نظرات في كتاب النصائح الرحمانية
نظرات في كتاب النصائح الرحمانية
المؤلف عبد الرحمن الشريف وهو شيخ لطريقة من الطرق الصوفية وقد استهل رسالته بالتسمية والصلاة والسلام على رسول الله(ص) وعلى الآل والصحب فقال :
"باسمك يا رحمن نبدأ، ومن حولنا وقوتنا نتبرأ، ونصلي ونسلم على من أبرزته من أنوارك القدسية، وأكملته بأسرار آياتك وخطاباتك الأنسية، وعلى آله وأصحابه كملة الرجال، الذين ما تركوا في قلوبهم لغير محبوبهم مجال."
وفى مقدمته تحدث عن كونه عبد مذنب يقترف الذنوب مخالف لأسلافه في الطريقة وهو يتهكم على نفسه بقوله :
"وبعد فإني عبد ضعيف أدعى بعبد الرحمن الشريف، كثرت ذنوبي، وملأت الآفاق عيوبي، أخذت بفترة من الكسل، ومؤذن الفلاح ينادي بحي على خير العمل، ومذ تأملت هذه الحالة، ووجدتها ممرضة بل قتالة، جردت من نفسي شخصا يسامرني وشبحا بوقائع الحالة الجارية يخاطبني فإذا هو يصول ويجول، ولا تاخذه لومة لائم فيما يقول، مبتدءا بقوله في كل خطاب يا بن الروح لا بالتصديق بل على سبيل التهكم والاستهزاء بي لكوني أنسب نفسي لآبائي في الطريق مع أن فعلي مضاد لأفعالهم، بعيد الشبه عن أقوالهم وأفعالهم .. "
من أجل هذا حاول تأليف هذه النصائح فقال :
"وصار تارة يكد وتارة ينفر وتارة يرجى وأخرى يبشر تفائلا بحسن الخاتمة والعاقبة والخلاص من كل فتنة وشائبة، وحيث جاء بحمد الله تعالى جميل المعاني، بهي المواعظ، حميد المباني، سميتها النصائح الرحمانية، والإلهامات الربانية، وهذا أوان الشروع في المقصود، ومن القواعد المقررة أن الحسود لا يسود"
وطالب نفسه بالعودة لله والرجوع لطاعته بدلا من الغفلة فقال:
" قال مسامر نفسي لنفسي:
يا ابن الروح، في عرصات الأرض سوح
أنظر لدنياك بعين الاعتبار، لتتيقن أنها ليست بدار، فإلى كم تتحمل الأوزار وهي ثقال، إلى متى تتعلل بالتسويف والآمال، إلى كم تتبع الشهوات والإضلال، تيقظ من نومتك، وانتبه من غفلتك وقف بباب من أنت عبد له، فمن لزم قرع باب يوشك أن يفتح له.
يا ابن الروح، لربك روح
الرحمن يدعوك فتتأخر، ويامرك بالإنابة فتتكدر، ويستحضرك لمراقبته فتتوارى. فإلى متى ضياعك مع الحيارى، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى. ويحك بادر بالتوبة، وأسرع إلى مولاك بالأوبة، واركب بحر الندامة، وأقلع بريح الملامة وتأهب لحب من يدعوك للقرب، فإقبالك عليه، علامة على الوصول إليه."
وطالب نفسه لن تحزن عليه بسبب معاصيه ومخالفاته فقال:
"يا ابن الروح، على نفسك نوح
لا تغتر بإحسانه، مع إدمانك على عصيانه، فبهذا الإحسان ألهاك عنه، ولم تاخذ نصيبك منه، به أغفلك عن طاعته، وأنامك عن لذة مناجاته، وأحرمك في الأسحار لذة عتابه، وطيب منادمته وخطابه، فحقيقة هذا الإحسان بعد، وإن اطماننت به فطرد."
قطعا المطلوب ليس النوح وهو الحزن والبكاء وإنما المطلوبة التوبة بالاستغفار واعادة الحقوق لأهلها وعمل الصالحات وقد نهى الله نبيه0ص) عن الحزن فقال :
"ولا تحزن "
وطالب نفسه بنفس الطلب وهو عدم الاغترار الذى هو عدم العصيان فقال :
"يا ابن الروح، نور يلوح
إذا اتسع لك مجال الإمهال مع العصيان فلا ياخذك الغرور فإنه لو أرادك لما أقامك في هذا الأمر المحذور وإن استحوذت عليك النفس، فجعلت القضية بالعكس فأنت غارق في بحر التيه، أنقذك الله مما أنت فيه."
