عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 06-03-2009, 04:06 PM   #6
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الولاء للولاء

(1)

يستهل المؤلف قصة يعترف أنه يكررها أمام مستمعيه وطلابه في محاضراته، تدلل على موضوع الولاء للولاء. ويذكر أن تلك القصة لم تأخذ نصيبها في الدراسات الأخلاقية عبر التاريخ.

تقول القصة: أن الملك الإنجليزي شارل الأول أراد أن يعتقل بعض قيادات الأحزاب ـ الأعضاء في البرلمان الإنجليزي ـ عام 1642، فأرسل رئيس الحرس الخاص ليبلغ رئيس البرلمان بتلك الرغبة وطلب منه تنفيذها، كونه دستوريا هو المسئول عن هؤلاء الأعضاء. رفض رئيس البرلمان تنفيذ أوامر الملك كونه منتخبا ومفوضا من قبل البرلمان نفسه.

في اليوم الثاني حضر الملك مع حراسه الى مجلس البرلمان، ودخل وحده بعد أن أمرهم المكوث في الخارج، وخاطب رئيس البرلمان: السيد رئيس البرلمان، هل تلمح فلانا وفلانا (وعدد أسماءهم) لماذا لم تنفذ الأمر وتعتقلهم؟

أحس رئيس المجلس بالحرج الشديد فركع أمام الملك وقال: جلالة الملك أنا رئيس هذا المجلس ولذلك لا أرى ولا أتحدث إلا بما يأمر به المجلس، وأرجو وألتمس العفو من جلالتكم فتلك هي الإجابة الوحيدة المتاحة أمامي.

لقد شعر الملك بالانزعاج، ولكنه بنفس شعر أنه أمام حالة من تقاليد الشرف والنبل تفوق انزعاجه على هيبة جلالته.

تعليق:

أرى أن هذه الصورة من الولاء للولاء والمتعلقة بما يسمى (الشرف)، موجودة في مجتمعاتنا، فقبل أكثر من نصف قرن، دخل قاتل على شيخ أخذ صفته المعنوية ممن حوله من الأهالي واعترف الحكم (في ظل الاحتلال الفرنسي) بتلك الرئاسة الاجتماعية لذلك الشيخ، كما بارك الحاكم بعد زوال الاحتلال رئاسة ذلك الشيخ على منطقته. ورغم اعتراف القاتل بجريمته التي اقترفها بحق أحد الأهالي، فلم يسلم الشيخ القاتل للسلطات الحكومية، ولكنه احتفظ به.

دخل رجل من أهل المقتول خلسة الى منزل الشيخ فقتل القاتل، فما كان من الشيخ إلا أن قتل ذلك الرجل، وأتى الى قوم ليدخل في حمايتهم، وعندما ذكر لهم القصة، فقالوا له: يا شيخ قاتل وتم قتله على يد أقارب المقتول، فلماذا تعقد الأمور وتقتل من قتله؟ هنا صاح الشيخ قائلا عبارة لا زال أهل المنطقة يرددونها : (هنيئا لك يا من لا شرف لك!) .. إنه رجح الولاء للولاء، رغم اعتراف القاتل بجرمه، ولكنها الأعراف التي احتكم لها الشيخ.

(2)

تتعدد ولاءات الفرد في كل مكان، فهو يكن الولاء لأسرته وعشيرته ومهنته وأصحابه ووطنه ودينه وطائفته ومصلحته الاقتصادية الخ، وأسوأ ما يمر بالفرد عندما تتنازع أطراف ولاءه، فإن كان شريكه من طائفة دينية مختلفة، ويدب الصراع بين طائفتين، ستتمزق مشاعر الفرد في تحقيق الخير بولائه لكل من شريكه وأهل طائفته، وعندما تتساوى درجتا الولاء لدى الفرد، فلا يهتم بحجم الألم الذي يتعرض له أو الخسارة التي قد يتعرض لها نتيجة الصراع بين محوري الولاء، بقدر ما يتعرض له الولاء نفسه من خطر.

لنقرب ذلك بمثال قريب، في العدوان على غزة وحصارها كانت المعاناة شديدة في تأمين المواد الغذائية أو الماء أو فقدان أحد أفراد الأسرة، أو فقدان أحد أعضاء الجسم (باكتساب عاهة دائمة)، لكن تلك المعاناة لا تساوي شيئا أمام معاناة العيش في تهمة الخيانة. [ صراع بين الولاء لتأمين الراحة الفردية والأسرية مع الولاء لفكرة شرف الانتماء للوطن والرغبة القوية في الاستشهاد].

(3)

لا يقتصر الولاء على النبلاء والفرسان وأصحاب المبادئ والمفكرين والعقائديين، وإنما قد نصدفه عند أشخاص لا يفكرون بشهرة ولا يفكرون بجمع المال ولكنهم يفتخرون أنهم يتحركون لتحقيق الخير للآخرين، فقد نرى أمثالهم بين جامعي القمامة، أو الخبازين الذين لا يترددون في صنع الخبز حتى في العطلات الرسمية لعموم المواطنين، أو نجده عن سعاة البريد الذين يبذلون قصارى جهدهم لإيصال ما يحملون لأصحابه، أو نراه عند فتيان في مقتبل أعمارهم يتطوعون للاستشهاد في سبيل ما يؤمنون به من عقيدة.

لقد حسم كل هؤلاء أمورهم، عندما قدموا ولاءهم لما يؤمنون به على أنه خير للآخرين على كل شيء.

(4)

قد يعجز المصلحون الاجتماعيون، الذين يبشرون بالفضيلة على نشرها وتدعيمها بصورة عامة ظاهرة للناس، وذلك لأمرين: الأول قدرتهم المحدودة في الوصول لكل الناس، وضعف تأثيرهم، والثاني صعوبة وتعقيد الطبيعة الإنسانية، التي يحاولون إصلاحها أو تربيتها.

في حين يستطيع الإنسان الفرد، بالرغم من قدراته المحدودة، أن يخدم قضية الولاء بتركيز وتوجيه كل أفعاله الى الأفراد المحيطين به أو الدائرة الشخصية الخاصة به، وذلك من خلال وحي نفسه الذي هو بالحقيقة غير منفصل عن الفضاء المحيط به.

يقول الكاتب في هذا الخصوص: إذن لكي أحيا حياة الولاء للولاء، لا بد أن أختار أولاً، أنماط سلوك الولاء التي تتفق مع طبيعتي وتنبعث منها. ويعني ذلك أني في جانب من جوانب حياتي، سوف أحذو حذو الجاهل بالولاء. فأخدم القضايا التي يميل إليها مزاجي الطبيعي، وأختار الأصدقاء الذين أميل إليهم، وأخدم أسرتي ومجتمعي ودولتي، لأن ولائي لهم يشبع اهتمامي ومصلحتي.

وخدمة للولاء نفسه، قد يستغني عن ولاء عرضي اكتشف أنه يضر مصلحة الولاء الرئيسي، فيقول لقضية: " عزيزتي لا أستطيع حبك حباً شديدً فحبك لن يزيدني شرفاً*1

يذكر المؤلف أنماطا من مثل تقديم الولاء للولاء على غيره من المصالح، فيذكر قصة أحدهم كان يعمل مع شريك أكبر فطلب منه الشريك أن ينفذ خطة تدر عليهما ربحا كبيرا من المال، لكن فيها غش للناس، فبلغ عنه الدوائر الحكومية مفضلا عيشه بشرف الولاء للولاء على الاغتناء بطرق غير فاضلة.

يخلص الكاتب الى أن الولاء للولاء هو أساس كل قوانين الدول، ولكنه بالوقت نفسه هو أساس لكل أنواع الفضيلة بين الناس ليتعاملوا بإحسان فيما بينهم.

*1ـ اقتبسها المؤلف من قصيدة للشاعر (ريتشارد لوفلاس 1618ـ1658)
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس