فيقولون [أي: يحكمون] على أنفسهم بالضلالة والغواية ولهذا [قال الذين حق عليهم القول] من الرؤساء والقادة، في الكفر والشر، مقرين بغوايتهم وإغوائهم: [ربنا هؤلاء] التابعون [الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا]
أي: كلنا قد أشترك في الغواية، وحق عليه كلمة العذاب
[تبرأنا إليك] من عبادتهم، أي نحن برآء منهم، ومن عملهم
[ما كانوا إيانا يعبدون] وإنما كانوا يعبدون الشياطين
[وقيل] لهم: [ادعوا شركاءكم] على ما أملتم فيهم من النفع فأمروا بدعائهم في ذلك الوقت الحرج، الذي يضطر فيه العابد إلى من عبده
[فدعوهم] لينفعوهم، أو يدفعوا عنهم من عذاب الله من شيء
[فلم يستجيبوا لهم] فعلم الذين كفروا، أنهم كانوا كاذبين، مستحقين للعقوبة
[ورأوا العذاب] الذي سيحل بهم عيانا، بأبصارهم بعد ما كانوا مكذبين به، منكرين له
[لو أنهم كانوا يهتدون] أي: لما حصل عليهم ما حصل، ولهدوا إلى صراط الجنة، كما اهتدوا في الدنيا، ولكن لم يهتدوا، فلم يهتدوا
[ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين]، هل صدقتموهم، واتبعتموهم أم كذبتموهم وخالفتموهم؟
[فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون] أي: لم يجيبوا عن هذا السؤال جوابا، ولم يهتدوا إلى الصواب
ومن المعلوم، أنه لا ينجي في هذا الموضع، إلا التصريح بالجواب الصحيح، المطابق لأحوالهم، من أننا أجبناهم بالإيمان، والانقياد
و لكن لما علموا تكذيبهم لهم وعنادهم لأمرهم؛ لم ينطقوا بشيء ولا يمكن أن يتساءلوا؛ ويتراجعوا بينهم؛ فبماذا يجيبون به؛ ولو كان كذبا
{فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين}
* لما ذكر تعالى سؤال الخلق عن معبودهم؛ وعن رسلهم؛ ذكر الطريق، الذي ينجو به العبد، من عقاب الله تعالى، وأنه لا نجاة إلا لمن اتصف بالتوبة عن الشرك والمعاصي، وآمن بالله فعبده، وآمن برسله، فصدقهم، وعمل صالحا؛ متبعا فيه للرسل
[فعسى أن يكون] من جمع هذه الخصال [من المفلحين] الناجحين بالمطلوب؛ الناجين من المرهوب فلا سبيل إلى الفلاح بدون هذه الأمور"
والسؤال فى الآيات السابقة هو للكفار وحدهم وليس للمسلمين لأن السؤال عن الآلهة المزعومة لهم لأن المسلمين إلههم الله ومن ثم فالمسلم لا يسأله الله عن ذلك ولا عن الرسل
ثم قال :
"(سؤال الإنسان عن شكر ما أنعم الله به عليه)
قوله تعالى: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} أي ثم لتسألن يومئذ عن شكر ما أنعم الله به عليكم، من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك، ما إذا قابلتم به نعمه من شكره وعبادته روى ابن جرير عن أبي هريرة قال: بينما أبو بكر وعمر جالسان إذ جاءهما النبي (ص)فقال: " ما أجلسكما ههنا؟ "، قالا: والذي بعثك بالحق ما أخرجنا من بيوتنا إلا الجوع، قال: " والذي بعثني بالحق ما أخرجني غيره "، فانطلقوا حتى أتوا بيت رجل من الأنصار، فاستقبلتهم المرأة، فقال لها النبي (ص)" أين فلان؟ " فقالت: ذهب يستعذب لنا ماء، فجاء صاحبهم يحمل قربته، فقال: مرحبا ما زار العباد شيء أفضل من نبي زارني اليوم، فعلق قربته بكرب نخلة، وانطلق فجاءهم بعذق، فقال النبي (ص)"ألا كنت اجتنيت"، فقال: أحببت أن تكونوا الذين تختارون على أعينكم، ثم اخذ الشفرة، فقال له النبي (ص)" إياك والحلوب " فذبح لهم يومئذ، فأكلوا فقال النبي (ص)" لتسألن عن هذا يوم القيامة أخرجكم الجوع، فلم ترجعوا حتى أصبتم هذا، فهذا من النعيم " وروى الإمام أحمد عن جابر بن عبدالله قال: أكل رسول الله (ص)وأبو بكر وعمر رطبا وشربوا ماء، فقال رسول الله (ص)" هذا من النعيم الذي تسألون عنه " وروى الإمام أحمد عن محمود بن الربيع قال: لما نزلت {ألهاكم التكاثر} فقرأ حتى بلغ: {لتسألن يومئذ عن النعيم} قالوا: يا رسول الله عن أي نعيم نسأل؟ وإنما هما الأسودان الماء والتمر، وسيوفنا على رقابنا، والعدو حاضر، فعن أي نعيم نسأل؟ قال: " أما إن ذلك سيكون "
