتكون نتيجة رداءة تنفيذ الطرق، سينثر الماء الموحل ويوزعه على السيارات فيلوثها من جديد.

لكن غالب الذي يأمره عمه بفتح المغسلة في وقت مبكر، حتى في مثل تلك الأجواء، لم يتوان عن فتح المغسلة في ذلك اليوم البارد، ولم يستطع عمل الشاي لنفسه ليتغلب على برودة الجو، فعمه (أبو عارف) يعد أكياس الشاي الصغيرة التي يخصص كل كيس لكوب، وكل كوب يخصص لمن يغسل سيارته، فيحاسب ابن أخيه على الغسيل من خلال عدد ما نفذ من أكياس، فإن نقصت أعداد أكياس الشاي عشرة، فعلى غالب أن يناول عمه (صاحب المغسلة) عشرين دينارا.

لم تساوره نفسه قط، أن يعمل كوبا من الشاي، ويعوض عمه بدينارين عنه، ولم يكن يرغب أن يأتيه زبون أو أكثر ليعمل (إبريقا) من الشاي، يقدم لنفسه كوبا، من بين المجموع، فسهل عليه أن يضع ثلاثة أكياس ويقدم من خلالها أربعة أكواب من الشاي. لكن هؤلاء إن أتوا فإنه سيقوم بغسل سياراتهم أولا، وهذا ينذر بأن جسمه سيطوله بعض رشقات من الماء البارد.

(5)

اصطفت ثلاثة سيارات، بساحة المغسلة، وقام أكثرهم وجاهة بالسؤال عن صاحب المغسلة (أبو عارف)، فأجابه غالب بأنه لم يأت بعد، ولكنه قد يأتي في أي لحظة، وطلب من الجميع التفضل بالجلوس في المكتب، وكان لا يفتحه إلا لأبي عارف، ففتحه لهم، بعد أن علم أنهم جاءوا خصيصا لأبي عارف من أجل انتخابات غرفة التجارة.

كانت فرصة لغالب أن يشعل المدفئة الكهربائية التي يشعلها عمه لنفسه فقط، وفرصة أيضا ليصنع لهم إبريقا من الشاي، قد يحظى ببعضه، وقد أعد سيناريو يبرر ما عمله فيما لو سأله عمه عنه.

كان (سعد) من بين الوفد الانتخابي، وكان زميلا لغالب في المدرسة، وكان معروفا بتدني مستواه العلمي وحتى العقلي، حيث كان يستعين بغالب في كل واجباته المدرسية. لكن (سعد) أكمل دراسته الثانوية، في حين ترك (غالب) المدرسة عندما توفى أبوه، وطلب منه عمه أن يساعده في المغسلة.

كان الوفد الانتخابي، يحاول التسابق مع الفريق الآخر من المرشحين للوصول لكل أعضاء غرفة التجارة، ليأخذوا منهم وعدا بالمؤازرة، فكانوا لا يسألون عن الوقت ولا عن حسن الضيافة، بقدر ما كان يهمهم الحصول على وعد صادق بالتصويت، ولديهم معرفة بالطريقة التي يحسبون فيها من معهم حقا ومن ليس معهم، ومن يحتاج لمزيد من التأثير حتى يضمنوا صوته.


لم يكن غالب من المؤهلين للتصويت، فالمغسلة باسم عمه وعضوية غرفة التجارة لعمه. لكنه لم يكن يعرف الكثير عن غرفة التجارة ودورها، ولماذا يتسابق هؤلاء للفوز بها. فبالأمس كان وفد آخر قد زار عمه، وضحك عمه بوجوههم، فهل يا ترى سيضحك بوجوه هؤلاء؟

(6)

دخل أبو عارف بوجهه النحاسي الحليق، وصوت مبحوح مشوش بفعل (النرجيلة)، وملابس لا يمكن أن تجدها في المحلات الراقية، ولا في محلات الملابس المستعملة، فكان دائما يحضر ملابسه من ألمانيا، كما يقول، ولكن لو فتش أحد عنها في ألمانيا، فلن يجدها، كانت بلون لا هو بالأصفر ولا بالبني، ذات زغب خفيف، كانت على مر السنين تبدو متشابهة ولكنها ليست نفسها.

