نظرات فى كتيب إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني
نظرات فى كتيب إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني
المؤلف أبو سارة وهو يدور حول هذه الرواية والتى لخصها الناس فى المثل القائل :
" من أعمالكم سلط عليكم "
وهو معنى القول :
" كيفما تكونوا يول عليكم "
وذلك فى الجزء السوء منه
نقل أبو سارة الأثر من كتب ابن أبى الدنيا فقال :
ذكر ابن أبي الدنيا عن الفضيل بن عياض قال: "أوحى الله إلى بعض الأنبياء: " إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لايعرفني".. الجواب الكافي31، حلية الأولياء 1/91
وقام بشرح الأثر على أساس أن المعنى سليم فقال :
"هذا الأثر يحتوي أمرين:
- ذكر عصيان من يعرف الله تعالى…
- ذكر تسلط من لا يعرف الله تعالى على من عصى الله تعالى وهو عارف به..
فمن الذي يعرف الله تعالى؟، ومن الذي لا يعرف الله تعالى؟، وكيف يتسلط هذا على ذاك؟.."
وقام بشرح معنى الذى يعرف الله فقال :
"الذي يعرف الله تعالى هو الذي تعرف عليه بنعمه الدنيوية والدينية:
- فأما النعم الدنيوية فهي مجتمعة في شيئين:
الأمن والشبع..
قال تعالى: {فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}..
- نعمة الأمن من أكبر النعم لا يعرفها إلا الخائف، وتتبين هذه النعمة وتكتمل، إذا اطلع الإنسان على أحوال الخائفين، الذين لا يجدون الأمن، ممن تهدم مساكنهم، ويشردون من ديارهم، ولا يجدون ملجأ، ولا يأمنون على أنفسهم وأهليهم وأعراضهم وأموالهم.. فالأمن في ذاته نعمة، والأعظم من ذلك أن نرى ونسمع ونقرأ عن أحوال من لا يملكون الأمن، ويعيشون الخوف كل ساعة، فبذلك ندرك قدر هذه النعمة.
- ونعمة الشبع نعمة كبرى، يقابلها الجوع والفقر، وكل يوم نطلع على أحوال الفقراء والجوعى من حولنا، ما يذكر بهذه النعمة، إن بعضهم يأكل العشب لايجد غيره، وبعضهم يأس من القوت، فبادره بحفر قبره ينتظر الموت، فالجوع اليوم في كل مكان، حتى حولنا.
فهاتان النعمتان يتعرف الله بهما إلى عباده، لتكون تذكيرا بحقه في الطاعة: {فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}، فمن عصاه بعدما تعرف عليه بنعمه الدنيوية، سلط الله عليه من لايعرف ربه ولايخافه..
- وأما النعم الدينية:
فهي أكبر من نعم الدنيا، وأعظمها الإسلام، فمن هدي إليه فقد هدي إلى الخير كله، قال تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}..
ثم تليها في النعمة الهداية إلى أتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضوان الله عليهم من بعده، فمتبعهم هو الناجي من النار، فقد أخبر النبي فقال: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين ملة، كلها في النار إلا واحدة)، هي تلك المتبعة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه..
ثم بعد ذلك إذا عرف الإنسان الحلال والحرام، فقد قامت عليه الحجة، وصار في عداد من يعرف الله تعالى، فلا عذر بعد ذلك في العصيان، فإن عصى فقد تعرض لسخط الجبار فلا يأمن من تسلط من لا يعرف الله.
وأعظم من أولئك نعمة، وأكثرهم معرفة بالله تعالى، من يسر الله له طلب العلم، بوجود العلم والعلماء، وكفاه هموم الدنيا، وفرغه للتعلم، فعلم الحلال والحرام والمكروه والمستحب والمباح، فتفقه في الدين وفهم أمر الله تعالى، وعرف ذرائع الخير وذرائع الشر، ووقف على مقاصد الشريعة وآدابها ، وقرأ سير الغابرين وأخبار الصالحين والهالكين.. حتى تبين له ما يفعل وما يذر وما يتقي، وما ينفع وما يضر، فكان بمنزلة من آتاه الله آياته، فمثل هذا الحجة عليه قائمة أتم قيام،..
فمثله لايوعظ، بل يعظ، فإن عصى وأصر وضل فقد تعرض لأمر خطير، وقد قيل: "شر الضلال ضلال بعد هدى"، وفي هذا جاءت النصوص متوعدة الذين يقولون ما لايفعلون، قال الله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}."
وكل هذا لم يغرفنا بالفعل من الذى يعرف الله فمن يعرف الله هو من يطيعه فكل الناس عارفين بالله علما أى معرفة ولكن المعرفة المقصودة هى :
الطاعة والاتباع فقد بين الله أن المطلوب ألا تكون من السامعين العاصين والسامع عارف بالله من خلال سماعه الوحى
ولذا قال تعالى :
"يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ"
وجعل العارفين وهم السامعين حقا المستجيبون لأحكامه بالطاعة فقال :
"يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ"
وتحدث عن المعاصى ضاربا الأمثلة فقال :
"إن معصية من أتم الله عليه نعمة الدين وعرف ربه حق المعرفة ليست كغيره، وقد ضرب الله لذلك أمثلة، من ذلك: الأنبياء، وزوجات الأنبياء.
- فأما الأنبياء..
فإن الله أعلى منزلتهم، ورفع شأنهم، واصطنعهم لنفسه، وأعطاهم الآيات والمعجزات، وشرح صدورهم بالإيمان، ونور صدورهم بمعرفته، ووعدهم الأجر الجزيل، فأتم عليهم النعمة، فليس لهم بعدها إلا الطاعة، ثم حذرهم من المعصية أشد تحذير، وتوعدهم بعقوبة مضاعفة، فقال تعالى:
{ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعلمون}..
وقال: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين}..
وقال في حق نبينا صلى الله عليه وسلم خاصة:
{وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا* ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لاتجد لك علينا نصيرا}
وقال: {ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين* فما منكم من أحد عنه حاجزين}.
- وأما زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فيقول الله لهن:
{يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا}
، ويقول: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلاتخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض}،
فهن عشن في بيت النبوة، فسمعن الآيات والحكمة:
{واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة}..
فشربن معاني الخير، وانشرحت صدورهن بالإيمان، نزلت عليهن السكينة والرحمة، وأحاط بهن الخير من كل جانب، وكف الشر فلم يجد طريقا، فليس لهن بعد ذلك عذر في المعصية، فأبواب الخير مشرعة، وأبواب الشر مغلقة، فما تفتح إلا بشقاوة نفس.. وحاشاهن ذلك، رضوان الله عليهن.
وهكذا كل قوم اختصهم الله تعالى بنعمه على من سواهم، فإن الحساب يكون على ذلك الاختصاص، فالاختصاص وإن كان نعمة، فإنه من وجه آخر فتنة ومحنة، كالذي يرزقه مالا ليرى فيم ينفعه، وملكا ليرى كيف به بين العباد، فإن أحسن أحسن الله إليه مرتين، مرة على الطاعة، ومرة على شكر النعمة:
{ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما}..
وإن أساء عوقب مرتين، مرة جزاء المعصية، ومرة جزاء كفران النعمة."
وهذا الكلام كان يجب أن يكون هو المعرف لمن عرف ومن لا يعرف فمن عرف أطاع وإن لم يعرف لم يطع
وتحدث عمن هم الذين لا يعرفون الله فقال :
"أما الذي لا يعرف الله تعالى، فهو الفاجر والظالم والحاقد والظالم، الذي لا يخاف الله تعالى، ولا يؤمن به، ولا يرعوي عن فعل شيء من الموبقات، فإذا تسلط فلا رحمة ولا شفقة، كأولئك الذين يقتلون الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء والضعفاء، ويعتدون وينتهكون، ولا يتأثمون ولا يتحرجون، قد نزعت منهم كل معاني الإنسانية، والذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، الذين إن ثقفوا المؤمنين بسطوا إليهم أيديهم وألسنتهم بالسوء، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ندعو الله تعالى أن يكفهم عنا، في الدعاء المشهور:
|