وروى الترمذي، عن أبي هريرة قال: قال النبي (ص)«إن أول ما يسأل عنه العبد من النعيم، أن يقال له ألم نصح لكل بدنك، ونروك من الماء البارد» ؟ وروى ابن أبي حاتم، عن عبد الله بن الزبير قال، قال الزبير: لما نزلت {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} قالوا: يا رسول الله لأي نعيم نسأل عنه وإنما هما الأسودان التمر والماء؟ قال: «إن ذلك سيكون» وفي رواية عن عكرمة: قالت الصحابة: يا رسول الله، وأي نعيم نحن فيه؟ وإنما نأكل في أنصاف بطوننا خبز الشعير؟ فأوحى الله إلى نبيه (ص)قل لهم: أليس تحتذون النعال، وتشربون الماء البارد؟ فهذا من النعيم وعن ابن مسعود مرفوعا: " الأمن والصحة " وقال زيد بن أسلم عن رسول الله (ص){ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} يعني شبع البطون، وبارد الشراب، وظلال المساكن، واعتدال الخلق ولذة النوم، وقال مجاهد: عن كل لذة من لذات الدنيا، وقال الحسن البصري: من النعيم الغداء والعشاء، وقول مجاهد أشمل هذه الأقوال، وقال ابن عباس: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} قال: النعيم صحة الأبدان والأسماع والأبصار، يسأل الله العباد فيما استعملوها، وهو أعلم بذلك منهم، وهو قوله تعالى: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} وثبت في صحيح البخاري وسنن الترمذي عن ابن عباس قال، قال رسول الله (ص)«نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ» ومعنى هذا أنهم مقصرون في شكر هاتين النعمتين لا يقومون بواجبهما، ومن لا يقوم بحق ما وجب عليه فهو مغبون"
وكل ما سبق من أحاديث فى تفسير الآيات لا يصح فالرجل انتزع الآية من سياقها فالسؤال وهو الحساب أى الجزاء للكفار كما تقول السورة كلها :
"ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم"
ومن ثم فالمسلمون لا يسئلون عن النعيم لكونهم فيه كما قال تعالى :
"إن الأبرار لفى نعيم"
ثم قال :
"(سؤال العبد عن النعم):
أيها الناس اتقوا الله واعرفوا مقدار نعم الله فقد قال (ص)" لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن خمس عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم " فكلنا معشر المسلمين مسئول عن هذه الخمس كما أخبر به الصادق في المقال فلينظر العبد موقع حاله وماذا يجيب به هذا السؤال فمن قال بصدق يارب قد أفنيت عمري في طاعتك وأبليت قوتي وشبابي في خدمتك ولم أزل مقلعا تائبا عن معصيتك واكتسبت مالي من طرق الحلال واجتنبت المكاسب الردية الموجبة للهلاك والنكال وأنفقته فيما تحب واجتنبت إنفاقه في الفسوق ولم أبخل بالزكاة ولا في النفقات الواجبة وأديت الحقوق وعلمت الخير ففعلته وعرفت الشر فتركته فليبشر عند ذلك برحمة الله وأمانه والفوز بجنته ورضوانه ومن قال قد انقضى عمري وشبابي في الذنوب والغفلات ولم أبال بالمكاسب الخبيثة ولا بالغش والخيانات وعلمت الخير والشر فلم أنتفع بعلمي ولا أغنت عني معرفتي ولا فهمي فذلك العبد الذي هلك مع الهالكين وسلك سبيل الظالمين المعتدين فيا سوأتاه حين يندب الشاب شبابه ويفتضح الشيخ إذا قرأ كتابه ويا ندامة المفرطين حين يحشر المتقون إلى الرحمن وفدا ويساق المجرمون إلى جهنم وردا لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ينادون مالكا خازن النار {يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون * لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون} ويقولون: {ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون * قال اخسئوا فيها ولا تكلمون} الآيات بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم"
والحديث كمكما سبق القول لا تصح نسبته للنبى(ص) لأن العمر الشباب جزء منه والعمل يقع فى العمل والمال يكون من ضمن أحداث العمر ومن ثم فالخمسة هو واحد
كما أن بداية الحديث لا تزول قدما عبدا غير مفهومة فمعناها أن الإنسان مشلول فى مكانه وهو ما يخالف فرار العبد وهو الفرد من أقاربه فى قوله تعالى:
"فإذا جاءت الصاخة يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه"
فالفرار يعنى الحركة للهرب ثم قال :
"(وسوف تسألون):
فالشباب والصحة والحياة فرصة ثمينة تمر بسرعة فإن شغلت بخير وإلا شغلت بشر ولابد والأوقات محدودة والأنفاس محدودة وسوف تسأل عن أوقاتك في أي شيء قضيتها فإن قضيتها في طاعة كانت لك مكسبا وإن قضيتها في معصية كانت عليك وبالا وخسرانا وإن قضيتها في غفلة تحسرت عليها في قبرك ويوم حشرك وقد قيل: الوقت كالسيف إن قطعته فيما ينفعك وإلا قطعك فيما يضرك وفي الحديث اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل مرضك وحياتك قبل موتك وفراغك قبل شغلك وغناك قبل فقرك
وقال (ص)«نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ» يعني أنهم مقصرون في شكر هاتين النعمتين لا يقومون بواجبهما ومن لا يقوم بحق ما وجب عليه فهو مغبون"
والسؤال هنا بمعنى الحساب وليس الاستفهام ثم قال :
"(السؤال في القبر ويوم الحشر):
أخي المسلم: وسوف تسأل في قبرك من ربك وما دينك ومن نبيك؟ ولا يستطيع الإجابة الصحيحة على هذه الأسئلة إلا من كان مستقيما في هذه الحياة على طاعة الله ورسوله والعمل بشرائع دينه {و من يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} وسوف تسأل يوم القيامة عن عمرك فيما أفنيته وعن شبابك فيما أبليته وعن مالك من أين اكتسبته وفيم أنفقته وعن علمك الذي تعلمته ماذا عملت به: قال (ص)" لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيم أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن علمه ماذا عمل فيه فأعد للسؤال جوابا صحيحا لتكون من الناجحين الفائزين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ولنا في رسول الله (ص)أسوة حسنة فقد كان يذكر الله على كل أحيانه وبذكر الله تطمئن القلوب وسوف يسأل الأولون والآخرون يوم القيامة (ماذا كنتم تعبدون وماذا أجبتم المرسلين) ولا يستطيع الفوز بالإجابة الصحيحة إلا المؤمنون التائبون العاملون الصالحات في الدنيا قال تعالى: {ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين * فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون * فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين} ويحصل جواب الفقرة الأولى بالإخلاص للمعبود وجواب الفقرة الثانية بالمتابعة للرسول (ص)"
|