جمهورية تونس
هذا البلد المنكوب الذي خرج منه مصطلح (تجفيف المنابع) هو حالة مثالية في أعين الغرب جعلته يتغاضى عن هذا النظام القمعي البوليسي، وإن أي مجموعة من الشباب تدفعهم فطرتهم للالتزام في هذا البلد - خاصةً هذه الأيام - ليس أمامَهم إلا طريقُ المقاومة والإرهاب والعمل السري المنظم (المفرط في السرية)، والسرية بطبيعتها تمثل هاجساً للأنظمة أنّ وراءَها أعمالٌ مسلّحة.
ويمكنك تعرّف الواقع التونسي المرّ من خلال التأمّل في هذه اللمحات البسيطة:
• إذا لاحظ رجال الأمن – في تونس – نافذةً مضيئة وقت الفجر في إحدى البنايات هذا معناه أنه من المحتمل أن صاحبها يصلي الفجر !! فتبدأ التحريات وقد ينتهي الأمر بزيارته (ليس لأنه اكتُشِف له نشاطٌ ولكن لأنه مواظبٌ على صلاة الفجر) !!
• المساجد مفتوحة فقط لكبار السن، وإذا لوحظ أن أحداً من الشباب يتردد عليها باستمرارٍ لَحِقَ بمن قَبْلَه.
• الحجاب مضيقٌ عليه وغير مقبول إلا من العجوز التي لا يرغب فيها أحد.
• الحالة الاجتماعية والتفسخ والعهر الإعلامي لا يخفى على متابعٍ لأخبارِ هذا البلد المنكوب، ويكفي أن تعلم أن تعدّدَ الزوجات ممنوعٌ بالقانون، أما تعدد العشيقات فلا شيء فيه.
• النظام فخورٌ بهذا الوضع بين أقرانه من الأنظمة العربية، ومُحكمٌ قبضته على الأوضاع في بلدٍ رئيسها كان وزيراً للداخلية في عهد بورقيبة، وما أدراك ما بورقيبة ؟!!.
• لم يقم النظام بهذا القمع من أجل عنف الجماعات الإسلامية، بل إن قيادة الجماعات الإسلامية في هذا البلد في السابق كانت من أكثر قيادات الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي اتباعاً للأسلوب (المودرن).
• لا يقول عاقلٌ: إن النظام هناك يريد أن يتغير، بل إن النظام حتى أحداث سبتمبر كان قِبْلَةَ وزراء الداخلية العرب يتعلمون من مدرسته، فهي القمة التي يحلمون أن يصلوا إليها ويعيقها وجودُ مجاهدينَ في بلدانهم، ولكن الأوضاع العالمية تفرض التغيير، خاصةً بعد حادثة المعبد اليهودي بمدينة جربة في تونس وقتلاها من الألمان، لذلك ولأن الحركة الإسلامية هناك توّاقةٌ للجيفِ بأي وسيلة ولو على جثث إخوانها، وبدلاً من تقديمِ مصلحةِ الدين والعقيدة والتخطيط للطريق الشرعي فإن لهم في هذه الأحداث رأياً آخر، وليقرأ معي الأخ المستغفل والأخ المغفل هذا الجزء من هذا المقال الذي نشرته مجلة (العصر الإلكترونية) بعنوان:
رؤية حول المصالحة بين المشروع الإسلامي والسلطة التونسية: نداء ومبادرة للتجاوز والبناء
بقلم د. خالد الطراولي
وقد جاء فيه ما يلي:
[ مشروع المصالحة
يعتمد هذا المقترح على باب حقوقي وآخر سياسي، نعبر عنهما بالمصالحة الحقوقية والمصالحة السياسية، ولكل منهما مطالب وواجبات لكلا الطرفين.
• المصالحة الحقوقية:
1– تلتزم السلطة بالعفو التشريعي العام عن كل المساجين السياسيين، والسماح للمغتربين بالعودة وإعادة الحقوق إلى أهلها.
2– يلتزم الطرف المقابل أفراداً وجماعات بالعفو عمّا سلف، وطي صفحة الماضي، وعدم الدخول في مطالب ومحاسبات لأطرافٍ أو أفرادٍ أو نظام.
• المصالحة السياسية:
تلتزم السلطة بتحرير العمل السياسي للمشروع الإسلامي وإعطائه الإذن القانوني بالعمل العلني، ويلتزم الطرف المقابل بجملة من البنود:
• لا تسييس للمساجد، وتركها بيتاً كريماً بعيداً عن تدافع السياسة والسياسيين.
• يدخل ممثلو المشروع الإسلامي الانتخابات التشريعية والبلدية، ويلتزمون بأن لا يتجاوز عدد نوابهم في المجلس وممثليهم في الهيئات البلدية الثلث من الأعضاء.
• لا يدخل التيار الإسلامي الإصلاحي الانتخابات الرئاسية، لكنه يمكن أن يساعد أو يدعم أطرافاً مترشحة أخرى.
• الاحترام الكامل لقانونِ اللعبة الديمقراطية ومؤسساتها وما تفرزه الانتخابات الشفافة من تغييرات.
• الانطلاق من المرجعية الإسلامية لا يعطي التيار الإسلامي أي حق وأي احتكار للحديث عن الإسلام، الذي يبقى الجامع لكل التونسيين، فالطرح الإسلامي هي رؤية اجتهادية ككل الرؤى لا عصمة فيها لفرد ولا قدسية لفكر، تميزها مرجعيتها الإسلامية وقراءتها لتاريخها ولحاضرها.
• يمكن للتيار الإسلامي أن يكون متعددَ الألوانِ والأُطُر، ولا احتكار لهذه الصفة لأحد.
• الالتزام بالابتعاد عن منطق التكفير، واعتبار الاختلاف بين الفرق والأحزاب على قاعدة الخطأ والصواب، ولا يملك أحدٌ هذا الحق الإلهي في القضاء في مصير الناس والحكم على معتقداتهم وتصوراتهم ونواياهم.
من الرابح ومن الخاسر؟
نكاد نجزم أن الحالة الراهنة المنتصر فيها مهزوم، فلا النظام مرتاح البال تماماً من الوضع الحالي سياسياً واقتصادياً، في ظل عولمة زاحفة شديدة الوطء والتأثير، وعلى وجس تنامي التطرف والغلو والإرهاب، ولا أصحاب المشروع الإسلامي في هناء ورفاه وراحة ضمير كاملة تجاه إخوتهم في الداخل والخارج، وتجاه حالة انسحاب وخمول للأفراد، وضمور للأطروحة، وغياب مضني عن واقع البلاد والعباد في تونس.
وإنّا لعلى يقين أن الحالة الجديدة التي يبثها هذا المقترح ترمي بثمارها الطيبة على كل الأطراف، فالسلطة تربح بوضع مسمى على المشروع الإسلامي الديمقراطي وعلى ممثليه، والذي لم يعد يكفي رفضه أو تهميشه أو غرس الرأس في التراب حتى يندثر، فالحالة الإسلامية قائمة ودخول الإسلام الشأن العام أضحى محسوماً فكرياً وواقعياً، ويجب التعامل معه برفق وتفهم وتدافع سلمي، وهو إقصاء لقوى التطرف والغلو التي بدأت تطأ برأسها مهددة ومتوعدة ومنغصة حال الأنظمة والعباد والبلاد، وهو كذلك تأكيد للمسار الديمقراطي الذي يصبح حقيقةً ملموسةً يعيشها الوطن ويكون الحزب الحاكم قائدها وراعيها، وعليه التباهي بها مستقبلاً ولن ينسى له التاريخ هذا الانعطاف الحضاري الكبير، وهو انفراج للسلطة مع أفراد المشروع الإسلامي، وهي شريحة انتخابية هامة يمكن أن يكون لها مردود إيجابي في الانتخابات الرئاسية القادمة.
ويربح المشروع الإسلامي بلمّ شمله ووضوح برنامجه واحترام حدوده، وبواقعيته الجديدة التي تنبذ الاكتساح وهواية القفز والعجلة، وتحترم قبول وقابلية الجماهير، وتتعامل في إطار من الشفافية والأمانة داخلاً وخارجاً.
وتربح المعارضة بكل أصنافها، حيث تضمر القطبية التي كانت مفتعلة بين السلطة والإسلاميين، والتي لم تترك حيزاً كبيراً لها للعمل واكتساب المنتمين، وتنتهي الملفات الأمنية التي كانت مبرِّراً في بعض الفترات لتقلّص الهم الديمقراطي في البلاد، والذي مسّ أطرافاً من هذه المعارضة نفسها، ويربح الشعب التونسي وهو أهم هذه الأطراف، في استتباب الأمن والاستقرار وهيمنة المظلة الديمقراطية في البلاد على كل فرد، حتى يعيش المواطن كلُّ مواطنٍ وطنيّتَه جليةً ومواطنتَه كاملةً... ]
انتهى النقل، ثم شرع يتكلم عن حديث القلوب...!!
تشابهت قلوبهم..
المسألة هناك واضحة فالمُقترح عقدٌ يوقع عليه طرفان وما سيربحه النظام كما يقول الدكتور: (هو إقصاء لقوى التطرف والغلو التي بدأت تطأ برأسها مهددة ومتوعدة ومنغصة حال الأنظمة والعباد والبلاد) وكامل المقال يغني عن التعليق فارجع إليه أخي الحبيب في مجلة العصر فستجد فيه وصفة جيدة تساعدك على التقيؤ.