الآبار فى الإسلام
الآبار فى الإسلام
كلمة الآبار وما أخذ من جذرها لم يرد فى المصحف بين أيدينا وورد مكانه غيابة أو غيابت الجب كما قال تعالى :
"قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ"
وقال :
"فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ"
ومن الآيات نجد أن البئر وهو الجب عبارة عن مكان داخل فى باطن الأرض له سلالم مبنية وأن فى نهاية السلالم يوجد الماء حيث يأخذونه بالدلو كما فى ألاية التالية
"وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ"
ومن ثم فالآبار فى ذلك الزمان والمكان لم تكن مجرد حفرة يخرج منها الماء ظاهرة لمن يراها وإنما مكان مبنى بسلالم ملتفة من ينزله إلى أسفله لا يرى إلا قليلا لقلة دخول الضوء
وهذا النموذج من الآبار كان متواجد فى مكان الميضأة خارج المساجد القديمة حيث يقوم أحدهم بنزح الماء أو رفعه من البئر إلى أعلى فى أوعية أو ما شابه كى يتوضأ الناس
وفى مادة آبار فى الموسوعة الفقهية الكويتية جمع المؤلفون ما كتبه الفقهاء عن الآبار فى كتب الفقه وذكروا خلافاتهم
وفى أولها مبحث حاولوا تعريف البير وذكر اختلاف اطلاقات كلمة البير فقالوا :
"المبحث الأول
تعريف الآبار وبيان أحكامها العامة
1 - الآبار جمع بئر، مأخوذ من " بأر " أي حفر ويجمع أيضا جمع قلة على أبور وآبر وجمع الكثرة منه بئار
وينقل ابن عابدين في حاشيته عن " النتف ": البئر هي التي لها مواد من أسفلها، أي لها مياه تمدها وتنبع من أسفلها وقال: ولا يخفى أنه على هذا التعريف يخرج الصهريج والجب والآبار التي تملأ من المطر، أو من الأنهار، والتي يطلق عليها اسم الركية (على وزن عطية) كما هو العرف، إذ الركية هي البئر، كما في القاموس لكن في العرف هي بئر يجتمع ماؤها من المطر، فهي بمعنى الصهريج وفي حاشية البجيرمي على شرح الخطيب أن " البئر " قد تطلق على المكان الذي ينزل فيه البول والغائط، وهي الحاصل الذي تحت بيت الراحة ويسمى الآن بالخزان ويقال عن هذه البئر: بئر الحش، والحش هو بيت الخلاء "
والبير فى لغة العامة يطلق على بير مياه الشرب وليس الأبيار الأخرى وهى مكان تصريف البول والبراز أو غير هذا وهو المعنى الموجود فى القرآن فى كلمة الجب وفى النقطة الثانية تحدثوا عن طهارة ماء الآبار فقالوا :
2 –" والأصل في ماء الآبار الطهورية (أي كونه طاهرا في نفسه مطهرا لغيره) ، فيصح التطهير به اتفاقا، إلا إذا تنجس الماء أو تغير أحد أوصافه على تفصيل في التغير يعرف في أحكام المياه"
وفى المبحث الثانى ذكروا حفر البئر لاحياء الأرض الموات فقالوا :
المبحث الثاني
حفر الآبار لإحياء الموات وتعلق حق الناس بمائها
أولا: حفر البئر لإحياء الموات:
3 - حفر البئر وخروج الماء منها طريق من طرق الإحياء وقد أجمع الفقهاء على أنه إذا تم تفجير الماء والانتفاع به في الإنبات، مع نية التملك، يتم به الإحياء"
وفى الإسلام لا يوجد ما يسمى تملك الرض الموات عن طريق احيائها لأن أرض المسلمين شركة لهم جميعا لا يجوز لأحد أن يملك فيها شىء ملكية خاصة فكل الملكيات الخاصة وهى البيوت ملكية انتفاع ومن ثم لا يجوز لأحد تملك أرض زراعية ولا مصانع ولا متاجر وغنما الموجود هو اقتسام المسلمين ثمار أو أرباح تلك الأرض كما قال تعالى :
"ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر ان الأرض يرثها عبادى الصالحون "
كما قال " وقدر فيها أقواتها فى ا{بعة أيام سواء للسائلين"
واحياء الموات هو تشجيع للأغنياء على زيادة ثرواتهم بينما يبقى المحتاجين على حاجتهم وفقرهم لأنهم لا يملكون مالا لحفر البئر واحياء الأرض وهو ما منعه الله بقوله عند توزيع المال :
" كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم "
وتحدوا عن جريم البئر والخلاف فيه فقالوا :
"ولا خلاف في أن للبئر في الأرض الموات حريما، لحاجة الحفر والانتفاع، حتى لو أراد أحد أن يحفر بئرا في حريمه له أن يمنعه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للبئر حريما واختلفوا في المقدار الذي يعتبر حريما، فحدده الحنفية والحنابلة بالأذرع حسب نوع البئر "
والحريم هو منطقة يجوز للناس الوقوف عندها بأنعامهم أو آلاتهم حول البير وهو أمر لابد من وجوده ولكن لا يوجد تلك الآبار الخاصة فحتى الرواية تقول بشركة الناس فى الماء فكيف يملك المحيى الماء وكيف يسقى الأرض منه وهو شركة بين المسلمين ؟
إنه اعتداء على الملكية العامة للماء
وتحدثوا عن انقسام ألابار لعامة وخاصة يملكها البعض دون الآخرين فقالوا :
"ثانيا: تعلق حق الناس بماء الآبار:
4 - الأصل في هذه المسألة ما رواه الخلال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه قال: الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلإ والنار كما روي أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الماء إلا ما حمل منه والاستثناء يدل على أن المراد بالماء في الحديث الأول غير المحرز
وعلى هذا فمياه الآبار العامة مباحة ولا ملك فيها لأحد إلا بالاغتراف وأما مياه الآبار الخاصة فإنها خرجت عن الإباحة العامة "
قطعا لا وجود للآبار الخاصة فى دولة المسلمين لكون أرضها ملكية عامة وحتى حديث الشركة نفسه لا يوجد فيه استثناء من الماء حتى يمكن القول بوجود آبار خاصة وذكر المؤلفون اختلاف الفقهاء فى ملكية تلم ألابار
5 - واتجاهات الفقهاء مختلفة بالنسبة لملكية ماء آبار الدور والأراضي المملوكة، وتعلق حق الناس بها فقيل بأن للناس حقا فيهاوقيد أكثر المشايخ ذلك بما إذا كان يفيض عن حاجته
الاتجاه الثاني: أنه لا يتعلق به حق أحد، وملكيته خالصة لصاحبه"
وكما سبق لا وجود لملكية الماء لأحد طبقا للقرآن وحتى الحديث المروى فى الماء يمنع ذلك
وفى المبحث الثالث تحدثوا عن حجم ماء البئر فقالوا :
"المبحث الثالث
حد الكثرة في ماء البئر وأثر اختلاطه بطاهر وانغماس آدمي فيه طاهر أو به نجاسة
6 - اتفق فقهاء المذاهب على أن الماء الكثير لا ينجسه شيء ما لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه ويختلفون في حد الكثرة"
قطعا ماء البير طالما يتجدد فهو كثير والبئر لا يقاس لا بطوله ولا بعرضه ولا بعمقه لكونه تحته خزان ماء لا يعرف حجمه وتحدثوا عن اختلاط الماء بأشياء جامدة أو سائلة فقالوا :
7 - إذا اختلط بماء البئر طاهر، مائعا كان أو جامدا، وكانت البئر مما يعتبر ماؤها قليلا، تجري عليه أحكام الماء القليل المختلط بطاهر، ويرجع في تحديد الكثرة والقلة إلى تفصيلات المذاهب "
قطعا كما سبق القول طالما ماء البير متجدد فهذا لا يغير طهارته ويتم رفع المواد الجامدة أو بقايا السائلة من البئر خاصة إذا كان لا يعرف مدى ضررها
وتحدثوا عن اتغماس الإنسان فى البير للتطهر فقالوا :
"انغماس الآدمي في ماء البئر:
8 - اتفق فقهاء المذاهب على أن الآدمي إذا انغمس في البئر، وكان طاهرا من الحدث والخبث، وكان الماء كثيرا، فإن الماء لا يعتبر مستعملا، ويبقى على أصل طهوريته "
بالطبع الانغماس فى البير المتجدد من مسلم للتطهر من جنابة أو وساخة لا ينجس البير لكون الماء متجدد وكذلك الكر فى الكافر الذى قال الفقهاء عن انغماسه :
9 –" ويقول ابن قدامة الحنبلي: ويحتمل أن ينجس الكافر الماء بانغماسه؛ لأن الخبر ورد في المسلم
وإذا انغمس في البئر من به نجاسة حكمية، بأن كان جنبا أو محدثا، فإنه ينظر: إما أن يكون ماء البئر كثيرا أو قليلا، وإما أن يكون قد نوى بالانغماس رفع الحدث، وإما أن يكون بقصد التبرد أو إحضار الدلو
10 - ويرى الشافعية كراهة انغماس الجنب ومن في حكمه في البئر، وإن كان معينا، لخبر أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب وهو رواية علي بن زياد عن مالك، وهو مذهب الحنابلة إن نوى رفع الحدث وإلى هذا يتجه من يرى من الحنفية أن الماء بالانغماس يصير مستعملا، ويرى أن الماء المستعمل نجس ينزح كله، وعن أبي حنيفة ينزح أربعون دلوا لو كان محدثا، وينزح جميعه لو كان جنبا أو كافرا؛ لأن بدن الكافر لا يخلو من نجاسة حقيقية أو حكمية، إلا إذا تثبتنا من طهارته وقت انغماسه
11 - وإذا كان ماء البئر قليلا وانغمس فيه بغير نية رفع الحدث، فالمالكية على أن الماء المجاور فقط يصير مستعملا وعند الشافعية والحنابلة الماء على طهوريته واختلف الحنفية على ثلاثة أقوال ترمز لها كتبهم " مسألة البئر جحط " ويرمزون بالجيم إلى ما قاله الإمام من أن الماء نجس بإسقاط الفرض عن البعض بأول الملاقاة، والرجل نجس لبقاء الحدث في بقية الأعضاء، أو لنجاسة الماء المستعمل، ويرمزون بالحاء لرأي أبي يوسف من أن الرجل على حاله من الحدث، لعدم الصب، وهو شرط عنده، والماء على حاله لعدم نية القربة، وعدم إزالة الحدث ويرمزون بالطاء لرأي محمد بن الحسن من أن الرجل طاهر لعدم اشتراط الصب، وكذا الماء، لعدم نية القربة
|