كان أبو عارف محترفا لطرق التعامل مع تلك الوفود والجماعات، فلم يقل لأحد بأنه ليس معه في الانتخابات، ولم يقل له أنه معه في نفس الوقت، لكن دائما ما تحسب الكتل المتصارعة على الانتخابات أن (أبا عارف) معها، كان كلاعب البوكر لا أحد يخمن ما بيده من أوراق.

أما هو، فكان ذا حضور (وجاهي) في كل المناسبات، فباستمرار تضعه الدوائر الحكومية من بين المدعوين للقاء بمسئول، ويدعى لكل الولائم، ولكل اجتماعات فض الخصومة بين أفراد وجماعات المجتمع المحلي. وأي نشاط انتخابي حتى لو كان لانتخاب هيئة لنبش قبور العباد ستجده حاضرا.

أما لماذا لم يكن قاسيا وواضحا وحادا في إجاباته، فيقول عن ذلك لبعض أصدقاءه المقربين، أنه لا يهمه من ينجح ومن يرسب في الانتخابات، أي كانت تلك الانتخابات، إن ما يهمه أن تبقى علاقاته طيبة مع كل الناس فهم بالنسبة له زبائن، يشترون من محلات السجاد والحلويات والمغسلة وقطع غيار السيارات، وهو متواجد في كل الساحات ليذكر الناس بأنه يراهم ويحب أن يراهم كثيرا!

رحب أبو عارف بالحضور، وسأل ابن أخيه: هل قمت بالواجب؟ فانشرحت أسارير غالب، حيث لم يعد مضطرا لخلق تبريرات ما فعل، وبعد أن تكلم الجميع، وأبو عارف يمثل دور المفتون بما يسمع، خاطبهم لماذا تضيعون وقتكم عند (ربعكم) توكلوا على الله وابحثوا عن عوامل نجاحكم في أمكنة أخرى!
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 20-05-2009, 01:05 PM   #4
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(7)

كان (دعاس) ابن الخامسة والخمسين عاما، متقاعدا من (الدفاع المدني) وقد افتتح محلا لتصوير الوثائق وبيع (إكسسوارات) التطريز، ويضع أمام محله منصبا يثبت عليه الجرائد اليومية، وأحيانا يلبي طلبات من يبحث عن أوراق جرائد قديمة، حتى لو كانت كميتها بالأطنان.

كان عندما يقبل، يبدو بمشيته كمن يتهيأ لركل (ضربة جزاء)، رغم ظهور كرشه بشكل بسيط من بين سترته التي لا تطبق تماما على وسطه، وربما يكون لقدمها وعدم كيها، فكانت بلونها الذي هو بين الأخضر القاتم والبني القاتم، تعطيه طابعا خاصا به.

لم ينشغل كثيرا بالتجارة، وتلبية طلبات الزبائن القلائل يقوم بها شابٌ رقيق الجسم بشرته فاتحة، كأنه لم يعرضها لأشعة الشمس إلا دقائق قليلة. كان هذا الوضع يتيح لدعاس أن يشارك جيرانه من أصحاب المحلات في حفلات شرب الشاي الطارئة، أو حفلات (اغتياب) الآخرين من قبل أمثاله الذين يمارسون البيع بفترات متباعدة تسمح لهم بإكمال ما بدءوا الحديث به دون مقاطعة زبون فجائي.

كان لدعاس مجموعة من الأقارب الذين يمتهنون تجارة الأدوات المنزلية والسجاد الصناعي والستائر، وكان لمن يريد أن يشكل كتلة لانتخابات غرفة التجارة أن يختار أحد هؤلاء التجار ليضمن أصواتهم.

(8)

عندما فاتح (محمود) (دعاس) بأمر انضمامه للكتلة، لم يجبه بشكل فوري، لا نفيا ولا قبولا، فقد خشي إن سمع أقاربه بانضمامه للكتلة دون استشارتهم أن يخذلوه، ولا يعلنون مؤازرتهم له. كما أراد أن يستمع لمحمود أكثر من أن يناقشه، فهو لا يملك سيارة خاصة، ولا يستطيع إقامة الولائم، ولا يستطيع أن يسهم ماديا بحملة الانتخابات.

أراد محمود أن يريح دعاس مما يفكر فيه، فالوقت لا يسمح كثيرا في الانتظار، وقد يأتي (مسعود) رئيس الكتلة الأخرى لمفاتحة دعاس أو أقاربه. فطمأنه أنه لن يترتب على انضمامه للكتلة أي عبء مالي، وفيما يخص موافقة أقاربه، دعاه محمود للقيام بالتوجه فورا الى أكثر أقارب دعاس من التجار تأثيرا، ومفاتحتهم بالاشتراك بالكتلة، كلا على حده.

نظر دعاس بربع ابتسامة الى محمود، إعجابا بقدرته على قراءة ما كان بنفسه، ووافقه على التحرك الى أقاربه الذين تم انتقاء أسماءهم من قبل محمود أولا. وفعلا كان مجرد حضور دعاس مع محمود يجعل من يُفاتح أن يزكي (دعاس) لتلك المهمة.

وهكذا أصبح دعاس أحد أعضاء كتلة محمود وأصبح يتجول مع محمود في سيارته الخاصة، ويشاركه معظم جولاته.

(9)

في الجانب الآخر، استطاع (مسعود) بخبراته التي لا تقل عن خبرات محمود بتشكيل كتلته المشكلة من ثمانية مرشحين، وقد كان منهم ثلاثة على صلة قربى من ثلاثة مرشحين في كتلة محمود.

كان (مسعود) قد فاتح أحد المرشحين من كتلته ليكون نائبا له بحالة فوز كتلتهم، وكان هذا المرشح يسمى (خلف)، في حين كان أكثر من مرشح يطمح لأن يكون نائبا لمسعود بحالة النجاح.

لم يكن لكتلة مسعود، أي برنامج انتخابي، وهذا الحال ينسحب على كتلة محمود، فأعضاء الكتلتين ينشغلون في حشد الأنصار والمؤيدين وتعبئتهم من أجل النجاح فقط، ولا يشغلهم كما لا يشغل جمهور الناخبين أي برنامج انتخابي.

(10)

انتهى التصويت والفرز، ونجح محمود مع ثلاثة من كتلته من بينهم (دعاس)، كما نجح مسعود مع ثلاثة من كتلته من بينهم (خلف).

أعطى الحاكم الإداري للناجحين فرصة أسبوعين ليختاروا من بينهم واحدا ليكون رئيسا للغرفة التجارية، كما عليهم أن يختاروا واحدا آخرا ليكون نائبا للرئيس.

كان على كل من محمود ومسعود، محاولة سرقة أحد الناجحين من الكتلة المنافسة ليكسبوه لصفهم من أجل اكتمال النصاب (نصف + 1) حسب اللوائح الداخلية المحددة لأصول تلك الانتخابات.

كان المشهد الليلي، بعد الساعة الواحدة من بعد منتصف الليل أن تملأ سماء بيت محمود المفرقعات الاحتفالية، ويشاع في الصباح أن الاختيار وقع على محمود، وفي طريقهم الى مقر الحاكم الإداري، ينسحب أحد الخمسة الذين صوتوا لصالح محمود، فيعود الجميع أدراجهم الى بيوتهم لتتكرر الجولة.

وبعد منتصف الليل، تملأ المفرقعات سماء بيت مسعود ليعلن صباح اليوم التالي، عن أن الاختيار وقع على مسعود، وفي طريقهم الى مقر الحاكم الإداري ينسحب أحد الأعضاء لتعاد المحاولات مرة أخرى.

كان كل عضو من الناجحين الثمانية يرفع شعارا (لأجل أمواتك سأحرم أمواتي الصدقة)، فقد سال لعاب كل واحد من الثمانية ليكون رئيسا لغرفة التجارة، أو على الأقل نائبا للرئيس.

في اليوم الرابع عشر توجه الثمانية الى مقر الحاكم الإداري، وجرى التصويت سريا عند الحاكم الإداري، فكان الرئيس (دعاس) ونائبه (خلف)!

انتهت انتخابات غرفة التجارة
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 12-06-2009, 10:00 AM   #5
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

صدقوني .. أنا لست مُزَوِرَاً

لم يكمل دراسته الإعدادية بنجاح، ولم يعرف الكثير من الناس كيف احترف التجارة، وكيف أصبح من كبار رجال الأعمال، لم يكن وسيما بما فيه الكفاية، ولم يكن في يومٍ من الأيام رجل فكر، ولم يدعِ هو ذلك، بل كان يتندر برجال الفكر والسياسة، وكان المثقفون لا يحبوا ذكر اسمه.

اتسعت دائرة معارفه، بعدما أصبح بصدفة غير تامة رئيسا للبلدية، فكان يدخل بيوت الوزراء وكبار رجال الدولة بيسر وأريحية، كما كان بيته يستقبل من هؤلاء الرجال كل أسبوع، ما يدلل على نجاحاته الشخصية ليكون شخصية كاريزمية حاضرة.

