العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: الرواسى فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الرغب في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: اسم فرعون بين القرآن والعهدين القديم والجديد (آخر رد :رضا البطاوى)       :: القضاء في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الطمع في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الاستنباط في الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: المواقيت فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: العفاف فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الرد على مقال هل سورة يوسف من القرآن؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: التسنيم فى الإسلام (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 19-11-2008, 10:32 AM   #1
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الجزء الثاني

انتخابات البلدية

قال أحد الحكماء: لا تناقشوا نضالكم من أجل الحرية، بل ناقشوا ما ستفعلون بحريتكم عندما تحصلون عليها.

وقال آخر: إن الرابحين يتقاربون والخاسرين يتباعدون.

(1)

تأمل الدكتور عبد القادر الجموع الغفيرة التي تواجدت هذه المرة، دون دعوة وليمة كبرى كما جرت العادة، بل جاءت لأنها انتصرت بمعركة الانتخابات البرلمانية، فاستحلت طعم الانتصار، وراق لها فكرة الكلام من أجل الكلام الذي سينسب لمن يتكلم عندما يتحقق نصرٌ. ابتسم ابتسامة سخرية متسائلا بينه وبين نفسه: هل هؤلاء يعرفون عن تخطيط المدن؟ وهل هؤلاء يعرفون عن صفات القادة المحليين؟ وهل هؤلاء يقبلون إن جاءهم من يستطيع القيام بأعمال رئاسة أو عضوية المجلس البلدي بشكل يتناسب مع المعطيات الحضارية؟ أم أن لعبة الصوت وتوزيع (الكوتة) هي الأمور التي تقرر من هو المرشح للرئاسة ومن هم المرشحون لعضوية المجلس؟

نقر (مقبل) بأصابعه على (الحاكي) وأراد أن ينبه الحضور لوجوب الاستماع لما سيقول. وبعد أن قدم (ديباجة) افتتاحية كلمته قال: إن مدينتنا بها ما يزيد عن 600 حامل دكتوراه، وأكثر من خمسة آلاف حامل شهادة جامعية أولية وهي نسبة تزيد عما في (بلجيكا)، ودأبتم كل دورة انتخابات بلدية على تقديم وجهائكم الذين يفتقرون للدراية العلمية والثقافية، وقد علمتم أن إدارة المدن تحتاج الى المزيد من المعرفة والقدرة على التخطيط واستنبات مشاريع العمل لتستوعب أبناء مدينتكم.. إن توزيع تلك الشهادات الجامعية العليا لا يقتصر على عشيرة دون غيرها، لذا نهيب بالحضور الذين سيزكون مندوبي عشائرهم للترشح لعضوية المجلس البلدي أن يراعوا هذا الجانب، وليتنحى آباؤنا وأعمامنا من الوجهاء والذين نكن لهم خالص الاحترام عن مزاحمة أبنائهم ليجربوا القيام بتحديث عمل البلدية الذي بدأ منذ عام 1927.

تعالت صيحات الهتاف والتصفيق بالموافقة، فمن يتكلم هو من مَهَد لغانم أن يصل للبرلمان وكلامه في محله. وهناك من علق على ذلك بالقول: إن أول المتكلمين هو من يرسم خط بداية الانتخابات، ولو وقف أحد غير (مقبل) ورفع من شأن الوجهاء ورجاحة عقلهم لحظي بنفس القدر من الهتاف والتصفيق.

اتفق الجميع على تسمية لجنة لتستقبل أسماء المرشحين، وقسمت العشائر التي تزيد عن 50 عشيرة الى عشرة دوائر، تكون أعداد الناخبين في كل دائرة حوالي ألف وخمسمائة صوت. وقد روعي وضع أربع عشائر يزيد عدد الناخبين فيها عن ألف ليكون لهم مرشح دون مزاحمة أحد (دول كبرى!).

(2)

تعفف الكثير من الشيوخ عن قبول تسميتهم كمرشحين لدوائرهم، ويبدو أن كلمة مقبل قد تركت أثرا في نفوسهم. وقدم إلى اللجنة أسماء 14 مرشحا، كان من بينهم محامي و مهندس ورئيس لجنة نقابية عمالية وثلاثة عقداء متقاعدين من الجيش والشرطة، ومعلم متقاعد وموظف موانئ متقاعد (ينتمي لجماعة دينية) وسكرتير بلدية متقاعد، وشيخ كان عمره فوق الثمانين وهؤلاء الذين أصبحوا فيما بعد القائمة (الشعبية) المعتمدة لهذا التجمع العشائري، فيما تم إقناع الأربعة الآخرين بالانسحاب.

أما في الجهة الأخرى، فكان هناك (فهمي) رئيس البلدية التي كانت قائمة، ومعه تسعة معظمهم من الشيوخ الذين تم انتقاءهم وفق (الكوتات) العشائرية القديمة.

كثرت الحلوى التي تقدم للمؤازرين الذين كانوا يأتون لخيمة الكتلة الشعبية، واستمرت اللجان في إعداد الخطط وأسماء المندوبين ومرافقي الحافلات التي ستنقل الناخبين والناخبات الى مراكز الاقتراع.

ودرّب المدربون الناخبات والناخبين على حفظ الأسماء، والألقاب المعتمدة في الفرز بالتنسيق مع اللجان الحكومية المشرفة على الانتخابات.

(3)

توجه الناخبون والناخبات الى صناديق الاقتراع، وانتهى الاقتراع في السابعة مساء، بعد أن وصلت نسبة المقترعين 78%.

توزع مندوبو فرز الأصوات على قاعات الفرز، وقام رؤساء اللجان بما يلزم لطمأنة المندوبين، فهذا الشمع الأحمر وهذا تقرير لجنة الاقتراع وأعداد من يحق لهم التصويت في الصندوق كذا وأعداد من صوت كذا، ثم قام بعد الأوراق الموجودة في الصندوق، ويستبعد البيضاء التي ليس فيها أسماء مرشحين. ثم طلب من الحضور أن ينتدبوا اثنين منهم للوقوف عند (الصبورة) ووضع إشارة لكل من يحصل على صوت.

