العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة الفـكـــريـة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة فى مقال لغز زانا الأم الوحشية لأبخازيا (آخر رد :رضا البطاوى)       :: Can queen of England? (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: المعية الإلهية فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نقد رسالة في جواب شريف بن الطاهر عن عصمة المعصوم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: عمليات مجاهدي المقاومة العراقية (آخر رد :اقبـال)       :: نظرات فى مقال أسرار وخفايا رموز العالم القديم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال آثار غامضة ... هل هي أكاذيب أم بقايا حضارات منسية؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: خرافة وهم سبق الرؤية .. ديجا فو (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال هستيريا (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال فن التحقيق الجنائي في الجرائم الإلكترونية (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 03-05-2009, 12:18 PM   #1
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي


22 ـ إمبراطوريات الاستياء، وإمبراطوريات التوقير

قد لا يُكتب النصر للاقتصاد الحديث في كل موقعة، فإن توقف مسار التجانس الاقتصادي، فستواجه عملية الأخذ بالديمقراطية هي أيضا مستقبلا يشوبه الغموض. ومع كثرة الشعوب في عالمنا التي تعتقد على المستوى النظري، أنها تريد الرخاء الرأسمالي والديمقراطية الليبرالية، فلن يكون من المتاح للجميع تحقيق هذه الأهداف (!)

هناك باستمرار مشهدان يرافقان أداء الديمقراطية الليبرالية بأداءها السياسي والاقتصادي، مشهد المعاداة التي تظهر عندما تكبو الليبرالية الغربية أو تفشل في أدائها، وهذا المشهد يظهر في العالم الإسلامي وغيره من المناطق كالشيوعية مثلا. والمشهد الآخر هو محاكاة الليبرالية الغربية وتقليدها في كل شيء ـ إلا في بعض النواحي ـ كما في اليابان وسنغافورة وبعض الدول الأخرى.

(1)
حركة الإحياء الأصولية الإسلامية التي نلمسها في كل دول العالم تقريبا ذات التعداد الكبير من المسلمين، يمكن اعتبارها رد فعل لفشل المجتمعات الإسلامية بوجه عام في الحفاظ على كرامتها في مواجهة الغرب غير المسلم.

وقد استجاب عدد من الدول الإسلامية في القرن التاسع عشر ومستهل القرن العشرين لضغط المنافسة من قبل أوروبا المتفوقة عسكريا، بأن بذلت جهودا من أجل التحديث السريع حتى تتمثل الممارسات الغربية الضرورية في رأيها لبقائها في حلبة المنافسة.

لقد حاولت الكثير من الدول الإسلامية أن تدخل في برامج تحديثها كل المجالات تتبنى فيها (العقلانية!) الغربية، وذلك في ميادين التعليم والجيش والأداء السياسي والاقتصاد وحتى البيروقراطية نفسها.

وكانت المحاولات التركية أول المحاولات في الدول الإسلامية، من وضع (دستور) الى تشكيل مجلس (مبعوثان: البرلمان)، حتى انتهت تلك المحاولات الى (العلمانية) في عهد (كمال أتاتورك).

كما أدخلت القومية العلمانية، الى بعض الأقطار العربية، مثل مصر في عهد عبد الناصر وسوريا والعراق في ظل حكم حزب البعث، وكذلك لبنان.

(2)

إذا كانت اليابان في عهد (ميجي) قد استعانت بالتكنولوجيا الغربية وطرائقها السياسية في إدارة الدولة، لدحر (روسيا) في حربها عام 1905، ولتحدي الولايات المتحدة الأمريكية عام 1941، فإن الدول العربية والإسلامية لم تستورد الطرائق الغربية باقتناع كامل، ولم يكن لها ماضٍ قريب يوحي بأنها مستعدة لذلك النقل.

إذا استثنينا طفرة النفط التي سببت الثراء لبعض الدول العربية والإسلامية، فإننا لا نكاد نرى أي نجاح لتلك الدول في أي مجال، ولم تتشكل أي ذاكرة حديثة منذ عدة قرون تبين تحدي الدول العربية والإسلامية للغرب، ولم تسجل أي انتصار في أي مجال.

بالمقابل، فإن الكثير من المجتمعات الإسلامية ظل تابعا للاستعمار الغربي حتى الحرب العالمية الثانية وما بعدها.

كما تحطم مشروع الوحدة العربية العلمانية، بعد الهزيمة المخزية التي تلقتها الدول التي رفعت شعارها، (مصر وسوريا والعراق) على يد دولة صغيرة (إسرائيل).

لذلك، سيطل المشروع الأصولي الإسلامي (المعوق ثقافيا) من بين ركام تلك الإخفاقات ليبشر الآخرين بأنه هو المنقذ. ويمكن اعتبار ما حدث في إيران هو من نفس نمط ردات الفعل المتخلفة.