(1)

عندما رشح نفسه لانتخابات البرلمان، وكان من منافسيه وزيران متقاعدان، والعديد من الضباط الكبار المتقاعدين، لم يضعه أي مراقب من مراقبي الانتخابات ليكون أحد القريبين من النجاح، ولكن بعد أن ظهرت النتائج كان يتصد قائمة الناجحين الثلاثة في دائرته، وكان بينه وبين من يليه من الناجحيَن الآخرين حوالي أربعة آلاف صوتا.

حار الجميع بنجاحه، فكيف يكون أصلا من المرشحين لعشيرته وبينهم من الوزراء والمدراء العامين وحملة شهادة الدكتوراه ما يجعل ترشيحه (عشائريا) من الصعوبة بمكان؟

تطوع أكثر من فرد (مندهش) بوضع افتراضات جعلت هذا النموذج ينجح، فمنهم من قال إنه ذكي يعرف كيف يجمع الأصوات، فما أن يتوفى أحد المواطنين حتى يبادر بإرسال طعام يكفي لثلاثمائة شخص، ودون أن يشاور أهل الميت. وعندما يصل الطعام، يصل هو بعده بعدة دقائق مبدي أسفه على عدم القدرة على حضور مراسم الدفن، في حين لا يستمع لمن يعترض على الطعام من أقارب الميت، ويذكر موقفا من مواقف (المرحوم) يشتت فيه تركيز المندهشين من أقارب المتوفى، ثم يعتذر لسبب طارئ ولا يشاركهم الطعام.

وآخر يقول: إنه يذهب لألمانيا أو السوق الحرة، ويحضر بعض سيارات (فان) التي تصلح لنقل الموتى ويعمل على دهانها و كتابة ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية)، ويتصل بأحد معارفه في دائرة الجمارك، ثم يتبرع بتلك السيارات للقرى التابعة للدائرة الانتخابية.

وآخر يقول: إنه يبادر قبل الانتخابات بسنة لفرش مساجد القرى التي ليس بها من المرشحين لانتخابات البرلمان ليصنع هالة من محبيه ومرددي اسمه وليكونوا معاونين له.

(2)

عندما فاز بانتخابات البرلمان للمرة الثانية، تطورت النظريات التي تفسر نجاحه، فهناك من افترض أنه يشتري الأصوات من الناخبين، حيث يقوم أعوانه بقطع ورقة النقد الى قطعتين، يعطون الناخب نصفها ويسلمونه النصف الآخر بعدما يتأكدون بطرقهم أنه صوت لمرشحهم.

ثم افترض أحدهم أنه شخص (خدوم) يركض مع صاحب الحاجة حتى يحصل على حاجته، ويضربون أمثلة، قسم منها جرى داخل البلاد وقسم منها جرى خارجها.

وقد وضع أحدهم فرضيات أنه رجل كاذب يستعين بمجموعة من موظفيه للاتصال به وإيهام من يستمع للمكالمة أنه يتكلم مع مدير الأمن العام أو الوزير الفلاني أو السفير الفلاني.

(3)

وعندما نجح بالمرة الثالثة، طور المحللون فرضياتهم، فقالوا إنه التزوير والغش بالانتخابات، وقد كان النظام الانتخابي في تلك الدورة، يقضي بعمل بروز في البطاقة الشخصية (البلاستيكية)، فقالوا أنه أحضر سلفا من لبنان جهازا (يكوي) البروز، الذي أحدثه الخاتم الرسمي للجنة الانتخابية.

ويذكرون بعض الأسماء التي صوتت أربعين مرة، وتذهب عملية الحساب أنه لو (كوى) 500 بطاقة عشرة مرات لحصل على خمسة آلاف صوتا.

ويذكر أحدهم أنه شاهد (حافلات) تنقل من مناطق بعيدة ناخبين (لا تعنيهم عملية الانتخاب) تم تسجيلهم سلفا في دائرته الانتخابية مقابل مبلغا من المال لكل ناخب.
وعندما يشكك أحدهم بالكيفية التي يضمن أن الناخب سيصوت له، وضع صاحب الفرضية عملية معقدة جدا، فيقول:

يُعطى الناخب الأول في الصندوق، ورقة بيضاء (غير صادرة عن إدارة الانتخابات) ويذهب ليسجل اسمه لدى اللجنة، فتناوله اللجنة ورقة انتخاب (رسمية)، فيضع في صندوق الاقتراع الورقة البيضاء، ويحضر الورقة الرسمية لمن يقف عند الباب، فيكتب اسم المرشح عليها ويذهب ويضعها في الصندوق ويحضر ورقة رسمية جديدة ليكتب الاسم من جديد.

