نظرات فى كتاب قول الفلاسفة اليونان الوثنيين في توحيد الربوبية
نظرات فى كتاب قول الفلاسفة اليونان الوثنيين في توحيد الربوبية
الكتاب من تأليف سعود بن عبد العزيز الخلف وقد قسمه لقسمين :
الأول اختصه بذكر عقيدة السلف وقد ذكر فيه أنواعا للتوحيد ثلاثة كما هى عادة القوم وهو تقسيم بلا دليل من الوحى وهذا لن ندخل فى الكلام عنه لمخالفته عنوان الكتاب وكان يمكن له بيان تلك العقيدة من خلال مناقشة أقوال القوم
وفى مقدمته تحدث عن ضلال البشرية ومن ثم ضلال الفلاسفة الذين أضلوا البشرية فقال :
"تنكبت البشرية طريق الهداية ووقعت في الغواية واستشرى فيها الفساد في نواحي كثيرة من مناحي حياتها، وكان من أكثر انحرافاتها خطرا وأعظمها جرما انحرافهم في الله عز وجل، فقد ضل البشر عن ربهم ضلالا بعيدا وجهلوه جهلا شديدا أورثهم كثيرا من الضلالات والانحرافات.
وكان من أعظم مصادر ضلال البشر اعتمادهم على نظرهم القاصر وقياسهم الغائب على الشاهد، وقولهم على الله عز وجل بلا علم.
وكان من حاملي لواء الضلالة في العالم الفلاسفة وروادهم في ذلك الضلال المتقدمون منهم وهم فلاسفة اليونان، الذين برزوا على الناس بدعوى النظر العقلي، والتدقيق في الأمور، والمسائل المتعلقة بالإنسان، ثم لم يكتفوا بذلك، حتى جادلوا في الله عز وجل بغير علم، ولم يكن ظاهرا أمام أعينهم إلا الإنسان والمخلوقات المحيطة بهم، فقاسوا ما غاب عنهم على ما يشاهدونه، فكان ذلك من أعظم أخطائهم وغلطاتهم، ثم ما لم تسعفهم به عقولهم ونظرهم استلفوه واستلهموه من عقائد مجتمعهم، وما تربوا عليه في الأصل من الوثنيات والضلالات، فنتج عن ذلك كله مقولات في الله تبارك وتعالى هي من أفسد المقالات وأقبحها، وأكثرها بعدا عن العقل السليم، إلا أنها مع ذلك راجت على كثير من بني البشر لما لبست ثوب العلم والنظر العقلي."
وتحدث عن منهجه فى نقد أقوال الفلاسفة مرجعا كل أقوال الفرق التى خالفت عقيدته إلى الفلسفة فقال :
"وفي هذه الدراسة سنذكر قول الفلاسفة في التوحيد، ونبين بطلانه بما يفتح الله عز وجل به من أوجه بطلان تلك المقالات، وإن كان يغني عن بيان بطلان الباطل سماعه، وذلك لأن مقالة الفلاسفة هي الأصل لسائر أقوال أهل التعطيل من الجهمية والمعتزلة وغيرهم."
وتحدث فى الجزء الأساسى من الكتاب عن أقوال الفلاسفة وقد ذكر أنه يعنى بهم فلاسفة اليونان فقال :
"قول الفلاسفة في التوحيد
يقف على الضد من قول السلف في التوحيد قول الفلاسفة، ونعني بهم: فلاسفة اليونان الوثنيين.
وذلك لأن مصدر العقيدة في كل منهما مختلف، فمصدر العقيدة لدى السلف الوحي أما العقل فهو تابع للوحي وخاضع له."
ونعى الرجل على الفلاسفة احتكامهم للعقل والحقيقة أن الفلاسفة لا يتبعون العقل فى أخطائهم وإنما أهواء أنفسهم ومن ثم كلامه عن اتباعهم للعقل وهو :
"أما الفلاسفة فلا يعرفون إلا العقل المجرد من نور الوحي، وهو عقل ملوث بالبيئات الوثنية التي كانوا يعيشون فيها، فلهذا كان قولهم في التوحيد مناقضا لقول السلف وبعيدا عنه كل البعد، بل بعيد عن العقل السليم الصحيح في أكثر مقدماته ونتائجه"
والملاحظ أنه عاد فأنكر اتباعهم للعقل السليم بجملة " بل بعيد عن العقل السليم الصحيح في أكثر مقدماته ونتائجه"
وتحدث عن تاثيرهم فى الكثير من الناس فقال :
"ومع ذلك فقد أثر في أمم كثيرة من بني آدم، وممن تأثر به كثير من المسلمين، والمنتسبين للإسلام، فمنهم من تبنى قولهم وأخذ به والتزمه، ومنهم من تأثر به تأثرا كبيرا في كثير من مناهجه العلمية ووسائله للمعرفة، فأثر بالتالي على النتائج التي توصلوا إليها خاصة فيما يتعلق بمعرفة الله تبارك وتعالى وتوحيده."
والحقيقة أن من تأثروا بالفلاسفة ليس أكثر الناس فالعامة فى كل العصور لا يدرون عن أقوال الفلسفة شىء وإنما التأثير كان على بعض دراسى الفلسفة فقط دون غيرهم وإنما هذا التأثير محدود إلا إذا اتبعه حاكم ما فى بقعة من الأرض
وبين أنه سيناقش أقوال المؤمنين بوجود الله والمنكرين لوجوده فقال :
"ولهذا سنذكر في هذه الدراسة قول فلاسفة اليونان عموما الذين أثبتوا وجود الله عز وجل، وكذلك قول من أنكر وجوده تبارك وتعالى لأن كلا القولين كان له أثر في المسلمين أو في المنتسبين للإسلام، وسنبين بطلان كل مقالة عند ذكرها."
وعرف الرجل الفلسفة فقال :
"وقبل أن نبدأ بذلك نذكر تعريفا مختصرا للفلسفة والفلاسفة.
أما الفلسفة: فعرفها أرسطو بأنها: البحث عن علل الأشياء ومبادئها الأولى أو هي العلم الذي يبحث في الوجود من حيث هو وجود..
وعرفها ابن رشد بأنها: النظر في الموجودات واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع .
وهذان التعريفان خاصان بما نحن بصدده من كلامهم في الله عز وجل لارتباطهما به.
أما الفلاسفة: فهم الذين نظروا في طبائع الأشياء بفكرهم لمعرفة عللها الخفية وراء ظواهرها.
لذا نجد أن الفلاسفة لم يقتصروا على النظر والتفكر فيما هو ظاهر أمام أعينهم من المخلوقات، وإنما راحوا يبحثون فيما وراء ذلك وهو الخالق جل وعلا ويسمون ذلك ما وراء الطبيعة أو الإلهيات."
وهذا التعريف لا يفيد فى كثير أو قليل لأن من اخترعوا تلك الأقوال أرادوا معاداة دين الله فالفلسفة وهى فى نهاية كل معانى اللفظ اليونانى تعنى الحكمة والحكمة هى الوحى الإلهى كما قال تعالى :
"ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة"
وقال :
"ادع إلى سبيل ربك بالحكمة"
وتحدث مرة أخرى عن احتكام القوم إلى العقل وكما سبق القول من اخترعوا تلك الأقوال أيا كانوا لا يمتون للعقل باآ صلة وإنما اهوى النفس وهو الشهوات فقال :
"وقبل أن نذكر قول الفلاسفة في التوحيد نشير إلى أن الفلاسفة ولجوا في هذا العلم بعقولهم المحدودة، ونظرهم القاصر، وقد أدركوا أن كلامهم إنما هو في أمر لا سبيل إلى التحقق منه بالعقول المجردة وإنما هي محاولات لن يصلوا منها إلى نتيجة حاسمة أبدا، فتبقى هكذا محاولات ومقدمات بلا نتائج لهذا قالوا: "إن عالم ما بعد الطبيعة عالم درج في غير عشه ببحثه عن شيء فوق الحقائق فإذا هو شاعر".
ومرادهم بقولهم: (فإذا هو شاعر) أي: أن الفيلسوف يعبر عن خيالاته وأحاسيس نفسه بالعبارات المنمقة التي لا تعتمد على عرض الحقائق على ما هي عليه."
وتحدث الرجل عن أهمية الفلسفة من خلال كلام فيلسوف حديث فقال :
"وقال رسل: " إن قيمة الفلسفة ليست فيما تقدمه من حلول نهائية للمسائل التي تطرحها، إذ ليس من الضروري أن تكون هناك دائما إجابات نهائية صحيحة، وإنما قيمة الفلسفة في مناقشاتها المفتوحة والفرصة التي تتيحها لتوسيع أفق تصورنا، ولإثراء خيالنا العقلي، ولتقليل التوكيد الجزمي، الذي يغلق كل سبيل أمام التنامي العقلي ".
هذا الكلام تعبير دقيق عن فائدة الفلسفة ـ إذا كان هناك فائدة ـ وغايتها، وهذه الفائدة تتلخص في أنها تورد الإشكالات ولا تحلها، وتجعل المجال فيما يناقشه الفلاسفة مفتوحا لسائر الآراء والتصورات، مما يمنع الجزم واليقين بالأمر، وهذا لا شك مما يدل على عدم صلاحها، وعدم صحة الاعتماد عليها في مسائل العقيدة التي يطلب فيها الجزم واليقين.
كما أنها لا تصلح بديلا ألبتة للتعاليم الدينية في جميع النواحي التعبدية والأخلاقية والعلمية، لأن مصدر العلوم الدينية والأوامر الشرعية من لدن حكيم خبير، أما الفلسفة فإنها تعتمد على نظر عقلي بشري من أهم خصائصه الواضحة النقص وقلة العلم، وتأثير البيئات المحيطة بطريقة التفكير."
قطعا الفلسفة القديمة والحديثة لا تقدم حلولا ناجعة لمن يفكر من الناس فى المسائل العليا التى يسمونها العقيدة
وتحدث عن انقسام الفلاسفة الذين سماهم الوثنيين لمنكرين لوجود الله ومثبتين له فقال :
"ونشير هنا إلى أن الفلاسفة الوثنيين على قولين في الله تعالى من ناحية وجوده،فمنهم من أنكر وجود الله تعالى جملة وتفصيلا، فهؤلاء ملاحدتهم، ومنهم من أثبت لله تعالى وجودا، وهم من يسمون المؤلهة. وسنورد قولهم في المبحثين التاليين:
"قول ملاحدة الفلاسفة:
الفلاسفة اليونان الوثنيون الذين كانوا قبل المسيح (ص) بأكثر من ستمائة عام قد بحثوا في أصل العالم ومصدر وجوده، فمنهم من أثبت وجودا لموجود أعلى يعزى إليه علة وجود العالم، ومنهم من أنكر ذلك، وزعم أن وجود العالم أزلي، ولم يعزه إلى موجد أوجده، وهؤلاء هم الملاحدة المنكرون لوجود الله تبارك وتعالى، وهم على قولين في أصل العالم ومصدره:
القول الأول: القائلون بأن أصل العالم مادي:
أصحاب هذا القول زعموا أن أصل هذا العالم نوع أو أنواع من المادة، وأنكروا أن يكون ثم خالق، وإنما المادة هي أصل العالم.
وهي عند متقدميهم أصحاب المدرسة الأيونية إما الماء، وهو قول طاليس أو عنصران هما الهواء والماء، أو اللامحدود، كما هو قول انكسمندريس، أو الهواء كما هو قول انكسمانس.
|