نظرات فى بحث الهجر
نظرات فى بحث الهجر
الباحث هو سعيد عبد العظيم وقد اتخذ من جملة واهجروهن فى المضاجع تكأة للحديث أنواع مختلفة من الهجر فى واقعنا وقد استهل المقال بأنواع الهجر مبينا إنها إما هجر بدنى كما فى عقاب المرأة الناشز وإما هجر باللسان والقلب وإما هجر شامل فقال :
"فالهجر عبارة عن مفارقة الإنسان غيره وقد يكون ذلك بالبدن كما في قوله تعالى: (واهًجٍرٍوهٍنَّ فٌي المّضّاجٌعٌ) [النساء: 34]
وقد يكون باللسان أو بالقلب كما في قوله تعالى: (إنَّ قّوًمٌي اتَّخّذٍوا هّذّا القٍرًآنّ مّهًجٍورْا <30>) [الفرقان: 30]
أما قوله عز وجل: (واهًجٍرًهٍمً هّجًرْا جّمٌيلاْ <10>) [المزمل: 10]
فهو محتمل للهجر بالبدن والقلب واللسان وقوله سبحانه: (والرٍَجًزّ فّاهًجٍرً (5)) [المدثر: 5]
حثّ على المفارقة بالوجوه كلها. |"
وتحدث عن وجود هجر وجوبى كما فى حالة الناشز التى لم ينفع معها الوعظ فقال :
"ويختلف حكم الهجر باختلاف المهجور فإن تعلق الهجر بالمرأة كان ذلك جائزًا بل مشروعًا في بعض الأحيان وذلك عند النشوز أو مخافته مصداقًا لقوله تعالى:
(واللاَّتٌي تّخّافٍونّ نٍشٍوزّهٍنَّ فّعٌظٍوهٍنَّ واهًجٍرٍوهٍنَّ فٌي المّضّاجٌعٌ) [النساء: 34]."
وتحدث عن هجر الخصام المعروف بين اثنين مبينا أن أكثره ثلاثة أيام معتمدا على الأحاديث فقال :
"وإن تعلّق الهجر بالمسلم فإنه يُعد كبيرة شريطة أن يكون فوق ثلاث وليس بغرض شرعي لما في ذلك من التقاطع والإيذاء والفساد وقد وردت أحاديث كثيرة في هذا المعنى ومنها ما رواه أبو أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيُعرض هذا ويُعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» [رواه البخاري ومسلم]. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار» [رواه أبو داود وصححه الألباني].
وعن عائشة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يكون لمسلم أن يهجر مسلمًا فوق ثلاثة فإذا لقيه سلّم عليه ثلاث مرات كل ذلك لا يرد عليه فقد باء بإثمه» [رواه أبو داود وحسنه الألباني].
وعن أبي خراش السُّلمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه» [رواه أبو داود وصححه الألباني]. وقال عبد الله بن مسعود: «ما اهتجر رجلان في الإسلام إلاَّ خرج أحدهما منه» وعن أبي الحسن المدائني قال: جرى بين الحسن بن عليّ وأخيه الحسين كلام حتى تهاجرا فلما أتى على الحسن ثلاثة أيام من هجر أخيه فأقبل إلى الحسين وهو جالس فأكب على رأسه فقبّله فلما جلس الحسن قال له الحسين: إن الذي منعني من ابتدائك والقيام إليك أنك أحق بالفضل مني فكرهتُ أن أُنازعك ما أنت أحق به». وعن مجاهد قال: «الأقلف موقوف عمله حتى يُخْتَتَنْ والصارم (الهاجر) الظالم موقوف عمله حتى يفيء». فالهجر صفة قبيحة تسخط الله عز وجل على المتهاجرين وهو سبب في تأخير المغفرة من الله عز وجل ويُعد من حبائل الشيطان التي يغوي بها أتباعه حتى يسوقهم إلى الجحيم وتكفي الثلاثة أيام لإذهاب شحناء النفوس والأهواء التي تعتمل فيها فإذا زاد الهجر بين الإخوان فوق ثلاث كان حرامًا لما يترتب عليه من تفكك اجتماعي."
وتحدث عن الاستثناء من الهجر ثلاثا ضاربا المثل بالمخلفين الثلاثة الذين تم خصامهم أكثر من ذاك فقال :
" ويُستثنى من تحريم هذا الهجر مسائل حاصلها: أنه متى عاد الهجر إلى صلاح دين الهاجر والمهجور جاز وإلاَّ فلا. وقد قاطع النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام الثلاثة الذين خُلّفوا خمسين ما بين يوم وليلة حتى نزلت توبتهم من فوق سبع سموات بعد أن ضاقت عليهم الأرض على رحابتها وضاقت عليهم أنفسهم قال تعالى: (وعّلّى الثَّلاثّةٌ الذٌينّ خٍلٌَفٍوا حّتَّى إذّا ضّاقّتً عّلّيًهٌمٍ الأّرًضٍ بٌمّا رّحٍبّتً وضّاقّتً عّلّيًهٌمً أّنفٍسٍهٍمً وظّنٍَوا أّن لاَّ مّلًجّأّّ مٌنّ اللَّهٌ إلاَّ إلّيًهٌ ثٍمَّ تّابّ عّلّيًهٌمً لٌيّتٍوبٍوا إنَّ اللَّهّ هٍوّ التَّوَّابٍ الرَّحٌيمٍ <118>) [التوبة: 118]. وفي حديث ابن عباس يقول عمر: «فتغضبت يومًا على امرأتي فإذا هي تراجعني فأنكرتُ أن تُراجعني فقالت: ما تنكر أن أُراجعك؟ فوالله إنَّ أزواج النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل فانطلقتُ فدخلتُ على حفصة فقلتُ: أتُراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: نعم. فقلتُ: أتهجره إحداكنّ اليوم إلى الليل؟ قالت: نعم. فقلتُ: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا هي قد هلكت؟ .. » وكان أقسم صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل عليهن شهرًا من شدّة وجدته عليهن حتى عاتبه الله عز وجل» [رواه البخاري ومسلم]. وعن عائشة و قالت: «قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم إذا كنت عنِّي راضية وإذا كنت عليَّ غَضبى» قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: «أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد وإذا كنت غضبى قلت: لا ورب إبراهيم» قالت: قُلْتُ: أجَل والله يا رسول الله ما أهجر إلاَّ اسمك» [رواه البخاري ومسلم].
وعن أبي هريرة عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تهجر امرأة فراش زوجها إلاَّ لعنتها ملائكة الله عز وجل» [رواه أحمد ورواه البخاري ومسلم بلفظ قريب منه ولفظه: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت (رفضت) فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تُصبح» وفي رواية «حتى ترجع»].
ولا يصح للزوجة أن تتعلل بتفريط الزوج إذْ تفريطه في الحق لا يستدعي تقصيرها وعليها أن تسأل الله الذي هو لها."
والتعليق هنا أن الرجل الناشز هو كالمرأة الناشزة يحل هجره فالرجل المدمن على الخمر أو كثير الشتم يجب هجره من زوجته لأن النشوز فى كل الأحوال هو عصيان لله ويستوى فى ذلك المرأة والرجل فالكل يجب الاعراض عنه وهو خصامه حتى تحسن توبته
وتحدث عن هجر الأقارب فقال :
"ويُعتبر هجر ذوي الأرحام من جملة الكبائر حتى وإن لم تبلغ المدة ثلاثة أيام لأن الهجر هنا أُضيف إلىه قطيعة الرحم والرحم مُعلّقة بالعرش تقول: «من وصلني وصلته ومن قطعني قطعته» وقد أمر سبحانه بوصلها فقال: (واتَّقٍوا اللَّهّ الَّذٌي تّسّاءّلٍونّ بٌهٌ والأّرًحّامّ) [النساء: وليس الواصل كالمكافئ والرحم توصل بالهدية والزيارة والسلام والمراسلة بل الرحم الكافرة توصل من المال ونحوه كما قال الإمام الخطابي وغيره فإن لم يستطع الإنسان صورة من صور الصلة عمل بالأخرى أو بما يقدر عليه منها إذْ لا يُكلف الله نفسًا إلاَّ وسعها. ولما هَمّ البعض بقطع ذوي الرحم استبطاءًا لإيمانهم نزل النهي عن ذلك (لّيًسّ عّلّيًكّ هٍدّاهٍمً ولّكٌنَّ اللَّهّ يّهًدٌي مّن يّشّاءٍ ومّا تٍنفٌقٍوا مٌنً خّيًرُ فّلأّنفٍسٌكٍمً ومّا تٍنفٌقٍونّ إلاَّ ابًتٌغّاءّ وجًهٌ اللَّهٌ ومّا تٍنفٌقٍوا مٌنً خّيًرُ يٍوّفَّ إلّيًكٍمً وأّنتٍمً لا تٍظًلّمٍونّ<272>) [البقرة: 272]
وقد أمر سبحانه بصلة الوالدين ومصاحبتهما بالمعروف حتى وإن ظلما وكانا مشركين قال تعالى: (وإن جّاهّدّاكّ عّلّى أّن تٍشًرٌكّ بٌي مّا لّيًسّ لّكّ بٌهٌ عٌلًم فّلا تٍطٌعًهٍمّا وصّاحٌبًهٍمّا فٌي الدٍَنًيّا مّعًرٍوفْا) [لقمان: 15]. وقد عدَّ الإمام الذهبي هجر الأقارب مطلقًا من الكبائر. أما هجر أهل البدع والأهواء فإنه مطلوب على مر الأوقات ما لم تظهر منهم التوبة والرجوع إلى الحق فمن وَقَّرَ صاحبَ بدعة فقد أعان على هدم الدين ولما دخل رجل يتكلم في القدر (أي ينكره) على ابن سيرين سدّ ابن سيرين أُذُنيه وقال للرجل: إما أن تخرج وإمَّا أن أخرج. قال ابن مفلح: «يُسَنُّ هجر من جهر بالمعاصي الفعلية والقولية والاعتقادية». وقال ابن تميم: «هجران أهل البدع كافرهم وفاسقهم والمتظاهرين بالمعاصي وترك السلام عليهم فرض كفاية ومكروه لسائر الناس ولا يُسلم أحدٌ على فاسق مُعلن ولا مبتدع مُعلن داعية ولا يهجر مسلمًا مستورًا غيرهما من السلام فوق ثلاثة أيام». والهجر هنا قد شُرع كعلاج ولم يُشرع للبتر ولا للإهلاك وبالتالي فلا تزيد في الكيفية أو في الكمية فتُهْلِك صاحِبك وشرع الله مصلحة كله وحيثما كانت المصلحة فثمَّ شرع الله. ولابد من مراعاة واقع الغربة وتفشي الجهالة والقيام بواجب الدعوة والرفق بالخلق وإزالة الشبهات ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيى من حيّى عن بينة. وكان من مذهب عمر وأبي الدرداء وإبراهيم النخعي أنك لا تهجر أخاك عند المعصية فهو قد يعصي مرة ويستقيم أخرى ولعلّ هذا يتناسب مع ظروفنا إذْ لا وطأة لنا على النفوس ولغلبة الجهل وقلّة العلم بآثار الرسالة. والمهجور قد يزداد شرًا وفسادًا فصلته حينئذ مع دعوته أولى من هجره والتباعد عنه. وقد ورد في الحديث: «لا تهجروا ولا تدابروا ولا تحسسوا (أي تجسسوا) ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانًا» [رواه مسلم] والتدابر: هو الإعراض عن المسلم بأن يلقى أخاه فيُعرض عنه بوجهه والتشاحن: هو تغير القلوب المؤدي إلى التهاجر والتدابر وبالجملة فلابد من هجر الذنوب والمعاصي وكل ما يؤدي لذلك والحذر كل الحذر من هجر القرآن وغيره من الطاعات والقربات لقوله تعالى: (وقّالّ الرَّسٍولٍ يّا رّبٌَ إنَّ قّوًمٌي اتَّخّذٍوا هّذّا القٍرًآنّ مّهًجٍورْا<30>) [الفرقان: 30]"
وبعد حديثه عن حرمة هجر الأقارب خاصة الوالدين عاد مرة أخرى للحديث عن هجر المرأة وكونه يكون فى البيت فقال :
"والمرأة لا تُهجر إلاَّ في البيت لحديث معاوية القشيري صلى الله عليه وسلم قال: قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: «أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تُقبح ولا تهجر إلاَّ في البيت» [رواه أبو داود وقال الألباني: حسن صحيح]. ومعنى قوله تعالى:
(واهًجٍرٍوهٍنَّ فٌي المّضّاجٌعٌ) [النساء: 34]
ألاَّ يضاجعها ويوليها ظهره ولا يجامعها أو يغلظ عليها في القول وهذا الهجر غايته عند العلماء شهر كما ذكره القرطبي. وينبغي على الرجل قبل الهجر أن يقوم على وعظ أهله وتذكيرهم وإزالة شبهاتهم برفق ولين وأن يجتهد في الدعاء لهم (رّبَّنّا هّبً لّنّا مٌنً أّزًوّاجٌنّا وذٍرٌَيَّاتٌنّا قٍرَّةّ أّعًيٍنُ واجًعّلًنّا لٌلًمٍتَّقٌينّ إمّامْا <74>)[الفرقان: 74]"
قطعا هجر المرأة يكون فى فراش الزوجية فقط لقوله " فى المضاجع"فهو لا يتعدى حجرة الزوجية وأما بقية البيت فليس فيه هجر حفاظا على العلاقة مع الأولاد
|