قراءة فى كتاب الإنسان والمحبة الاجتماعية
قراءة فى كتاب الإنسان والمحبة الاجتماعية
الكتاب لمحمد الحسيني الشيرازي وهو يدور حول الحب بين الناس فى المجتمع وقد استهله بذكر معنى المحبة والمودة فى القرآن فقال :
"بين المحبة والمودة:
قال تعالي في محكم كتابه الكريم:
"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً" .
الود معناه المحبة والألفة وأحياناً يفرق بين المودة والمحبة، فالمودة تطلق علي الحب الذي يتجاوز القلب ويظهر من خلال الأفعال ولكن المحبة حب يكمن في القلب ولا يتجاوزه إلي السلوك فأحياناً يحب الإنسان صديقاً له في قلبه فقط فهذا يسمي (الحب) وأحياناً يهدي إليه كتاباً تعبيراً له عن حبّه وإظهاراً لمودته فيسمي مودة، فالله سبحانه وتعالي يقول:
"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ"
يجعل لهم الله مودة وهذا أمر طبيعي؛ لأن القلوب كلها بيد الله سبحانه، والله عز وجل هو الذي يجعل الإنسان الصالح موضع اعتزاز الناس ومحبوباً عند الجميع."
والشيرازى حام حول الآية ولم يفسرها فالود يعنى الأجر وهو الثواب وهو الجنة كما قال تعالى :
"إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون".
وحكاية الفرق بين المودة والمحبة تكون على حسب سياق الكلام فقد يكون الحب انشغالا نفسيا يردى إلى فعل كالزنى كما فى القول :
" قد شغفها حبا"
وقد يكون بمعنى الأجر فحب الله للمؤمنين معناه الثواب وهو الأجر
وقال :
ولذلك ورد في الخبر: ما أقبل عبد بقلبه إلي الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتي يرزقهم مودتهم ورحمتهم ومحبتهم. وورد أيضاً: إن الله إذا أحب مؤمناً قال لجبرائيل: إني أحببت فلاناً فأحبه فيحبّه جبرائيل، ثم ينادي في السماء ألا أن الله أحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم يوضع له قبول في أهل الأرض ."
والأخبار السابقة كاذبة فلو كانت صحيحة لأحبت الأقوام رسلها(ص) وآمنوا كلهم بهم ولكن الحادث أن تلك المحبة كانت قليلة ولذا قال تعالى :
"فأبى أكثر الناس إلا كفورا"
ونقل خبرا لا يصح فقال :
"ومن هنا جاء ما صح عن الإمام أمير المؤمنين أنه قال: «لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا علي أن يبغضني ما أبغضني ولو صببت الدنيا بجماتها علي المنافق علي أن يحبني ما أحبني، وذلك انه قضي فانقضي علي لسان النبي الأمي (ص) انه قال: يا علي، لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق» ."
وحب الشخص أو كرهه ليس فرضا بدليل أن الزوج قد يكره زوجته والعكس كما قال تعالى:
"فإن كرهتموهن"
وقد يبغض المسلم أخاه ولكن دون ان يعتدى عليه وهذه الكراهية وهى الغل تكون فى الدنيا ويمحوها الله من المسلمين فى الجنة كما قال تتعالى :
" ونزعنا ما فى صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين"
وتحدث عن حب الناس للصالحين فقال:
"الناس يحبون الصالحين:
إن الإنسان الصالح له مكانة خاصة في قلوب الناس ويحظي بمحبتهم وودهم، فمثلاً إذا كان الطبيب لا يأخذ أجرته إلا بمقدار حقّه وجهده وعمله عد من الصالحين وعرف بالصلاح بين الناس، وبهذا يكون موضع اعتزازهم واحترامهم. وهكذا كل إنسان مهما كان عمله فما دام يعمل لله ويخدم الناس فان الله معه، وسيلقي محبته في قلوبهم، وبذلك يكون محبوباً عند الجميع .. هذه سنة من سنن الحياة التي أودعها الله في هذا الكون أن الصالح محبوب والطالح مبغوض ..
قصة الطبيب مع الفقراء
كان في مدينة بغداد طبيب عرف بمعاملته الجيدة تجاه مراجعيه، وإذا كان المراجع فقيراً ضعيف الحال، كان يعفيه عن دفع أجور المعاينة، بل كان أحياناً يعطي تكاليف الدواء والغذاء لمريضه أيضاً كي يحصل علي الشفاء التام، وذات يوم راجعه أحد أهل العلم لبعض الالتهابات التي كانت قد أصابت حنجرته، وبعد أن قام بالفحص التام عن المرض وصف الدواء المناسب، ورفض أن يأخذ أجور العلاج بل وأصر علي ذلك، رغم المحاولات الكثيرة التي بذلت من أجل الدفع .. إذ كان يقول: إني لا آخذ المال من طلاب العلوم الدينية وعلماء الدين ..
فمن الطبيعي أن إنساناً كهذا يحبه الناس ويحترمونه .. وقد ورد عن الإمام الصادق « .. ثلاث تورث المحبة: الدين والتواضع والبذل» .
ولذلك لما توفي هذا الطبيب الطيب جري له تشييع مهيب وكأنه عظيم من عظماء البلد .. وهذا نتيجة أعماله الصالحة وخدمته للناس .. "
وقطعا ما قاله الشيرازى ليس حبا للصالحين لأن المسلمين لا يمكن أن يكونوا جميعا إلا صالحين ولكنهم يحبون من يحسن إليهم والمراد من صننع لهم المعروف دون مقابل أو حتى بمقابل عادل
ونقل خبرا كاذا فى المحبة فقال :
وقد روي عن الإمام الباقر «إن فيما ناجي الله عزوجل به عبده موسي قال:
إن لي عباداً أبيحهم جنّتي وأحكمهم فيها، قال: يا رب ومن هؤلاء الذين تبيحهم جنتك وتحكمهم فيها؟ قال: من أدخل علي مؤمن سروراً، ثم قال: إن مؤمناً كان في مملكة جبار فولع به فهرب منه إلي دار الشرك، فنزل برجل من أهل الشرك فأظله وأرفقه وأضافه، فلما حضره الموت أوحي الله عزوجل إليه وعزتي وجلالي لو كان لك في جنتي مسكن لأسكنتك فيها ولكنها محرمة علي من مات بي مشركاً ولكن يا نار هيديه ولا تؤذيه ويؤتي برزقه طرفي النهار»، قلت: من الجنة؟ قال: «من حيث شاء الله .. » ."
والناؤ ليس فيع تخفيف للعذاب عن أحد حتى ولو صنع معروفا فى مسلم لقوله تعالى :
" فلا يخفف عنهم العذاب"
وقال :
وقال الإمام أمير المؤمنين «خالطوا الناس مخالطة إن متم معها بكوا عليكم وإن عشتم حنوا إليكم» ."
وتحدث عن أن حسن الخلق حتمية ضرورية فقال :
"حسن الخلق ضرورة:
ونحن طلبة العلوم الدينية ينبغي علينا أن نعاشر الناس علي نحو يتمنون أن نكون بينهم لنهديهم إلي الرشاد، كما كان رسول الله (ص) وأهل بيته يعاشرون الناس، ولو لم نكن كذلك لخابت آمال الناس بنا بل الأسوأ من ذلك أنهم سيسيئون الظن بالإسلام أيضاً؛ لأن الناس يرون الإسلام من خلال أخلاقنا وأعمالنا، فعلينا أن نتعامل بشكل لا يجلب احترام ومحبة الأصدقاء فحسب بل حتي الأعداء أيضاً وهذه هي سيرة رسول الله (ص) والأئمة الطاهرين .
قال الله العظيم في القرآن الكريم:"وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي" .
حتي أن فرعون كان يكن محبة خاصة لموسي (ص) وذلك لسلوك وأخلاق موسي الحسنة، فان الناس يميلون إلي الإحسان والأخلاق الحسنة.
وقد ورد عن الرسول الأعظم (ص): «حسن الخلق يثبت المودة» .
وعن الإمام علي أمير المؤمنين قال: «من حسن خلقه كثر محبوه وأنست النفوس به» .
وبعكس ذلك سوء الخلق فانه ينفر عن الإنسان حتي أقرب الناس إليه كما قال الإمام أمير المؤمنين «سوء الخلق يوحش القريب وينفر البعيد» ، وأيضاً: «من ساء خلقه ملّه أهله» .
الفضل ما شهدت به الأعداء
ومن هذا القبيل ذكر أنه: لما دخل سنان علي عبيد الله بن زياد برأس الحسين أنشأ يقول:
أوقر ركابي فضة وذهبا
أنا قتلت الملك المحجبا
ومن يصلي القبلتين في الصبا
قتلت خير الناس أمّاً وأبا
وخيرهم إذ ينسبون نسباً
فقال عبيد الله: ما تلقي مني خيراً إلا الحقتك به وأمر بقتله ."
بالطبع الخلق الحسن هو صفة كل المسلمين ولكن ليس معنى التعامل به هو المحبة فقد نتعامل بالحسنى ولكن هناك كراهية قلبية فى القلوب للبعض المهم ألا تخرج إلى حد الاعتداء على الناس
لاشك أن المعاملة الحسنة تغير كثيرا ما فى القلوب كما قال تعالى :
" ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم"
وتحدث عن اتفاق القول الحسن مع العمل الصالح فقال :
"القول والعمل:
قال أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب «ذللوا أخلاقكم بالمحاسن وقودوها إلي المكارم وعودوها الحلم واصبروا علي الإيثار علي أنفسكم فيما تحمدون عنه قليلاً من كثير .. » .
وقال الإمام الصادق «رحم الله عبداً حببنا إلي الناس ولا يبغضنا إليهم، وأيم الله لو يرون محاسن كلامنا، لكانوا أعزّ وما استطاع أحد أن يتعلق عليهم بشيء» .
نقل أحد الأصدقاء بأنه قبل خمسة عشر عاماً أقيم مؤتمر لمعارضة الخمور والحد من انتشار ظاهرة الإدمان علي الخمور وتعاطيها، وألقي بعض العلماء محاضرات جيدة في ذم الخمور والمشروبات الكحولية وبيّنوا الفساد الذي تسببه للإنسان من الناحية النفسية والصحية، وكان أحد الأطباء من جملة المحاضرين في المؤتمر حيث ألقي كلمة غراء مهمة ومثيرة جداً، بحيث لو سمعها أحد مدمني الخمر لتأثر من كلامه ولعله ترك الشرب .. ولكن في اليوم الآتي والكلام للصديق قال كنت أسير في الطريق، وإذا بي أري سكراناً يترنح يميناً وشمالاً، ولما دققت النظر في وجهه اندهشت كثيراً لأني رأيت أنه ذلك الطبيب الذي ألقي تلك المحاضرة القيمة في ذم الخمور والكحول!!. فسلمت عليه وقلت له: إنك كنت في الأمس تذم الشراب ولكني أراك اليوم سكراناً تترنح؟! فأجاب: في الأمس كان الكلام واليوم هو العمل!!
نعم، وكما قيل كلام الليل يمحوه النهار، وهذه القصة عبرة لنا حتي لا نكون من الذين يقولون ما لا يفعلون وقد قال تعالي:"كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ" .
|