شهق أحدهم تعجبا، وقال: آه لقد لاحظت وأنا في لجنة الفرز أن هناك ورقة بيضاء ليست رسمية! ثم أيده آخران، وكان يبدو عليهما عدم الصدق.

(4)

في إحدى الجلسات معه، حلف أغلظ الأيمان أنه لم يقم بالتزوير، وسخر ممن ينظر الى الانتخابات على أنها قضية وطنية سامية!

وقال ماذا يريد المثقفون مني؟ هل يريدوا أن أحرر فلسطين؟ إن الدول العربية بجامعتها وجيوشها لم تستطع أن تفعل ذلك، وكذلك الحرب على العراق، هؤلاء مجانين يظنون أن مجلس النواب بيده شيء!


ثم يردف ويقول: كم هي نسبة الاقتراع في بلدنا أو بلدان العالم؟ هل هي 50% أم 70%، أنا أتحرك على النسبة التي تقاطع التصويت، فإن أقنعتهم أن يقترعوا بأي طريقة هل أنا أقوم بالتزوير؟؟؟
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 29-06-2009, 06:54 PM   #6
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

السرخس والصنوبر

السرخس، نبات لا جذور عميقة له، يعيش متطفلاً على من يجاوره من النباتات الدائمة كالأشجار الباسقة ذات الجذور المتعمقة، مثل الصنوبريات، وخضرة السرخس تتفوق على خضرة الصنوبر، فلذلك احتل هذا النبات مكانة متقدمة في تزيين الصالونات.

بعكس الصنوبر، الذي يُعرف ببطء نموه، وتأثره بسنين الجفاف، وتجاوز جامعي الحطب الذين يتسللون الى غابات الصنوبر ليأخذوا خشبه يدسونه في مواقد صالونات الأغنياء.

صحيح، أن أشجار الصنوبر هي التي تظهر في صور الأقمار الصناعية، وصحيح أن أشجار الصنوبر هي التي تقوم بجلب الأمطار التي تحمل الخير للبلاد، لكنه لا يمكن مشاهدة شجرة صنوبر في صالون.

عندما نشر (جورج قرم) كتابه (الفوضى الاقتصادية العالمية الجديدة) بنسخته العربية عام 1994، لم يقف المثقفون العرب عند ذلك الكتاب وقفة تناسب ما جاء فيه من قراءة جديرة بالاهتمام، فقد أشار بكتابه كيف أن الفساد والتوجه للربحية على حساب الأخلاق وحساب النظام الاقتصادي المستقر، قد أتى بقيادات رأسية على مستوى العالم ومستوى البلدان ومستوى الإدارات الفرعية، حتى آلت الأوضاع الى ما أصبحت عليه الآن.

(1)

أوقف سمعان سيارته الأنيقة (موديل 2009 bmw)، ونزل منها يمسك بنطاله من طرفي الخصرين، ويتلفت ببطء نحو جهة اليمين، فلمحه أحد عمال الشركة، فعرف بعضهما ولكن سمعان لم يطرح السلام على العامل.

وقف مدير الشركة مُرَحِبا بسمعان، في حين تجمع خمسةٌ من العمال ليتمعنوا في السيارة الفخمة الواقفة في الخارج، وهم يتمتمون بكلام به من الغرابة عن الكيفية التي وصل بها سمعان الى تلك المرحلة من الفخفخة، فقال أحدهم: إنه من الذين تعاونوا مع الأمريكان لنقل مخلفات الجيش العراقي وبيعها الى الهند، كمواد أولية لتصنيع الصلب.

تمتم آخرٌ، يعدد أمثال سمعان الذين اغتنوا من على هامش البؤس الذي حل بالشعب العراقي، ولم ينس أحدهم ذِكْر اثنين قد قُتلا وهم على الطريق، وكيف أن الناس لم يذهبوا للمشاركة في تشييع جنازتيهما.

ضحك أحدهم ضحكة مقتصدة، متذكرا كيف أن سمعان ابن صفه وزميله في الدراسة الذي كان لا ينافسه أحدٌ من التلاميذ على احتلال المرتبة الأخيرة في الفصل، كيف أنه استفاد من كل قوانين وزارة التربية والتعليم حتى وصل الى الصف الثاني المتوسط.

نهرهم أحد المسئولين الفرعيين في العودة الى عملهم، والابتعاد عن الجمهرة قرب السيارة.. فهمس أحدهم: ماذا يريد سمعان من زيارة مديرنا؟

(2)

ـ كيف تريد أن تكون قهوتك؟
ـ أشكركم، أعرف أنني أثقل عليكم بتلك الزيارة، وقد اتصلت مسبقا لأعرف إن كان بالإمكان استغلال بعض الدقائق من وقتكم الثمين.

ـ تفضل كلي أذان صاغية.
ـ باختصار أريد رأيكم في مسألة رغبتي في ترشيح نفسي لرئاسة النادي الممتاز، وأعرف مدى تأثيركم في أوساط الناخبين الأعضاء، كونكم أحد المؤسسين وعضو مجلس الإدارة لثمان سنوات.

ـ لماذا ترغب أن تكون مرشحا للرئاسة؟
ـ لقد راقبت وضع النادي وتهور إدارته الحالية والتي ابتعدتم أنتم عنها، وكيفية تبذير الأموال على شراء لاعبين ليسوا بالمستوى الذي يحسن من ترتيب النادي بين الأندية الممتازة.

ـ بعد أن ضحك ضحكة سخرية واضحة، قال له: أنك لم تكن يوما من الأيام من المهتمين لا بهذا النادي ولا بالرياضة بشكل عام، فاصدقني القول، واترك تلك المقدمات، وقل رغبتك بالضبط، حتى أعطيك رأيي بالضبط.
ـ يعجبني ذكاؤك وطريقتك المباشرة في مناقشة الأمور.

ـ سأقول لك بكل صراحة عن الدوافع التي جعلتك تفكر في ذلك.. وإن كنت مخطئا أرجو أن تصحح لي ما فكرت فيه.
ـ تفضل..

ـ لقد جمعت أموالك، وبنيت قصرك، وأسست لنفسك شركة تديم عليك السيولة.. وراقبت من حولك، فرأيت رئيس البلدية، ورئيس غرفة التجارة، وعضو البرلمان هم من الأصناف التي تنتمي إليها، فبحثت عن إطار يقدمك للمجتمع على أنك رجلٌ مهم، فاعتقدت أن النادي سيكون ذلك الإطار.
ـ يا سلام، تمام والله! أليس الرئيس الحالي للنادي هو من نفس الفئة التي تتكلم عنها، لماذا نترك له المجال ليجعل النادي قاعدة له؟

ـ أنظر، أنا مع عدم جعل تلك الفئة أن تحس أنها في أمان، وأفضل طريقة لمقاومتها، هي تسليط أشخاص من نفس الصنف عليها، ولا تستبعد أنه في الدورة القادمة ـ إن فزت ـ سنبحث من نسلطه عليك، حتى تتغير الأمور ولن يعود أمثالكم الى الطفو على السطح.
ـ أنا موافق، لكن ادعموني في هذه الدورة وسأكون رهن إشارتكم مستقبلا.


__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 16-07-2009, 01:55 PM   #7
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

السيقان المعوجة

في القديم غير البعيد، كانت النساء يربطن ساقي المولود بلفافة قوية من الأقمشة حتى يبقيا مستقيمين، وقد انسحبت تلك المعرفة على ربط مفاصل صغار الخيل والحمير، حتى تبقى قوائمها مستقيمة وغير معوجة. كما أنه يلاحظ أن تلك التقنية تنتشر عند مزارعي البساتين، فمن المألوف أن يلاحظ من يمر بجانب بستان حديث الزراعة، أن المزارعين قد ربطوا شتلات الأشجار بعصا تستند إليها الشتلة حتى تبقى مستقيمة.

النساء في الوقت الحاضر، عهدن بتهيئة الطفل المولود الى ممرضات المستشفيات العامة والخاصة، وفي كلتا الحالتين لا تهتم الممرضات بتقنيات ربط سيقان المواليد.

ليس هذا بمهم في موضوعنا، لكن المهم هو التأسيس التربوي للنشء الجديد على تحديد شكل أعداءه وهوياتهم، وكيفية الاستعداد لمواجهتهم.

في الماضي القريب، كان صمت الوالدين الذي يعززه الجهل بمعرفة الأمور، أكثر نفعا من ثرثرة الوالدين الذين يزعمون المعرفة. فصمت السابقين يبقي حالة التعايش بين الجيران والمواطنين في حالة أكثر سلما من تلك التي نعيشها في أيامنا. كان الآخر (العدو) عند قليلي المعرفة أكثر خطرا من الآخر (المُنتخب) عند من يزعمون المعرفة.

وتعتبر تجربة انتخابات اتحادات الطلبة في الجامعات العربية مثالا قويا على ما انحدرت إليه معالم التربية الوطنية. فبينما كان الطلاب في الستينات والسبعينات من القرن الماضي يمضون عشرات الساعات في مناقشة شعار المؤتمر السنوي لاتحادهم، حيث كان الشعار المكون من كلمات قليلة يلخص نظرة ذلك النشء عن الديمقراطية والسياسة والوضع الاجتماعي، أصبحت مناسبات الانتخابات الطلابية اليوم مثارا للسخرية.

(1)

جاء الطلبة يجوبون الشوارع المحيطة بالجامعة بسياراتهم التي أطلوا رؤوسهم من نوافذها، يهتفون: (عليهم .. عليهم .. عليهم)، وكانوا يلبسون ألبسة تدلل على هويتهم الضيقة. وبعد قليل تبعتهم سيارات فريق آخر يلبسون ملابس مختلفة ويركبون سيارات مشابهة ويهتفون هتافات مشابهة (عليهم .. عليهم .. عليهم).

تساءل وهو يرى تلك التظاهرات الصبيانية: (عليهم؟ على من؟) ماذا حل بهؤلاء الطلبة؟ هل انحدر المستوى الفكري والسياسي في الجامعات ليصل الى هذا المستوى؟ ألا يدرك هؤلاء أن أمثالهم (قبل عقود) كانوا قد غيروا من سياسات دول وألغوا معاهدات؟ كحلف بغداد مثلا؟

عاد وتأمل الظاهرة بينه وبين نفسه بهدوء أكثر، كان الآخر في الماضي أكثر وضوحا من الآخر في أيامنا الحاضرة، فكان الوطنيون (القوميون، أو الماركسيون، أو الإسلاميون) يصطفون ضد آخر واحد، رغم محدودية المعلومات عن ذلك الآخر، أما اليوم، وبالرغم من سعة المعلومات عن الآخر، فإن الهمم قد تراخت في الاصطفاف للإيقاع به، وربما يكون لبعده عن مدى (الرؤية) أو لاختفائه وراء (سواتر) تحول دون (التنشين : أي التصويب) عليه، فاخترع هؤلاء الطلبة من بينهم آخرا أكثر قربا وأكثر وضوحا وأسهل نتيجة!

(2)

كان أحدهم يضع (عصبة) على رأسه ملونة بلون أخضر، ومكتوب عليها شعارا يبشر بسعادة الأمة إذا ما اتبعوه! فعندما سُئل: من هو آخرُك الذي تستنفر أنت و(ربعك) ضده؟ أجاب: إنهم أولئك الذين لا يقرون بنهجنا!

وعندما سُئل آخرٌ كان يضع (يشماغا) بلون معين على رأسه: من هو الآخر الذي تسعى لإسقاطه؟ أجاب: إنهم أبناء الإقليم (الفلاني) الذين يريدون الاستحواذ على مراكز قيادتنا.

وعندما سُئل آخرٌ، انتهى لتوه من تقديم وجبات الغداء وتوزيع الحلوى، وقد عمل منها الكثير خلال أسابيع لحشد الأنصار حوله، أجاب: المهم أن ينجح أبناء مدينتي ولا أهتم بماذا يفكر هذا أو ذاك!

عكف راجعا، يلوم نفسه وأبناء جيله، يقول لنفسه: نحن من زرعنا التيه في نفوس هذا الجيل ونحن من جعلناه يبحث عن آخرٍ أكثر وضوحا من الآخر الذي لم نستطع إيضاح شكله لأبنائنا.

ثم قال: لم ننسَ أن نربط سيقانهم، ومع ذلك ظهر الاعوجاج على تلك السيقان. صمت قليلا وأضاف: ربما ربطناها وهي معوجة فتصلبت مفاصلها وبقيت معوجة.

__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .