حمد الله مطلوب في كل الأمور وهو حمد طاعة وليس حمدا لفظيا بمعنى أن الحمد يكون بأن يكون الطعام حلالا مباحا في غير إسراف وأن يكون نظيفا يؤكل بأيدى نظيفة وفى مكان نظيف وأما قول الحمد لله لفظيا فهذا جائز في نهاية الأكل أو أوله أو غير ذلك كما نقول الحمد لله على كل حال
ثم تحدث عن الدعاء لصاحب الطعام فقال :
"12 - الدعاء لصاحب الطعام:
من مكارم الأخلاق التي كانت عند العرب قبل الإسلام: إكرام الضيف ثم جاء الإسلام فأقر هذا الخلق الحميد وحث عليه وفي المقابل ومن باب الإثابة على المعروف وتقديره جاءت بعض النصوص التي ترشد إلى ما ينبغي للطعام فعله إذا طعم عند أحد
ففي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن بسر قال: «نزل رسول الله (ص)على أبي قال: فقربنا إليه طعاما ووطبة فأكل منها ثم أتي بتمر فكان يأكله ويلقي النوى بين إصبعيه ويجمع السبابة والوسطى ثم أتي بشراب فشربه ثم ناوله الذي عن يمينه قال: فقال أبي - وأخذ بلجام دابته - ادع الله لنا فقال: اللهم بارك لهم في ما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم»
وفي سنن أبي داود من حديث أنس أن النبي (ص)جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي (ص)«أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة»
الدعاء للمسلم جائز سواء على الوليمة أو في أى مناسبة أو حتى دون مناسبة
ثم تحدث عن غسل اليد والفم بعد الأكل فقال :
13 - غسل اليد والفم بعد الطعام:
تقدم الكلام عن غسل اليد قبل الطعام وذكرت هناك أنه لو لم يكن هناك أدلة صريحة في مشروعية غسل اليد قبل الطعام لكانت قواعد الإسلام العامة تشمل ذلك الأدب وبخاصة إذا كانت اليد متلوثة لما يترتب على ذلك من الأضرار
ويقال هنا ما قيل هناك وتأكد هذا إذا علمنا أن الإسلام يحث على النظافة كما يظهر لمن تأمل كثيرا من الأحكام كالوضوء والغسل من الجنابة وغسل الجمعة والسواك وغير ذلك كثير
ومع ذلك فقد ورد حديث صحيح في الحث على غسل اليد بعد الفراغ من الأكل وهو ما أخرجه أبو داود في سننه والترمذي وابن ماجه وغيرهم من حديث أبي هريرة عن النبي (ص)أنه قال: «إذا نام أحدكم وفي يده ريح غمر فلم يغسل يده فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه»
الغمر - بفتح الغين والميم -: ريح اللحم وزهومته ففي الحديث دلالة على ضرورة غسل اليد بعد الطعام وبخاصة إذا كانت له دسامة
ويؤيده ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي (ص)شرب لبنا ثم دعا بماء فتمضمض وقال: «إن له دسما» "
وهذه الأحاديث تتحدث عن حالة خاصة وهى الدهون فقط والمفروض أن يكون الحديث عن كل ما يمكن أن يكون مصدر للدغ أو لنقل المرض فمثلا السكريات هى الأخرى سبب من أسباب تجمع الحشرات كالذباب والناموس على الإنسان النائم مثلها مثل الدهون التى قد تجذب الأبراص أو الثعابين أو ما شاكل
ثم تحدث عن آداب الشرب فقال :
وهنك بعض الآداب التي تتعلق بالشرب وهي:
1 - النهي عن الشرب قائما:
لما رواه مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك أن النبي (ص)نهى عن اشرب قائما ورواه مسلم أيضا من حديث أبي سعيد الخدري
قال ابن القيم: (وللشرب قائما آفات عديدة منها: أنه لا يحصل به الري التام ولا يستقر في المعدة حتى يقسمه الكبد على الأعضاء وينزل بسرعة وحدة إلى المعدة فيخشى منه أن يبرد حرارتها ويشوشها ويسرع النفوذ إلى أسفل البدن بغير تدريج وكل هذا يضر بالشارب وأما إذا فعله نادرا أو لحاجة لم يضره)
ومع هذا فلا يعتبر الشرب قائما محرما وإنما مكروه كراهة تنزيه فمع كونه (ص)نهى عن الشرب قائما إلا أنه شرب قائما ليبين أن النهي ليس للتحريم ولكن العلماء كرهوا الشرب قائما لغير حاجة كما سبق في كلام ابن القيم
وأما الدليل على أنه (ص)شرب قائما فمنه ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عباس قال: سقيت النبي (ص)من زمزم فشرب وهو قائم)
