هل أساس التحالف السوري ـ الإيراني طائفي؟
هل أساس التحالف السوري ـ الإيراني طائفي؟
يركز البعض على موضوع التحالف السوري ـ الإيراني، على أنه ذا منشأ طائفي، ويسهب أصحاب هذا الرأي بشرحهم، ليجعلوه مسلمةً غير قابلة للنقاش. ويجيش أصحاب هذا الرأي الأجهزة الإعلامية ويفسحوا المجال لأصحاب خطاب الإسلام السياسي من متشددين وحتى معتدلين من الاستناد الى تلك الفرضية والانطلاق منها للتبشير بخطاباتهم وما وراءها من أهداف سياسية. فهل هذا الكلام يُشكل حقيقة مطلقة؟
لو أردنا الاستشهاد بنماذج تاريخية للتدليل على ما نذهب إليه في تحييد العامل الديني، لوجدنا أن التحالف بين هرون الرشيد (المسلم السني) مع شارلمان ملك فرنسي (المسيحي)، ضد الدولة الأموية في الأندلس (المسلمة السنية). وأيضاً تحالف أوروبا المسيحية أو معاونتها لهولاكو الذي لم يكن له دين واضح ضد المسلمين. وفي العصر الراهن لقد تحالف أكراد العراق السنيون مع إيران الشيعية ومع الغرب المسيحي ضد دولة العراق السنية.
ومن جانب آخر فلا يكون التحالف متوقفاً على أرضية القومية أو أرضية القرابة، فقد أعطى المأمون العربي المسلم السني إيران لطاهر ابن الحسين الخراساني (الأعور) مكافأة له على قتل أخيه الأمين!
من هنا فإن التحالفات لا شأن لها بالطائفة والدين والعرق وأي شيء، بل لها علاقة بالمصالح السياسية أو الاقتصادية المشتركة بين الحليفين أو الحلفاء. وإلا ماذا عسى أن نقول لتحالف الكثير من الدول العربية مع الغرب المتحالف مع الصهيونية؟ أو ما هي العلاقة بين طائفة العائلة الحاكمة في سوريا والكونفوشيوسية الصينية أو الأرثوذكسية الروسية؟
لماذا اختارت سوريا وإيران التحالف فيما بينهما؟
بعد هذه المقدمة، سيسأل سائل: بماذا نفسر تحالف إيران وسوريا إذن؟ وما هي المصالح السياسية أو الاقتصادية المشتركة فيما بينهما؟ وما هو شكل التحالف وما هي مساحة الحرية والتحرك الفردي بين الحليفين؟
إن لم يكن تحالف سوريا مع إيران، فمع من ستتحالف؟ مع العرب؟ هناك حسبة بسيطة: وهي أن يحسب الحليف موضوع المفاضلة بين من يختار من حلفاء، فمن ترجح كفة ميزاته سيفضل على الحليف أو الحلفاء الآخرين..
بعد معاهدة كامب ديفيد، وخروج مصر من دائرة المواجهة مع الكيان الصهيوني، هبطت نقاط قوة سوريا السياسية الإقليمية، فهي جغرافياً دولة مواجهة، لكن المزاج العربي لم يعد متجها للمواجهة مع العدو الصهيوني، فكان خطاب سوريا الفكري والإعلامي يمنعها من أن تسلك سلوك النظام المصري في المجاهرة بالركض وراء الصلح مع الكيان الصهيوني، فكانت تعطي إشارات على استحياء لقبول النهج السلمي، لكنها ترفقه في خطاب قومي أكبر من قياس تلك الرغبة الدفينة في الصلح، وهذا مما زاد الموقف تعقيدا.
وبعد تغير النظام في إيران ومجيء الخميني، وجدت سوريا متنفساً يعطيها بعض أوراق للمناورة ترفع من شأنها الإقليمي وتحسن من موقفها الذي كان الغرب يريد فيه أن يصل الى الحضيض..
نقاط التقاء المصالح الإيرانية السورية
العراق: يعتبر العراق وسوريا ـ رغم التقائهم في نقاط الأخوة والمجاورة ـ أعداء في السليقة منذ القدم (آشورـ كنعانيين؛ مناذرة ـ غساسنة؛ أمويين ـ عباسيين؛ بعث عراق ـ بعث سوريا). فالخلاف تنافسي على إثبات الجدارة، فبعث العراق، كان معظم قادته قد حكم عليهم بالإعدام من حكام بعث سوريا.. ومسألة الضغط عليه، يلتقي فيها الطرفان السوري والإيراني، وهذا ما جعل السوريين يصطفوا مع الإيرانيين في الحرب العراقية ـ الإيرانية. وهذا ما جعلهم يصطفون مع الغرب لإخراج العراق من الكويت (السنية!).
لبنان: تشكل لبنان بموقعها الجغرافي المحاذي لسوريا وفلسطين نقطة جذب اهتمام لكل من إيران وسوريا، وقد يكون العامل الطائفي عاملاً تكميلياً مساعداً، لاستخدام لبنان (متراساً) لتحسين موقف الدولتين التفاوضي لرفع شأنهما الإقليمي والدولي..
فلسطين: ليس في فلسطين أعداد من الشيعة تُذكر، لتفسير دعم كل من إيران وسوريا لنهج (حماس) التي هي (تاريخيا) أحد تنظيمات الأخوان المسلمين، ففي الوقت الذي ضايق العرب (السُنّة) فيه حماس، احتضنت سوريا قياداتها ومكاتبها، كما دعمت إيران ماليا ومعنويا ذلك التنظيم..
إذن عندما هبطت أسهم سوريا في كنفها العربي، بحثت عن نقاط تناكف فيه ذلك الوسط الذي لم تلتق مصالحهم مع مصالحها، وباركت إيران ذلك التحرك المناكف، فهي بدورها تبحث عن دور إقليمي يعزز من وضعها، فاستخدمت تلك الأوراق مع ورقة النووي لتحسين وضعها..
المساحات الحرة التي تتحرك فيها كل من الدولتين
لم تقبل سوريا عام 1982، باحتلال أراضٍِ عراقية، وجاهرت بذلك عندما تفوقت إيران بحربها على العراق بتلك الفترة، ومع ذلك لم يفسد هذا الموقف من تحالفهما. ولم تعلق سوريا على موقف إيران عندما فُضحت صفقات الأسلحة مع الكيان الصهيوني في الحرب العراقية الإيرانية، كما أن سوريا جاهرت مرارا برفضها لاحتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث (طمب الكبرى والصغرى وأبو موسى). كما لم ترض إيران بذهاب سوريا الى مؤتمر مدريد عام 1991، كما لم تقبل عندما ذهبت سوريا الى مؤتمر (أنابوليس في الولايات المتحدة) عام 2007، لكن ذلك لم يهدد تحالفهما..
لذا فالتحالف بين الدولتين متين، طالما تفوقت المكاسب في تحالفهما على المكاسب التي تأتي من انصهار الموقف السوري في الموقف العربي، ومن يراقب اليوم ما يحدث، يحس أن حالة من الفراق أتت على العلاقة السورية العربية، واختفى صوت محكم معتدل من أصول عربية لخروج سوريا الدولة والقطر والشعب من مأزقها، بعدما أعلن الرئيس المصري موقفه بشكل حاسم.
__________________
ابن حوران
|