أما البقية من المندوبين، فكانوا على استعداد لمتابعة الفرز، وانتبه كل منهم الى الصبورة والى الورقة التي أمامه وقد وضع عليها أسماء 26 مرشح، ينتسبون لثلاث كتل كتلتين رئيسيتين كل كتلة عشرة أسماء وكتلة للسياسيين الذين لم يستطيعوا إكمال كتلتهم وضمت ستة مرشحين. كانت تلك النماذج من الأوراق من توليف أحد المكتبات الذين لهم دراية في الانتخابات، يحضرونها ويصورونها ثم يعرضونها للبيع في مثل تلك المناسبات المتباعدة الحدوث.

كان من في القاعة يستطيع معرفة العشيرة التي ينتمي لها من كتب الورقة، حيث كان يبدأ بكتابة اسم مرشح عشيرته، ثم يذهب الى المرشحين الآخرين، وهو تكنيك لم تُفهم دوافعه حتى اليوم، فما الذي يجعل الناخب يضع اسمه أو اسم قريبه بالأول، هل كان يخشى أن تأتي أوامر بالتوقف عن الكتابة أو أنه سيصاب بسكتة قلبية قبل كتابة اسم قريبه؟ كان هذا النمط من التدوين يفضح العشائر، فعندما لا يكتب اسم مرشح في ورقة فإن المندوب للمرشح الذي حجب عنه الصوت سيعلم من أي عشيرة جاء الحجب، فيجمعها في الصندوق الذي يراقب فيه ويجمع المندوبون الآخرون مثل ذلك التصرف ويضعونها في وجه العشيرة التي مارست الحجب.

كانت معظم الأوراق تضم أسماء كتلة كاملة، وكان بعضها ينقصه اسم أو أكثر، وكان بعض الأوراق به بعض أسماء المرشحين من كتلة أخرى. وكان حظ فهمي رئيس البلدية المنتهي (دورته) أكثر الأسماء التي تظهر في قوائم الكتل الأخرى.

فازت الكتلة الشعبية بتسعة مقاعد، وفاز فهمي رئيس البلدية السابق بأعلى الأصوات، ولم يفز أحد آخر من كتلته ولا كتلة السياسيين، أما الكتلة الشعبية فقد أخفق منها أحد العقيدين المتقاعدين من الجيش، مما جعل ذويه أن يأتوا الى مكان احتفال مؤازري الكتلة وإفساد الاحتفال، متهمين الآخرين بالحجب
.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 18-12-2008, 12:50 PM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي


(4)

تمنح الحركات المكررة، والأعمال المتراكمة في أي مجال، أصحابها مهارات يتميزون فيها عن غيرهم. وقد يتعب أحدنا نفسه في البحث عن تلك المهارات في بطون الكتب ولن يجدها، فالاصطفاف بحلقات (الدبكة) ومراسيم تحضير طعام شعبي، أو البداية في هتاف تشجيع أحد فريقي كرة قدم في مباراة، كلها مهارات من هذا النوع.

كذلك هي الحيل الشعبية في الانتخابات البلدية أو البرلمانية، لا تخضع لخطوات مكتوبة، ولم يناقشها السياسيون في كتبهم، حتى وإن فسروها بعد حدوثها، فإن التنبؤ بالكيفية التي ستسير عليها، يبقى مجالا لم تتناوله مثل تلك الدراسات المكتوبة.

كان أهل البلدة يعلمون أن من يُزاحم على رئاسة البلدية في الانتخابات سيكون عرضة لعدم النجاح لأن المتحالفين معه سيحجبون عنه الأصوات (هذا في الأنظمة التي تجعل من اتفاق الناجحين على تسمية أحدهم رئيسا كما هي حال البلدة موضوعة السرد). ولكي يتجاوزوا تلك العقبة، اتفقت جميع الأطراف لتسمية العقيد المتقاعد فؤاد مرشحا للرئاسة وكان له ذلك بعد نجاح تسعة من أعضاء كتلته.

(5)

بعد استقبال المهنئين وإتمام الاحتفالات، عقد المجلس البلدي أول اجتماعاته بغياب العضو (فهمي: الرئيس السابق).

كان أكثر من نصف أعضاء المجلس، يرغبون في الخدمة من أجل الخدمة، أو هكذا كانوا يعلنون، فبادر الرئيس المنتخب (فؤاد) بإحضار المصحف الشريف، وأقسم أنه لن يعود لترشيح نفسه مرة أخرى، وانتقل القرآن الى الأعضاء الآخرين فأقسموا عليه مثلما فعل رئيسهم.

انتقل المجلس لتوزيع مسميات العضوية، فابتدءوا بنائب الرئيس الذي تنافس عليه اثنان من الأعضاء، فوضعت ورقتان كتبا على كل منهما اسم مرشح، وتكريما لكبر سن الشيخ (مطيع) اتفق الجميع على أن يسحب ورقة من المغلف ليكون نائب الرئيس من كتب اسمه عليها، وتم ذلك دون أي خلاف.

تناوب معظم أعضاء المجلس على الحديث، فمنهم من قدم مشكلة التمويل على بقية المشاكل، ومنهم من قدم مشكلة مخالفات البناء على بقية المشاكل، ومنهم من اعتبر أن الكادر الوظيفي الذي يبلغ مائتان وخمسون موظفا وموظفة هم من أكبر المشاكل، حيث أن نسبة المعاقين بينهم تزيد عن الثلث، وعدم الكفاءة تسيطر على البقية، وأن هؤلاء الموظفين قد جيء بهم كترضية للمؤثرين في عمليات الانتخابات للتجديد لمن يسعى في توظيفهم، وقد تراكمت تلك العينات على المجالس البلدية فأصبح هذا الكادر يستحق لقب أسوأ جهاز وظيفي في تاريخ البلديات.