وكرر نفس المعنى فقال :
يا ابن الروح، عرف يفوح
"أما آن أن ترجع لباب مولاك، لابسا جلباب الورع رافضا لدنياك، وقد أحسن إليك وأعطاك. وإلى الدين الخالص قربك وهداك وفي كل طرفة عين بره يغشاك. تؤثر ما يفنى على ما يبقى، فوالله ما هذا إلا قنوط أو اتهام أو إشراك، ومع هذا إن عدت إليه بادرك بالقبول، والبسك حلل المطالب والمامول."
قطعا رفض الدنيا ايس مطلوبات من المسلم كما قال تعالى :
" قل من حرم زينة الله والطيبات من الرزق "
وقال :
" ولا تنس نصيبك من الدنيا "
وكرر نفس معنى فقرات ألفاظ السابقة بألفاظ أخرى تعنى نفس الأمر فقال :
"يا ابن الروح، إني نصوح
قلبك عن المحبوب غائب، وبالرأفة ينادي هل من تائب هل من آيب، وأنت مشغول بالهوى، مفتون بالمنى، وواقف مع ما توقن أن عقباه الفنا، وتطلب من الله المواهب، وحفظك من الوقوع في المصائب، هذا أمر من العجائب، وأملك فيه خائب، فانهض لهمتك عن هذا الانحطاط، وتدارك ما وقع منك من التفريط والإفراط والزم التفسير ليهون لك العسير."
وكل الكتاب هو تكرار لنفس المعنى وهو العودة إلى طاعة الله والتوبة من المعاصى وهذه هى البقية :
"يا ابن الروح، لا تدع نصحنا مطروح
جولانك مع الغافلين حيرك، وركونك للأغيار غيرك، ووقوفك بين رتبتي الاعتقاد والانتقاد إلى الانقطاع أداك، ونذير الرحيل المشاهد لعينك بالتحقيق وافاك، فما هذه القسوة، ندم من سبقك على التفريط، والله من ورائهم محيط.
يا ابن الروح، كن بما وهبت مشروح
حفظ العهود فيه الورود، لأقرب مقام محمود، أقبل ولا تكن شرودا أو مردودا، فالهارب مطرود، والمردود أمره بالقطيعة مشهود، إلى كم ذا التمادي يا فقير، وأنت في البطالة والتقصير، وتزعم أنك بالأمداد جدير، وبنقائصك الناقد بصير، ضيعت أوقاتك والعمر انقضى، فعجل بالإقبال واندم على ما مضى، فباب العفو واسع، والأنوار فيه سواطع.
يا ابن الروح، اطلب الفتوح
أتطلب الدنيا والدنيا فيك، وتتخلف والرحمن يناديك، فواعجبا لمن يطلب ليعطى الملك فياباه، ويتشبث في جمع الأخس ويتمناه.
يا ابن الروح، الباب مفتوح
إلى متى أنت في الذنوب غريق، وإلى متى هذا الجفاء والتعويق، خذ لك في الطريق رفيق، قبل أن تنقطع الطريق، ولا تطفئ بهواك أنوار التوفيق، أتريد أن تذهب هبوب نسمات الوصول وأنت سكران لا تفيق، حملت والله نفسك ما لا تطيق، أتغتر بالمال والولد والأهل أم بإقبال الدنيا عليك، وهي آمرة بالقتل فاخرج من ظلمات العمى، إلى فضاء نور الهدى، وتزود فقد سارت الظعون، ولا بد من ورود كاس المنون، وتنبه فكم لعب بمثلك الهوى، ولم يفق إلا وقد حان النوى، وتضرع بالصبر وجاهد النفس، تسوقك العنايات إلى مجالس الأنس.
يا ابن الروح، كن على الخير جموح
خذ حذرك من شياطين الجن والإنس، وفر فرارك من الأسد من النفس، واستعن بسطوة من جلاله وبسطة من جماله، واستهلك أفعالك في أفعاله، واجمع شهودك فيه، وغيب مشهودك عما يظهره ويبديه، تظهر شموس معرفتك في أفق القدم، ويصير لك في مقامات العارفين قدم."
|