اليوم الثامن عشر من رمضان
ـ وفاة سيف الله المسلول خالد بن الوليد:
ومن حوادث اليوم الثامن عشر من رمضان وفاة سيف الله المسلول وسيد الشجعان بلا منازع خالد بن الوليد رضي الله عنه.
كان أبوه الوليد بن المغيرة سيد قريش في عصره، وأمه لبابة بنت الحارث أخت ميمونة بنت الحارث زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين.
أسلم خالد سنة ثمان للهجرة بعد الحديبية قبل فتح، مكة وشهد سرية مؤتة التي استشهد فيها الأمراء الثلاث : زيد بن حارثة ثم جعفر بن أبي طالب ثم عبد الله بن رواحة. وكاد جيش المسلمين أن يتضعضع وينهزم، إلا أن خالد بن الوليد تولى الإمارة يومئذ غير مؤمّر، فقاتل قتالاً شديداً لم ير مثله، حتى ثبت الجيش، ثم أحسن الانسحاب به دون هزيمة. وفي تلك الموقعة سماه النبي صلى الله عليه وسلم: سيف الله.
شهد خيبر وحنيناً وفتح مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتدبه النبي صلى الله عليه وسلم لهدم العزى، واستعمله أبو بكر الصديق لقتال المرتدين قائلاً عنه : ـ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (نعم عبد الله وأخذ العشيرة خالد بن الوليد. خالد بن الوليد سيف من سيوف الله) مسند أحمد.
كانت له مواقع مشهورة في المعارك الطاحنة مع الفرس والروم بالعراق والشام وكان أحد أميري فتح دمشق. روى البخاري في الصحيح عنه أنه قال : ـ لقد اندق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما ثبت في يدي إلا صحيفة يمانية . . . ولما حضرته الوفاة قال كلمته المشهورة: ـ لقد حضرت مائة زحف أو زهاءها، وما في بدني موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة أو رمية، وها أنا أموت على فراشي فلا نامت أعين الجبناء.
توفي سنة 21 هـ يوم الثامن عشر من رمضان وقد جعل سلاحه وفرسه في سبيل الله، ولم يخلف وراءه شيئاً يذكر.
ـ ابن حجر الهيتمي ينهي شرح الشمائل النبوية:
ومما يذكر في حوادث اليوم الثامن عشر من رمضان انتهاء ابن حجر الهيتمي من شرح كتاب الشمائل النبوية الشهير للإمام الترمذي
قال حاجي خليفة في كشف الظنون (2/1059) :كتاب الشمائل النبوية والخصائل المصطفوية لأبي عيسى محمد بن سورة الإمام الترمذي شرحه الشيخ الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر المكي الهيتمي المتوفى سنة 972هـ، وقرئ عليه في رمضان من نفس العام وأوله وسماه أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل ... أوله:
ـ الحمد لله رب العالمين هذه عجالة علقتها لما قرئ علي في رمضان (أي قرئ كتاب الشمائل للترمذي) سنة 949هـ بحرم مكة المكرمة. وقال في آخره :
فرغت منه لثمانية عشر من رمضان سنة 949هـ ، وكان الابتداء فيه ثالث رمضان من السنة المذكورة.
ـ تولي ابن الصيرفي للوزارة في مصر:
ومن حوادث هذا اليوم الثامن عشر من رمضان سنة 368هـ تولّى الوزارة (وهذا منصب يساوي اليوم رئاسة الوزراء) للعزيز نزارٍ بن المعز العبيدي الفاطمي صاحب مصر رجلٌ غريب الشأن جداً يعرف بابن الصيرفي
وابن الصيرفي هو يعقوب بن كلّس أبو الفرج يعقوب بن يوسف بن إبراهيم (وفيات الأعيان 7/29) كان أولاً يهودياً يزعم أنه من ولد هارون بن عمران أخي موسى عليه السلام وقيل : إنه يزعم أنه من ولد السمؤال بن عاديا اليهودي العربي صاحب الحصن المعروف بالأبلق المشهور بالوفاء.
قال ابن خلكان : ولد يعقوب هذا ببغداد، ونشأ بها عند باب القز وتعلم الكتابة والحساب، وسافر به أبوه إلى الشام وأنفذه إلى مصر، فانقطع إلى بعض خواص كافور الأخشيدي، فجعله كافور على عمارة داره، ثم صار ملازماً لباب داره، ثم أجلسه في ديوانه الخاص، وكان يقف بين يديه ويخدم، ويستوفي الأعمال والحسابات ويدخل يده في كل شيء، ثم لم تزل أحواله مع كافور في ازدياد حتى صار الحجاب والأشراف يقومون له ويكرمونه، ولم يكن يبدي طمعاً في المال حتى اطمأن إليه كافور، فأنفذ أمراً إلى سائر دواوينه أن لا يمضي دينار ولا درهم إلا بتوقيعه، وهو (أي ابن الصيرفي) لا يزال على دينه
ثم إنه أسلم سنة 256هـ فازداد رفعة ومقاماً، ثم لما مات كافور قبض الوزير اللاحق ابن الفرات على يعقوب بن كلس وسجنه ، فلم يزل يبذل في الأموال ويسعى حتى أفرج عنه، فسار من فوره إلى بلاد المغرب فقيراً معدماً، فلقي في أفريقية المعز العبيدي، فلحق بركبه ورجع معه إلى مصر، ولم يزل يترقى وهو يخلص في خدمته إلى أن ولي الوزارة للعزيز بالله ابن المعز لدين الله يوم الثامن عشر من رمضان 368هـ، فانثالت الدنيا عليه وأقبل الناس ملازمين بابه، ولم يبق لأحد معه كلام.
نقل ابن خلكان عن بعض المؤرخين قوله : كان يعقوب يحب أهل العلم ويجمع عنده العلماء، ورتب لنفسه مجلساً في كل ليلة جمعة، تحضره القضاة والفقهاء والقراء والنحاة وجميع أرباب الفضائل وأصحاب الحديث.
وكان في داره قوم يكتبون القرآن الكريم، وآخرون يكتبون كتب الحديث والفقه والأدب والطب ويشكلون المصاحف وينقطونها. أي كانت داره أشبه ما تكون بمطبعة للكتب القيمة ومكاناً للبحث العلمي.
وأقام في داره مطابخ لنفسه ولجلسائه، ومطابخ لغلمانه وحاشيته وأتباعه، وكانت مائدته عامرة يومياً، وصنع في داره ميضأة للطهور بثمانية بيوت تختص بمن يدخل داره من الغرباء.
وكان يجلس كل يوم عقب صلاة الصبح، ويدخل عليه الناس للسلام، وتعرض عليه رقاع الناس، بل إن ابن الفرات الذي سجنه من قبل أصبح من حاشيته
وإذا كان ابن خلكان في وفيات الأعيان يمتدحه إلى الغاية التي ما بعدها، فإنه يذكر أن ابن كثير في تاريخ دمشق يذمه ذماً قبيحاً فيقول فيه: ـ كان يهودياً من أهل بغداد خبيثاً ذا مكر وله حيلة ودهاء، وفيه فطنة وذكاء، أسلم لما طمع في الوزارة. يقال: إنه لما مات رثاه مائة شاعر وأخذت قصائدهم وأجيزوا.
ـ وفاة الخليفة العباسي المعتصم:
وممن توفي في يوم الثامن عشر من رمضان الخليفة العباسي الشهير المعتصم أبو إسحاق محمد بن هارون الرشيد بن المهدي العباسي وله من العمر سبع وأربعون سنة (شذرات الذهب 1/63).
قال ابن العماد : عهد إليه بالخلافة المأمون، وكان أبيض أصهب اللحية طويلها مربوعاً مشرق اللون قوياً إلى الغاية شجاعاً مهيباً، وكان كثير اللهو مسرفاً على نفسه. وكان يقال له المثمن، لأنه ولد سنة ثمانية ومائة للهجرة، في شهرها الثامن شعبان، وتوفي أيضاً في ثامن عشر من رمضان، وهو ثامن الخلفاء من بني العباس.
وفتح المعتصم ثمان فتوح : عمورية ومدينة بابل ومدينة البط وقلعة الأحراف ومصر وأذربيجان وأرمينية وديار ربيعة ، واستخلف ثمان سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام ، وخلف ثمانية بنين وثماني بنات. وكان له أنفس سبعية إذا غضب لم يبال من قتل ولا ما فعل.
وهو صاحب النخوة التي ضربت مثلاً عندما بلغه أن امرأة شريفة أسرت عند رومي، وأنه لطمها على وجهها.
فصاحت: وامعتصماه. فقال لها العلج ساخرا : ما يجيء إليك إلا على أبلق. فلما بلغ ذلك المعتصم نادى في عساكره بالرحيل إلى عمورية وأمر العسكر أن لا يخرج أحد منهم إلا على فرس أبلق، فخرجوا معه في سبعين ألف أبلق
فلما فتح الله عليه عمورية دخلها وهو يقول : لبيك لبيك. وطلب العلج صاحب الأسيرة الشريفة، وضرب عنقه وفك قيود الشريفة. . .
ومع كل هذا فقد كان أمياً جاهلاً.
ـ ابن السقا وفاة عالم إداري:
ومن حوادث اليوم الثامن عشر من رمضان وفاة العالم الفاضل الإداري الناجح ابن السقاء.
جاء في التحفة اللطيفة في أخبار المدينة الشريفة (1/416) : سليمان بن أحمد ابن عبد العزيز علم الدين بن الشيخ شهاب الدين الهلالي المغربي الأصلي المدني. يعرف بابن السقاء، ولد سنة 726هـ درس وتعلم على يد كبار عصره.
وتعلم على يديه الكثير، وقطن المدينة المنورة وكان يباشر الصدقات بها (أي يقبضها ويوزعها) فحمدت سيرته، وكثرت الغلة في مباشرته، قال ابن فرحون: إنه رأسٌ بين إخوانه، كان قارئاً خدوماً للإخوان تولى نظر الأوقاف من النخيل وغيرها فلم ير أحسن منه قياماً بها مع العفة والنصح، وعمر ربطاً كثيرة كانت قد أشرفت على الخراب وقل أن يشبهن أحد من أبناء جنسه في حسن طريقته. أضر قبيل موته بسنين وانقطع (أي أصيب بالعمى).
- الشاعر المطبوع ابن الفضل.
ومن الذين وافاهم الأجل المحتوم وانتقلوا إلى ديار الآخرة ولم يكونوا خاليين عن الذكر والشكر (هبة الله بن الفضل)
قال ابن الجوزي في المنتظم (10/207): ومن حوادث سنة 968 وفاة هبة الله بن الفضل بن عبد العزيز أبو القاسم المتوني القطان، سمع الحديث من أبيه ومن أبي الفضل بن خير وأبي طاهر البقلاوي كان شاعراً مطبوعاً لكنه كان كثير الهجاء متفسخاً ، وله في أول قصيدة :
يا أخي : الشرط أملك *** لست للثلب أترك
ولما ولي ابن المرخّم القضاء - وكان قاضياً ظالماً - قال ابن الفضل :
يا حزينة الطمي الطمي *** قد وَلِي ابن المرخّم
بدواته المفضضة *** ووكيله المكعسم
وَيْ على الشرع والقضا *** وَيْ على كل مسلم
توفي ابن الفضل يوم السبت ثامن عشر رمضان ودفن بمقبرة معروف.
ـ نزول الزبور على داود عليه السلام:
وأخيراً فإن الحديث النبوي أشار إلى أن اليوم الثامن عشر من رمضان شهد حدثاً مهماً من أحداث النبوة الأول وهو نزول الزبور على داود عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنزلت صحف ابراهيم أول ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان. ) رواه الطبراني في الكبير 22/75.