هنا، بادر المهندس (العضو المنتخب) وطلب إحضار القرآن ليقسم عليه الجميع، أن لا يسعوا بتوظيف أي مستخدم جديد، وأن يحاولوا تدريب الجهاز الوظيفي القائم قدر المستطاع، وأن من لم يتقدم في كفاءته أن يذهب لبيته وسيأتيه راتبه كل شهر، وأكد أن ذلك أقل ضررا على البلدية وعلى مصالح المواطنين، فهو لن يستهلك مياه ولن يهدر من القرطاسية ولن يقصر من عمر أثاث وبناء البلدية. ابتسم الجميع ووافقوا على ذلك.

استغل رئيس البلدية والذي يترأس الجلسة فرصة التقاط الأعضاء لأنفاسهم، وبلغهم بأن أحد وجهاء البلدة، ينتظرهم لتناول طعام الغداء. لم يعلق أحد على ذلك، فمنهم من اعتبر ذلك من مقتضيات العمل في مثل تلك المؤسسات، ومنهم من اعتبر ذلك تمهيدا لإثقال المجلس بتوسط لغض النظر عن مخالفة ما، ولكنه آثر السكوت، حتى لا تصل كلماته لصاحب الدعوة!

لكن المهندس، علق قائلا: لم يكن هذا الرجل يوجه لنا الدعوات لو لم نفز بانتخابات البلدية، إذن فهو يدعو شخصياتنا الاعتبارية، لا شخصياتنا المجردة، وإني أعلن أنني لن ألبي مثل تلك الدعوات لا هذه ولا ما سيتبعها من دعوات، وأنصحكم أن لا تستجيبوا لمثلها إن أردتم العمل النزيه. استجاب لطلب المهندس كل من نائب الرئيس والعضو (النقابي العمالي).

(6)

بعد مرور أسبوع، كان المجلس أو الأعضاء التسعة قد عقدوا خمسة اجتماعات في بيوتهم (بالتناوب) لبحث مسائل تتعلق بالسياسات الواجب إتباعها، فمنها ما كان يناقش عادات إطلاق الأعيرة النارية في الأعراس والاحتفالات، ومنها ما كان يناقش تعبيد 72 كم طولي من طرقات البلدة، وتقسيم هذه الخطة على أربعة سنوات (مدة الدورة الانتخابية) وكيفية التحايل على التمويل، ومنها ما كان يعني بتسرب التلاميذ من المدارس ومنها ما كان يتعلق بتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة بالاستعانة بالجامعتين القريبتين من البلدة، ومنها ما كان يتعلق بتشجيع الشعراء والكتاب والمبدعين وتنظيم مهرجان سنوي لهم في الملعب الرياضي.

في هذه الأثناء، وبعد أن ابتدأ الاجتماع الرسمي الثاني في مبنى البلدية، دخل الرجل صاحب دعوة الغداء، ومعه أحد أقاربه وكان في الستين من عمره، وقد كان يعمل في قطاع البناء قبل خمسة عشر عاما، فسلم على الجميع وقطع الجميع كلامهم، وأخذوا بمجاملات لا معنى لها معه، فانتبه نائب الرئيس أن ذلك مخالفا، ولكنه لم يشأ أن يكون فجاً ويطلب من صاحب الدعوة أن يخرج لأن المجلس في حالة اجتماع، فنبه الرئيس لوجوب العودة لجدول أعمال الاجتماع.

لكن صاحب الدعوة، التفت إليه، وعاتبه: (أنا زعلان منك)، فرد عليه النائب: لماذا؟ فقال: أطعامنا لا يؤكل؟ فاعتذر أنه كان مشغولا و أضاف (خيرك سابق) ..
أدرك الستة الذين لبوا الدعوة أن الممتنعين لتلبية الدعوة كانوا أكثر حكمة منهم.

قال صاحب الدعوة: أنا لا أريد أن أعطلكم عن اجتماعكم، ولكن حرصي على خدمة البلدية ومصالح المواطنين هو ما دفعني للحضور الى هذا الاجتماع، وأحال الحديث لمن معه، فقال: أعلم أن البلدية تهدر الكثير من الأموال لترميم القنوات والعبارات والأطاريف، وكلكم تعرفون أني خبير بأعمال البناء، وقد اعتزلت هذا العمل منذ مدة، ولكن إسهاما مني في خدمة بلديتكم التي هي بلديتنا والتي لم تحظ في يوم من الأيام بهذا القدر من الكفاءات الممثلة بهذه النخبة الشابة، قررت أن أعدل عن قراري في الاعتزال ووضع نفسي تحت خدمتكم!

قاطعه المهندس ضاحكا: من يسمعك سيقول أننا تحايلنا عليك كثيرا من أجل القبول بمثل هذا العمل. ثم جعل من لهجته أكثر صرامة وقال: أترى هؤلاء الأعضاء ؟ لقد أقسموا أيمانا غليظة على أن لا يوظفوا أحدا طيلة مدة دورتهم، أرح نفسك من تلك المهمة.

تجهم صاحب الدعوة، ونظر الى المهندس شزرا واستأذن وخرج.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 27-01-2009, 02:53 PM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(7)

لم يتذكر الشيخ مطيع بأنه ساهم خلال أكثر من سنة في أي حديث جاد، ولم يتذكر أنه تقدم بأي مقترح، ولكنه اكتفى بدور أنه سحب أوراق القرعة في الاجتماع الأول، وأصبح هذا الحدث أو الإنجاز لا يبعث له الشعور بالراحة، كان يحس ببعض الرضا عندما يبادر الجميع بتخصيص تحية رقيقة له كونه أكبر الأعضاء عمرا، ولكن هذا التخصيص أصبح موضع مضايقة نفسية له، فبعد أن يجيب عن الأسئلة المرافقة لتحيات الملاطفة عن أولاده وأحفاده وأولادهم، يتمتم ببعض كلمات الشكر المتزاحمة دون ترتيب، ثم يعدل من جلسته ويوازن موضع عقال رأسه، ويبلع ريقه، فهو لا يدخن، ولا يتحدث ويخجل أن يخرج (مسبحته) ليسبح بحمد الله في حضور الآخرين.