(3)

يعود (فوكوياما)، ليركز على شروط التحول، فيقول: أن اليابانيين ينكرون فضل الغرب عليهم، ويقولون أن التقدم الذي هم فيه، قد جاء بفضل خصائصهم القومية وتاريخهم العريق، وهذا منافٍ للحقيقة(!)

ثم يحاول أن يسخر من كل النماذج التي تدعي أنها تسير على النهج الديمقراطي الليبرالي، بأن ديمقراطيتهم وليبراليتهم لم تكتمل شروطها بعد. فنظام (الأبوة) الموجود في اليابان والصين وسنغافورة وتركيا، غير موجود في الولايات المتحدة والدول الأوروبية الغربية.

لا يستطيع الابن الياباني أو الصيني أو التركي، أن يناقش والده ويعارضه، ولن تستطيع الفتاة هناك أن تنام خارج منزلها دون موافقة ذويها، ولن يستطيع الشاب أن يختار زوجته دون تدخل أسرته. في حين أن كل ذلك يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية، ودول غرب أوروبا، وهذا بفضل الحرية الفردية (!)

إن السياسيين في اليابان هم من أصول عائلات تتمتع بقدر من (التراتب) الاجتماعي، تستطيع فيه أن تستحوذ على (كراسي الحكم) مدى الحياة، وهو ما يفسر بقاء الحزب الحاكم في الحكم أكثر من عشرين عاما، ولن يستطيع أحد من أفراد الشعب أن يتسلل الى مواقع الحكم المقتصرة على تلك العينات من الأسر.

لو قُدِرَ لفوكوياما أن يكتب ما كتبه بعد فوز (باراك أوباما) لأفرد له عشرة مقالات للتدليل عما أراد أن يرسخه في نفس القارئ.

تعليق:

سنعلق على ما أشرنا على علامات التعجب فيه باللون الأحمر:
1ـ صدق فوكوياما، بقوله: أنه لا يمكن تحقيق الرخاء والتقدم لكل شعوب العالم، إذا ما أرادت أن تطبق مناهج السير في طريقها حسب وصفته. فلو تحول كل العالم الى صهاينة وإمبرياليين (فاعلين)، فمن أين للعالم أن يجد (مفعول به أو مفعولين بهم)؟ هذه النقطة حاول بعض المفكرين الليبراليين العرب في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الدعوة لها عندما رفعوا شعار: (لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح أمر أعداءها) أمثال (سلامة موسى وبطرس البستاني).

2ـ أي عقلانية؟ فالعقلانية أن تضع الحل بما يلائم المشكلة، لقد أخطأ من حاول نقل التجربة الغربية كخطأ من يتبرع بدم من زمرة معينة لمريض لا يحمل نفس الزمرة.

3ـ لماذا يستكثر (فوكوياما) على اليابانيين أنهم حققوا نهضتهم بجهودهم وخصائصهم القومية، ألم تستفد الحضارة الغربية من جهود علماء المسلمين والعرب والصينيين، هل لنا أن نرد كل الاختراعات التي تحصل في الطب الى الرازي وابن النفيس والتي تحصل في علوم الفضاء للخوارزمي؟

4ـ إذا كان اليابانيون يحكمهم حزب واحد منذ أكثر من عشرين عاما فإن الولايات المتحدة، يحكمها حزبان منذ نشأتها وبلون يكاد يكون متطابقا.

5ـ لو استعمل فوكوياما موضوع (باراك أوباما) للتدليل على الفردية، فإننا سنقول له: هي إرادة الحزب الذي يمثل النظام الأبوي والجماعي والممثل للكارتيلات والترستات الواقفة خلف تسمية المرشحين.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 16-05-2009, 04:07 AM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

23ـ ((واقعية)) لا تستند الى واقع

((ذلك أن الآلهة التي نؤمن بها، والناس الذين نعرفهم، تحتم طبيعتهم عليهم أن يحكموا دائما حيثما كانت السلطة لهم. وهذا هو الحال معنا. ذلك أنه حيث إننا لم نسن هذا القانون، ولا كنا أول من طَبقه حين طُبِق، وإنما وجدناه قائما ونتوقع أن نتركه قائماً أبد الدهر، فإننا نستخدمه، مدركين أنكم وغيركم، متى كانت لكم السلطة ـ التي هي الآن لنا ـ فستفعلون الشيء ذاته))
............. من خطبة لأهل أثينا في أهل ميلوس

اختيار (فوكوياما) لتلك الفقرة يسهل للقارئ معرفة معظم أركان فلسفته التي تعتبر امتدادا للذرائعية الأمريكية المتطورة. هو ينفي وجود حكم عقلاني، وينفي انتهاء علاقة السيد بالعبد وهو ينفي على ضوء ذلك علاقة الدولة السيدة على الدول التابعة لها والسائرة في ركبها، ويقر بوجود هواجس الخطر المستمر، ويقر بسباق الدول في التسلح مهما كانت عقائدها ونظم الحكم فيها لدرء خطر ربما لم يكن قائما أثناء الاستعداد لدرئه. وقد تكون (أرض أمريكا المستكشفة قبل خمسة قرون، منبعا أكثر وضوحا لتلك الهواجس).

(1)

يسمي البعض ذلك النمط من التفكير بالواقعية، وأحيانا تسمى السياسة الواقعية سياسة القوة. والواقعية (سواء سُميت عن وعي بهذا الاسم أم لا) هي الإطار الغالب لفهم العلاقات الدولية، وهي التي تُكيف اليوم تفكير كل المتخصصين في السياسة الدولية في كل العالم تقريبا.

لقد كان (مكيافيللي) أول من بشر بالواقعية، إذ كان يؤمن بأن على الناس ألا يقتدوا بما يتخيله الفلاسفة عن السبيل الأمثل للعيش، وإنما بكيفية حياتهم هم في الواقع، وبأنه على (خير) الدول أن تتبنى سياسات (أسوأ) الدول إن هي أرادت البقاء.

وقد تطورت الواقعية حتى أصبحت أكثر وضوحا بعد الحرب العالمية الثانية، ويعتبر (هنري كيسنجر) أفصح المدافعين عنها، وهو الذي قال عندما تولى منصب وزير الخارجية الأمريكية، بأنه سيعلم الجمهور الأمريكي في المدى الطويل كيف يتخلى عن الليبرالية التقليدية للرئيس (ويلسون) وكيف يتبنى فهما أكثر واقعية للسياسة الخارجية.

ونقطة البداية في كل النظريات الواقعية، هي افتراض أن الافتقار الى الإحساس بالأمن هو المظهر الدائم للنظام الدولي بسبب الطابع الفوضوي المستمر لهذا النظام، ففي حين لا يكون ثمة حاكم للعالم، تظل كل دولة عرضة للخطر من قبل كل دولة أخرى، ولن يكون هناك علاج إلا باستخدامها السلاح للدفاع عن نفسها.

(2)

السعي وراء امتلاك القوة، لا يخص نمطا من الدول دون غيرها، فقد تكون الدولة دينية أو فاشية أو ديكتاتورية أو ديمقراطية أو شيوعية. فلم تتغير روسيا التي كانت في عهد القياصرة في نزعتها التوسعية واستعدادها العسكري عن روسيا الشيوعية، ولم تتغير اليابان عندما كان يحكمها ديكتاتورية عسكرية عن اليابان المهيمنة بقوة مالها واقتصادها على معظم آسيا.

استغلال فرص القوة عند أي دولة لا يتوقف عند تاريخ. والثنائيات في العالم على مر التاريخ قد تكون أكثر ضمانا لإحداث استقرار دولي، فمنذ حالة توازن (أثينا واسبرطة) الى حالة توازن (الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفييتي) في الحرب الباردة.

(3)

أكثر صور الواقعية تطرفا، هي تعامل الدول القومية وكأنها كرات البلياردو التي لا يمكن التنبؤ بحركتها على ضوء محتواها الداخلي المختفي وراء قشرتها الكثيفة. فعلم السياسة الدولية لا يشترط معرفة المضمون الداخلي، ولا يحتاج المرء فيه إلا الى فهم القوانين الفيزيائية الميكانيكية التي تتحكم في تأثير كل منها في الآخر: مثل ما ينجم عن ارتطام كرة البلياردو بطرف الطاولة وانحرافها في زاوية، أو ارتطام أكثر من كرة في بعضها.

ويحاول فوكوياما بهذا المثل، أن يعزل عوامل التحريك للكرات، فإن كانت كرة واحدة وعصا واحدة يسهل توجيهها كيفما أراد اللاعب، وإن كانت كرتان احتاجت بعض الاحتراف الإضافي، أما كثرة الكرات لا يضمن توجيها سديدا!

(4)

يدخل فوكوياما بتفصيل وصفة الواقعية بأربع قواعد: (1) الحفاظ على ميزان القوى ضد الأعداء المحتملين. والاعتماد على السلاح، وعدم الركون للقوانين الدولية، فلم تستطع (عصبة الأمم ) منع اليابان من احتلال منشوريا، ولا تستطيع هيئة الأمم المتحدة الحالية تأديب دولة جامحة.

(2) القاعدة الثانية في الواقعية، هي اختيار الحلفاء على أساس قوتهم، لا على أساس أيديولوجيتهم، فالتحالف مع الشيوعيين في الاتحاد السوفييتي ضد هتلر هو من هذا الباب، والتحالف مع سوريا ضد العراق في حرب الكويت هو من هذا الباب.

(3) على الساسة وهم يقيمون الأخطار الخارجية أن يدرسوا بعناية أكبر القدرات العسكرية لا النوايا. فإن كان هناك دولة تُعد من الأصدقاء، فإن الحال قد يتغير غدا، أما أعداد طائراتها ودباباتها ومدافعها لا يتغير. [ هذا ما يفسر تعطيل الكثير من صفقات الأسلحة مع دول عربية تعتبر صديقة للولايات المتحدة].

