قراءة في كتاب الخلل في مجتمعنا بإصلاح مدرستنا
قراءة في كتاب الخلل في مجتمعنا بإصلاح مدرستنا
المؤلف محمد بن قاسم ناصر بو حجام والبحث يدور حول الانحراف الخلقى المنتشر فى مجتمعاتنا الحالية وفى مقدمته قال :
"ضاقت الأمة من الانحراف الخلقي، ينتشر في الأوساط، ويمس مختلف الطبقات والفئات، ومجت الآذان من سماع الأخبار التي تنقل عن الإجرام والاعتداءات، يطال كثيرا من المجالات، ويشمل كثيرا من الجهات، قرفت النفوس من تلقي أخبار عن انتشار وباء الاختلاسات، دنفت القلوب من كثرة ما يصيبها من جراحات، تعبت الجسوم مما يلحقها من كلوم، سئمت الجوانح مما يثيرها ويقلقها من الفضائح، اضطربت المضاجع مما يهزها من الفواجع.
غضب أولو الأمر، وانزعج ذوو الإحساس المرهف، وقلق أصحاب الكرامة والشهامة، اندهش عامة الناس، خطب الخطباء، وكتبت الصحف، وندد المسؤولون، وتناجى المتناجون...وتخلف عن كل ذلك وشذ المتسيبون، وقعد غير المبالين، وأحجم المغفلون... وسكت المتورطون، وأخرس المتنطعون، وفرح المستهترون.
إن الأمر تفاقم ولم يعد يطاق، وبلغ السيل الزبى، ووصل الحز إلى العظم. لقد أصبحت الجزائر مهزلة بين الأمم، كثرت فيها الرشاوى، وانعدم في كثير من أبنائها الغيرة عليها. تسن الدولة قوانين لحماية المواطن من التردي، فتستغلها بعض الجهات للتعدي تقدم تسهيلات لتوفير الحياة الهنيئة، فيحولها بعض مرضى القلوب على الناس حياة شقية، يستغلونها مصيدة لاختلاس أموالهم يقدم شخص ليتولى أمر المواطنين، ويسير شؤونهم، فيستثمر المنصب لابتزاز خيرات البلاد. يوكل شخص لإنجاز عمل، فيتقاعس ويتكاسل، ليصاب اقتصاد الوطن بالشلل، فيلجأ إلى العمالة الأجنبية، بعد أن أعيتنا الحيل. تمنح الدولة الفرص لمن يساعدها في تعليم أبنائها، فتخان بتسطير برامج ومناهج، تهدم ثوابت الوطن، وتحطم مقومات الأمة. يفتح مجال الاستثمار لدفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام، فيتأخر ابن الوطن، ويتقدم غيره، ليأخذ مكانه، ويحتل ميدانه..."
وتحدث بو حجام عن ضرورة وجود حل فتساءل قائلا:
"ما هذه المفارقات العجيبة التي تحير اللبيب، وتثير الحليم، وتحبط إرادة المخلص؟؟؟ هل من حلول للخروج من هذا التيه؟ هل من بلسم يشفي من هذه الأدواء؟ هل من علاج يداوي هذه الجراحات؟ هل سيكتب للجزائر أن تخرج من هذه الدوامة؟ هل لها أن تسترجع ما سلب منها؟ هل لها أن تتبوأ مكانتها الحقيقية بين الأمم الكبيرة كما كانت؟"
وأجاب عن التساؤلات فقال :
"نعم إن كل ذلك ممكن جدا، بشرط أن نعرف ونعترف بأسباب الخلل والانحراف، وبعوامل التسيب والإهمال. وأن نعمل بكل جدية وصدق وأمانة على الكشف عن هذا الخلل، وأن نحرص على إزالته وزحزته عن طريق التغيير والتصحيح والتطوير."
وبين بو حجام أن الخلل كامن في عدم الاهتمام ببناء الفرد فقال :
"في تصوري، إن الخلل كامن في عدم الاهتمام ببناء الفرد الجزائري بناء يعتمد المقومات الأصيلة، ويتوخى الطرق السليمة، ويتبنى المخططات المحكمة. للمدرسة الدور الأساس والأول في هذا التكوين والبناء والإعداد فماذا قدمت مدرستنا في هذا المجال، ببرامجها ومناهجها وإدارتها ومعلميها ومربيها؟ إن مدرستنا الجزائرية مقصرة كل التقصير في موضوع البناء الروحي والنفسي لأبناء الجزائر؛ مما ورث هذا الانفلات في الأخلاق، والخلل في التربية، والعوج في المسيرة، والعطل والعطب في التنمية، والخواء في الروح...
إذا كانت البرامج والمناهج تقدم خالية من الروح التي تبني النفس قبل الجسم، تبنيها على أساس الدين، فكيف نضفر بما يجنبنا هذه الكوارث وهذا الزلازل التي تصيبنا وتنخرنا في كياننا ومجتمعاتنا وأخلاقنا؟ فالشاعر يقول:
أقبل على النفس واستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
وأحمد شوقي يقول:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ذهبت أمتنا حين ذهبت أخلاق بنيها، ماذا قدمت مدرستنا في هذا المجال؟؟
إذا كانت لا تعلم العلم الشرعي الصحيح، ولا تهيء له فرص تجسيده في الواقع المعيش، ولا توفر لمن يتلقاه وسائل تطبيقه في حياته الدراسية، وفي مدارج دراسته وأقسامه، وأفنية مدرسته، وفضاءاتها، فمن أين له أن يعرف ويفرق بين المسموح والممنوع، الحلال والحرام، الطيب والخبيث؟"
وإجابة بو حجام عن السؤال إجابة جزئية فبناء الفرد مسئولية مؤسسات الدولة كلها وليست مسئولية المدرسة أو الجامعة وحدها فالمدرسة إن كانت تبنى فوزارة الثقافة ووزارة الإعلام ووزارة الشباب والرياضة تهدم ما تبنيه المدارس والكليات فهى لا تستضيف سوى من لا يخدمون المجتمع كلاعبى كرة القدم والراقصات والممثلين والممثلات وأيضا العلمانيين والعلمانيات ومعهم شيوخ الفساد شيوخ السلطة الذين مهمتهم إحداث النزاع والفراق بين الناس بفتاويهم خاصة في مجال الأسرة والاقتصاد وظلم الحكام وكما قال الشاعر :
متى يبلغ البنيان يوم تمامه إذا كنت تبنى وغيرك يهدم
وتحدث بو حجام عن كون المناهج لا تغرس اخلاقا حميدة ولا تعلم شيئا صحيحا فقال :
إذا كانت مناهجنا لا تعنى عناية مركزة وواعية ومحكمة بغرس روح الانتماء، وبذر خلق الحماسة، وبث عنصر التلاحم والترابط في الناشئة؛ بتعليم التاريخ الصحيح، ونشر التراث الأصيل، والتعريف بالأمجاد، فكيف يتعرف النشء على هويته، حتى يلتف حولها، ويدافع عنها؟ ويتقي في سلوكه ما لا ينسجم مع هذه الهوية؟؟"
وهو محق لأن مناهجنا هى عينها مناهج الغرب مطعمة ببعض الآيات والأحاديث ولكنها لا تختلف في مضمونها عن مناهج الدول التى كانت تحتل البلاد وتركتها في عهدة أنصارها من قادة الجيوش والسياسيين
وتحدث عن افتقاد المعلمين لروح التربية فقال :
"إذا كان المعلم يفتقد إلى الروح التي تنقله إلى صف المربي الملتزم، القدوة، الأسوة، الموجه، فكيف تنشأ البراعم، التي تتحول إلى زهور، تفوح بالشذى والعطر الزكي، فتسعد وتسعد جوارها؟ وإلى ثمار يانعة تفيد سواها؟؟ قال أحمد شوقي:
وإذا المعلم لم يكن عدلا سرى روح العدالة في الشباب ضئيلا
|