وإذا ما سأله رئيس المجلس عن رأيه، يوافق على رأي الذين سبقوه في إبداء رأي ما، وكان لا يعرف حتى إعادة تفاصيل ما تحدث به من سبقه، أو حتى أحيانا لا يستطيع التعبير عن الموضوع بإيجاز، فيقول: مثل ما تفضل (أبو فلان) ولم يخطر بباله أن أبا فلان لم يتحدث مطلقا، فعندما يصحح له أحدهم اسم ابن آخر من تحدث، يزداد حرجا وتحمر وجنتاه، ويتمنى ساعتها أنه لم يتقدم لمثل هذا المنصب الذي يسبب له الحرج.

(8)

استخرج رئيس اللجنة النقابية العمالية ورقة من جيبه، وطلب من رئيس المجلس أن يبدأ بطرح محتويات مقترحه والذي تم تثبيته بجدول الأعمال لتلك الجلسة، كان الموضوع يخص الاحتفال بعيد العمال العالمي والذي بقي عنه خمسة شهور، وتم تقديم المشروع ليكون هناك متسعا من الوقت للاستعداد اللائق لمثل ذلك الاحتفال.

كان المشتركون بالمشروع أربعة من أعضاء المجلس البلدي، فالغاية الأساسية منه هي نقل المعلومات التقنية الى المواطنين بصورة احتفالية، فاختاروا أول أيار/مايو ليكون موعدا لذلك.

تم الاتفاق على التحضير لتسمية العمال المبدعين من عمال البناء وعمال النظافة والنجارين المهرة والحدادين وتم تسمية أكثر من عشرين مسمى لهؤلاء المبدعين، مثل أفضل مربي للنحل، أفضل مزارع زيتون أوائل الطلبة، أفضل شاعر أفضل امرأة عاملة الخ.

كان على اللجنة أن تتصل بالبنوك والشركات التجارية للمساهمة في تخصيص جوائز قيمة للمكرمين، وكان على اللجنة أن تتصل بجامعتين حكوميتين وغرفة التجارة والنقابات المهنية للمشاركة في إنجاح هذا الاحتفال. وكان على اللجنة أن تتصل بفرق الفنون الشعبية لتأخذ وصلات بين الفقرات. وكان المكان الذي تم اقتراحه هو الملعب البلدي حيث يتسع لعشرات الآلاف من المواطنين.

كان رئيس المجلس البلدي يهز رأسه موافقا على ذلك، وكان الشيخ مطيع لا يخفي فرحه أن ينتسب لمثل ذلك الفريق.

استخرج المحامي ورقة من جيبه، وهي دراسة حالة المتسربين من المدارس، وكيفية التعاون مع مديرية التربية ومجالس الآباء والأمهات لمعالجة تلك الظاهرة الخطيرة.

اعتذر رئيس المجلس عن دراسة تلك الورقة ورحلها الى اجتماع قادم.

(9)

لاحظ بعض أعضاء المجلس البلدي أن هناك قطع (لوحات إعلانية) تخص شركة (كوكا كولا) وهي شركة مدرجة ضمن قوائم الشركات الواجب الالتزام بمقاطعتها من الجامعة العربية. قد انتصبت فوق بعض المحلات التجارية، فطلب من رئيس المجلس البلدي أن يضع تلك النقطة على جدول الأعمال.

عندما انعقدت الجلسة، بادر المحامي بالحديث عن وجود تلك اللوحات وخطوة ذلك، وكون المجلس البلدي يمثل القيادة الأدبية للمدينة، فلم تكلف جهة ما نفسها حتى بتبليغ المجلس البلدي بالسماح لتلك الشركة المشمولة بالمقاطعة العربية.

تجهم رئيس البلدية، وقال: ألا تعلمون من سمح لتلك الشركة بذلك؟ كان الجميع يعلم تفاصيل إعطاء بعض الرجال المهمين نسبة معينة، ولكن بعضهم أصر أنه لا يعرف ولا يريد أن يعرف، وطرح اقتراحا بإغلاق المحلات التجارية التي تتعامل مع تلك الشركة أو تضع لوحاتها الإعلانية.

تم طرح المشروع للتصويت، فلم يصوت لصالح إغلاق المحلات إلا اثنان، فسقط المشروع.

استطاع المحامي الالتفاف على القضية، بأن استخرج مادة تلزم الشركة المنتجة بدفع عشر دولارات عن كل متر مربع من اللوحات الإعلانية، وبعد موافقة المجلس على الاقتراح الجديد تم مخاطبة الشركة، فأرسلت (شيكا) بمبلغ 15 ألف دولار بدل لوحات الإعلانات للبلدية.

وبعدها بأسبوعين تم حل المجالس البلدية كافة دون حجة قوية

انتهى الجزء الثاني



__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 16-02-2009, 04:44 PM   #4
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

انتخابات نقابة مهنية

تختلف النقابات المهنية عن النقابات العمالية أو الحرفية، بأن النقابات المهنية تضم في صفوفها أصنافا من المهن الطبية (أطباء وأطباء أسنان) والهندسية والجيولوجية والممرضين والبياطرة والزراعيين والمحامين وأحيانا في بعض الدول العربية تشمل الصحافيين ومهن أخرى. في حين لا تشمل في مسماها عمال البناء والسكك وعمال الكهرباء والحلاقين وعمال المطاعم الخ.

النقابة بشكل عام مخترع لم يُستنبت في بيئتنا، بل نشأ مع بدايات النهضة الصناعية في أوروبا، وقد جاء لرفع جور أصحاب العمل عن العمال ولتكون النقابة ممثلا لجمهور العمال الذين يريدون رفع أجورهم أو يريدون تقليص ساعات العمل، أو أي مطلب آخر.

هناك من يقول أن النقابة مخترع عربي، ظهر في العصر العباسي، عندما كان لكل حرفة شيخ يرجع إليه المختلفون ليحكم بينهم، فهذا شيخ للوراقين، وهذا شيخ للتجار، يضع ما يشبه القوانين لإبطال صفقة بين اثنين، الخ. وهناك من يقول أن (القرامطة) هم من ابتكر فكرة تنظيم أصحاب المهنة، فقد ابتدءوا بساسة الخيول من (الزنج ) ليحرضونهم على الدولة العباسية!

على أي حال، لقد دخلت فكرة النقابات الحديثة على بلادنا، كما دخلت معها أشكال من المفاهيم المهجنة فهذه قومية وهذه اشتراكية وهذه حزبية، لقد دخلت الى منطقتنا دون ربط ماضيها بحاضرها ودون تهيئتها لتكون خادمة لتحقيق المستقبل الذي يحلم به أبناء الأمة، فكانت كاستيراد أبقار (الفريزيان والهولشتاين) تعطي حليبا في هولندا وألمانيا ثلاثة أضعاف ما تعطيه في بلادنا، علاوة على أنها حلت محل أصناف محلية عاشت مع شعوبنا منذ الأزل!

(1)

كان (قمر الدين) ابن الخمسين عاما، خريج الجامعات التركية، وصاحب شركة هندسية تهتم في تزويد المنشئات بنظم الري الحديثة، كان شخصا أنيقا يعرف كيف ينتقي ملابسه الفاخرة وعطوره الملائمة التي كأن من ابتكرها وضع أمامه ربطات عنق (قمر الدين) وأخذ يجرب أي العطور أكثر ملائمة لتلك الربطات.

استطاع قمر الدين أن يجمع أرقام هواتف مجموعة من المهندسين الذين يتوسم بهم أن يكونوا مؤثرين في مناطقهم، وكان عندما يرفع سماعة الهاتف ليتصل بأحدهم، يبادر بصوته الدافئ القريب من القلب ليشعر المستمع أن حدثا مهما سيظهر من تلك المكالمة، فبعد أن يشعره بافتقاده الطويل، ويسأل عن صحته وشأن معين تدرب على معرفة تفاصيله، يستنهض همته في موضوع الانتخابات المقبلة، ولا بد أن يذكر له مسألة يكره الذي على الطرف الآخر من أنها ستتحقق إذا لم يبادر للوثوب والاصطفاف من أجل منع تحقيقها.

بعد يومين من مكالمة قمر الدين بالأسماء التي أدرجها في قائمته، يقوم أصحاب تلك الأسماء بالاتصال ببعضهم البعض، فتكون حركتهم كحركة الدوامة في ماء نهر تلتف لتعود الى مركزها. والغريب أن أحدا من هؤلاء لم يستنكف عن الاستجابة لنداء (قمر الدين)، ليس لأنه قائد فذ، وليس لأنه ابن مبادئ وابن نضال، وليس لأنه ودودٌ مع رفاقه، فلم يكن لديه واحدة مما ذكر. بل لأن هؤلاء الأفراد لا يريدون تفويت فرصة يؤكدون فيها ذاتهم. فأحدهم يفرح عندما يُنسب عنه قول يعاتبه فيه آخر، ويفرح أكثر عندما (يقبل) أحد المرشحين رأسه طالبا منه المساعدة.

يتفق الجميع على حضور اجتماع موسع لأنصارهم في قاعة النقابة المركزية، ويحددون موعدا لذلك.

(2)

كان (عصام) ابن تنظيم إسلامي سياسي، وهو يقف على رأس جماعة تنافس الجماعة التي فيها (قمر الدين). كانت جماعته تتقن لعبة الصوت بطريقة أفضل من الطريقة التي تتبعها الجماعة الأخرى. فالجماعة الأخرى تعتمد أسلوب التحالف بين مكونات المعارضة الكلاسيكية، فهذا يمثل حزب كذا، وهذا يمثل حزب كذا، وهذا من الجبهة الفلانية، وهذا من المستقلين القوميين وذلك من اليساريين المنشقين وهكذا، في حين كان عصام وجماعته يطرحون أنفسهم كفصيل نقي خال من أي عنصر خارج عنه.

كان عصام شابا ذكيا ابن ثمانية وثلاثون عاما، له علاقات واسعة مع الكثير من المهندسين، وفوق ذلك، كان ابن تنظيم سياسي خبر لعبة الصوت بإتقان، كان يخابر بعض المهندسين الذين يتمتعون بسمعة جيدة وسلوك قويم، وقد تنقلوا في سنوات عملهم بأكثر من أربعة أو خمسة شركات كبرى، وكونهم كذلك فإنهم ولا بد قد تعرفوا أثناء خدمتهم على المئات من المهندسين، خصوصا عندما ينتقلون من مدينة لمدينة لعرض سلعهم وخدماتهم.

كانت تلك الجماعة، تبحث عن وجوه (نجيحة : أي قابلة للنجاح في الانتخابات)، وكانت صيغة المخاطبة لهؤلاء المهندسين، أن الجماعة قد وقع اختيارها عليك لأن تكون أحد أعضاء الكتلة الانتخابية للنقابة، كان من يُعرَض عليه هذا الأمر، يشعر بدفقة من الاعتزاز بالنفس، أن الجماعة الفلانية قد زكته على أنه رجل مستقيم ومحبوب، وهذه فرصة لأن يصبح أحد أعضاء مجلس النقابة وبالتالي فإن باب الأحلام سيفتح أمامه ليكون مستقبلا شخصية عامة يُنسب عنها أنها قالت كذا وقد يُنسب عنها أنها حاولت فعل كذا.

كانت الجماعة تكتفي بواحد أو اثنين من أعضاء المجلس من الملتزمين تنظيميا، وتختار بقية أعضاء المجلس من الوجوه القابلة للنجاح، وهي بفعلها هذا، تضمن كسب أصوات هؤلاء المرشحين غير المنظمين، وتهيئ هؤلاء المرشحين لينخرطوا تنظيميا في صفوفها المنضبطة.

كان كل مرشح من المستقلين الذين خاطبتهم جماعة عصام يعتقد أنه الوحيد الذي أضيف للكتلة من خارج التنظيم، فكان يحرص على موافقة رئيس الكتلة الذي ينقل توجهات تنظيمه. ولم يحدث أن اعترض أي من هؤلاء المستقلين على توجه الجماعة، لشعوره بأنه مدين لتلك الجماعة بمنحه (حظوة) أن يكون محسوبا عليها.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 02-03-2009, 11:19 PM   #5
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(3)

حرص (رشيد) أن يصل الى بيت (قمر الدين) قبل غيره من المدعوين الأربعين، كان رشيد قد تخرج من الجامعة التركية التي تخرج منها قمر الدين، وبنفس السنة، لكنه اختار العمل في القطاع الحكومي، عكس زميله وصاحبه (قمر الدين).

كان كلاهما قد انتسبا الى حزب قومي أثناء وجودهما بالجامعة، ولكنهما انقطعا عن التنظيم منذ عشرين عاما، أي فور تخرجهما، ولم يعرف أحد إن كان ابتعادهما عن التنظيم تم بإرادتهما أم بفعل خارجي. كانا يتمتعان بنفس الصفات تقريبا، وهي الحرص على إيهام الآخرين أنهما لا زالا بالتنظيم، أما عن علاقاتهما مع الدوائر الأمنية، فلم يكن عليها أي شائبة، لأنهما بكل بساطة يعلمان أن الدوائر الأمنية تعلم عن عدم ارتباطهما بأي تنظيم!

حاول رشيد في حضوره المبكر لبيت صاحبه قمر الدين، أن يقنعه بضرورة ترشيح وكيل وزارة ـ لا زال على رأس عمله ـ وهو من نفس صنفهما أي ممن كان له ماضٍ سياسي بعيد، وحجة رشيد بذلك، هي أن وكيل الوزارة أقدر على كسب الأصوات بفعل موقعه بالوزارة، وما لذلك دور في التفاف العاملين بالوزارة من المهندسين حوله، وبالتالي فنجاحه مضمون، وتبقى مكانة قمر الدين ورشيد وأصحابهم محفوظة، واحتمالية ترقية قسم منهم ليكونوا مدراء عامين في الوزارة ستكون واردة.

لم يرتح قمر الدين لطرح صديقه رشيد، ولم يوافقه عليه بشكل فوري، ولكن دعاه لينتظر ما سيسفر عنه الاجتماع الذي كانت دعوة الإفطار في رمضان من أجله.

(4)

انقطع الحديث الثنائي بين الصديقين، بسبب توارد المدعوين الأربعين، فانشغل قمر الدين كونه صاحب الدعوة، باستقبال المدعوين ومصاحبتهم لمقاعدهم. ثم تحيتهم وسؤالهم عن أحوالهم، وتفقد حرارة استجابتهم للدعوة رغم بعد المسافة بين العاصمة ومدن أولئك المدعوين، والذين يُفترض أن تكون استجابتهم لمثل تلك الدعوات وفي شهر رمضان على وجه الخصوص.

كان من بين المدعوين أشخاص يلتزمون في هيكلية التنظيم، وكانوا يعرفون على وجه الدقة مَنْ مِن هؤلاء الحضور معهم بالتنظيم، ومن منهم خارج التنظيم، ولكن هؤلاء لم يريدوا طرح مثل تلك المسألة، بل بالعكس، فإنهم يقبلون بادعاء الذين خارج التنظيم أنهم داخله.

حضر أربعة وثلاثون رجلا من أصل أربعين، وكان أربعة منهم من المسيحيين، ومع ذلك ساد المكان جوُ من الأريحية والود كون هؤلاء الحضور يرتبطون وجدانيا بأكثر من رابط، إما اشتراكهم في الدراسة، أو اشتراكهم في التوجه السياسي، فكان كل واحد منهم يجد أكثر من موضوع (سؤال) يطرحه لمن ينتقيه من بين الحضور.

أحضر أحد الخدم، ماعونا به من التمر، كما أحضر آنية بها من اللبن، ووضع أكوابا، وأخذ يملأها من اللبن (المخيض)، ويوزعها على أركان مختلفة من الموائد المنضدة.

(5)

كان الحضور يتوقفون عن الكلام قليلا، علهم يسمعون صوت (مدفع الإفطار) أو صوت المؤذن ليعلن نهاية صيام ذلك اليوم.

بعد أن تيقن الجميع أنه حان وقت الإفطار، بادروا لتناول قليلا من اللبن والتمر الذي أمامهم، ثم اقترح أحدهم الذهاب لأداء صلاة المغرب، في مسجد قريب بجوار (بيت: فيلا) صاحب الدعوة، لكن صاحب الدعوة بادر للقول: من أراد الصلاة فليتفضل، وكان قد أعد إحدى صالات بيته لمثل ذلك الموقف، فانتقل قرابة ثلاثين شخص لأداء صلاة المغرب وراء (قمر الدين) الذي زكاه الحضور ليؤم بهم كونه صاحب البيت!

كان صوت قمر الدين واضحا وغير مهزوز في تلاوة الفاتحة والسورة القصيرة، لكنه كان يتلو القرآن كمن يتلو نشرة أخبار أو كبيان سياسي.

كان الأربعة من المسيحيين، يشعرون بالحرج من هذا الموقف، لكن وجود اثنين من المسلمين الذين لم يشاركا في أداء صلاة المغرب، قلل من حرجهما.

وبعد الانتهاء من الصلاة، حاول واحد من الاثنين الذين تخلفا عن أداة الصلاة أن يمازح صاحب الدعوة بالقول: هل أنتم متأكدون أننا لسنا في حضرة جماعة سلفية؟ لم يشأ المسيحيون أن يبدوا مشاركته بالابتسام، كما لم يعلق على ملاحظته أحد!

تناول الجميع إفطارهم، أو عشاءهم (للبعض القليل)، ثم تناولوا حلوياتهم التي أحضرت من مطعم مشهور، ليكمل قمر الدين واجب الضيافة.

(6)

لم يكن سعدون ليتوقع أن يقدمه الآخرون لافتتاح الاجتماع الذي عقب الدعوة، وعندما تطوع قمر الدين لتسميته لاستهلال الاجتماع، لم يعترض أحد من الحضور على تسميته. كان سعدون شخصا يلف نفسه بهالة من الغموض، فقد كان مجرد ذكر اسمه بين المهندسين، حتى يتصوروا أنه يملك جهازا وشبكة قادرة على جعل أي مرشح طامحا يخفق في الانتخابات يخفق في مهمته إن لم يباركه ذلك (السعدون). ولكن تلك القدرة غير كافية بالتأكيد على أن يجعل من يطمح يحقق نجاحا بشكل مضمون.

كان سعدون رجل تنظيم بارع، فهو يتابع أدق التفاصيل، وقد فهم رغبة قمر الدين، في ترشيح نفسه لمركز النقيب، ووافق على إعطاءه مثل تلك الفرصة، بعد التشاور مع تنظيمه، ولكنه لم يشأ أن يفصح عن رغبته تلك، في ذلك الاجتماع، لترك انطباع بين الحضور بأن مسألة الترشيح تأتي بالتشاور والتوافق مع كل القوى التي تحسب على ذلك التكتل.

كان نبرات صوت سعدون منخفضة، وكلماته غير متراصة، لكن كان لها عذوبة كعذوبة ابتسامة ثغر يكشف عن أسنان متباعدة قليلا. حاول سعدون ترتيب أفكاره ليجعل من الهدف المراد سببا وجيها للتعبئة في تلك الحملة، كان يتحاشى ذكر الولاء للدولة كسبب محفز لتلك الحملة، هو يعرف كيف يصور الآخر على أنه خصم جدير بهذا التكتل أن يهزمه، لكن كان يبتعد عن التفصيلات الدقيقة، خصوصا، عندما كانت تعليقات الحضور تفصح عن استعدادهم الكامل لخوض تلك المعركة الانتخابية.

كان يعرف ما يقول، فافترض أن من ينجح يحتاج الى خمسة آلاف صوت على الأقل، وبذلك يكون على كل واحد من الحاضرين أن يقنع عشرة من المهندسين ويعبئهم، وحتى لا يكون واحد أو أكثر من هؤلاء العشرة يشتركون في اهتمام أي من الآخرين، بادر لتشكيل أمانة عامة مكونة من عشرة أشخاص للتنسيق في إدراج جداول المهندسين الذين يتم التحرك عليهم.

وعندما يصبح العدد 340 يطلب من كل واحد أن يتحرك على خمسة من المهندسين، وبعدها يتم الطلب من هؤلاء التحرك على ثلاثة. ثم متابعة شؤون هؤلاء الناخبين، من تسديد اشتراكاتهم وترتيب نقلهم الخ.

قسم سعدون خطة العمل بما يتناسب مع الزمن، لتكون النتيجة واضحة للعيان بفوز المرشحين قبل أسبوعين أو ثلاثة قبل الموعد الرسمي للانتخابات.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 03-03-2009, 01:10 AM   #6
ياسر الهلالي
عضو نشيط
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2008
المشاركات: 186
إفتراضي

ممرت سريعا من هنا
ايه الكاتب القدير ابن حوران تقبل مروري
ولي عودة اكيدة بأذن الله

اشكرك على هذه المؤازة بهذا القلم المعطاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
__________________
اذا شئت ان تحيا سليما من الاذى
ودينك موفور وعرضك صيّن
لسانك لا تذكر به عورة امرئ
فكلك عورات و للناس السن
و عينك ان ابدت لك معايبا
فصنها و قل:يا عين للناس اعين
و عاشر بمعروف وسامح من اعتدى
ودافع ولكن بالتي هي احسن
ياسر الهلالي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 16-03-2009, 03:25 PM   #7
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(7)

كانت قاعة الاجتماعات التي حجزها أصحاب هذا التوجه، قاعة واسعة يستطيع القائمون على تنظيم الاجتماعات فيها أن يجعلوها تستوعب ألفان من المجتمعين، كما أنه بالإمكان جعلها أن تكون قاعة كقاعة مؤتمرات رفيعة. فلم تثبت بأرضيتها مقاعد الجلوس، بل كانت تترك لتقدير المنظمين لمثل تلك الاجتماعات.

تم رص العديد من المناضد بجانب بعضها، لتكون مستطيلا أضلاعه من المناضد، ووضعت مقاعد متحركة من الجهة الخارجية للمناضد، تستوعب مائتين من المجتمعين، في حين كانت الأضلاع الداخلية بلا مقاعد، ليكون المستطيل الداخلي فارغا من المقاعد والحركة. ووضعت ملاءات بيضاء على المناضد لتبدو وكأنها منضدة واحدة عملاقة.

كان هناك مجموعة من المنظمين، يلمحون دخول الحضور فيرافقوا الأشخاص ليوصلوهم الى مقاعدهم التي تم الاتفاق عليها مسبقا، بحكم التجربة وبحكم مكانة وأهمية الأشخاص.

وزعت دوارق المياه وأكوابها، والحواكي (مايكروفونات الصوت) على المناضد بعناية، كما تم توزيع كراسات بيضاء فارغة مع أقلام حبر جافة.

وما هي إلا عشرة دقائق أو تزيد قليلا، حتى امتلأت المقاعد بالجالسين، وقد ازداد عدد الحضور عن عدد المقاعد المتحركة التابعة للمنضدة العملاقة، فطلب المنظمون إضافة مقاعد تبعد عن المنضدة العملاقة بخمسة أمتار تقريبا، لتستوعب الحضور الإضافيين.

كان من بين الحضور، وزيران سابقان وستة وكلاء وزارة، منهم واحد لا يزال على رأس عمله، وكان أكثر من عشرين مديرا عاما، لا يزال قسم منهم على رأس عمله.

كما كان من بين الحضور سبعة فصائل سياسية، تُحسب على هذا الخط، قسم من تلك الفصائل ليس له من أعضاء النقابة إلا خمسة أعضاء.

كان رقم (1) في تسلسل أعضاء النقابة حاضرا، كما كان من بين الحضور من كان رقمه أكثر من عشرة آلاف.

(8)

جاء سلمان متأخرا بضعة دقائق، فلم يحظَ بمقعد من تلك التي تؤطر المنضدة العملاقة، فجلس في مكان يستطيع من خلاله رؤية من على المنضدة كاملين.

ساوره الشك في تعريف تلك الخلطة العجيبة من المجتمعين، فهي في نظره ليست حزب ففيها من المتشددين حزبيا وفيها من أنصار الدولة التي لا تتفق مع هؤلاء المتشددين.

وليست جماعة (جبهوية) تلتقي على محور من المطالب الرئيسية وتختلف في نقاط ثانوية، آثرت تنحيتها من أجل الهدف الجبهوي.

وليست جماعة نقابية، فكل نقابة لها طرفان: طرف يمثل أرباب العمل وطرف يمثل العاملين، وفي هذا الاجتماع يلتقي الوزراء ووكلائهم مع العاملين.

وليست جماعة جهوية، فهناك أعضاء من مختلف أقاليم البلاد، فلا يمكن تقديم مصلحة جهة على جهة.

وليست جماعة دينية، ففيها من كل الطوائف والأديان، وفيها من يواظب على صلواته الخمس في المسجد، وفيها من لم يصم يوما واحدا.

حاول سلمان أن يقوم بتسلية نفسه، في اختراع أشكال مماثلة لهذا التحرك، فقارنها مع العشائر ووجد أوجه شبه كثيرة، وقارنها مع الدول العربية في مؤتمراتها فوجد أوجه شبه كثيرة، فيجلس ما يسمى بمعسكر الممانعة مع ما يسمى بمعسكر الاعتدال.

قطع تفكير سلمان نقرات أصابع أحدهم على (الحاكي)

(9)

كان المتحدث، رقم (1) في النقابة، وكان اختياره مخرجا مرضيا لجميع الأطراف، وهو نهج دأبت عليه مثل تلك الاجتماعات.

ذهب المتحدث بعيدا، في حديثه عن نشأة النقابة قبل قرابة ثلاثة عقود، وكم كان عدد الأعضاء وكم أصبح الآن، وعن الإنجازات التي تحققت، وعن الراتب التقاعدي، وصندوق التكافل، وما الى ذلك من مواضيع حيادية لا تمت الى حرارة التعبئة العامة للمعركة الانتخابية بصلة.

كان الحضور يستمعون إليه، كاستماع أُمِيٍ لإذاعة (قبرص)، كانوا يعتبرون كلامه طقسا من طقوس الاجتماعات الواجبة، ولكنه كنوبة لا بد من احترامها.

(10)

أخذ الحديث، آخر نقيب للنقابة من هذا التوجه، وكان وكيلا للوزارة. كان يعلم كم هو اجتماعهم مشاعا، فلم يحب أن يُنسب عنه أنه تطرق بسوء لأي شخص أو جهة حاضرة كانت أم غائبة، حتى لو كانت تلك الجهة (ساحل العاج). كان كلامه كمواضيع المسلسلات التي تنتج في دول الخليج، يطمع منتجوها أن توزع في كل البلدان العربية، فيحرصون أن لا تمس بأذى أي دولة أو شعب.

قاطعه أحد الحاضرين بقوله: كلنا يعلم أنه ليس من الممكن لأبناء هذا التكتل أن يغير مكانه وينتقل للتكتل الآخر، فلماذا تلك التورية بالحديث ولماذا تلك الإطالة؟ نحن أتينا من مدن بعيدة، وكنا نتوقع أن تكون أسماء المرشحين جاهزة، فإن كانت كذلك فأطلعونا عليها، وإلا دعونا نبحث في ذلك مباشرة.

ضحك (قمر الدين) وهو يعلم أن أسماء المرشحين لا تناقش في مثل تلك الاجتماعات الموسعة، بل تناقش في اجتماعات ضيقة ويتم الاتفاق عليها من خلف الكواليس. ولكنه حاول أن يعرض نفسه كبريء ويتعاطف مع ذلك المعترض. فقال: (يا جماعة أنا مع هذا الرأي، من أراد ترشيح نفسه فليتقدم الى هذا الاجتماع بطلب لترشيح نفسه، دعونا ننتهي من تلك المسألة)

حاول أحد أصدقاء (قمر الدين) التعديل على الاقتراح، فطلب تشكيل لجنة من الحضور لاستقبال الطلبات وتنقيحها بالاتفاق عليها ثم عرضها على اجتماع لاحق. وتم ذلك.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .