نظرات في بحث العرفاء ونظرية المعاينة في فهم النص الديني
نظرات في بحث العرفاء ونظرية المعاينة في فهم النص الديني
صاحب البحث يحيى محمد وهو يدور حول ما سماه بنظريتى المشاكلة والمعاينة وقطعا من يقرأ أى بحث فلسفى لابد أن يتوه فيه لأن تلك المعلومات تتطاير هناك وهناك فينسيك أولها أخرها واخرها أولها
النظريتان في الأساس نظريات لغوية في موضوع واحد وهى الألفاظ التى تطلق على الله تعالى
الأولى تقول أن الألفاظ التى تطلق على الله في الوحى هى ألفاظ تطابق الواقع بمعنى :
أن إذا جعلت لله يد فهذا معناه أنعها يد حقيقية كيد الناس وإذا جعلت لله وجه فهذا معناه أن لله وجه جسدى كوجه الناس
الثانى تقول أن الألفاظ المطلقة على الله في الوحى والتى تعنى في كتب اللغة أعضاء جسدية أو أفعال جسدية ليست ألفاظ حقيقية وإنما تلك الألفاظ لها معانى مختلفة في الله
قطعا من أوقع هذا الجدال هى الفهم الخطأ لكتب اللغة فكلمة يد في الكتب مثلا تطلق على اليد بمعنى الكف أو الكف ومعه الذراع أو تطلق على المعروف أى الجميل كما تطلق على القوة ..
ومع هذا تجد من فهموا خطأ أو انشأوا المشكلة يتركون كل المعانى ويتشبثون بالمعنى الجسدى
بالطبع تلك الكلمات وضعها له معيار واحد وهو قوله تعالى :
" ليس كمثله شىء "
ومن ثم لا يجوز تشبيه الخالق بالخلق ولا الخلق بالخالق
وأما العرفاء فهو مصطلح يطلقه الشيعة على الصوفية وهو موجود عند السنة في كلمة العارف بالله فلان أو علان وبالقطع هم من أبعد الخلق عن معرفة دين الله
هذا هو خلاصة البحث قبل الحديث عن تفاصيله والتى سوف يتوه بعضنا فيها
وقد شرح يحيى محمد نظرية المشاكلة بأنها تشبه نور الشمس الذى يقوى ويضعف حسب البعد كما يقال فالضعف والقوة فالحقيقة واحدة ذات دلالات متعددة وهو قوله :
"يمكن اعتبار ابن عربي ابرز من يمثل نظرية المعاينة وسط العرفاء. والتعرف على طريقته يعود بنا الى التذكير في طبيعة الاختلاف الذي ساد بين الفلاسفة والعرفاء حول فهم التنزل الحاصل في الوجود. اذ تعتمد الطريقة الفلسفية في تصوير علاقة المبدأ الحق بغيره على الوسائط من الرتب الوجودية، مثل تنزلات نور الشمس وضعفه شيئاً فشيئاً عندما يصطدم بعدد من الحواجز كالقمر والمرآة والجدار وغير ذلك، فرغم ان حقيقة النور واحدة الا ان لها مراتب مختلفة من الشدة والضعف، وكذا هو الحال في علاقة المبدأ الاول بغيره من الموجودات، حيث الحقيقة المشتركة بين الجميع واحدة الا انها تختلف من مرتبة لاخرى.
وهذا الاشتراك في الحقيقة الواحدة هو ما أكدت عليه نظرية المشاكلة، فرأت ان ما ينطق به النص من الفاظ له حقيقة واحدة ذات دلالات متعددة ومتفاوتة، على غرار ما في الوجود من المراتب المتعددة رغم وحدة الحقيقة فيما بينها. فوحدة الدلالة لظاهر النص مستمدة من وحدة الحقيقة الوجودية، وتعدد مراتب الدلالة وكيفياتها مستمد من تعدد مراتب الوجود وكيفياته، وبالتالي فان ظاهر النص والفاظه قد جاءت على شاكلة ما عليه الوجود الخارجي، مما يتسق ومنطق السنخية. "
بالقطع تشبيه الدلالات بنور الشمس الضعيف والقوى لا يعبر عن الحقيقة بدلالات مختلفة
وأما النظرية الثانية وهى المعاينة فهى تقصد أن الخلق هم الله والله هو الخلق وهو ما يسمونه وحدة الوجود والرجل يشببها بأن النور يرى من خلال ألوان الزجاج مختلف ولكنه واجد فقال :
"أما الطريقة العرفانية فأمرها مختلف، فهي تعتبر العلاقة بين المبدأ الحق وتنزلاته الوجودية ليست علاقة غيرية كالذي تبديه الطريقة الفلسفية، رغم تقارب النظريتين، اذ لا تعترف بوجود غير الحق، وان علاقته بما يطلق عليه الغير تمثل نسباً اعتبارية، وتقيدات تعينية تفرضها قوابل الاعيان الثابتة او الماهيات التي هي من حيث ذاتها ليست موجودة ولا شمت رائحة الوجود. فالحقيقة هنا واحدة، أما التعدد فهو يأتي بحسب التعينات واختلاف القوابل او الماهيات، مثلما يتضح في علاقة النور الملقى على زجاجات مختلفة الالوان، فلولا النور ما ظهر منها شيء، وان اختلاف الوانها هو بحسب ما هي عليه من طبائع مختلفة، لكنها تظل معدومة لا تظهر الا بالنور.
وكذا تظهر الاشياء بالحق وهو يختفي فيها، مع ان حقيقة الموجود هو ذاته لا غير، فكان الظاهر هو الخلق، والباطن هو الحق او مثلما يتضح في علاقة الفحم المجاور للنار، حيث يكتسب صفاتها عند المجاورة، وكذا هو الحال في تنور الخلق بنور الحق وحمل صفاته، وبالتالي فما من شيء يظهر الا وهو يحمل صفات الحق، فيكون بهذا الاعتبار حقاً متعيناً ومقيداً بقيده الخاص، فالحق هو الظاهر في الاعيان، وهو ذاته الذي اخفاها. او مثلما يتضح الحال في ظهور الصورة الواحدة في المرايا المتعددة المختلفة، حيث الصورة واحدة مع انها تظهر بمظاهر مختلفة تبعاً لاختلاف المرايا، وكذا ان الوجود واحد لكنه يتعين بتعينات مختلفة تبعاً للقابليات.
وسواء تتبع الطريقة العرفانية النسق الذي يبرزه مثال النور والزجاجات الملونة، او مثال الفحم المجاور للنار، او مثال الصورة في المرايا المختلفة، فالأمر هو هو من حيث ان للحق مظاهر وتعينات كلها تدل على ما له من حقيقة وجودية لها علاقة بتلك الاعيان التي لسان حالها طلب الظهور بحسب ما عليه قابلياتها واستعداداتها من غير زيادة ولا نقصان. وقد انعكس هذا التصور على فهم النص وطبيعة التعامل مع الظاهر تبعاً لما اطلقنا عليه المعاينة. اذ تصبح الفاظ النص حاكية لكل ما تصفه من الوجود وتعيناته ومراتبه وشؤونه الذاتية واسمائه وصفاته، سواء كانت حسية او غير حسية، وسواء كانت تشبيهية او تنزيهية، حيث الوجود يسع الكل، فهو المطلق الذي يتعين بالتعينات بلا حصر ولا حدود، وهو المشهود في كل مشهود، كما انه الغيب بحسب الذات المقدسة واسمائها ولوازمها من الاعيان الثابتة. فهذا هو الوجود، وذلك هو النص الذي يصور ما عليه الوجود في كافة مراتبه وتعيناته تصويراً عينياً ومطابقاً من غير تحريف."
ومن هنا جاء الخلاف بين الفلاسفة والعرفاء فالأوائل يجعلون الألفاظ المطلقة على الله جسديا في الوحى لا تعبر عن الحقيقة والأواخر يرونها عين الحقيقة وفى هذا قال :
"هكذا فانه اذا كان الفلاسفة يعولون في التنزل على المراتب الوجودية باعتبارها تشاكلات فيما بينها دون ان تمثل عين الحق، وعليها تأسست نظرية المشاكلة في التفسير والفهم، فان العرفاء اعتبروا هذه التنزلات تمثل الحق تبعاً لوحدة الوجود الشخصية التي تظهر بالوان واشكال مختلفة بحسب ما عليه الاعيان الثابتة من جهة، وبحسب ما عليه الحق الظاهر فيها، باعتباره يمثل عين الظهور الذي تظهر به.
فالمعاينة هي العين الظاهر في الوجود للحق، كما انها عين الاشياء من حيث ماهياتها واعيانها الثابتة، فليس في الوجود غير هذه العين الواحدة التي تطوي في جنبها تلك الاعيان. ومع اننا لا نجد تنظيراً لهذه النظرية وسط العرفاء، خلافاً لما لاحظناه في نظرية المشاكلة التي نظّر اليها الغزالي ومن بعده صدر المتألهين، لكنا مع ذلك نصادف الكثير من الشواهد التطبيقية الدالة عليها، لا سيما لدى ابن عربي مع الاخذ بعين الاعتبار انه سواء بخصوص الغزالي وصدر المتألهين، او ابن عربي وسائر العرفاء، فان كلاً من الجماعتين لم يلتزم بحدود الانضباط كما دلت عليه هاتان النظريتان، فقد ظهرت لديهما افاق اخرى من التفاسير المتعددة التي يغلب عليها انعدام الضابط ويلاحظ ايضاً ان صدر المتألهين قد لجأ - في بعض الاحيان - الى الطريقة التي دلّ عليها ابن عربي في نظرية المعاينة، فهو كلجوء الفلاسفة وانزلاقهم نحو النظرية العرفانية في وحدة الوجود احياناً.
وبحسب نظرية المعاينة فان للنص مرجعيته المعرفية المؤكدة، وان كل ما يظهر على الالفاظ في تصوير الوجود هو حق مطابق لا اختلاف فيه. فالنص عندما يضفي على الصفات الالهية صفات حسية فانما يعني هذا الجانب الحسي لا غير، وكذا عندما يبدي نفيه لهذا الامر انما يعني هذا النفي، بل وعندما يبدي الجمع بين المتضادين فانه يعني التضاد، وهو بالتالي يحكي ما هو الوجود ويصوره على ما هو عليه من غير زيادة ولا نقصان. وهذه هي المطابقة بين الالفاظ والوجود، كما هذه هي المحاكاة العينية بينهما.
فالنص بحسب هذه النظرية يتحدث عن المعنى الخاص الذي يصور فيه ما عليه الوجود إن كان حسياً او غير حسي. وبعبارة اخرى ان نظرية المعاينة ترى ان اللفظ بدلالته الحرفية الخاصة يعبر تعبيراً عينياً ومطابقاً للوجود الموضوعي. "
وذكر أمثلة من المنهج العرفانى الذى جعل الله تعالى عن ذلك هو نفسه المخلوق فقال :
وهناك الكثير من الشواهد التي توضح هذه الطريقة من الفهم بحسب الجمع بين الظاهر وما عليه القبلية الوجودية، خاصة فيما يرتبط بالاشارات التي لها علاقة بوحدة الوجود والاعيان الثابتة،
|