إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة جمال الشرباتي
بارك الله بكم
وعندي معنى آخر للفلاح وهو البقاء--
وبذلك قال الطبري--
واستشهد بالأبيات التّالية "
قال لبيد:
نَحُــلُّ بِــلادًا, كُلُّهَـا حُـلَّ قَبْلَنَـا وَنَرْجُـو الْفَـلاحَ بَعْـدَ عَـادٍ وَحِـمْيَرِ
يريد البقاء،
قال عَبيد:
أَفْلِحَ بِمَـا شِـئْتَ, فَقَـدْ يُدْرَكُ بِالضَّـ ـعْـفِ, وَقَــدْ يُخْــدَعُ الأَرِيــبُ
يريد: عش وابقَ بما شئت،
قال نابغة بني ذبيان:
وَكُــلُّ فَتًــى سَتَشْــعَبُهُ شَـعُوبٌ وَإِنْ أَثْــرَى, وَإِنْ لاقَــى فَلاحــًا
أي نجاحًا بحاجته وبَقاءً.
******************************
|
ولماذا الاستشهاد بالأبيات الشعرية ؟؟
وهل هي طريقة حجاج سليمة ؟؟
دعني أتفلسف عليك قليلا.. وأرجو أن لا تمسح كلامي أو تعدله، كما أتمنى أيضا أن لا تشتكيني إلى المشرف.
من أين جاء الشعر أصلا ؟ إيقاعية الكلام هذه، رأسماله الوحيد، التي تغَمّضه عوض أن تُسَهل تواصله، والتي لم تكن في أي مكان من الأرض، أقل انتشارا ولا تكف عن الانتشار كإهانة لكل عقل.
المرددون، المقلدون، التابعون.. لكم هو مثير للشفقة ألا يصيبوا إلا نادرا..
في الأزمنة القديمة التي ولدت الشعر، كان البعض يسعى لتحقيق منفعة كبيرة جدا من خلاله، وحصل ذلك حالما سُمح بولوج الإيقاع في الخطاب، هذا العنف الذي يحدد نظام كل ذرات الجملة، الذي يطلب اختيار الكلمات ويلون الأفكار بألوان جديدة ويجعلها أكثر غموضا، أكثر غرابة، أكثر ابتعادا، وأقوى فتنة كذلك.. ذلك أننا ولا شك أذعنّا لمنفعة وهمية، بعد أن لاحظنا أن ذاكرة الإنسان تحفظ بيت شعر أحسن من خطاب عفوي، كما أن الدعاء الموزون يبدو أنه يبلع جيدا آذان الله.
إن الإيقاع إرغام، يولد رغبة في الخضوع لا تقاوم، في تبني الاتفاق، العقل الذي يفنى في الوزن.
نستنتج إذن أن من يختار الاستشهاد بالشعر إنما يحاول أن يُكْرِهنا بالإيقاع وأن يمارس علينا تأثيرا.. يطوق عنق المعنى بالشعر كأنشوطة سحرية.
إن "الشعر" بحسب جذر الكلمة يعني شعورا ومشاعر، وهي تحتاج للتسكين حتما لتكون وفق الطبيعة، ليس لأن النشيد رخيم في حد ذاته بل لأن فعله اللاحق هو أن يُسَكّن.. يُسَكن العقل والروح في دائرة ضيقة محددة.
الايقاع يجعلك خدوما، يطوعك، ويجعلك أداة للناس.
يبدو أن التعزيم والرقية السحرية هما أصل للشعر والغناء على هذا. حتى أن الأكثر حكمة فينا سيصبح مجنون إيقاع. لأنه سيحس بفكرة كأنها أكثر صحة بمجرد أن لها شكلا بحريا موزونا.
هل هناك أكثر إثارة من أن نرى العقلاء الأكثر رصانة، الأشد صرامة عادة فيما يتعلق باليقين، يرجعون دائما في ذلك إلى حكم شعرية، لمنح أفكارهم متانة وقابلية للتصديق ؟
ألم يقل هوميروس :
"الشعراء يكذبون كثيرا"
وقال سبحانه :
"والشعراء يتبعهم الغاوون"
وقالت العرب قديما :
"أعذب الشعر.. أكذبه"
إذن..
ومن خلال ما سبق..
أعلن أنني أرفض استشهادك بالشعر.