فلسفة الأخلاق والسياسة
(المدينة الفاضلة عند كونفوشيوس)
تلخيص كتاب (2)
الفصل الأول: مصادر الفلسفة الكونفوشيوسية التاريخية والتراثية ص 15
أولاً: الأوضاع السياسية والاجتماعية للصين
إن الفكر البشري لا ينفصل عن الواقع الاجتماعي الذي نشأ فيه، فهناك علاقة جدلية بين الأبنية والمؤسسات الاقتصادية من ناحية، ونسق القيم السائد في المجتمع من ناحية أخرى. فالتحولات الاجتماعية والسياسية، يواكبها تحول في الجوانب الفكرية والثقافية. والمفكر ليس معزولا عن مجتمعه بل هو جزء من كيانه.
أ ــ الحضارة الصينية وبداية التكوين:
ولد كونفوشيوس عام 551 ق.م في مقاطعة (لو) المحمية بسلسلة من الجبال، فكانت مستقرة تتمتع بحركة اقتصادية وثقافية متصاعدة. مليئة بالمكتبات والكنوز الفكرية القديمة..
إن تاريخ الصين الأقدم حُدّد بأسرة (هسيا) عام 2275 ق.م، واستمرت تلك الأسرة حتى 1776 ق.م، بزعامة المؤسس (يو) وكانت تلك الأسرة تعتبر حكامها أنصاف آلهة، أعطوا الصينيين لغتهم وعاداتهم وابتكاراتهم الضخمة وسائر أساليب الحياة.
وقد اعتبر كونفوشيوس هؤلاء الأباطرة أبطال عصور الماضي المجيد. إلا أن تلك الفترة اختلط فيها التاريخ بالأسطورة في الوقت الذي غاب فيه التمحيص التاريخي الحق. لذلك فإن المعرفة المؤكدة بالتاريخ الصيني تبدأ بدولة أو أسرة (Shang) بين عامي 1765 ــ1123 ق.م، وقد اتخذت تلك الأسرة عدة عواصم قبل أن تستقر أخيراً في مدينة (Honan)
وأصل أسرة شانج غامض، ويبدو أن أجدادهم وصلوا للصين من الشمال الغربي، ولعل هذا الأمر شائع في الصين القديمة وليس حصرا بتلك الأسرة، فالصين بمساحتها الشاسعة لم تكن تحتوي شعبا واحدا متجانسا فكريا وأنثروبولوجيا، وقد دفع هذا الكثيرين الى اعتبار الصين من هذه الناحية ليست أمة واحدة، وإنما أمم متعددة وخليط من أجناس مختلفة الأصول، متباينة اللغات، وغالبا لا تعرف أصول هذه الأجناس ولا من أين جاءت..
ورغم هذا التنوع الجنسي، استطاعت أسرة شانج أن تصنع من هذا الخليط شعبا ذي هوية واحدة... وكونت طبقات تراتبية (الملك والأسرة الحاكمة والطبقة الأرستقراطية، وطبقة النبلاء، وطبقة الأرقاء والخدم)
في الجانب الديني كانت كل بلدة تعبد أجدادها، ولكنها بالتالي لطقوس موحدة معتبرة الإمبراطور ومن حوله يمثلون الربوبية العليا...
في حوالي عام 1122 ق.م... أي قبل ولادة كونفوشيوس ب500عام، حدث أن تعاهدت قبيلة قوية تقطن غرب الصين تدعى (تشو) على ولائها لأسرة (شانج)... إلا أن تلك القبيلة التف حولها قبائل همجية، واستطاعت أن تزيح أسرة (شانج) عن الحكم....
ومع أسرة (تشو) الملكية أخذت الملامح الثقافية والاجتماعية للصين شكلها المستقر على مسرح التاريخ الحضاري للبشرية، وبذلك اتخذت الحضارية غالبية أشكالها المميزة لها، مستفيدة من الجذور السابقة وأكثر تماسكاً من سابقاتها...
يبدأ حكم أسرة (تشو) من عام 1122 ق.م الى 221 ق.م... وفي آخر ثلاثمائة سنة توجهوا بقوة لدعم الفكر والثقافة فظهر، لكن مع انقسام شديد في صفوف الشعب حتى أصبح عدد الدويلات المنفصلة عن المركز(200) دويلة، فظهر (كونفوشيوس)
[] []
حياة كونفوشيوس وتطوره الفكري*
ولد كونفوشيوس في ظل هذه الأحداث الجسام التي عاشتها مقاطعته (لو)، ورغم أن التاريخ يذكر لنا أنه من أسرة نبيلة إلا أنها فقدت امتيازاتها أثناء الحروب، ومما زاد من قسوة ، أن والده مات وهو لا يزال في مرحلة الرضاعة، فانطلق يعمل في سن مبكرة في أعمال متواضعة، أكسبته مهارات عديدة وفرصا للتأمل...
أيقن أنه في ظل هذه الظروف السياسية لا مخرج له ولا لشعب أمته من هذه الفوضى إلا بالعلم، فحرص على تهذيب وتثقيف ذاته بالفنون الكلاسيكية السائدة والتي كانت تمثل الإرث الخاص بطبقة النبلاء، ومن أكثر ما استفاد منه هو العمل في مخازن القصور التي تحفظ فيها المخطوطات والوثائق التاريخية، فكانت فرصة له للنهم منها...
عندما بلغ الثلاثين من العمر أحس أنه أصبح يقف على أرضية صلبة من المعرفة الكافية التي تخوله لينصح حكام المقاطعات بما يجب أن يعملوه، فطاف بالمقاطعات ولكن لم يواجهه إلا الفشل في مسعاه...
وذهب الى حكيم صيني مشهور ليلتمس منه المعرفة، اسمه (بلاوتزو)، فقال له: إن الأغنياء عادة ما يهدون الناس المال، أما أنا فسوف أمنحك نصيحة: [غالبا ما يكون الرجل البارع حسن التفكير في خطر طوال حياته لأنه ينقذ الناس، ودائما يكون الرجل المثقف في صراع ويخاطر بنفسه لأنه يسعى لإصلاح الآخرين]
عاد الى مدينته واشتغل في التدريس فأصبح تلاميذه يزيدون يوما بعد يوم، فذاع صيته، فعينه حاكمها قاضيا، وبعد سنة أصبحت (مدينة فاضلة).
شعر حكام المقاطعات بخطر كونفوشيوس، فبعثوا مجموعة من الغانيات الجميلات الى حاكم المقاطعة فأفسدنه، وحاول كونفوشيوس ثنيه، لكنه فشل فقدم استقالته.
وبعد كفاح طويل في التجوال بين المقاطعات ونشر فكره، مات كونفوشيوس عام 479 ق م تاركا إرثا عظيما من الفكر الذي لا يزال حاضرا ليومنا هذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
هوامش من تهميش المؤلف:
H.G. Greel, Chinese Thought from Confucius to Mao Tse-Tung/ New American Library, New York,1953,P27
2ــ Haward Smith Op.Cit,P23 تاريخ الصين، مجلة بناء الصين – بكين، سلسلة كتب (سور الصين العظيم) 1986 ص13
__________________
ابن حوران
|