واشتد الحديث عن محاربة الحملة الجديدة للجهاد، قياساً على ما تقدم، إلا أن المؤسسين قرروا نفي هذه التهمة، فأخرجوا ما ينفي ذلك بشكل غير مباشر، وبما أن القضية قضية شعارات لا مضمون لها ولا يدعمها منهج فلا مانع من قول أي شيء، فالكلام ليس عليه رسوم، فالمقصد كسب الجمهور لا كسب موافقة الدليل، وسأدلل على ذلك في هذا المقال، وأول الوقفات ستكون مع أول إصدارات الأمين العام للحملة (سفر بن عبد الرحمن الحوالي).
أخرج الأمين العام للحملة سفر الحوالي مقالاً في موقع الحملة ليكسب به الجمهور، وكان عنوان المقال: (أول الغيث قطر) وجاء في هذا المقال عندما تحدث عن الحملة فقال (انطلقت هذه الحملة المباركة – بإذن الله – لتكون سنداً للمرابطين على الثغور وتذكيراً لسائر الأمة بما يجب عليهم من النصر في الدين).
وكما قلنا لكم بما أن القضية قضية شعارات فبإمكان كل الناس أن يصفصف أكثر من هذا الكلام، ولكن إن جاء العمل رأيت الخلل، طبعاً نحن على قناعة أن الأمين العام وثلة من الموقعين معه ما هم إلا حرب على أهل الثغور، والدليل على ذلك بياناتهم وعليكم ببيان الأمين العام (بيان للأمة) الذي أصدره عقب ضربات سبتمبر، فقد حشاه بكم هائل من التهم والتحقير لأهل الثغور، الذين تجمع الأمة كلها على أن منهم الطائفة المنصورة، لأنه عندما طعن في أهل الثغور، طعن في أهل الثغور جميعاً على جميع الجبهات سوى فلسطين ربما لأسباب حزبية كما يعلم الجميع.
ومع أول اختبار لسفر للتأكد من مصداقية هذه الدعوى وأنهم سند لأهل الثغور، سقط سفر في أول ست دقائق بالضربة القاضية أمام خصمه الدليل الشرعي، في مقابلة له مع إذاعة لندن القسم العربي، وست دقائق فقط حشاها سفر بالمتناقضات وبالأخطاء الشرعية وسوف أتعرض لشيء منها، ولكن ما يهمني الآن من مقابلة لندن معه وهي منشورة في موقع الحملة، ما يهمني هو كيف يساند أهل الثغور عن طريق الحملة.
عندما سأله مذيع لندن عن اتهام أمريكا للمناهج في السعودية بأنها هي التي أخرجت الذين هاجموها من السعوديين في أمريكا.
قال: (الذين يقال أنهم قاموا بالعمل هم في الحقيقة ممن رفض المناهج وترك الدراسة، وبعضهم لا يدرس ولا ينتمي للعلم الشرعي أصلاً، بالعكس لو أن القضية هي قضية المناهج لكان الجميع أو كان ما عُمل يشترك فيه الكل، ولكن هؤلاء كان لهم نظرات خاصة وكان لهم توجيه وتربية خاصة بهم).
هذه أول مساندة سفر لأهل الثغور، يبين في جوابه أن الذين نفذوا العمليات يختلفون عن الجميع رفضوا المناهج وتركوا الدراسة، وبعضهم لا يدرس ولا ينتمي للعلم الشرعي أصلاً !!.
وإن كان هذا الكلام مدحاً في أصله، إلا أنه جاء هنا في معرض الذم، فهو يتحدث عبر إذاعة عالمية، والذي يترك الدراسة أو لا يدرس أصلاً يعد فاشلاً وعاطلاً، سببت له البطالة الالتحاق بالمجاهدين أو بالإرهابيين، وهذا يعني أن الإرهابيين جماعة من الفاشلين الذين يختلفون عن الجميع، هذا ما يفهمه السامع عندما يعرف أنهم تركوا الدراسة أو لا يدرسون، وسفر من الناس الذين أعطاهم الله القدرة على التعبير، فكان بإمكانه أن يقول رفضوا المناهج وتركوا الدراسة وبعضهم لا يدرس لأسباب شرعية، حتى يعطيهم فقط سمة من سمات الشرعية.
ولكنه لم يقل هذا سنداً لأهل الثغور كما يزعم، ولكنه سارع في التبرؤ منهم وبترهم من جسد الأمة، بإثباته أنهم يخالفون الجميع، بل جاء بالطامة عندما قال (وبعضهم لا يدرس ولا ينتمي للعلم الشرعي أصلاً)، نعم يعني لا دراسة ولا علم شرعي، بمعنى أنه فاشل محبط جاهل، سيقول البعض بأنه قال: (بعضهم) وليس كلهم وهذا كلام حق، وأنا أقول لا بل هو باطل، كلهم درسوا، والجميع لديه منهج شرعي وعلم بالدليل، ولو كانوا غير ذلك ما قدموا نفوسهم لله رخيصة دون علم شرعي، فقد كذبت عليهم يا سفر، بنفي العلم الشرعي عنهم أصلاً، ولو أنه قال: (ليس لديهم علم شرعي أصلاً)، لقلنا بأنه يقصد أي ليس منهم عالم، وهذا رغم بطلانه إلا أنه أهون، ولكن لا ينتمي للعلم الشرعي أصلاً، هذا زور وكذب، لولا انتماؤهم للعلم الشرعي والدليل ما رأيت منهم ما رأيت، أم أن الانتماء للعلم الشرعي في قاموس سفر يجب أن يكون عن طريق سفر أو سلمان أو غيرهما، وربما يريد من الانتماء للعلم الشرعي تخرجهم من جامعة أم القرى أو الجامعة الإسلامية، فإذا لم ينسب أحد لهم أو لتلك الجامعات فهو لا ينتمي للعلم الشرعي أصلاً، ما هو مقياس الانتماء للعلم الشرعي عند سفر، أنا لا أعلم، بما أنه نفى عن شهدائنا الأبرار – نحسبهم كذلك ولا نزكيهم على الله – العلم الشرعي أصلاً فلا يمكن أن نعلم مقياس الانتماء.
هذا الذي يقصده سفر بمساندة أهل الثغور، فهو يقصد البراءة منهم، وليته سكت على نفيه انتماءهم للعلم الشرعي أصلاً، حتى زاد على ذلك عبارات، يعلن فيها البراءة منهم، ويبرئ المجتمع أيضاً منهم عندما قال (بالعكس لو أن القضية هي قضية المناهج لكان الجميع أو كان ما عمل يشترك فيه الكل، ولكن هؤلاء كان لهم نظرات خاصة وكان لهم توجيه وتربية خاصة بهم).
نعم ما عملوه لا يشترك فيه الجميع معهم، لأن هؤلاء انفردوا بنظرات خاصة وكان لهم توجيه وتربية خاصة، فهم ليسوا كالجميع، لم تسمح نفسه أن يثني عليهم بعبارة واحدة، بل حاول جاهداً بترهم من جسد الأمة بعبارات عنيفة (رفضوا المناهج، تركوا الدراسة، بعضهم لا يدرس، لا ينتمون إلى العلم الشرعي أصلاً، لا يشترك معهم الجميع، لهم تربية خاصة، لهم نظرة خاصة، لهم توجيه خاص).
ما أجمل هذه المساندة لأهل الثغور، وما أجمل هذا الثناء على الشهداء أيها الشيخ الجليل والعالم النحرير، لا أريد أن أفتش في قاموسك لأعيد إلى الأذهان، صوراً أخرى من صور سندك لأهل الثغور، الذين هم على تعبيرك أهل التكفير والعجلة والاستبداد بالرأي، و... و.. و..، نعم لم نعرف عنك سنداً لأهل الثغور إلا بهذا الأسلوب، تهم تلقى على عواهنها، ظالمة جائرة، وأوصاف لا يمكن أن تطلقها على أحد سواهم، يقول سنساند في هذه الحملة أهل الثغور، عجباً في إذاعة لندن ولست دقائق فقط بان العوار شعارات زائفة تسقط من مقابلة واحدة.
ثم يكرر الشعارات في مقابلة قناة المجد، لكسب الجمهور، ويقول بأن له اتصالاً مباشراً مع المجاهدين، وما كل ما يعلم يقال.
يريد أن يفهم السامع بأن هناك توافقاً منه مع المجاهدين، نحن نتمنى ذلك، ولكن الحقيقة غير ذلك، طبعاً من البديهي لدى كل عاقل أن من لديه علاقات مع أكثر الناس خطراً في العالم لا يمكن أن يدين نفسه أمام الملايين ويعترف بأن له علاقة مباشرة معهم، هذا إن كان عاقلاً، يمكن أن يعقل أن يقول شخص نحن نؤيد المجاهدين، ومن المفترض أن نقف وراءهم، ولكن يقول هناك اتصال مباشر، لا يفعل عاقل ذلك إن كان الأمر حقاً، ولكن بما أن كل ما في الأمر شعارات فلا مانع من إطلاق الشعارات هنا وهناك وعلى جميع الأوزان.
الأمين العام له دعم مباشر للمجاهدين ولكن ما نوع هذا الدعم ؟، إنه من نوع الأحكام الجائرة والفتاوى العنيفة ضدهم، بالأمس يمنع دعمهم في العراق ويمنع ذهاب أحد إلى هناك، وليس هذا خاص بملابسات قضية العراق، بل هو أحد أبرز الرافضين للذهاب إلى أفغانستان أيام الغزو السوفيتي، وبرز رفضه مع بروزه عام 1409هـ، وكانت علاقته في مساندة أهل الثغور بهذا الأسلوب: لا تذهبوا إلى أفغانستان، استمر هذا الموقف منه حتى بعد قيام إمارة أفغانستان الإسلامية، رفض ذهاب الشباب إلى التدريب فقط لمجرد التدريب الواجب بالنص، ولا أكتم القارئ حديثاً حينما أقول بأنه أرسل طلباً إلى مجلس شورى الإمارة الإسلامية في الحج الذي سبق ضربات سبتمبر بستة أشهر تقريباً، يطالبهم فيها بإخراج الشيخ أسامة بن لادن من أفغانستان حقناً للدماء ومنعاً لوقوع الحرب، والله الذي لا إله غيره إن هذه الفتوى ليست من شيخ الأزهر ولا من اللحيدان، والله إنها صادرة من سفر الحوالي، وقد اعترف بها أمام جمع من الأخوة، وهو يعجز أن ينكرها، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
هذا هو الاتصال المباشر الذي يقصده سفر في قناة المجد، نعم إنه اتصال من نوع خاص، وهذا ما يعنيه بأن تكون الحملة سنداً لأهل الثغور، على أسلوب بيان المثقفين والجبهة الداخلية، شعارات في شعارات تذكرنا بالحقبة الناصرية، ورحم الله من استحى... ونكمل استعراض بقية مقابلة لندن مع الأمين العام، فعندما سئل عن أهداف هذه الحملة قال:
الهدف هو التوعية العامة بحيث تصبح الأمة على بينة ماذا يراد بها وماذا يكاد لها.
أقول على بينة من ماذا ؟، على بينة من العدو الذي داهم أرضها ؟، إذا لم تكن الأمة بعد استبانت أمر العدو الذي داهم أرضها وقتل وشرد في ديارها، فلا نظن أن الحملة يمكنها أن تقوم بالتوعية.
فإذا كان من أهداف الحملة التوعية العامة، فأنا أقول هل تظنون أن الأمة لم تعِ بعدُ خطط الصليبيين ؟ رغم أن الأمين العام أشار في آخر الكلمة على جواب السؤال الأخير أن الإحصائيات تقول بأن تسعين بالمائة من شعوب العالم تقول بأن ما تفعله أمريكا عدواناً، فكيف تكون الحملة للتوعية والناس الواعية تسعون بالمائة، فلماذا تركزون على عشرة بالمائة فقط ؟، لماذا لا يكون هناك برامج عملية بدل التوعية، لقيادة التسعين بالمائة للعمل بدل التوعية بالطرق السلمية ؟.
أهداف بيزنطية لا قيمة لها، توعية شعوب مقهورة ثائرة، الشعوب الإسلامية اليوم لا تحتاج إلى توعية بأهداف العدو، الشعوب واعية أكثر من أصحاب الحملة أنفسهم، الشعوب تخرج في مظاهرات عارمة مع كل قضية تحدث في الأمة، ويأتي أصحاب الحملة ويرفضون المظاهرات ويرفضون أي مظهر من مظاهر التعبير عن الرفض لهذا الواقع، الشعوب الإسلامية تريد قيادة إلى ميادين العز والنصر، نريد تفعيل الشعوب الإسلامية التي كسرت أجنحتها، الشعوب الإسلامية نهبت ثرواتها، الشعوب الإسلامية ترزح تحت حكومات سلبت منها كل شيء حتى حق التعبير، الشعوب الإسلامية شعوب ممتهنة، تحتاج إلى من يحررها من حكوماتها أولاً، ثم تأتي الحملة وتقول التوعية العامة، الأمة واعية، ولكن نحتاج إلى حملات لتكسير قيود هذه الأمة، ولكن الحملة تأتي بمزيد من القيود لتكبيل هذه الأمة عندما زعمت أنها ستكون في خندق واحد مع الحكومات ضد العدو المشترك، وأنا أقول عن هذه الحكومات (هم العدو فاحذرهم)...
وعندما سئل سفر في مقابلة لندن عن استقلالية الحملة، قال: بأن الحملة مستقلة ولم يكن هناك أي تنسيق مع أي حكومة، إلا الحكومة السعودية التي ينتمي عدد من المؤسسين للسعودية، فكان من الطبيعي أن يكون هناك تفاهم وإشعار للحكومة فرحبت.
وأنا أقول والله لا يمكن أن تكون الحملة مستقلة بحال، وأبسط دليل عجزها عن فرض الاسم الذي تريده، ويكفي أنه اعترف بأن الحكومة السعودية رحبت بالحملة، ونحن نسأل أسئلة لسفر هل يمكن أن ترحب السعودية بحملة يمكن أن تكشف الحقائق وتطلع المسلمين على خطر الصليبيين ؟، وتفضح من أدخلهم ومن رضي بهم ومن أعانهم في عدوانهم على العراق ؟، ومن أعانهم في عدوانهم على أفغانستان ؟ ومن أين انطلقوا ؟، وحجم تواجدهم ؟، وكيف تم دعم اقتصادهم بزيادة كمية ضخ النفط في السوق منعاً للإضرار بهم ؟، هل يمكن أن ترحب الحكومة بحملة تفضح المنافقين والعلمانيين ؟، هل يمكن أن ترحب الحكومة بمن يعري الطابور الخامس ؟، قد يقول قائل ليس بالضرورة أن تتخصص الحملة بهذه الجوانب، فأقول إذا فإن الحملة لن تغير شيئاً ولن تأتي بشيء جديد بما أنها لن تبين للأمة موقعها الحقيقي، ومن هم أعداؤها بكل أصنافهم، وما هي حقيقة الواقع، فبما أن العدو أصبح صديقاً وفي خندق واحد مع الأمة فاعلموا أنها ليست مستقلة.