وأخرج البخاري في صحيحه عن النزال بن سبرة أنه حدث عن علي بن أبي طالب أنه صلى الظهر ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة حتى حضرت صلاة العصر ثم أتى بماء فشرب وغسل وجهه ويديه - وذكر رأسه ورجليه ثم قام فشرب فضله وهو قائم ثم قال: إن ناسا يكرهون الشرب قائما وإن النبي (ص)صنع مثل ما صنعت "
وأحاديث النهى عن الشرب وقوفا باطلة فقد شرب النبى(ص) قائما وقاعدا ثم قال:
2 - النهي عن الشرب من في السقاء:
وذلك لما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري قال: «نهى رسول الله (ص)عن اختناث الأسقية: أن يشرب من أفواهها»
وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة وابن عباس أن النبي (ص)«نهى عن الشرب من في السقاء»
قال ابن القيم (وفي هذا آداب عديدة منها: أن تردد أنفاس الشارب فيه يكسبه زهومة ورائحة كريهة يعاف لأجلها ومنها أنه ربما غلب الداخل إلى جوفه من الماء فتضرر به ومنها أنه ربما كان فيه حيوان لا يشعر به فيؤذيه ومنها أن الماء ربما كان فيه قذاة أو غيرها لا يراها عند الشرب فتلج جوفه ومنها أن الشرب كذلك يملأ البطن من الهواء فيضيق عن أخذ حظه من الماء أو يزاحمه أو يؤذيه ولغير ذلك من الحكم) "
وهذا الكلام إن صح فالمراد عدم نقل المرض عبر تعدد الأفواه الشاربة من فم السقاء والتى قد يكون أحدها مريض فينتقل بتلامس الشفاه لفم السقاء وهو نفس السبب في التالى إن صح هو الأخر :
3 - النهي عن النفخ في الشراب أو التنفس في الإناء:
وذلك لما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي قتادة قال: قال رسول الله (ص)«إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء»
وفي رواية: إن النبي (ص)نهى أن يتنفس في الإناء
وأخرج أبو داود والترمذي من حديث ابن عباس أن النبي (ص)نهى أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه
وأخرج الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي (ص)نهى عن النفخ في الشرب فقال رجل: القذاة أراها في الإناء؟ قال: أهرقها قال: فإني لا أروى من نفس واحد؟ قال: فأبن القدح عن فيك
فمحاورة هذا الرجل للنبي (ص)فيها من الفوائد: الإرشاد إلى ما ينبغي فعله إذا دعا الداعي إلى النفخ في الشراب أو التنفس في الإناء
فإذا وقع في الشراب ما يتأذى منه الشارب فليرق من الشراب ما يخرج به ذلك الأذى فإن اضطر للتنفس فليبعد القدح عن فمه وليتنفس خارج الإناء
وقد كان النبي (ص)يفعل ذلك
ففي الصحيحين من حديث أنس أن النبي (ص)كان يتنفس في الإناء ثلاثا
زاد مسلم في رواية: ويقول - أي النبي (ص)«إنه أروى وأبرأ وأمرأ»
أي: إنه أكثر ريا وأبرأ من ألم العطش أو مرض يحصل بسبب الشرب في نفس واحد وأجمل انسياغا وهو معنى: «وأمرأ»
وليس المقصود في هذه الرواية أن النبي (ص)كان يتنفس داخل الإناء بل المقصود أنه يتنفس في شربه وهذا سائغ في لغة العرب
يقول ابن القيم في نفي هذا الفهم وفي ذكر مضار النفخ في الشراب والتنفس في الإناء: (وأما النفخ في الشراب فإنه يكسبه من فم النافخ رائحة كريهة يعاف لأجلها ولا سيما إن كان متغير الفم وبالجملة فأنفاس النافخ تخالطه ولهذا جمع رسول الله (ص)بين النهي عن التنفس في الإناء والنفخ فيه في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه عن ابن عباس قال: نهى رسول الله (ص)أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه
فإن قيل: فما تصنعون بما في الصحيحين من حديث أنس أن رسول الله (ص)كان يتنفس في الإناء ثلاثا؟ قيل: نقابله بالقبول والتسليم ولا معارضة بينه وبين الأول؛ فإن معناه أنه كان يتنفس في شربه ثلاثا وذكر الإناء لأنه آلة الشرب وهذا كما جاء في الحديث الصحيح: أن إبراهيم ابن رسول الله (ص)مات في الثدي أي: في مدة الرضاع) "
وهنا يقر الحميد بتناقض الأحاديث في حكاية التنفس في الإناء ومع هذا يقر بصحة الاثنين وهو كلام غريب
|