(4) القاعدة الأخيرة، هي استبعاد النزعة الأخلاقية من السياسة الخارجية.

يختتم فوكوياما مقالته هذه، بالقول الى أن الواقعيين أكثر الناس ميلا الى حل وسط مع الأعداء الأقوياء.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 03-06-2009, 12:59 PM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الأخ الفاضل نبيل

نحن لا نقدم تلك المادة مفتتنين بما جاء بها، بل نقدمها مع مجموعة من مثيلاتها (صناعة القرار السياسي في الولايات المتحدة) و ( فلسفة الولاء) وغيرها، للتعرف على الحاضنة التي يستمد صانع القرار الأمريكي فلسفته من خلالها..

ومن المعلوم، لا نحن معزولون عن العالم، ولا أمريكا تاركة شؤننا دون تدخل..

احترامي و تقديري
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 12-08-2009, 05:37 PM   #4
nabilbenka
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
الإقامة: ليس لي بلد
المشاركات: 41
إفتراضي

أطالب من فوكوياما بأن يعيد لي 10 دولارات ثمن كتابه الفاشل وشكرا...
__________________
لا فائدة من التوقيع...
nabilbenka غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 30-08-2009, 03:12 PM   #5
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة nabilbenka مشاهدة مشاركة
أطالب من فوكوياما بأن يعيد لي 10 دولارات ثمن كتابه الفاشل وشكرا...
يبقى دفع مبلغ 10 دولارات في شراء كتاب كهذا، أقل ضررا من دفعها ثمن مشروب كحولي، أو
(خرطوشة) تبغ.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 30-08-2009, 03:13 PM   #6
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي


29ـ أحرار وغير متساوين


كان (نيتشه) عدواً للديمقراطية والعقلانية، وكان يتطلع الى ميلاد أخلاقيات جديدة تنصر الأقوياء على الضعفاء، وتزيد من اللامساواة الاجتماعية وتخلق نوعاً من القسوة، كانت ملاحظاته حادة حول إضفاء قيمة على الأشياء التي لا يتحملها إلا الأقوياء، فهو مع قتل العجزة والمسنين والضعفاء، ليبقى من يبقى بعد أن عانى وكابد في الوصول الى ما وصل إليه. [هذا نمط مفهوم الاعتراف عند نيتشه وهو يختلف عن مفهوم هيجل].

(1)

وضع فوكوياما ملاحظاته على نظرة (نيتشه)، وهو يقول أنه لسنا مطالبين بالموافقة عليها، خصوصا تلك المتعلقة بكراهية الديمقراطية والعقلانية. ولكن ذكر تلك الومضات من فلسفة نيتشه يراد منها التأسيس الى ما بعده فيما ستؤول إليه نهاية التاريخ.

يقر فوكوياما بأن ما ذهب إليه نيتشه في السخرية من المساواة والعدالة التي تنادي بها الديمقراطية، واللذان لن يتحققا إلا نظرياً. فالمناداة بالعدالة المطلقة ستصطدم بعوائق طبيعية، فلم تفلح الشيوعية بإزالة الطبقات والفوارق الاجتماعية طيلة نضال قرن ونصف، ولن تفلح الديمقراطية في إشاعة درجة متساوية من الاعتراف لكل أبناء البشر.

فلن يُعقل أن يتساوى رجلٌ مقطوع الساقين مع رجل رياضي كامل، ولن تختفي ملامح جمال الأنثى وتميز واحدة على أخرى، ولو حدث أن انتشرت تلك المساواة المزعومة، فإن الفن والإبداع سيختفيان، فلن يكون هناك متسابقون في تحطيم الأرقام القياسية، أو التأليف الموسيقي أو الاختراع، طالما أن كل الناس أصبحوا متشابهين.

لم تكن الديمقراطية الليبرالية جادة ـ أصلاً ـ في استئصال (الميجالوثيميا: أي الرغبة في نيل الاعتراف بالتفوق على الآخرين) وتحويلها الى (إيسوثيميا: أي الاعتراف المتساوي لكل المواطنين). بل كانت تبرر ميلها الى (الميجالوثميا) كونها تشجع التفوق الإنتاجي والاقتصادي العام في النهاية.

(2)

لم تكن الديمقراطية الليبرالية لتعتبر أن اقتناء عدد من القصور والمزارع التي أتت أثمانها نتيجة جشع أصحاب الأموال والمصانع، بأنه أمر خطير وسيء، طالما أنه يزيد الإنتاج في الدولة ويرفع قدر الرفاهية. إذ أنه بالنهاية لا يمكن للفرد أن يقتني من القصور والزوجات والسيارات الى ما لا نهاية من الأعداد، أي أنه سيتم اقترابه من الإشباع في لحظة وتصبح أمواله رمزاً سياديا للدولة، ومقياساً رمزياً للاعتراف به كفرد.

إن أهم ما تخطط له الدول الرأسمالية الديمقراطية مثل الولايات المتحدة، هو أن يتجه أكثر الأفراد نبوغاً وطموحا الى الاشتغال بالتجارة والصناعة، لا بالسياسة ولا في الجيش أو الجامعات أو الكنائس، لأنهم لو فعلوا ذلك لكثرت الاضطرابات الناتجة عن تحالف الفكر مع المال.

(3)

لقد وفرت الديمقراطية الحديثة منفذاً للطبائع الطموحة، فالانتخابات نشاطٌ (ثيموسي) حيث أن الشخص ينافس آخرين على نيل اعتراف الجمهور على أساس من الآراء المتصارعة عن الحق والباطل، والعدل والظلم.

غير أن واضعي الدساتير الديمقراطية الحديثة مثل (هاملتون وماديسون) أدركوا الأخطار المحتملة للميجالوثيما في السياسة. وكيف أن الطموح الاستبدادي النزعة قد أفلح في هدم الديمقراطيات القديمة. لذا فقد أحاطوا القادة في الديمقراطيات الحديثة بهالة من القيود التنظيمية على سلطاتهم. وأول هذه القيود وأهمها هو بطبيعة الحال مفهوم السيادة الشعبية.

إن رئيس الوزراء، هو المدير التنفيذي وهو الخادم الأول للشعب، لا سيده. وعليه أن يستميل عواطف العامة سواء كانت دنيئة أو نبيلة، جاهلة أو واعية، وعليه أن يقدم على الكثير من التصرفات الدنيئة والحقيرة حتى يبقى في المجلس!

(4)

في ميدان السياسة الخارجية بالأخص، فإن بوسع الساسة الديمقراطيين أن يحققوا درجة من الاعتراف غير متوفرة في الميادين الداخلية، ذلك أن السياسة الخارجية كانت ولا تزال من أهم الميادين للقرارات الهامة وتصارع الأفكار الكبيرة.

لقد صنع قادة تاريخيون لنفسهم مجداً سيظل يعيش بعد مماتهم لفترات طويلة، وهذا ما فعله ونستون تشرشل بتحالفاته المعقدة للانتصار في الحرب.

وقد تذهب الخسارة في الحرب بسمعة رئيس أو قائد بنفس القدر الذي يرفع فيه الانتصار من شأنه.

(5)

بعيدا عن السياسة والاقتصاد والحروب، فإن (الميجالوثيما) ستجد لها منافذ كثيرة في الرياضة وتسلق الجبال وسباق السيارات وما شابه ذلك. فالفائز سيحقق لنفسه إشباعا باعتراف الآخرين بتفوقه.

وهنا ربما تكون العودة الى الاعتراف بمقولة (نيتشه) عن الناس الأقوياء والقساة، لها ما يبررها، إذ أن السباق الرياضي أو تسلق الجبال، يحتاج مزيدا من التمارين الشاقة حتى يبقي الجسم بلياقته، وهذا لن يتحقق إلا للأشخاص الأسوياء الأقوياء المحافظين على تدريبهم المستمر.

ولو تم إسقاط ذلك على الحروب لصح القول، فالجنود الذين لم يتدربوا جيداً هم عرضة للقتل أو الإصابة، أكثر من المتدربين تدريبا قاسيا.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 19-09-2009, 01:28 PM   #7
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

30ـ حقوق كاملة وواجبات منقوصة


قد يُغري بعض الطبائع الطموحة للترشيح لانتخابات الرئاسة، أو تسلق قمة جبل إيفرست. غير أن ثمة مجالاً أوسع في الحياة المعاصرة يوفر إرضاء أكبر للرغبة في نيل الاعتراف. هذا المجال هو الجماعة، أي الحياة داخل الروابط الاجتماعية التي هي دون مستوى الأمة.

(1)

أكد كل من (توكفيل) و (هيجل) أهمية حياة الروابط الاجتماعية باعتبارها بؤرة للعمل من أجل الصالح العام في الدولة الحديثة. ففي الدول القومية الحديثة الضخمة، تقتصر مواطنة الجماهير الغفيرة من الناس على انتخاب ممثلين لهم كل بضع سنوات. أما الحكومة فبعيدة ولها صفة الشخصية الاعتبارية داخل نظام يقتصر أعضاؤه المباشرين المشاركين في العملية السياسية على المرشحين للمناصب، وربما أيضا معاونيهم في الحملة الانتخابية وكتاب الأعمدة والمقالات الافتتاحية في الصحف، ممن يجعلون من السياسة مهنة لهم.

هذا النمط من المواطنة، لم تكن تقره وترضى به الجمهوريات القديمة الصغيرة (أثينا، إسبارطة، روما الخ). ولكن مشاركة المواطنين في العصور الحديثة تم تعزيزه بانتماءات مختلفة ومتعددة تعوض غيابه عن الحياة العامة، وهذه الانتماءات قد تكون لنقابة مهنية أو جمعية خيرية أو رابطة ثقافية أو ناد رياضي أو حزب سياسي الخ. وهذا ما يطلق عليه المجتمع المدني.

(2)

إن حياة الروابط الاجتماعية الخاصة توفر إشباعاً مباشراً أكبر بكثير مما توفره مجرد المواطنة في ديمقراطية حديثة كبيرة. صحيح أن اعتراف الدولة بالفرد ومواطنته بإعطائه بطاقة شخصية أو جنسية أو إقامة أو ترخيص لعمله وسيارته وبناءه هي من الأمور الهامة والضرورية والتي لا يمكن الاستغناء عنها، لكن يكون لاعتراف الجماعة بالشخص المنتمي لها ضمن حدود الإطار الأضيق من الدولة هو الآخر له أهمية استثنائية تتفوق أحيانا كثيرة على اعتراف الدولة.

والاعتراف بالفرد من الجماعة يقوم على مجموعة ضخمة من الصفات المعينة التي تشكل في مجموعها كيان ذلك الفرد. ويمكن للشخص أن يشعر يوميا بالفخر بعضويته في اتحاد مناضل، أو جماعة دينية، أو جمعية لمكافحة المخدرات والرذيلة، الخ.

غير أنه إن كانت حياة الجماعة القوية هي كما يقول (توكفيل) أفضل ضمان توفره الديمقراطية، يحول دون أن يصبح المواطن فيها خاتم البشر، فإنها مهددة دوما في المجتمعات المعاصرة. فما يهدد احتمال قيام جماعة ذات مغزى ليست قوة خارج الجماعة، وإنما تهددها تلك المبادئ ذاتها من الحرية والمساواة التي تقوم الجماعة عليها، والتي تشيع الآن في جميع أنحاء العالم.

(3)

يشير (فوكوياما) الى الصيغة (الأنجلوسكسونية) للنظرية الليبرالية والتي تشمل (الولايات المتحدة الأمريكية، الى أن للناس حقوقاً كاملة تجاه مجتمعاتهم لكن ليس عليهم واجبات كاملة تجاهها. فواجباتهم منقوصة لأنها منبثقة عن حقوقهم، والأصل أكبر من الفرع، والجماعة مطلوب منها ضمان حقوق أفرادها، والجانب الأخلاقي تعاقدي محض. فهو ليس مفروضاً من الله، ولا من الخوف من الطبيعة، وإنما يفرضه الصالح الشخصي للمتعاقد في التزام الآخرين بتنفيذ العقد.

كذلك فإن مبدأ المساواة الديمقراطي في الجماعات سيضعف على المدى البعيد. فإن كانت أقوى الجماعات يربط بين أفرادها قوانين أخلاقية تعرف لأفرادها الحق والباطل، فإن نفس هذه القوانين الأخلاقية تحدد أيضا باطن الجماعة وظاهرها. وإذا أردنا أن يصبح لتلك القوانين الأخلاقية أي معنى على الإطلاق، فلا بد أن يكون للمستبعدين من الجماعة بسبب عزوفهم عن قبول تلك القوانين، قيمة مختلفة أو مكانة أخلاقية مختلفة عن سائر أفراد الجماعة.

لذلك فإن المجتمعات الديمقراطية الكبيرة تميل الى الانتقال من التسامح المحض لكل أساليب العيش البديلة، الى تأكيد مفهوم المساواة الجوهرية الخاص بها، ومقاومة الأخلاقيات التي تنتقص من قدر وسلامة بدائل معينة. أي باختصار هي ضد الاستبعاد التي تلجأ إليه الجماعات القوية المتلاحمة.

(4)

والواضح أن الجماعات التي لا يربط بين أفرادها سوى الصالح الشخصي، تشوبها نقاط ضعف معينة مقارنة بتلك التي تربط بين أفرادها التزامات مطلقة.

يبدو أن فوكوياما، يحاول الوصول الى المقارنة بين المجتمعات الطبيعية (أسرة، عشيرة، أبناء قرية، أو وادي الخ)، مع المجتمعات الاصطناعية التي ينتمي إليها العضو طوعا، ويخرج منها متى أراد (حزب، نادي، جمعية الخ).

لا ينظر الأمريكيون الى العائلة (والتي لم تعد كبيرة الآن) على أنها ستكون عائقاً أمام الديمقراطيات الكبيرة، وقد كانت العائلات التي تسكن ضواحي المدن الأمريكية في الخمسينات من القرن الماضي محتقرة، كونها تحتكم الى نظم أخلاقية غير ملائمة للانخراط في الحياة الليبرالية المنشودة.

وينظر الليبراليون الأمريكان، الى أن نجاح الزواج وديمومة العائلة والنجاح في تربية الأطفال، أمر يتطلب تضحيات عالية، إذا تم النظر إليها منطقيا، فإنها لا تعود بالربح على هؤلاء المضحين!

(5)

أحدث الارتباك بين قبول فكرة أن التضحية من أجل الوطن (والتي يتبناها الليبراليون) والتي يقدمونها على التضحية من أجل الأسرة أو الجماعة الضيقة، وبين المدافعين عن الملكية الفردية واستقرار الأسرة، والقائلين أن ذلك سيعود بالنفع على الوطن. كل ذلك أحدث تطويرا أيديولوجياً على تفقيه النظرية الليبرالية.

وقد ساهمت الضغوط الرأسمالية في السوق، والتي قوامها ـ أصلا ـ عدم تعزيز المجتمعات التقليدية، وبث الفرقة بين الأفراد وإبعاد بعضهم عن بعض، في جعل فكرة الليبرالية الديمقراطية الحديثة بحاجة الى نجدة (ميتافيزيقية)، وقد بدت ملامح هذا النمط من التفكير من أيام (ابراهام لينكولن) في تأكيد أن الحرية تتطلب الإيمان بالله.

لقد ظهر لينكولن بعد (جفرسون و فرانكلين) الذين كانوا من الليبراليين المؤمنين بأفكار (لوك). وقد حاولت الإدارات الأمريكية التوفيق بين النظرتين، فهي أحيانا تبدو متسامحة مع الملحدين والمخنثين (الزواج المثلي) وأحياناً تبدو وكأنها قيادات دينية مكلفة من السماء لحماية المسيحية (بوش ونمطه).

وهذا التذبذب في هذا الواسع من المتناقضات، يدلل على عدم قدرة الديمقراطية الليبرالية على حل كل المشكلات التي تبذر بذورها هي نفسها.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 03-10-2009, 12:14 AM   #8
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي


الفصل الأخير

31ـ الحروب الكبرى للروح

يوحي تدهور الحياة الجماعية بأننا قد نواجه في المستقبل خطر التحول لنصبح (خاتم البشر) الآمنين المستغرقين في ذواتنا، الخالين من الجهاد من أجل أهداف أسمى، إذ نسعى وراء وسائل الراحة الخاصة. بيد أن الخطر المقابل قائمٌ هو أيضاً، وهو أن نعود الى وضع الإنسان الأول الذي يخوض معارك دموية لا طائل وراءها من أجل المنزلة، ولكن بأسلحة حديثة هذه المرة.

يحاول (فوكوياما) التصالح مع الجزء الرافض من ذاته لما يحاول أن يجعله منظومة من القوانين التي لا يمكن تجاوزها في الحياة البشرية، فيتساءل: هل أن كافة الناس سيؤمنون بأن صنوف الصراعات والتضحيات الممكنة في ديمقراطية ليبرالية غنية وراضية عن ذاتها، كافية لإبراز أسمى ما في الإنسان؟ أفليس ثمة مستودعات من المثالية غير قابلة للنفاد؟

ويضرب مجموعة من الأمثلة، تصب كلها في دعم توجسه، فيقول من يهتم ويتابع أولئك الذين يحاولون تسلق الجبال، ويعتبرهم مثله الأعلى؟ ومن يهتم بالسياسة كاهتمام جورج بوش؟ هناك من يهتم، لكنهم ليس كل الناس، وليس هؤلاء الذين يريدون التميز ونيل اعتراف الآخرين بأهميتهم، يقومون بأعمال أكثر عدلا ونفعا من غيرهم، وبالتالي فإن ما سيصلون إليه في النهاية لن يكون هو السمة العامة للحياة.

(1)

إن الفضائل والمطامح التي تبعثها الحروب، أي حروب، لن تكون فضائل نهائية. فحرب محامي شركة عملاقة يقاتل من أجل استيلاء شركته على شركة أخرى، يحسب نفسه وحشاً كاسراً ومقاتلاً شرسا، وحالة المتاجرين بالسندات يحسبون أنفسهم كما في رواية (توم وولف) التي تحمل اسم (إحراق داء الغرور The Bonfire of the Vanities ) سادة الكون.

ولكن هؤلاء ما أن يسترخوا على مقاعدهم الجلدية الفاخرة في سياراتهم الثمينة، حتى يدركوا في قرارة أنفسهم أنه كان في الماضي مقاتلون وسادة حقيقيون في العالم لا شك أنهم كانوا سيحتقرون الفضائل التافهة اللازمة لنيل الثراء أو الشهرة في المجتمع الأمريكي الحديث.

(2)

يعود فوكوياما لمناقشة نظرة (هيجل) الى حاجة الإنسان بالافتخار بإنسانيته، فيقول هيجل: لن تُشبَع تلك الحاجة بالضرورة بواسطة (الأمن والرخاء) اللذان ـ وباعتقاد فوكوياما ـ سيعمان مع نهاية التاريخ. فبرأي هيجل أن البشر سيواجهون دائما خطر الانحدار من حالة المواطنة الى محض البرجوازية، فيحتقرون أنفسهم من أجل ذلك. والواقع أن المحك النهائي للمواطنة كان ـ وسيظل ـ كامناً في مدى استعداد المرء لأن يموت من أجل وطنه، فيكون على الدولة أن تفرض الخدمة العسكرية وأن تستمر في خوض الحروب.

وقد اتهم كثيرون (هيجل) بتشجيعه للحروب، ولكنه في الواقع لم يمجد الحرب في ذاتها، لكنه قال بأن المجتمع بلا حرب سيقع فريسة شهواته وتنحل الجماعات ويقل الولاء للمجتمع والوطن والمبادئ ويصبح الإنسان لين العريكة.

(3)

حاول فوكوياما أن يستحضر بعض الأمثلة التي تسود في المجتمعات الليبرالية والديمقراطية والتي يعمها الهدوء والرخاء، كيف أن تلك المجتمعات تشعر بالملل. وقد ضرب مثل التمرد الذي حصل في فرنسا عام 1968، عندما أسقط الطلبة الجنرال (ديغول)، وعندما يحاول المحلل الاجتماعي أو السياسي تفسير ما حدث لا يجد فيه أي جانب عقلاني بل هي ثورة ضد الملل!

بل ذهب فوكوياما أبعد من ذلك، عندما فسر اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، جاء بعد مرور قرن كامل من الهدوء والرخاء في عموم أوروبا، لقد كره الأوروبيون هذا الهدوء وغذوا أجوائهم بالرغبة في كسر هذا الهدوء فاندلعت الحرب العالمية الأولى لأسباب تافهة.

(4)

يدخل (فوكوياما) بموضوع (حرب الروح)، ويناقش الأسس النظرية التي اعتمدها (نيتشه) أو (الماركسيين) وقارنها بما يفكر فيه (الليبراليون الديمقراطيون)، وينتهي بأن الإنسان ما أن يشعر بأنه قد تحرر من قيد، جتى يبتكر قيودا جديدة سواء كانت ماثلة أمامه أو تنتسب الى الماضي ولكنها تتدخل في تفسير الحاضر. فكانت الثورة على المسيحية القديمة (سلطة الكنيسة)، ولا يكاد يمر قرنٌ من الزمان حتى تقوم الروح بمحاربة ما كان قد ساد خلال القرن المنصرم!

يقرر فوكوياما أنه ليس ثمة صالح عام، فكل الجهود الساعية الى تعريفه إنما تعكس قوة القائمين بالتعريف. ومن المؤكد أن الصالح العام الذي يوفر رضا خاتم البشر عن ذاته أمرٌ ضعيف الشأن. ذلك أنه لم يعد هناك حراس على قدرٍ جيد أو سيء من التدريب، وإنما نرى حراساً تتفاوت درجة غضبهم، وسيكون المعيار الرئيسي للتمييز بينهم من الآن فصاعدا هو شدة غضبهم، أي قدرتهم على فرض (قيمهم) على الآخرين.

(5)

هل يعيد التاريخ نفسه؟ على رأي أرسطو، باعتبار التاريخ دوريا لا متصلا، على أساس أن كافة النظم التي قامت وتقوم لن ترضي كافة البشر بنفس القدر. وهل تعتمد الرأسمالية على أخلاقيات أشباح المعتقدات الدينية الميتة؟ أم أن العالم سيتقدم نحو إشباع الرغبات واعتراف الآخرين؟

إن ساقَيْ هذين الاحتمالين غير متساويين، وقد افترض (نيتشه) جوابا للتخلص من تلك الدورة بالتخلي تماما عن الجانب الروحي، ويدعم وجهة نظره ما يشاهده العالم هذه الأيام من الاستخفاف من دوافع الحربين العالميتين الأولى والثانية وكذلك بقية الحروب، فهل من المفيد أن نفتخر بقتل عشرات الملايين بتلك الحروب، وهل من المفيد أن ندمر مدننا ومنجزاتنا منجرين وراء دوافع الروح؟

إن مسار التاريخ خلال العقود الماضية ينبئ أنه من الممكن أن نصل الى خاتم البشر، ولكن انبعاث الروح القومية في مناطق مختلفة من العالم سيضعنا أمام احتمالين: إما أن تتفتح ألف زهرة مختلفة تزيد من جمالية العالم، أو أن ألف عربة ستتوجه لتدمير كل ما أنجزه البشر.

انتهى

__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 23-10-2009, 05:21 PM   #9
nabilbenka
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
الإقامة: ليس لي بلد
المشاركات: 41
إفتراضي

أطالب فوكوياما بإعادة مالي لأن كتابه فيع الثرثرة و الكذب و الهلوسة !
أريد 10 دولارات!
__________________
لا فائدة من التوقيع...
nabilbenka غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .