نظرات في الرد على الرافضة في اتهامهم الصحابة وأهل السنة بتحريف القرآن
نظرات في الرد على الرافضة في اتهامهم الصحابة وأهل السنة بتحريف القرآن
مؤلف الكتاب ناصر بن حمد بن حمين الفهد وهو يدور حول نفى تحريف أحاديث أهل السنة للقرآن وقد استهل الكتاب بذكر اتهام بعض الروافض للسنة بذلك فقال :
"فإن بعض حمقى الروافض ممن أضلهم الله أراد أن يتهم الصحابة وأهل السنة بأنهم حرفوا القرآن، وهذا كما قيل؛ (رمتني بدائها وانسلت)، فأخذ يجمع بعض مرويات قراءات الصحابة رضوان الله عليهم مما يخالف ما عليه الرسم العثماني اليوم؛ وذلك نحو قراءة عمر وغيره لقوله تعالى: {فاسعوا إلى ذكر الله}؛ {فامضوا}، وبعض ما نقل عن أبي بن كعب في قراءة بعض الآيات وغيرها، وجعل هذا من باب تحريف القرآن!
ولا شك أن هذا القائل جمع بين الجهل بهذه القراءات وأصولها، وبين الافتراء على الصحابة."
وما سماه الرجل افتراء وهو حقيقة للأسف لا يمكن إنكارها فى روايات الفريقين فكل منهم يتهم الفريق الأخر بالقول بتحريف القرآن وروايات الاثنين طافحة بالروايات المثبتة للتحريف
وحاول الفهد الدفاع فقال :
"والجواب عليه من وجهين:
الأول: بيان المقصود بالتحريف.
والثاني: بيان قراءات الصحابة رضوان الله عليهم وأنها من باب الأحرف التي نزل بها القرآن."
ثم شرح معنى التحريف فقال :
"الوجه الأول؛ المقصود بالتحريف:
اعلم أنه ليس المقصود بالتحريف هو أن يقرأ القرآن بحرف يختلف عن الحرف الموجود في المصحف الذي بين أيدينا، وذلك أن المصحف الذي بين أيدينا هو على حرف واحد من سبعة أحرف نزل بها القرآن - كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى - وإنما المقصود أن يزاد أو ينقص أو يغير حرف من القرآن بغير حجة ولا برهان صحيح ولا نقل عن النبي (ص)، بل يجعل فيه ما ليس منه كذبا وافتراء على الله، وهذا كزيادة الروافض في قوله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}، فزادوا: (ما أنزل إليك من ربك في علي)، وكزيادتهم في سورة الانشراح؛ (وجعلنا عليا صهرك)، وكزيادتهم سورة الولاية وغيرها مما هو مثبت في دواوينهم.
وتحريفهم للقرآن عليه شاهدان:
الأول: أنه مكذوب لا يستطيعون إثبات شيء منه بسند صحيح ولا ضعيف؛ لأن كتبهم لم تؤلف إلا في وقت متأخر.
الثاني: أنها حرفت المعنى واللفظ تبعا لغلوهم وعقائدهم الباطلة في علي رضي الله عنه.
والتحريف للقرآن نوعان:
الأول؛ تحريف اللفظ: وهو أن يغير اللفظ ويبدل من غير حجة كما سبق.
الثاني؛ تحريف المعنى: وهو أن يفسر اللفظ على معنى باطل غير مقصود.
والتحريف بنوعيه عند الروافض:
فالأول: نحو الأمثلة التي سقناها سابقا.
والثاني: نحو تفسيرهم قوله تعالى: {بإمام مبين}؛ أنه علي، وتفسيرهم "البقرة" بأنها عائشة، وغيرها من حماقاتهم.
الوجه الثاني؛ بيان قراءات الصحابة رضوان الله عليهم، وأنها من باب الأحرف التي نزل بها القرآن
اعلم أن القرآن قد أنزله الله سبحانه وتعالى على سبعة أحرف، فقد تختلف بعض الأحرف من قراءة صحابي لآخر، وتكون من إقراء النبي (ص) لهم، وهي من الأحرف التي نزل بها القرآن، إلا أن المعنى لا يتناقض.
وذلك نحو قراءة عمر وغيره لآية الجمعة: {فامضوا إلى ذكر الله}، وقراءة أبي بن كعب وغيره لآية الليل: {والذكر والأنثى}، وقراءة ابن مسعود لآية الكفارة: {فصيام ثلاثة أيام متتابعات}، وقراءة عائشة لآية الصلاة الوسطى: {حافظا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر} ... وغيرها، والأدلة على أن هذه القراءات هي من الأحرف التي نزل بها القرآن كثيرة."
وكل هذا الكلام مقبول ولكن الفهد تهرب من الروايات التى يقصدها الحمقى فذكر روايات القراءات فقط فقال :
"وسوف أذكر الأحاديث التي تبين ذلك ثم أنقل من كلام أهل العلم ما تيسر:
فقد ثبت في الصحيحين عن عروة بن الزبير أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القاري حدثاه: أنهما سمعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (سمعت هشام بن حكيم يقرأ "سورة الفرقان" في حياة رسول الله (ص)، فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله (ص)، فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه، قلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله (ص)، فقلت: كذبت فإن رسول الله (ص) قد أقرأنيها خلاف ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله (ص)، فقلت: إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله (ص): "أرسله، اقرأ يا هشام"، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله (ص): "كذلك أنزلت"، ثم قال: "اقرأ يا عمر"، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله (ص): "كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه").
وثبت أيضا في الصحيحين عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله (ص) قال: (أقرأني جبريل على حرف، فلم أزل أستزيده حتى انتهى إلى سبعة أحرف).
وثبت في صحيح مسلم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب قال: (كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله (ص)، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول الله (ص) فقرأ فحسن النبي (ص) شأنهما، فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأى رسول الله (ص) ما قد غشيني، ضرب في صدري ففضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقا، فقال لي: "يا أبي، أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه؛ أن هون على أمتي، فرد إلي الثانية؛ اقرأه على حرفين، فرددت إليه؛ أن هون على أمتي، فرد إلي الثالثة؛ اقرأه على سبعة أحرف، فلك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها، فقلت؛ اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم (ص)").
وقد قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى في معنى "الأحرف" [التمهيد، لابن عبد البر: 8/ 281 [: (وقالوا إنما معنى السبعة الأحرف؛ سبعة أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة بألفاظ مختلفة، نحو؛ أقبل وتعال وهلم، وعلى هذا الكثير من أهل العلم.
فأما الآثار المرفوعة فمنها - وساق بسنده:
أن أبا جهيم الأنصاري قال: إن رجلين اختلفا في آية من القرآن، فقال أحدهما: تلقيتها من رسول الله (ص)، وقال الآخر: تلقيتها من رسول الله (ص). فسئل رسول الله (ص) عنها فقال: "إن القرآن نزل على سبعة أحرف، فلا تماروا في القرآن، فإن المراء فيه كفر".
وساق بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله (ص): "أنزل القرآن على سبعة أحرف، لكل آية منها ظهر وبطن ولكل حد ومطلع".
وروى حماد بن سلمة قال: أخبرني حميد عن أنس عن عبادة بن الصامت عن أبي بن كعب عن النبي (ص) قال: "أنزل القرآن على سبعة أحرف".
وروى همام بن يحيى عن قتادة عن يحيى بن يعمر عن سليمان بن صرد عن أبي بن كعب قال: قرأ أبي آية، وقرأ ابن مسعود آية خلافها، وقرأ رجل آخر خلافهما، فأتينا النبي (ص)، فقلت: ألم تقرأ آية كذا وكذا كذا وكذا؟ وقال ابن مسعود: ألم تقرأ آية كذا وكذا كذا وكذا؟ فقال النبي (ص): "كلكم محسن مجمل"، قال: قلت: ما كلنا أحسن ولا أجمل، قال: فضرب صدري، وقال: "يا أبي، إني أقرئت القرآن، فقيل؛ على حرف أو حرفين؟ فقال لي الملك الذي عندي؛ على حرفين، فقلت: على حرفين، فقيل؛ على حرفين أو ثلاثة؟ فقال الملك الذي معي؛ على ثلاثة، فقلت؛ على ثلاثة، هكذا حتى بلغ سبعة أحرف، ليس منها إلا شاف كاف، قلت غفورا رحيما، أو قلت سميعا حكيما، أو قلت عليما حكيما، أو عزيزا حكيما، أي ذلك قلت فإنه كما قلت".
وزاد بعضهم في هذا الحديث: "ما لم تختم عذابا برحمة، أو رحمة بعذاب").
قال أبو عمر - أي ابن عبد البر -: (أما قوله في هذا الحديث قلت: "سميعا عليما وغفورا رحيما وعليما حكيما"، ونحو ذلك؛ فإنما أراد به ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها أنها معان متفق مفهومها مختلف مسموعها، لا تكون في شيء منها معنى وضده، ولا وجه يخالف وجها خلافا ينفيه أو يضاده، كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضده وما أشبه ذلك، وهذا كله يعضد قول من قال أن معنى السبعة الأحرف المذكورة في الحديث سبعة أوجه من الكلام المتفق معناه المختلف لفظه، نحو هلم وتعال، وعجل وأسرع، وانظر وأخر، ونحو ذلك، وسنورد من الآثار وأقوال علماء الأمصار في هذا الباب ما يتبين لك به أن ما اخترناه هو الصواب فيه إن شاء الله ... )، ثم سرد ما ذكر فراجعه في "التمهيد".
وقال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الأحرف [تفسير القرطبي: 1/ 42]: (الذي عليه أكثر أهل العلم - كسفيان بن عيينة وعبد الله بن وهب والطبري والطحاوي وغيرهم - إن المراد؛ سبعة أوجه في المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة، نحو أقبل وتعال وهلم.
قال الطحاوي: وأبين ما ذكر في ذلك حديث أبي بكرة؛ قال جاء جبريل إلى النبي (ص) فقال: اقرأ على حرف، فقال ميكائيل: استزده، فقال: اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ إلى سبعة أحرف، فقال: اقرأ، فكل شاف كاف، إلا أن تخلط آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب بآية رحمة، على نحو هلم وتعال وأقبل، واذهب وأسرع وعجل.
وروى ورقاء عن ابن أبي نجيح عم مجاهد عن ابن عباس عن أبي بن كعب: أنه كان يقرأ {للذين آمنوا انظرونا}، {للذين آمنوا أمهلونا}، {للذين آمنوا أخرونا}، {للذين آمنوا ارقبونا}.
وبهذا الإسناد عن أبي: أنه كان يقرأ {كلما أضاء لهم مشوا فيه}، {مروا فيه}، {سعوا فيه}.
وفي البخاري ومسلم قال الزهري: إنما هذه الأحرف في الأمر الواحد، ليس يختلف في حلال ولا حرام.
قال الطحاوي: إنما كانت السعة للناس في الحروف لعجزهم عن أخذ القرآن لأنهم كانوا أميين لا يكتب إلا القليل منهم ... فوسع لهم في اختلاف الألفاظ إذا كان المعنى متفقا، فكانوا كذلك حتى كثر منهم من يكتب وعادت لغاتهم إلى لسان رسول الله (ص) فقدروا بذلك على تحفظ ألفاظه، فلم يسعهم حينئذ أن يقرءوا بخلافها.
|