"ومن المعلوم أن كثرة الخلطة وبخاصة في أوقات التعبد تدعو إلى فضول الكلام وتضييع الأوقات وكثرة الانشغالات وتقعد عن المناجاة، ولاحظوا ذلك في أحوال بعض المعتكفين هداهم الله وأصلح بالهم، يعتكفون جماعات، فينفتح بينهم الحديث وتتسع أبوابه، بل قد يكون المعتكف مجلبة للزائرين ومكانا للتجمع مما يبعد عن هدي الاعتكاف وحكمته، يقول الحافظ ابن القيم: "كل هذا تحصيل لمقصود الاعتكاف وروحة عكس ما يفعله الجهال من اتخاذ المعتكف موضع عشرة ومجلبة للزائرين وأخذهم بأطراف الحديث بينهم، فهذا لون والاعتكاف النبوي لون آخر". وفي هذا يقول بعض الحكماء: "إذا أردت أن يعتزلك الناس فدع الحديث معهم، فإن أكثر مواصلة الناس بينهم بالكلام، فمن سكت عنهم اعتزلوه"."
بالطبع الاعتكاف المعروف فى المساجد العامة هو عصيان لقوله تعالى :
" ولا تباشروهن وأنتم عاكفون فى المساجد"
فالنساء لا يتم جماعهن فى المساجد العامة وإنما فى حجرات الزوجية المقفلة وهو ما يعنى أن الاعتكاف يكون فى حجرات الزوجية أى النوم فى البيوت
وتحدث عن إصلاح النفوس والمجتمع فقال :
"معاشر المسلمين، هذه إشارات ووقفات لما قد تكون عليه هذه الشهادات في أحوال بعض الصائمين والمتعبدين، ((يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر)).
أيها المسلمون، هل ندرك ونحن نتأمل هذه الشهادات الرمضانية أننا أصبحنا في أمس الحاجة إلى التغيير وأننا لا نزال يملؤنا التفاؤل بغد أفضل وواقع أمثل. إن وسائل العلاج وأدوات النجاح ليست عنا ببعيد، فنحن أمة القرآن وأمة محمد ، أمة هذا الشهر الكريم الشاهد، ونحن الأمة الشاهدة.
منهج التغيير والإصلاح يتمثل في هذه الآية الكريمة الجامعة: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وفي النداء الرمضاني الصادح: ((يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر)).
ليس الإصلاح بالاكتفاء بالنقد والتلاوم وتحويل المسؤولية على الأعداء والخصوم، إن على المسلم الصادق الجاد المحب الخير لنفسه وصادق الغيرة على أمته أن يتقي الله ربه ويدرك الغاية من هذه الحياة والوظيفة في هذه الدنيا، فيحفظ وقته ويستغل شريف أيامه وفاضل أوقاته وينطلق نحو التغيير والإصلاح، فيعيش حياة جادة حازمة متوازنة، فلا يغرق في المباحات على حساب الفرائض والواجبات، كما يجب ترويض النفس وتدريبها على ملازمة الأعمال الصالحة وتحري السنة وصدق المتابعة لهدي المصطفى ."
والحقيقة أن القول يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر ليس نداء رمضانيا وإنما هو أمر يومى للناس فى كل يوم فالطاعة لا تحتص برمضان وإنما هى مطلوبة فى كل يوم
وتحدث عن الاجتهاد فى العشر الأواخر من رمضان فقال :
"أيها الإخوة المسلمون، إن هذه العشر الأخيرة فرصة حقيقية لاختبار النفس في التغيير نحو الأفضل والأحسن. ليس من الصعب بتوفيق الله وعونه تغيير النفس وقطعها عما اعتادته لمن أخلص نيته وصدق في عزيمته، يقول المنذر بن عبيد: تولى عمر بن عبد العزيز بعد صلاة الجمعة فأنكرت حاله في العصر.
وإن من الدلائل على التغيير ومظاهر الهمة وقوة العزيمة وضبط الإرادة في هذا الشهر شهر الصبر الاجتهاد في العمل والإحسان في هذه الأيام العشر تأسيا بالقدوة والأسوة نبينا محمد ، فقد جعل رمضان كله فرصة للاجتهاد، كما خص العشر باجتهاد، تقول عائشة: كان رسول الله يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره، وكان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها.
وتسمو الهمة ويتجلى التوجه نحو التغيير حينما يجتهد العبد ليفوز بإدراك ليلة القدر، فيعمل ويتحرى، فتسمو النفس وتعلو الرغائب للوصول إلى أسمى المراتب وأعلى المطالب؛ توبة وإقلاع وعزم على الإصلاح والإحسان، وتأملوا هذا الحديث العظيم وما فيه من الحث ووقفات المحاسبة: ((رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ فلم يغفر له))."
والأحاديث المذكورة لا تصح فالمسلم يجتهد يوميا فى الطاعة وليس فى رمضان فقط أو فى أواخره فكل أيامنا هى أيام اجتهاد لا نفرق بين أحد منها ولكن الظروف هى التى قد تفرض علينا الاكثار من الاجتهاد ,أهمها اعتداء الأعداء على المسلمين وقيام المجاهدين بردهم فالجهاد هو أفضل العمل ومهما أكثرنا من الصالحات ألأخرى يبقى الجهاد ولو مرة فى العمر أفضل كل الأعمال الأخرى الزائدة التى يعملها القاعدون عن الجهاد كما قال تعالى :
"فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
وتحدث عن الاكثار من الصالحات فقال :
"معاشر الأحبة، أروا الله من أنفسكم خيرا؛ صيام نهار وقيام ليل واعتكاف وقراءة قرآن وذكر وصدقات ودعاء ومحاسبة ومراجعة وندم وتوبة وعزم على فعل الخيرات، ((يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر)).
وبعد: أيها الصائمون، فلحكمة عظيمة جاءت آية الدعاء في ثنايا آيات الصيام: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ولحكمة عظيمة وسر بليغ ختمت آيات الصيام بهذه الآية الواعظة: تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون "
ورغم أنه عن تحدث عن حكم الآيات فلم يبين منها شىء ثم تحدث مرة أخرى ع الاكثار من الصالحات فى رمضان فقال:
"أما بعد: أيها المسلمون، والحديث عن الشهادة الرمضانية وفرص التغيير والإصلاح، فإن شهر رمضان موسم عظيم من مواسم الخير وزمن شريف من أزمنة النفحات، يغتنمه الأتقياء الصالحون للاستزادة من صالح العمل، ويلقي بظله الظليل على العصاة الغافلين والمقصرين فيتذكرون ويندمون ويتوبون، فالسعيد السعيد من كان شهره مجددا للعزم والطاعة وحافزا للتمسك بحبل الله وفرصة للتزود بزاد التقوى، حاديه في ذلك وسائقه همة عالية ونفس أبية لا ترضى بالدون من العزم والعمل، يقول ابن القيم رحمه الله: "إذا طلع غيم الهمة في ليل البطالة وأردفه نور العزيمة أشرقت أرض القلب بنور ربها".
على أنه ينبغي ـ أيها المسلمون ـ لذوي الهمم العالية وطلاب الكمالات أن يعرفوا الطبيعة البشرية والضعف الإنساني، والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا "
وفي مثل هذا يقول بعض أهل العلم والحكمة: إن من الخطأ والخطل أن ينزع الرجل إلى خصلة شريفة من الخير، حتى إذا شعر بالعجز عن بلوغ غايتها انصرف عنها والتحق بالطائفة الكسولة التي ليس لها همة في هذه الخصلة ولا نصيب، ولكن الطريق الصحيح ونهج الحكمة ومنهج السعادة أن يذهب في همته إلى الغايات البعيدة ثم يسعى لها سعيها ولا يقف دون النهاية إلا حيث ينفد جهده ويستفرغ وسعه."
وهو هنا يتحدث عن عدم تكاسل المسلم عن المكرمة بالانضمام للكسالى عن الخير وأنهى الخطبة بمطالبة الحضور بتقوى الله مرة أخرى فقال :
"ألا فاتقوا الله رحمكم الله، واعلموا أن إدراك هذا الشهر والإحسان فيه نعمة عظيمة وفضل من الله كبير، لا يحظى به ولا يوفق إلا من من الله عليه بجوده وإحسانه وفتح عليه أبواب الخيرات، فتنافسوا ـ رحمكم الله ـ في الطاعات، وازدادوا من الصالحات، وجدوا وتحروا ليلة القدر، وتعرضوا لنفحات ربكم.
تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وسائر الطاعات، إنه سميع مجيب."
والملاحظ أن الخطبة كمعظم الخطب فى زماننا هذا لا تعلم الناس شيئا مفصلا من الأحكام فالغرض من أى خطبة هو تعليم الناس أحكام دينهم بالتفصيل وليس الاكتفاء بتوجيهات عامة كالمطالبة بالتقوى فمثلا تحدث عن الاعتكاف فى الخطبة وكان المفروض أن يعرفه ويبين أحكامه ليعرفه للناس
|