وكما سبق القول التحدث عن الحروف بمفردها هو مجرد وهم فالكلمات تخرج من الفم مرة واحدة وهى لا تجمع تلك المواضع التى قد تكون متباعدة وإنما تخرج بالقانون الذى وضعه للسان
وفى الفصل الخامس حدثنا عن حروف من لغات أخرى ومصدرها فقال :
"الفصل الخامس في الحروف الشبيهة بهذه الحروف و ليست في لغة العرب:
وهاهنا حروف غير هذه الحروف تحدث بين حرفين مما تجانس كل واحد منهما بشركة في سببه فمن ذلك الكاف الخفيفة التي ذكرناها وحروف تشبه الجيم وهي أربعة:
منها الحرف الذي ينطق به في أول «البئر» بالفارسية وهو «جاره»
وهذه الجيم يفعله اطباق من حروف اللسان أكثر واشد و ضغط للهواء عند القلع أقوي ونسبة الجيم العربية إلي هذه الجيم نسبة الكاف غير العربية إلي الكاف العربية ومنها حروف ثلاثة لا توجد في العربية والفارسية، و لكن توجد في لغات أخري، و كلها يتبين فيها ما في الجيم من استعمال رطوبة بفعل حبسها، وهي الرطوبة المعدة وراء الحبس وتكون علتها اعتماد الهواء عند الاطلاق فإذا سلبت هذه الرطوبة واعتمد الجزء الذي وقع عليه الحدس حدث هناك همس وتارة تضرب إلي شبه الزاي وتارة تضرب إلي شبه السين وتارة تضرب إلي شبه الصاد
أما الصاد والسين- فبأن يتسرب الهواء في خلل الأسنان من غير تعريضه لاهتزاز رطوبة قدامه وأما الزاي- فبعد تعريضه لذلك وترك إلجائه إلي أضيق المخارج ثم تفترق الصادية من السينية بالاطباق
ومن ذلك سين صادية تحدث عند استعمال جزء أكبر واعرض وابطن من اللسان ومن ذلك سين زائية تكثر في لغة أهل خوارزم وتحدث بأن تتهيأ الهيئة التي عن مثلها تحدث السين، ثم يحدث العصلة الباطحة للسان ارتعاد كما يحدث في الزاي يلزم ذلك الارتعاد مماسات خفية غير محسوسة يحتبس لها الهواء احباسات غير محسوسة فتضرب السين بذلك إلي مشابهة الزاي
ومن ذلك زاي سينية شبيهة في اللغة الفارسية عند قولهم «زرد» وهي سين لا تقوي و لكنها تعرض باهتزاز سطح طرف اللسان والاستعانة بخلل الأسنان
ومن ذلك راء غينية نسبتها إلي الراء نسبة هذه السين الخوارزمية إلي الزاي والسين، وتحدث بأن يتغرغر بالهواء التغرغر الفاعل للغين ثم يرعد طرف اللسان أو يحدث في صفاق المنخر الداخل ذلك الارتعاد فتحدث راء غينية
وايضا راء لامية تحدث بأن لا يقتصر علي ترعيد طرف اللسان بل ترخي العضلات المتوسطة للسان وتشنج طرفيه حتي يحدث بعد طرف اللسان تقبيب ويعتمد بإرسال الهواء في ذلك التقبيب والرطوبة التي يكون فيه ويرعد طرف اللسان
و زاي ظائية يكون وسط اللسان فيها أرفع والاهتزاز في طرف اللسان خفي جدا و كانه من الرطوبة فقط
وهاهنا لام مطبقة نسبتها إلي اللام المعروفة نسبة الطاء إلي التاء وتكثر في لغة الترك وربما استعملها المتفيهق من العرب وهاهنا فاء تكاد تشبه الباء وتقع في لغة الفرس عند قولهم فرندي تفارق الباء لأنه ليس فيها حبس تام وتفارق الفاء بأن تضييق مخرج الصوت من الشفة فيها أكثر وضغط الهواء أشد حتي يكاد أن يحدث بسببه في السطح الذي في باطن الشفة اهتزاز
ومن ذلك الباء المشددة الواقعة في لغة الفرس عند قولهم «پيروزي» وتحدث بشد قوي للشفتين عند الحبس و قلع بعنف و ضغط الهواء بعنف
والميم والنون قد يكون منهما ما يقتصر علي الدوي من الهواء في تجويف آخر المنخر و لا يردف حبسه عند الاطلاق تحفز الهواء إلي خارج وهذا كفته مجردة"
وهذا الكلام مماثل لما فى الفصل الرابع وهو كلام اخترعه معلمو اللغة ولكن فى الحقيقة الكلمات تصدر ككل من مقدمة اللسان وإن تعدت ذلك فبعده بقليل وهو وسطه ومن ثم لا علاقة لها بالمخارج المزعومة
وحدثنا عن سماع الحروف فقال فى الفصل السادس فقال :
"الفصل السادس في أن هذه الحروف من أي الحركات الغير النطقية تسمع وانت تسمع العين من كل اخراج هواء بعنف من مخرج رطب والحاء عن أضيق منه واعرض والخاء عن حك كل جسم لين حكا كالقشر بجسم صلب والهاء عن تصعد لهواء بقوة في جسم غير ممانع كالهواء نفسه والقاف عن شق الأجسام و قلعها والغين عن غليان الرطوبة في أجزاء كبار تندفع إلي جهة واحدة والكاف عن قرع كل جسم صلب كبير علي بسيط آخر صلب مثله والجيم عن وقع الرطوبات في الرطوبات مثل قطرة من الماء لها مقدار تقع بقوة علي ماء واقف فتغوص فيه والشين عن نشيش الرطوبات وعن نفوذ الرطوبات في خلل أجسام يابسة نفوذا بقوة والضاد عن انفلاق فقاقيع كبار من الرطوبات والصاد عن السبب الذي نذكره للسين اذا وقع في جرم ذي دوي أو كأن معه قرع بشيء له تقعير يسير والسين عن سن جرم يابس جسما يابسا ويحرك عليه حتي يتسرب ما بينهما هواء عن منافذ ضيقة جدا ويسمع أيضا عن نفوذ الهواء بقوة في مثل أسنان المشط والزاي عن مثل ذلك اذا أقيم في وجه الممر جسم رقيق لين كجلدة تهتز علي نفسها والطاء تحدث عن تصفيق اليدين بحيث لا تنطبق الراحتان بل يحصر هنالك هواء له دوي ويسمع عن القلع أيضا مثله والتاء عن قرع الكف بإصبع قرعا بقوة والدال عن أضعف منه والذال عن مثل الزاي اذا كأن المهتز أعظم واغلظ واشد يتخلل منفذ الهواء والثاء عن مثل السين اذا لم يكن مهتزا و لكن الشد أشد ونسبة الذال إلي الزاي كنسبة الثاء إلي السين والراء عن تدحرج كرة علي لوح من حيث من شأنه أن يهتز اهتزازا غير مضبوط بالحبس واللام عن صفق اليد علي رطوبة أو وقوع شيء فيها دفعة حتي يضطر الهواء إلي أن ينضغط معه ثم ينصرف وتتبعه رطوبة والفاء عن حفيف الأشجار والباء عن قلع الأجسام اللينة المتلاصقة بعضها عن بعض"
وهذا تكرار لنفس نظرية مخارج الأصوات وهى نظرية لا أساس لها وقد أتعبت الأمة فى نطق القرآن من خلال أحكام التجويد مع أن الله يقول أن القرآن نزل بلسان العامة وهم يتكلمون كلاما عاديا ليس فيه تقعرات ولا غناء وفى هذا قال تعالى :
"وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم"
|