(11)
هناك من يعول على الليلة الأخيرة التي تسبق يوم الانتخابات في تغيير النتائج، فإن حدث بها اتفاق جديد يؤثر على سير الانتخابات والتحالفات، فإن الوقت لن يسعف من سيتأثر جراء ذلك التغيير، والانتخابات كمباريات كرة القدم، قد يتم تسجيل هدفٍ فيها في الدقائق الأخيرة من المباراة، ويكون ذلك الهدف هو من يقرر من فاز ومن خسر، وسيترك المدرب واللاعبين في حسرتهم.
وهناك من يعول على الجو الذي يسود يوم الانتخابات، فإن كان القائمون على إدارة الحملة الانتخابية على قدرة في ترك انطباع عام لدى جمهور الناخبين أن مرشحيهم في وضع أفضل، فإنهم يستطيعون بذلك اجتذاب أصوات لم تكن لتحسم أمرها بعد فيمن ستنتخب من المرشحين.
(12)
بدأ وصول الحافلات التي تقل الناخبين من مختلف المحافظات، كما بدأت سيارات الناخبين الذين اعتادوا على التصويت بشكل يعتقدون فيه أنهم خارج تأثير القوى الدعائية، وكان بانتظارهم أطقم الاستقبال من الكتلتين، وفوجئ البعض بأن هناك مرشح مستقل لمركز النقيب، كان المرشح هو (رشيد) صاحب (قمر الدين) ورفيق عمره.
كان هناك فتيات بعمر لا يوحي أنهن من النقابة، بل كن من بنات المرشحين أو من يلتف حولهم من المؤيدين، كن يتوشحن بأوشحة ملونة منقوش عليها اسم الكتلة المرشحة التي ينتمين إليها، كن يقفن عند المدخل الرئيسي، يناولن الداخل زهرة من القرنفل و(مطوية) تحتوي أسماء المرشحين وصورهم ونبذة قصيرة عن كل واحد منهم، وبرنامج عمل الكتلة.
في زاوية أخرى، كان يجلس طاقم إداري من النقابة، يقوم بتثبيت اسم الناخب أو الناخبة، ويناول كل من يشطب اسمه، بطاقة تحدد القاعة والصندوق، كما تناوله (بونات) لوجبات (الفطور والغداء والعشاء) وشرائح ورقية تسمح له بتناول المشروبات الساخنة المتوفرة كلما أراد.
(13)
انشغل الحضور في مسائل عدة، فهذا يعانق زميلا له لم يره منذ عدة سنوات، وذلك يسلم آخر بطاقة مثبتا بها أرقام هواتفه، وذلك يتمتم بعدم الرضا عن تلك التشكيلة الانتخابية، وإن كان سيلتزم بها.
كما كان هناك الكثيرون مَن يجلسون على المقاعد يستمعون للتقارير الكلاسيكية المًعَدة تذكر إنجازات النقابة خلال الدورة الانتخابية السابقة، ومن تلك التقارير ما يتعلق بمطالب الأعضاء، ومنها ما كان يكون بشكل توصيات، ومع ذلك فإن المنصتين لتلك التقارير ليسوا بوضع يسمح لهم أن يناقشوا تلك التقارير بأريحية وإسهاب، فكان من يعترض يذهب صوته ضائعا بين تحريك المقاعد وضحكات الذين اشتاقوا لبعض لمدة طويلة، وكانت إدارة الاجتماع الكبير تعلم أن من حضروا جاءوا ليصوتوا للمرشحين، فكانت إدارة الاجتماع تطرح ما قيل للتصويت، فترتفع الأيدي موافقة، ومعظم من يرفعون أيديهم لا يعلمون على وجه الدقة ما هو موضوع ما وافقوا عليه، ومن باب التغني بالديمقراطية تطلب إدارة الاجتماع من المعارضين أن يرفعوا أيديهم، فيرفع القليل من الحضور أيديهم، فيبادر رئيس الاجتماع بقفل الموضوع.
(14)
انطلق الحضور لتناول الغداء، فامتلأت القاعات والردهات والممرات والحدائق وما جانب المسابح الخاصة بالنقابات، بأعضاء يحملون وجبات غدائهم معهم، يأكلون ويتحدثون ويضحكون، وكأنهم في رحلة سياحية.
وبعد أن انتهى الكل من تناول وجباتهم، نادى صوت (الحاكي) الحضور للاستعداد للتوجه الى صناديق الاقتراع، ليقوموا بالخطوة الحاسمة التي جاءوا من أجلها.
كان من لم ير صاحبه أو زميله من بين هذا الحشد الضخم، يستطيع التحري عنه عند المناداة على الأسماء، وكان من يريد أن يتعرف على أسماء كان يسمع بها بنشرات الأخبار، أو يقرأ عنها بالصحف، أو يستمع إليها بأحاديث الزملاء، كان بإمكانه أن يشخص بصره على ممرات السائرين الى التصويت.
(15)
كان البعض عندما يقوم بالتصويت، يغادر الى بيته، وهم أولئك الذين لا يهمهم أن يعرفوا من فاز ومن أخفق على وجه السرعة، فكانوا يمنون أنفسهم بأن الأخبار ستعلن غدا.
بقي بضع مئات من المهندسين الذين أدلوا بأصواتهم، وأصروا أن يعرفوا النتائج النهائية بتفاصيلها الدقيقة.
انتصف الليل، وامتلأت الأجواء بدخان التبغ المنفوث عصبية ومراقبة، وبعض المحللين الذين لا يتوقفون عن شرح النتائج أولا بأول، كالمعلقين على المباريات أو كالمراسلين الصحفيين. فهذا يذكر أن قمر الدين في المقدمة وكتلته تتفوق على كتلة عصام، وعندما تستمع إليه وتراقب النتائج التي تظهر فرز الأصوات على اللوحة (الصبورة)، تدرك أن هذا المعلق هو من أنصار قمر الدين حتى العظم.
لم يمض وقت طويل بعد منتصف الليل حتى ظهرت النتائج النهائية، كان عصام في المقدمة ومعه كل أعضاء كتلته عدا اثنين أخفقا في النجاح. كان الفرق بين الأصوات التي حصل عليها عصام وقمر الدين 14 صوتا، فقد حصل عصام على 3778 صوتا و حصل قمر الدين على 3764 صوتا في حين حصل رشيد على 78 صوت.
خرج أنصار قمر الدين صامتين، وهم يعرفون أن الطعنة أتت من داخلهم من طرف (رشيد). ركبوا سياراتهم دون أن يعلقوا على شيء!
__________________
ابن حوران
|