العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > مكتبـة الخيمة العربيـة > دواوين الشعر

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة فى مقال أغرب القوانين حول العالم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال أغرب عمليات التجميل واكثرها جنونا (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال أضخم المخلوقات التي مشت على وجه الارض (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الاحتضار فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: عمليات مجاهدي المقاومة العراقية (آخر رد :اقبـال)       :: الموضة الممرضة والقاتلة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: لعنة مومياء الثلج أوتزي الرجل الغامض (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة بمقال التحكم بالعقل أكثر مشاريع المخابرات الأمريكية سرية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في بحث أشباح بلا أرواح (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نقد كتاب عظيم الأجر في قراءة القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 09-07-2007, 06:26 PM   #1
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

[FRAME="11 70"]
في النّثر والنثريّة (11) ... محمد خريف
التاريخ: الأربعاء 14 يونيو 2006
الموضوع: نقد


من خبر الرّسم إلى خراب الطّبع في رسالة الغفران لأبي العلاء المعرّي (*)

خبر الرّسم في السّرد شهادة على بؤس الاقتفاء والسّير على المنوال أو النمط المحنط أو المرسّخ بالثقافةالماورائية وإن كان جذر( خبر) يتيح على مستوى المعجم إمكانات أخرى منها ما أقرّ الاستعمال معانيها ومنها جذور يمكن أن يكون لها معان افتراضيّة وهي (بخر- ربخ - خرب - برخ- رخب) وهذه الجذور الممكنة تحرّر الخبر من بؤس الشّاهد الحاكي الخانع مقتفي الأثر الذّليل الكاذب بتخريبه وفي التخريب إحالة على معنى الدّنس، والدّنس فعل العامّة في حين يكون الخبر بمعنى الرّواية من فعل رواة الشّعر والحديث لذلك كان الخبر متأرجحا بين القبول والرفض شأنه شأن الشعر محمودا منبوذا..

محمودا ما لم يضرّ بمسلم وما لم يعرض بعقيدة على حدّ تعبير الجرجاني في دلائل الإعجاز وإن لم يلتزم الخبر بشروط التّقوى فخرب نثره محاولا تجاوز السقف في مقامات الهمذاني حيث مدّ خراب الطبع وجزر خبر الرّسم وانتصار تهمة الزّندقة على تمرّد الذّات فخنس لاعج الخراب بعصا القائم وتهويل يوم الحساب والعقاب. والتّرغيب في يوم الغفران وإن كان جذر غ ف ر لا يتيح ما يتيحة خبر من إمكانات أخرى افتراضية غير رغف وغرف وفغر وهي متمكّنه في معاني الفراغ والغرف وما يتعلّق من معاني الأكل والشّراب والمجون وغضّ الطرف والسّتر والكتمان. فالغفران بمعنى آخر خبر زور يغطّي خبر خطيئة أو سيّئة وكأنّي بخبر الغفران أو رسالته بخبر يغطّي خبرا والخبر هي أخبار أعلام أمثال المتنبّي وابن الرواندي وبشّار وأبي تمام والحلاّج. وغيرهم أمثال مولاي الشيخ والمقصود به المعرّي في رسالة ابن القارح، يخشى ابن القارح أن تبقى كما هي دون أن يعلن أصحابها بأخبار أخرى يعلنون فيها توبتهم فيغضّ الله ورسوله وصحابته عنهم الأبصار سواء بالواسطة أو بغيرها.
"ولكنني اغتاض على الزنادقة والملحدين الذين يتلاعبون بالدين ويرومون إدخال الشّبهات والشّوك على المسلمين ويستعذبون القدح في نبوّة النبيين صلوات الله عليهم أجمعين ويتظرفون ويبتدئون إعجابا بذلك المذهب... والحسين بن منصور الحلاج من نيسابور وقيل من مرو ويدعي كل علم وكان متهورا جسورا يروم انقلاب الدول ويدعي فيه أصحابه الألوهية ويقول بالحلول ويظهر مذاهب الشيعة للملوك ومذاهب الصوفية للعامة وفي تضاعيف ذلك يدعي أن الالوهية قد حلت فيه وناظره على بن عيسى الوزير فوجده صفرا من العلوم" ص36

وابن القارح كان في عرضه أخبار هؤلاء المخربين معلقا على كل خبر بما يواتي العقل والذّكاء لا التّهور والزندقة فهو لا يخرج عن خبر الرّسم وبؤسه إلى خبر التمرّد وغناه والعبرة بالنهاية أو المال ورجاء التّوبة لا الثّبات على العناد كما يقول معلّقا على نهاية على بن العباس بن جريح الرّومي "فأرجو أن يكون هذا القول توبة مما كان اعتقده من ذبحه نفسه مشيرا إلى قول ابن الرومي لأبي عثمان "والخنجر إذا زاد على الألم ذبحت به نفسي"

ابن القارح يبدو مشفقا على هؤلاء رجيا لهم التوبة والغفران اقتداء بما جاء في خاتمة الرسالة من صيغ الاعتذار عن الخطل والعيوب "ما فرغت من السوداء وأنا اعتذر من خطل فيها أو زلل فإن الخطأ مع الاعتذار والاجتهاد"

والخبر في رسالة ابن القارح التي كانت تأمر بتقبل الشرع وتعيب من ترك أصلا إلى فرع كما يقول المعري في جملة يستهلّ بها رسالته يجسّم تلك الذهنيّة النمطية التي لا يمتزج حرفها بمقال الزور - والغفران لا يخلو من أخبار الزّور، اتّسعت جنّة الغفران لها في محاكاة جدّ ينطوي على سخرية لتلقح ذهنيّة طبيعية يساير خبرها مفهوم الغفران كما تستسيغه العقيدة، عقيدة ابن القارح محنّطة بنمطيّة عقيدة العامّة، عقيدة الشرع البدائيّ فيكفي أن ينجز طالب المغفرة خبرا افتراضيا يغطّي به خبره الواقعيّ المتحوّل بمقامات اللّغة ليحصل له الغفران الحتميّ فيصير الغفران بمفهوم مختلف كذبة خبر على خبر أو شهادة زور تصبح شهادة حقيقة وهكذا فالغفران خارج عنف النمط صنيع إعادة صوغ الخبر لا غير في فضاء ميتافيزيقي هو فضاء الجنّة مشروطا بسلطة المتلقّي "الله" الذي بقدرته يتحوّل الكذب صدقا يؤهّل صاحبه للفوز بالجنّة لذا فمسألة الغفران مسألة متعلّقة بمقامات الخبر ومختلف تداولاته لا بفعل الإنسان الواقعيّ في الدّنيا. لذا جاء الخبر في رسالة الغفران جملا قصصيّة راوية على المجاز وإن أضمر الخبر مشروع تخريب العقيدة في رسالة ابن القارح وذلك بالإخبار الخالع نزوة ابن القارح بما يجس له أو يخطر من أمور السّارح في الجنّة بجبلّة الطّبع ونبض السّجع بالمحاكاة السّاخرة فيحصد القارئ النمطيّ تمرّدا من مقامات القول من خبر مكتوب بحرفه لا يخالطه وشاية بزور إلى خبر ضد يد عالق بمقامه علوق غلبة الظّنّ على اليقين والحركة على الجمود والقصيد على الآية والمدنّس على المقدّس والإمكان على التمكّن ويظلّ خبر إبليس خبر صدق لا يشوبه زور. فإبليس وحده لا يطمع في جنّه ولا غفران ولا يندم بل يستمرّ في غيّ لا بائسا ولا خائفا ممّا هو فيه من أصفاد وأغلال وزفير نار بل لا يزال متهكّما من ابن القارح ومن لفّ لفّه.
"فيطلع فيرى إبليس - لعنه الله - وهو يضطرب في الأغلال والسلاسل ومقامع الحديد تأخذه من أيدي الزبانية. فيقول إني لا أسألك في شيء من ذلك ولكن أسألك عن خبر تخبرنيه أن الخمر حرمت عليكم في الدّنيا وأحلت لكم في الآخرة فهل يفعل في الجنة بالولدان المخلدين فعل أهل القريات فيقول عليك البهلة أما شغلك ما أنت فيه أما سمعت قوله تعالى: ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون (سورة البقرة آية 25)

وتعطى حرية القول بالخبر الخارب لإبليس أو يفتكّها متحدّيا فيقول "وأن في الجنة لأشربة كثيرة غير الخمر فما فعل بشار بن برد فإن له عندي يدا ليست لغيره من ولد آدم كان يفضلني دون الشعراء وهو القائل:
إبليس أفضل من أبيكم آدم ..... فتبينوا يا معشر الأشـــــرار
النــار عنصره وآدم طينته ..... والطين لا يسمو سمو النار

لقد قال الحقّ ولم يزل قائله من الممقوتين. فلا يسكت من كلامه إلا ورجل في أصناف العذاب يغمض عينيه حتى لا ينظر ما نزل به من النقم فيفتحها الزبانية بكلاليب من النار وإذا هو "بشار بن برد" قد أعطي عينين بعد الكمه لينظر إلى ما نزل به من نكال (ص ص308 و309و310).

إمكانات عدة يتيحها الخبر في صيغة خرب تخلع عن الخبر زيف التمكّن في اقتفاء الرسم فيتمرّد معلنا خبر الحقّ أو البيان المختلف، بيان الشّيطان الثّابت في طبعه الإنساني رغم أصناف العذاب وكلاليب النّار، إنّه الوحيد المقتنع بفعله وما له فلم يمتهن النفاق ولم يلجم لسانه بخبر آخر يغالط خبره ولم يسع إلى الخلاص من النّار بأساليب التّمويه التي افتعلها ابن القارح.

وما خبر الشّيطان المدعوم ببيتي شعر إلا اعتراف بل احتفاء وابتهاج بفرحة التمرّد النّافع في وجه الغفران البائس الضارّ، ومن منافع خراب الرّسم اهتداء الشّيطان إلى معرفة مخاطبيه بفلان وفلان لا بالأسماء والألقاب في الجنّّة كما هو الأمر لعلي بن منصور القارح وإن لم يجد صعوبة في الاهتداء إلى معرفة بشار بن برد وفي هذا أكثر من دلالة إذ الخبر يرفل في إيقاع سجع ساخر مصحوب بألم الحبّ، حبّ الدّنس، حبّ الشّيطان، بل حبّ الطّبع الإنسانيّ الجريء على الاصداع بحقيقة الشّيطان التي يسعى ابن القارح إلى كتمها عن طريق خبر الغفران، فهذه الحقيقة من ذاته لكنّه بخبر الرّسم يظهر أنّه لا يحبّها وكأني برسالة الغفران خبر فاضح أو خارب من ناحية وصكّ توبة برواية كاذبة من ناحية أخرى وكأني أيضا بخبر الشّيطان شارة رفض بحجاج صادق، وهكذا يكون إبليس في منظور المعرّي الرّاوي الطبيعي.
[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 09-07-2007, 06:28 PM   #2
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

[FRAME="11 70"]الإنسان هو كما هو بعد إدراكه الحدّ النوعيّ للبدائيّ والنّمطيّ أو هضمه الفويرقات المؤسّسة لذهنيّة كل خبر من الأخبار الفنية أصدق من ابن القارح وأجرأ على قول الطّبع وإن كان على ما هو عليه مكبّلا بالأغلال مبتهجا باللّعنة ومن يتغنّى باللعنة من شعراء الغواية بسرد خبر بشار الساخر وقد أعطي عينين بعد الكمه ليلتذّ برؤية السالم وهنا يقدر الخبر على إبراز أهمّية المشهد باعتباره وسيلة تعذيب إلهيّ وكأن عذاب الله لا يكون ناجعا إلا بالمسخ وإرجاع العينين لشاعر أعمى ليشهد عذاب ذاته وكأنّنا هنا أمام إله صاد مصاب بعقدة تعذيب الآخرين وعيونهم تبصر عذابهم، أليست عبثية تنسب إلى الخالق شأنها شأن المعتقدات المتعلقة بالقول بأنّ الله يجدّد للكافرين يوم القيامة جلودهم ليشعروا بالألم وهكذا فالألم إلهيّ مذاقه أرضي دنيوي ومن هنا تنشأ حيرة السؤال الطّبيعية لإبليس عن مسألة الغلمان وأهل القريات في الجنّة.
وتدفق أخبار في رسالة الغفران تراوح بين بناء خبر الغفران وتخريبه تنبت المضارع من الوجس والخطر والطلع والقول والضّرب "ويجس في صدره (ص71 وص72) ويقول - لأفتي ناطقا بالصواب (ص 273) " ثم يضرب سائرا في الفردوس ص264" فيطلع فيرى إبليس لعنه الله ص 308 و309 و310" وتفيض عنها إمكانيات يتيحها جذر غفر بمعنى رغف والرغيف مرتبط بمفهوم الأكل والأكل هنا بآكليه ومحضريه وهم من أشهر طباخي حلب وإن كان الإطار إطارا لغويّا ميتافيزيقيا ألا وهو إطار الجنّة فالجنّة منشطرة بين الأرضيّ مرفوعا بجسد اللّغة في فعل حاضرها والأخروي الممكن في مستقبلها والآمر فيها ابن القارح رمز الإنسان المنشطر بين دواعي الطّبع الخارب وزيف الخبر الراسم وذلك هو أنموذج الإنسان المحيّر الكامل الناقص الشّره الباحث عما يشبع الرغبات الجسديّة، رغبات البطن والأذن والعين والأير والفرج وما إلى ذلك من خبر كتمان الفضيحة. أليست تلك صفات من حارت البريّة فيه؟ أليس المعرّي المتلبّس بمهمّة الرّاوي الساتر الفاضح ولافتته - مولاي الشيخ - في رسالة ابن القارح مندّد أو مشيد بسلوك ابن القارح ولافتته - مولاي الشيخ - في رسالة الغفران؟ واللاّفتة بحرفها تسخر مقاميّا باللاّفتة في حوار رسالة ابن القارح برسالة المعرّي لتنتهي إلى رسالة تحاور القارئ المفترض الّذي يرتفع بالتّأويل إلى درجة أرقى أو يتجاوز التّأويل والتّفسير إلى الوقوف على حيرة الطّبيعي الّذي يحاول أن يعيد الأمور إلى نصابها فتتحوّل شخصيّة ابن القارح من موضوع كره أو نقمة إلى حافز مناصرة لطبع مولاي الشيخ ابن القارح الخائف على نفسه وعلى المعرّي من مسألة العقاب وتصوّره للتّوبة مما يسنح للمعرّي بأن يهتف من بعد بذهنيّة مغايرة لذهنيّة سائدة يمثّلها فكر ابن القارح الرّاغب في الكمال، فالمعرّي يضمر جديد الفكر الهازل، فكر الشّعور بالنّقص، نقص ابن القارح وهو العاجز عن التحرّر من وهج الحياة الدّنيا، وهج الجسد البشريّ، حيث يفارق الطّبع النّاقص ثقافة الكمال المرسوم وفي هذا نبله اللّغويّ أو السرديّ الّذي يلوح بنبله الإنسانيّ، الذي يقدّم الإنسان هو الإنسان، في فوضاه يبني بيته الحكائيّ ليهدمه بدءا من حطام لغته النثريّة والشعريّة في آن ليصيّره متحرّكا نحو رحلة سامورها المضارع في يخطر ويجس ويبدو له فتبلغ به جنّتها ناقصة على الدّوام تخرّب بخبرها، يسترها ويعرّيها دون ركون إلى يقين مميت أو سكون نفس أو استقرار يجمّد الحيوان المنسوخ الممسوخ، فالحيوان المتحوّل بقدرة تدبير اللاّغي إلى ذهب وزبرجد وعسجد ودرّ، حيوان حيّ في جنّة الإنسان العلائيّ، جنّة الخلود، حيّ بمعنى لا يمكن أن يقطع مع الطّبع الإنساني الذي لا يمكن أن يكون خارج الدّنيويّ أو خارج مفهوم الصّراع الطّبيعيّ بين مفهوم الغفران المقترن بمفهوم الفناء الطّبيعيّ ومفهوم ابن القارح الثقافي ومن لفّ لفّه ممن يتصوّرون مفهوم الخلود في الفناء وهو مفهوم الخلود الشّائع مفهوم العوامّ فهذا التناقض يثير قلق المعرّي بوصفه ناقدا طبيعيّا يوضح ما أشكل على القارئ البدائي والنمطي كما يقول باز وليني(**)Pasolini . وهذا القلق ضارّ نافع حين يخلخل الإيمان، إيمان هذا القارئ ويرتقي به إلى مرحلة جديدة أو درجة مختلفة نوعيّا من الحيرة الفكريّة الجادّة السّاخرة دون أن يمكّّنهم من الجواب اليقين في الحاضر بناء على خبر الماضي لأنّ خبر الغفران خبر مستقبليّ غير خبر غضّ الطّرف وكتمان السّرد أو خبر الكذب، كذب الرّواية البانية خبر التّوبة من وهم خطّة الرّاوي ونمطيّة تدبيره السّاحر بجاذبيّة السرد فيقنع الشّكل دون الأكل كما يفهم من سجع الهمذاني إذ المهمّ في رسالة الغفران ليست مراجع إحالات الكلام في الخبر بقدر ما يؤمّنه محفل إيقاعه من مشهديّه مفلومة بأساليب تخريب أو تناصّ متحدّ قد يمتسخ عوالم أخرى مفترضة بجرأة التّجريب، تجريب مغامرة الدّخول أو النزهة في غابات السّرد الروائي - والعبارة لايكو (***) Eco- وجذوع أشجارها جذور لغويّة بكر غير مطروقة تكون على شاكلة برخ و ربخ وغيرهما مستغنية عن جذور شجرة الغفران الباسقة غفر ورغف وغرف وفرغ، وتلك حؤولة نوعيّة طبيعيّة نحو تفكير ما بعد حداثيّ يقضي الأرب من الفكر لا الطّعام ليخلو صدره من سرور الدّعاء والإيقاع السجعيّ إلى سرور التّدبير بالتّفكير فيصير الخبر في الغفران خراب الغفران بالإنسان أي بفكر الإنسان وبطبعه من أجل الإنسان الحيّ المستقبليّ لا الإنسان الميّت الحيّ بذكره أي بأخبار غفرانه الّذي لا يتمّ. والإنسان بما سيفعل لا بما فعل أو يفعل الآن، فعل لغة لا يد، وجنّته من طبعه الإنسانيّ الخرب في فعله المستقبليّ لا في ما يتوسّل به من أخبار اليقين المؤدّية تمويها إلى الكذب والظّنّ.

والطّبع الإنسانيّ الخرب إحداثيّة مفيدة في ما توفّره إمكانيّة الجذر خرب من تمكّن في التمرّد بتمكين الشّيطان الثّابت في مبدئه الطّبيعيّ المتمرّد رغم الأغلال - إنه الوحيد الأوحد الذي لم يمتهن خبر النّفاق والتبدّل ولم يسع إلى الخروج من النّار للدخول إلى الجنّة بالأسلوب أو الطّريقة التي تدبّرها ابن القارح بالواسطة. وخبر الشّيطان لم يكن اعتراضيّا أو هامشيّا أو مضمرا أو هو مجرّد نزوة وإنما هو محطّة سرديّة متأنّية مدعومة ببيتي بشّار بن برد تشهد بصراع التمرّد العقلانيّ المترف في وجه الغفران العاطفيّ البائس. فالشّيطان يهتدي إلى معرفة مخاطبيه في مشهديه الوضوح في الآخرة، آخرة الإنسان المطلق وقرينة المنادى "فلان وفلان" لا "على بن منصور القارح".

إنّ مصيدة الخبر في اقتفاء الأثر للظّفر بالغفران تمكّن من ملامسة خيوط دقيقة تشدّ إلى أخبار ثلاثة:
1- خبر بائس واقف على حيرة البدائيّ الحائل قلقه اللاّهوتي إلى موقف الخائف من خبر الزّندقة، خبر الحداثة، باحثا عن الحلّ في التّوبة انطلاقا من توبة غيره من المحدثين بخراب الطّبع أمثال بشار وأبي نواس والحلاّج وابن الرواندي ومولاي الشيخ أي المعرّي وغيرهم وما تلك التّوبة المأسوف عليها إلاّ توبة غفران الصّدقة المتوقّفة على تزييف خبر لنقض خبر فيسرّ المغفور له سرور البؤس.
2- خبر سعيد متحرّك على بؤسه البدائيّ غنيّ بجاذبيّة غربيه ناظر بعينه وعقله الطّبيعيّ لا بوجدانه اللاّهوتي محاولا تجاوز خبر ابن القارح البائس وسقفه سلطة أساسها حنق حرّيات التّعبير. وصاحب الخبر السّعيد هو المعريّ لا غير بوصفه هدف رسالة ابن القارح ومتلقّيها فهو ينطلق من حيرة ابن القارح ليجاريه في نزهته على هواه ليهرب به إلى ما هو أبعد وأعقد فينشئ رسالته، بل بيته اللّغوي الممكن على أجنحة التّخييل لا الاستنساخ والتّنميط فيوهمك عصفور جنّته بالحطّ على أغصان اللغة دون ركس.
3- خبر مستقبل ينتظر أن يكتبه متلقّ مفترض لا يتحوّل إلى أمشاج وأحاسيس مائعة من قبيل الآهات والحسرات لا يرى في خبر المعرّي غير خبر حبّ الإنسان الرّاغب بطبعه في تحويل كلّ ما هو جاهز قاتل - ولو كانت صورة الجنّة نفسها كما تخطر مشاهدها صائبة مفرطة في حسّ النزوة، نزوة ابن القارح العلائيّ لا المعرّي القارحيّ في رسالة المدخل أو القادح فابن القارح في رسالة الغفران فلان بن فلان المغرور، آمر ناه في جنّته لا يشبع من ملاذّها يظلّ محروما حرمان التّخمة وهو إن انطلقت رحلته من خواطر النّفس أو القلب فإنّه ينتهي بعين ابن القارح إلى جنّة معهودة محيّرة قوامها الشّغف بما هو ظنّي أو مثير للجدل في أبسط المسائل اللغويّة وأعقدها فلا وجود لتفسير أوحد أحد.

يتحوّل الخبر في رسالة الغفران من مجرّد نقل خطيئة فتهمة ووعد ووعيد وتشريع لغفران التّوبة وإعادة ما قيل إلى إخبار إنشاء وتصرّف في ما ينقل عن ابن القارح من دعاء وأساليب المحاكاة والمحاكاة السّاخرة في إيقاع سجعي ثابت لكنه متحول بسياقات القول مما يجعل رسالة الغفران مرفقة برسالة ابن القارح شبيهة بمقامات الهمذاني باعتبارها جنسا بكرا يصبح التناصّ فيه قائما على التحدّي، تحدّي النّصوص بعضها بعضا، فهذا الجنس يرسم الخطوط الأولى لخبر فنّي عربيّ كان له أن يتطوّر إلى شكل فنّي آخر لعلّه الرّواية الّتي أنشأها في ما بعد "سرفنتس" في "دون كيشوط" إلا أنّ عوامل موضوعيّة حالت دون ذلك فلم يتحوّل الخبر الفنّي لا في المقامات ولا في رسالة الغفران إلى جنس فنّي يؤسّس إلى ذهنيّة بديلة مختلفة تتحدّى ذهنيّة النصّ الواحد الذي يجعل كل الأخبار الأخرى رغم تصانيفها منسجمة مع النصّ الأوحد ومجنّدة إيمانيا للبرهنة على إعجازها فصار النصّ الأوحد في ذهنيّة المفكر الأنموذجle modèle نصا أعظم لا يطال ولا يقدر الإنسان المنبوذ الكنود أن يأتي بمثله ولعلّ هذا من الأسباب التي جعلت إدوار سعيد يعتبر أن المسلمين بلغوا بنصّ القرآن مرحلة الكمال فنظر إلى كل إبداع في مجال الخبر يوكل للإنسان مهمّة مستحيلة أو محكوما عليها بالفشل مسبّقا.

إنّ الخبر في رسالة الغفران يسري في شرايين الكلام ليدفق مشوّقا في ردّ مضمر على ذهنيّة بدائية منمطّة بذهنيّة حداثيّة منفتحة على الاختلاف أو هي أرقى أو أحدث متولّدة عن الأولى أو محترقة بورقها المؤلم ملتهبة بقدح الخبر الخرب خبر الظّنّ الرّاقي، خبر النقص، نقص الإنسان لا كماله.

في علاقة الخبر بالغفران علاقات كتاب بكتب شتّى وذاك ما يجعل رسالة الغفران في جدل مع نصوص المدوّنة الأدبيّة منذ الجاهليّة وهذه الكتب أو النصوص لا تتراكم تراكم - كان يا ما كان - أو تراكم الحجّة المنطقيّة الّتي تدعم الحجّة العقلية والعكس بالعكس ولكنّها تضارع ما قيل وما يقال مضارعة النّقد والاختلاف لقول ما لم يقل أو يمكن أن يقال أو سيقال وأنّ ما دوّن أو ما كتب ليس بالضّرورة ما ينبغي أن يقال في كلّ الأحوال ولا هو صادق في كل الأحوال. لذا فإنّ وجاهة رسالة الغفران تكمن في الوعي بضرورة تغيير النّظرة إلى الخبر وتلك قضية مرتبطة بقضايا الوعي بالمفاهيم وكيفية تكوّنها.


الهوامش:
(*) أبو العلاء المعرّي، رسالة الغفران، الطبعة الخامسة/ تحقيق عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ - دار المعارف بمصر.
(**) بازوليني، بقلم ريني دي سكّاتّي - قاليمار 2005
Pasolini par René de Ceccatty –Gallimard 2005
(***) امبرتو ايكو، ستّ جولات في غابات الرّواية وغيرها نقلته من الإيطاليّة إلى الفرنسيّة مريم بوزاهر، منشورات قرصّاي 1996
UMBERTO ECO : six promenades dans les bois du roman et d’ailleurs – éditions GRASSET 1996

محمّد خريّف / ناقد من تونس
[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .