عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 04-07-2008, 04:03 PM   #14
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

8ـ سوء التخطيط الزراعي، وتذبذب الاهتمام بنوع وصنف من مرة الى مرة.

الخطة من الخط أو من الخطوة، وهي رسم نظري لما يؤول إليه العمل، وتبدأ بفكرة شفوية، ثم إن خُطت على الورق وتمت مناقشتها من خبير أو خبراء، تفحصوا مواقع الخطأ فيها فيعدلون عليها.

اللص يضع خطة، والمقاول يضع خطة، والأعداء يضعون خطة، والمدافعون يضعون خطة، والفرد يضع خطة والجماعة تضع خطة والدولة تضع خطة. وهناك خطة لكل شيء، فخطة تطوير الشباب تختلف عن خطة تطوير الزراعة والصحة والدفاع المدني، لكن وزارة التخطيط أو المجلس الأعلى للتخطيط هو من ينسق الخطط بين الهيئات المختلفة حكومية كانت أم أهلية. ينبري الأهالي لوضع خطط لأنفسهم عندما تعجز الدول عن فعل ذلك. وإن كان هناك تضاربٌ بين خطط الأهالي والحكومات، عمت الفوضى واختل نظام الأمن (الغذائي) في مجالنا الآن.

كان آباؤنا في منتصف القرن الماضي هم من يقومون بوضع الخطط الزراعية، وكان هدفهم الأول هو إطعام أُسرهم وحيواناتهم التي كانت تمثل جانبا مهما في اقتصادهم (توفير اللحم والحليب والنقل وحرث الأرض الخ). فإن كان محصول أحدهم لموسم 5 أطنان من القمح (مثلا)، وكان استهلاك الأسرة طنا واحدا، فإن رب الأسرة سيبيع في أعلى الاحتمالات طنين من المحصول، ويحتفظ بثلاثة، واحد لمئونة السنة والثاني (بذور التقاوي) والثالث تحسبا لموسم قحط لا يأتي فيه من المحصول شيء.

الدولة تتكلف بالتخطيط الزراعي العام

بعد تطور الحياة الاقتصادية و التعليمية وتنوع مصادر الرزق، اتكل الناس على الدولة، دونما تفويض واضح من الشعب لها، أو دونما استعداد ملائم من قبل الدولة للقيام بهذا الدور، فاكتفت بعض الدول بتحديد أسعار المنتجات وتسليمها للمخابز التي حلت محل صناعة الخبز في البيوت، واتسعت قائمة السلع المشمولة برعاية الدولة فكانت الحبوب الأخرى (فول، عدس، حمص، رز الخ) واللحوم والأسماك والألبان، فاطمأن المواطن لهذا الدور الذي أراحه من عناء العمل الشاق لإنتاجه أصلا، وتناغمت القوانين البلدية في منع تربية المواشي والدجاج داخل حدود البلديات، فتصلبت حالة عاشت عدة عقود دون مشاكل واضحة.

العمل الزراعي يتذبذب بين الهواية والاحتراف

تراجعت أعداد الفلاحين الذين امتهنوا تاريخيا الزراعة النمطية. وانتبه بعض الناس قسم من بقايا الفلاحين وقسم مستجد على تلك المهنة، وهذا القسم أخذ طابع الهواية المدرة للربح في بعض الأحيان، وطابعا اجتماعيا مكملا لبعض السلوك البرجوازي، كأن يؤسس أحد الأغنياء مزرعة فيها بعض أصناف الفواكه والطيور والحيوانات الأخرى، ليقضي فيها بعض الوقت مع ضيوفه.

أما أولئك الذين وجدوا في الزراعة مصدرا للربح، فكانوا، ولا يزالون يتخبطون بالتخطيط لما يقومون به من نشاطات زراعية. سأورد بعض الأمثلة التي لا زلت أراها قائمة حتى اليوم تدلل على تخبط التخطيط الزراعي الأهلي:

يلاحظ أحد مزارعي الخضراوات أن سعر الباذنجان كان جيدا في موسم من المواسم، لقلة من زرع الباذنجان في ذلك الموسم، فيضمر بنفسه أنه سيزرع الباذنجان، ويكون في الوقت نفسه آلاف الفلاحين الذين لاحظوا نفس الملاحظة، فتكون النتيجة خسارات واضحة لزيادة المعروض من النوع، فيمتنع المزارعون عن زراعة النوع في الموسم المقبل.

تتدنى أسعار الدجاج اللاحم في عينة من الوقت، لامتلاء قاعات التربية بالكتاكيت، فيعزف المربون عن التربية، ويبيع أصحاب مزارع (الأمهات) قطعانهم لمحلات (الشاورما)، فيقل المعروض من الكتاكيت وترتفع الأسعار، فيستنفر كل من لديه قاعة لملأها من جديد، فتهبط الأسعار، ويلفظ السوق من يلفظ من المهتمين ويخرجهم للأبد. وتبقى أحوال من يزاولون المهنة حرجة لا استقرار فيها.

كيف السبيل لوضع خطط زراعية ناجعة؟

إن تراكم خسارات الأفراد، هو تراكم لخسارة الناتج القومي على صعيد البلد الواحد. لذا فالتخطيط يتطلب حماية المنتج (كفرد) لينهض بمشروعه تقنيا بعد توفر أموال الربح من ناتج مشروعه. لكن الأفراد والشركات التي تعيش داخل حدود بلد ما، سيبقى تخطيطها قاصرا أمام تخطيط الدولة والتي يكتمل تخطيطها عندما تأخذ الاعتبارات التالية:

1ـ ضبط الإحصاءات العامة ومعرفة استهلاك الفرد من كل مادة غذائية، ومعرفة نسبة النمو السكاني وتطور عادات الاستهلاك.

2ـ معرفة كُلف مثيل المُنتج محليا في دول أخرى قريبة أو بعيدة، بالإمكان الاستيراد منها أو مبادلتها بسلع محلية تقل كلفة إنتاجها في بلادنا عن البلدان المصدرة إليها. فإن كانت كلفة إنتاج طن من البطاطا تزيد عن استيراده من دولة مجاورة، فلنتوقف عن زراعة البطاطا أو تحسين أصنافها وتقليل كلفة إنتاجها، وهذا يحتاج مزيدا من البحوث بين هيئات مختلفة (محطات التجارب، الجامعات والمعاهد، منظمات عربية ودولية الخ).

3ـ رصد ما سيزرع من الأصناف ومعرفة ما يُتوقع من الإنتاج، ومناقشة ذلك مع هيئات حكومية ومدنية (الوزارات و النقابات واتحاد المزارعين الخ) والوصول لقناعة علمية بضرورة تعديل المخطط لإنتاجه. وبإمكان الدولة ضبط ذلك من خلال منح رخص استقدام العمال الوافدين أو من خلال أدوار المياه الخ، فلا ماء لمن زرع صنفا خارج الخطة.

4ـ عمل موازنة بين ربحية المزارعين وتوزيع حصص الزراعة بما يضمن العدالة في الربح. كيف؟ قد تكون خطة الدولة في إنتاج (البنجر السكري) لتوريده لمعامل إنتاج السكر، ويعلم المزارعون كما تعلم الدولة إن زراعة (البطيخ) تدر ربحا أكثر من زراعة البنجر، فيتملصون من زراعته، ولكن عندما يرى المزارعون أن تلك الضريبة عامة على كل المزارعين فسيقبلون بها.

5ـ دراسة البدائل الغذائية وتعميمها على المزارعين، فمثلا، هناك أراضي تقع في منطقة أمطار لا تضمن إنتاج القمح فيها، ولكنها ممكن أن تنتج بعض أصناف الشعير أو (البيكيا : الهرطمان)، ولكن معظم المزارعين لا يدركون مثل تلك البدائل، وهذا يمكن قوله في الدورات الزراعية وغيرها.

خلاصة:

إن التخطيط الزراعي، يستلزم حشد كل أطراف العملية الزراعية، ودفعها لعمل تنظيمات تكون حاضرة في كل مناقشة على صعيد البلاد، والامتناع عن ملاحقة تلك التنظيمات من باب (الهاجس الأمني).
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس