(136) ولكن "معظم ضروب الإيقاع -كما يقول ريتشاردز مرة أخرى -يتألف من عدد المفاجآت ومشاعر التسويف وخيبة الظن لا يقل عن عدد الإشباعات البسيطة المباشرة ، وهذا يفسر لنا لماذا سرعان ما يصبح الإيقاع المسرف في البساطة شيئًا مملاً تمجه النفس ، خاليًا من الانفعال والتأثر (119)و"غالبًا ما يكون لخيبة التوقعات أهمية أكثر من تحققها ، والنظم الذي لا نجد فيه غير ما نتوقعه بالضبط دائمًا بدل أن نجد فيه ما يطور استجاباتنا الكلية هو مجرد نظم رتيب يبعبث على الضيق "(120). وكان هذا عاملاً من العوامل التي دفعت الشاعر العبي - منذ عصور موغلة في القدم إلى أن يتمرد على هذا الشكل وأن يكسر قليلاً من حدة صرامته وانضباطه ، وهو أيضًا عامل من أهم العوامل التي دعت الشاعر العربي المعاصر إلى البحث عن شكل موسيقي جديد يصوغ من خلاله رؤيته الشعرية الحديثة ، شكل يكون أقل إحكامًا ، وأكثر مرونة وطواعية من الشكل الموروث . يضاف إلى هذا العامل الأساسي مجموعة من العوامل الأخرى لعل أهمها أن الشكل الموسقي الموروث -على الرغم من كثرة الالتزامات فيه - يتألف من نغمة واحدة منضطبة ، تتردد على امتداد القصيدة بتدون تنوع يكذر ، وهذا بدوره يحرم المتلقي من متعة مشاركة الشاعر في اكتشاف شكله الموسيقي وإبداعه أولاً بأول ، لأن الشكل الموسيقي الموروث يمنح عطاءه الموسيقي منذ البيت الأول ، ولا يترك للقارئ بعد ذلك شيئًا ذا بال -فيما يتصل بالجانب الموسيقي -ليكتشفه ، حيث يجيء كل شيء على النحو الذي يتوقعه تمامًا -كماسبقت الإشارة إلى ذلك - : وحدة الإيقاع ،والبيت ، والضرب ، والقافية . ____________________________ (119) السابق .ص 192 (120)السابق .ص 195 |
(137) ويحاول البعض في العادة أن يربط بين الشكل الموسيقي والتراث الشعري الذي كتِبَ في إطاره ، فيعتبر أن أية محاولة لتطوير الشكل الموسيقي يمثل موقفًا من التراث الذي كتِبَ بهذا الشكل ، مع أنهما شيئان مختلفان ، ومن الممكن لشكل ما أن يضيق عن استيعاب بعض أبعاد التجربة الشعرية في عصر معين نتيجة لظروف حضاروية وفنية واجتماعية خاصة ، دون أن يعني ذلك أن التراث الذي كُتِبَ في إطار هذا الشكل في عصور سابقة ، وفي ظل ظروف أخرى ، غير قابل للفناء والخلود ، ولقد اتسع الشكل الموسيقي للقصيدة العربية الموروثة لأبعاد تجربة الشاعر العربي ،واستطاع هذا الشاعر أن يبدع في إطار هذا الشكل أروعا لقصائد وأبقاها . وفي الوقت الذي أحس فيه الشاعر العربي بأن هذا الشكل لم يعد -وحده- قادرًا على استيعاب كل أبعاد رؤيت بدأ محاولة تطوير هذا الشكل ، ومن يومها استمرت المحاولات حتى العصر الحديث . والشاعر العربي الحديث في محاولته لتطوير الشكل الموسيقي للقصيدة العربية ، واكتشاف إمكانيات تعبير وإيحاء موسيقية جديدة لم يتخل كلية عن الشكل الموسيقي الموروث بأشد صيغة إحكامًا وصرامة ، فظل يستعمله إلى جانب الأنماط الموسيقية الأخرى التي اكتشفها ، أو بتعبير أدق استولدها من هذا الشكل الموروث . وقد اعتمد الشاعر العربي المعاصر في محاولة اكتشاف شكله الموسيقي الجديد على مصدرين أساسيين : أولاً : محاولات التجديد الموسيقي في تراث القصيدة العربية ، ابتداء بالموشح الذي طور الكثير من التقاليد الموسيقية للشكل الموروث للقصيدة-على الرغم من أنه فرض في مقابلها قيودًا قد لا تكون في بعض جوانبها أقل صرامة-وانتهى بمحاولات رواد التجديد الأُوَل في القصيدة العربية الحديثة من شعراء المهجر ، وشعراء أبوللو ، وسواهم من رواد التجديد في تاريخ شعرنا الحديث . |
(138) وثانيهما : محاولات التجديد في موسيقى القصيدة في الآداب الأوروبية الحديثة ، وخصوصًا الأدب الرمزي الفرنسي، وامتداداته في الآداب الأوروبية الأخرى ، وقد تعرفنا على مدى اهتمام الرمزيين بالجانب الموسيقي في الشعر نتيجة لتأثرهم بموسيقى فاجنر ، وما تمتلكه من قدرات تعبيرية جعلت بودلير يقول عنها " إنها -حتى بدون شعر - تظل تعمل عملاً شعريًا، لتمتعها بكل المزايا التي تصنع شعرًا عظيمًا"(121) والتي دفعت واحدًا من شعراء ونقاد آخر أجيال الرمزية الفرنسية وهو "بول فاليري"إلى أن يقول :"إن مهمة الشعر أن يسترد من الموسيقى ما سلبته منه"(122) وأنه "لم يكن من سبيل للشعر إلا أن يحاكوا بكل جهدهم هذا المنافس الخطير" (123)ولم يكن من الممكن أن يحاكوه من خلال الشكل الموسيقي الموروث للقصيدة الفرنسية ، المتمثل في "البحر الإسكندري " الذي كان يتميز بنوع من الرتابة والإحكام ، وهم يريدون أن تكون موسيقى أشعارهم صدى لتلك الخلجات الروحية العميقة ، وتلك الأبعاد النفسية الغامضة ، وليست قالبًا جاهزًا تسجن فيه تلك الخلجات ، إنهم يريدون أن يستغلوا ما فيها من طاقات إيحائية خارقة لا تحدها قيود للإيحاء بهذه الجوانب التي لا تعبر عنها الكلمات ، ومن ثم أعلنوا الثورة على رتابة البحر الإسكندري ولجأوا إلى "الشعر الحر Vers Libre"وقد وجدت دعوة الرمزيين إلى هذا الشكل معارضة شديدة في بادئ الأمر ، ولكنه لم يلبث أن فرض نفسه كشكل موسيقي جديد ،وحتى الذين عارضوا الأسس النظرية للدعوة إلى الشعر الحر لم يتمالكوا أنفسهم من الإعجاب بالنماذج الشعرية التطبيقية(124) وكان أبرز ما يميز هذا النمط الموسيقي أن عناصره لم تكن مستمدة من قواعد مفروضة سلفًا وإنما كانت تنبع غالبًا من التوافق الداخلي بين الكلمات والأصوات ، فكان له إيقاعه الخاص الذي يحاول فيه أن يكون صورة من الإحساس الداخلي للشاعر والخوالج الباطنية التي لا يمكن أن تتساوى وتتماثل "وبلد أن يخضعوا الخوالج للتعبير أخضعوا التعبير لها ، فجرى تقسيم الأبيات تبعًا للمدى الزمني الداخلي الي تستغرقه العاطفة .(125) _______________________ (121) : Baudelaire.L'ar Romantique.p.288 (122):انظر :د.إحسان عباس ؛فن الشعر ص65 (123):السابق . ص66. (124): Gustav Kahn : Les Orginies Du Symbolisme .Ed Albert Messein. Paris. 1936. p.10 (125):د.أنطون غطاس كرم : الرمزية والأدب العربي الحديث.ص102 |
(139) وإذا كان بعض الذين كتبوا بالشكل الحر من الشعراء الرمزيين الفرنسيين ومن تأثر بهم في المرحلة الرمزية قد ارتدوا لأسباب متعددة-كما توقع جوستاف كاهن- إلى الشكل التقليدي فإن هذا الارتداد-بالإضافة إلى كل المعارضة التي جوبه بها الشكل الحر والدعوة إليه-لم يكن له سوى تاثير ضئيل(126)وذلك لأن "موجة الإيقاع الرمزي لم تنحسر إلا بعد أ، تركت آثارًا عميقة في كثير من الشعراء الفرنسيين والمعاصرين.. وكما امتدت التصورية (127) وعن طريق هذا الامتداد بالذات من امتدادات التأثير لتطوير الشكل الموسيقي للقصيدة العربية إلى "الشعر الحر " 4- الأسس الموسيقية للشعر الحر : ليس معنى الحرية في الشعر الحر الذي يعتبر أحدث الأشكال الموسيقية للقصيدة العربية الحديثة -وإن لم يكن هو شكلها الموسيقي الوحيد- أنه قد تحرر كلية من الالتزامات الموسيقية في الشكل الموروث ، أو أنه لم يعد يسمح للمتلقي بأي لون من ألوان التوقع المنضبط الدقيق التي كان يسمح له بها الشكل الموروث . _____________________________________________ (126):د.أنطون غطاس كرم:الرمزية والأدب العربي الحديث .ص 102 (127):Las Originds du Symbolisme..10 |
(140) فالشعر الحر يلتزم التزامًا دقيقًا بالأساس الجوهري من أسس الإيقاع في الشكل الموروث ، وهو تكرار وحدة الإيقاع ،وهو يلتزم -وإن كان بشكل أكثر مرونة- بالقافية ، ولكنه لا يلتزم فيها نسقًا ثابتًا كما سنرى . أما الأساس الذي تحرر منه هذا الشكل كلية من الأسس الموسيقية للشكل الموروث فهو "البيت" بمعناه الموروث -أي بمعنى عدد محدد من التفاعيل يلتزم في أي سطر من السطور . أما وحدة "الضرب " فإن الشعر الحر لم يلتزم بها أيضًا التزامًا حاسمًا ، وإن كنا لا نعدم أن نجد في بعض القصائد الحرة ذات القافية الموحدة نوعًا من التزام وحدة الضر ب. وعلى الرغم من أن شعراءنا المحدثين حاولوا تطويع بعض الأوزان من النمط المركب -الذي تتألف وحدة إيقاعه من أكثر من تفعيلة -فإن الغالبية العظمى من نتاج الشعر الحر جاءت في إطار النمط البسيط -الذي تتألف وحدة إيقاعه من تفعيلة واحدة -ولنتعرف على طبيعة البناء الموسيقي للشعر الحر نقرأ معصا هذاالنموذج للشاعر محمد الفيتوري 128) كان قلب الحديقة يركض مختبئًا في الظلام والحديقة أرخت ستائرها كي تنام وتدلى القمر ذلك العاشق الملكي ،محب السهر ومضى يتسلق سور الحديقة نجد أولاً أن الأبيات كلها تلتزم تكرار وحدة إيقاع واحدة هي التفعيلة "فاعلن" وهي وحدة إيقاع بحر "المتدارك"ولكن الشاعر لم يلتزم تكرارها عددًا محددًا من المرات في كل بيت ، فالبيت الأول مثلاً يتألف من ست وحدات : (128):محمد الفيتوري. قصيدة القمر والحديقة.ديوان "الثورة والبطل والمشنقة"دار العودة .بيروت_________________________ |
(141) وهكذا لا يتشابه بيت من الأبيات الخمسة في الطول مع سواه-إذا ما استثنينا البيتين الثاني والرابع- وهكذا تتراوح أطوال الأبيات في هذا النموذج ما بين وحدتين من وحدات الإيقاع ست وحدات .كان قلـ\ ب الحديـ\قة ير\كض مخـ\تبئًا \في الظلام فاعلن\ فاعلــــن\فعلـن\ فعلن \فعلن\فـــاعلان والحديـ\قة أر\خت ستـا\ئرها\ كي تنام فاعلن \ فعلن \ فاعلن \ فعلن \فاعلان وتدلـ ــلى القمر فعلن\ فاعلن بينما يتألف البيت الأخير من أربع وحدات: ومضى\ يتسلـ\ق سو\ر الحديقة فعلن\ فعلن\فعلن \فاعلاتن أما "الضرب" فإن الشاعر لم يلتزم فيه صيغة واحدة ، فهو"فاعلن" في البيتين الثالث والرابع ، وهو "فاعلان" في البيتين الأول والثاني ، وهو "فاعلاتن" في البيت الأخير . وكذلك القافية لم يلتزم فيها الشاعر نسقًا واحدًا ، وإنما ظل يراوح بين مجموعة من القوافي بدون نسق ثابت ، أي أنه يلتزم بنوع من التقفية ولا يلتزم بمبدأ القافية الواحدة ،أو القافية المتنوعة وفق نظام ثابت محدد . ولكن الشاعر قد يرى أحيانًا أنه في حاجة ماسة إلى التزام قافية واحدة طوال قصيدته الحرة إذا أحس أنه يحتاج إلى إبراز الإيقاع كما فعل الشاعر محمود حسن إسماعيل مثلاً (وهو واحد من الرواد الأوائل في مجال استخدام"الشعر الحر"ولكنه ارتد عنه مرة أخرى إلى القالب الموروث بأشكاله المتطورة ، ثم عاد إلى الشعر الحر من جديد في أخريات حياته) في قصيدته "التزام":(129) _______________ (29) : محمود حسن إسماعيل: ديوان "نهر الحقيقة".الهيئة المصرية العامة للكتاب 1972ص18. وهي قصيدة طويلة تتجاوز المائة بيت ، وقد التزم الشاعر فيها كلها قافية واحدة هي النون الساكنة المسبوقة بألف ، يقول الشاعر في مطلع هذه القصيدة : |
(142) القصيدة من بحر الكامل والشاعر لم يلتزم بتكرار واحدة إيقاعه "متفاعلن" عددًا محددًا من المرات في كل بيت ، وإنما تتنوع أطوال الأبيات ما بين وحدة واحدة كالبيتين الأول والثاني مثلاً ، ووحدتين كالبيت الثالث ، وثلاث كالبيت الرابع ، وخمس كالبيت الخامس ، والسادس والسابع ، وهكذا..متلازمان متعانقان في كل آونة وآن كالظل في كبد الغدير .. يهومان وكالشعاعة في تلفت نجمة وحشا هجير ..يهبطان كالوهم ..حين تروغ حيته بأغصان الشعور ..يداهمان كالحم يخلق من خريف النفس أجنحة تطير ..يرفرفان .. .. .. .. .. .. متلازمان متعانقان أنا والحقيقة كل آن |
(143) ولكن الشاعر في غمرة سبحه في ذلك الأفق الصوفي -الذي يحس فيه بتعانق روحه الحقيقية وامتزاجها بها-أحس بأنه في حاجة إلى تكثيف الجانب الإيقاعي وإثراء الناحية الغنائية وذلك عن طريق التقفية ، فالتزم قافية واحدة طوال القصيدة ، بل إنه لم يكتف بهذه القافية الموحدة في نهاية كل بيت فراح يدعمها بمجموعة من القوافي الداخلية ،التي تتناثر داخل الأبيات فتغني الإيقاع وتكثفه ، وذلك كالراء المسبوقة بياء أو حرف واو -ومعروف أن الواو والياء إذا وقعت إحداهما ردفًا (وهو حرف المد الذي يسبق حرف الرويّ في القافية) يجوز تبادلها مع الأخرى-وهذا واضح في الأبيات من الرابع إلى السابع ، وفي أبيات أخرى في القصيدة . ونتيجة لالتزام الشاعر قافية واحدة فإن صيغة الضرب جاءت بدورها موحدة على امتداد القصيدة ، حيث جاءت تفعيلة الضرب في كل بيت على صيغة "متفاعلان" وهي الصيغة المذيلة-التي زيد في آخرها حرف ساكن- لوحدة إيقاع الكامل . وإذا كان في الشعر الحر مثل هذه النماذج التي التزمت قافية واحده فإن فيه في مقابل ذلك نماذج أخرى لم تلتزم التقفية إطلاقًا ، وقد مرت بنا بعض هذه النماذج كقصيدة "مائدة الفرح الميت" (130)للشاعر محمد إبراهيم أبي سنة مثلاً التي لا يتشابه فيها بيتان في قافيتهما . فالقافية في القصيدة الحرة باختصار ليس لها نظام ثابت ملتزم ، وإنما يتصرف فيها الشاعر وفق طبيعة رؤيته الشعرية الخاصة . وإذا كانت الغالبية العظمى من الشعر الحر قد كتبت في إطار النمط البسيط من نمطي الأوزان العروضية الموروثة فإن هناك محاولات كثيرة كتبت أيضًا في إطار النمط المركب بقسميه . _______________ (130): انظر هذا الكتاب ص 63 |
(144) فمن نماذج القسم الأول - وهو الذي تتألف وحدة الإياقع فيه من تفعيلتين اثنتين -يقول السياب في المقطع الرابع من قصيدة"سفر أيوب"(132)-وهي قصيدة طويلة كتبها الشاعر وهو يعالَج في لندن من مرضه الطويل الذي انتهى به إلى الموت : أطفال أيوب من يرعاهم الآنا ضاعوا ضياع اليتامي في دجى شات ِ جيكور ، والشمس ، والأطفال راكضة بين النخيلات ِ وزوجة تتمرى وهي تبتسم أو ترقب الباب ، تعدو كلما قرعا لعله رجعا مشاءة دون عكاز به القدم فالقصيدة من بحر البسيط الذي تتركب وحدة إيقاعه من تفعيلتين "مستفعلن فاعلن"ولكن الشاعر لم يلتزم هنا بتردد هذه الوحدة أربع مرات في كل بيت -كما هي تقاليد الشكل الموروث- وإنما تراوح تردد هذه الوحدة ما بين مرة واحدة ،ومرتين ، وثلاث ، فهي تتردد مرة واحدة في البيت السابع : لعله رجعا متفعلن فعلن وتتردد ثلاث مرات في اليبت الرابع : ______________ (131):بدر شاكر السياب .ديوان "منزل الأفنان".دار العودة.بيروت1971ص 33 |
(145) جيكور ، والشمس ، والــ\ راكضة \بين النخيلات ِ(132) مستفعلن فاعلن \مستفعلن فعلن\مستفعلن فعلن وتتردد مرتين في بقية الأبيات ، فالبيت الأول مثلاً : أطفال أيـ \وب من \ يرعاهم الــآنا مستفعلن فاعلن \مستفعلن فعلن أما القسم الثاني من قسمي النمط المركب -وهو ذلك الذي تركب وحدة الإيقاع فيه من ثلاث تفعيلات-فإن معظم النماذج التي كتبت به-باستثناء تلك التي كتبت من بحر "السريع"-كتبت بأسلوب "التدوير " وسنحلل بعض هذه النماذج حين نعرض لهذا الأسلوب . 5-المزج بين الشكلين الحر والموروث : ظل الشكل الموسيقي الموروث يستخدم مع الشكل الحر جنبًا إلى جنب في بناء القصيدة العربية الحيدثة ، وإن كانت نسبة استخدامه آخذة في التضاؤل بالقياس إلى الشعر الحر ، ولكن الشاعر العربي الحديث ما زال يشعر أن من أبعاد رؤيته الشعرية ما لا يصلح للتعبير عنه إلا الشكل الموروث بإيقاعه المحكم الدقيق ، ومن ثم فإننا نجد القصائد الحرة تتجاور في الديوان الواحد مع القصائد المكتوبة بالشكل الموروث ، بل إن الشاعر أيحانًا يحس أن بعض أبعاد رؤيته الشعرية في إطار القصيدة الواحدة يلائمها استخدام الشكل الحر ، بينما يلائم بعضها الآخر الشكل الموروث ، ومن ثم فإنه يمزج الشكلين في القصيدة الواحدة ، وخصوصًا تلك التي يكون فيها نوع من الحوار والصراع بين صوتين،أو بين بعدين من أبعاد رؤية الشاعر ، ومن النماذج البارعة لهذه المزج بين الشكلين قصيدة "بورسعيد" (133)لبدر شاكر السياب . _________________________ (132): لم نلتزم هنا -وفي كل المواضع الأخرى- بالكتابة العروضية،باستثناء كتابة الحرف المشدد حرفين إذا كان مشتركًا بين تفعيلتين . (133):ديوان "أنشودة المطر"ص181 وسنعرض لهذه القصيدة في مبحث"البناء الدرامي للقصيدة الحديثة" |
Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.