العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة المفتوحة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية على المريخ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في بحث العقد النفسية ورعب الحياة الواقعية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: خوارزمية القرآن وخوارزمية النبوة يكشفان كذب القرآنيين (آيتان من القرآن وحديث للنبي ص (آخر رد :محمد محمد البقاش)       :: نظرات في مقال السؤال الملغوم .. أشهر المغالطات المنطقيّة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال البشر والحضارة ... كيف وصلنا إلى هنا؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال التسونامي والبراكين والزلازل أسلحة الطبيعة المدمرة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال الساعة ونهاية العالم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: عمليات مجاهدي المقاومة العراقية (آخر رد :اقبـال)       :: نظرات في مقال معلومات قد لا تعرفها عن الموت (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 07-05-2012, 02:14 AM   #1
د. تيسير الناشف
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2009
المشاركات: 32
إفتراضي الفكر والسياسة والواقع

الفكر والسياسة والواقع - 1


د. تيسير الناشف


مما يسهم إسهاما كبيرا في الإبطاء بتقدم المجتمع البشري هو العامل السياسي. وتعريف السياسة هو التوسل بوسائل لتحقيق ممارسة التأثير من أجل تحقيق أهداف معينة. ومن ذلك التعريف يتضح أن العامل السياسي لا يقتصر على العامل الحكومي. العامل السياسي كائن في كل العلاقات الاجتماعية وفي العلاقات القائمة في كل المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعائلية . العامل السياسي هو الذي يسهم إسهاما كبيرا في تقرير وتحديد طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع والشعب. ومختلف العوامل التراثية والقيمية والاقتصادية والتاريخية والثقافية والحكومية وغير الحكومية وعامل القوى الأجنبية هي التي تقرر طبيعة الدور الذي يؤديه العامل السياسي في مختلف مؤسسات المجتمع الكثيرة وفي تحديد طبيعة العلاقات فيما بين تلك المؤسسات. ودور العامل السياسي هو نتاج تفاعل تلك العوامل.
في هذه العلاقات ينشأ تفاعل مستمر بين هذه العوامل. ومما يقرر مدى نشاط ذلك التفاعل هو مدى تغير أو عدم تغير نِسَب العامل السياسي في العلاقات فيما بين مختلف تلك العوامل. فإذا كانت تلك النسبة عالية كان ذلك التفاعل أقوى. ومن شأن ضعف ذلك التفاعل أن يسهم في نشوء ظواهر قد تكون سلبية من قبيل قلة المبادرة وقلة التحمس والحافز . وإن كانت نسبة العامل السياسي في العلاقات فيما بين تلك العوامل مرتفعة كان التفاعل أكثر نشاطا.
ونظرا إلى القوة الكبيرة التي يمتلكها العامل الحكومي وإلى التأثير الكبير الذي يمكن أن يمارسه والذي يمارسه فعلا في حياة الدولة والمجتمع فإن لطبيعة تنشئة المسؤولين الحكوميين أثرا كبيرا في تحديد حالة المجتمع والدولة والناس وفي طبيعة السياسات التي يتبعها هؤلاء المسؤولون وفي طبيعة استجابتهم إلى الأحداث والتطورات على الساحتين الداخلية والخارجية في مختلف الميادين وفي نظرتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وفي تصورهم للعلاقات بين الدولة والحكومة والمجتمع، وفي طبيعة موقفهم من نشوء المجتمع المدني ودوره ونشاطه.
وبعض حاجات المجتمع ثابتة نسبيا بغض النظر عن مرحلة النمو التي يمر المجتمع بها، وبعض حاجات المجتمع تتغير وتختلف وفقا لطبيعة مرحلة النمو التي يمر المجتمع بها. ولاختلاف مرحلة النمو أثره في مغزى العلاقات بين العامل السياسي الحكومي والعوامل السياسية غير الحكومية. فمدى نمو وتنمية المجتمع في مختلف المجالات يتوقف عليه مدى انطباق بعض المفاهيم عليه.
ويرغب دارسون – وعلى وجه الخصوص دارسون من الغرب – في أن يصفوا بلدانا غير غربية بأنها مجتمعات نامية ومجتمعات أوروبا وأمريكا الشمالية وغيرها بأنها مجتمعات متقدمة النمو. وفي الحقيقة أن جميع المجتمعات البشرية، سواء كانت مجتمعات غربية أو غير غربية، مجتمعات نامية وأن صفة النمو ينبغي ألا تتعلق بالجانب المادي والاقتصادي والتكنولوجي فحسب، ولكن بجوانب أخرى مثل الجانب الروحي والإنساني والاجتماعي والثقافي أيضا. بهذا المعنى الأعم للنمو فإن البلدان غير الغربية أكثر نموا من الناحيتين الإنسانية والروحية.
وتشهد الساحة العربية – شأنها شأن كل الساحات في العالم – انطلاقا فكريا على قدر كبير من الموضوعية، وتشيع أيضا أفكار ونظريات على قدر كبير من الموضوعية. وقد لا أجافي الحقيقة إنْ قلتُ إن قدرا قليلا نسبيا من هذا الفكر يُطبق ويُراعى. ومما يحول دون تطبيق قدر أكبر من هذا الفكر هو أن الجهات القوية صاحبة الرؤى والمصالح تولي الأولوية لرؤاها ومصالحها. وفي حالة التناقض بين هذه الرؤى والفكر تكون الغلبة لأصحاب الرؤى والمصالح إذا كانوا أقوى من أصحاب الفكر الموضوعي. وهم في أغلب الأحيان أقوى من أصحاب الفكر الموضوعي، لأن الفكر الموضوعي يقل أنصاره بسبب صفة الحياد التي يتصف بها، وأصحاب الرؤى والمصالح لديهم ميل إلى التحالف مع الفكر غير الموضوعي الذي ينهض برؤاهم ومصالحهم.
والفكر العربي، بأنواعه المختلفة من الفكر الديني والقومي والاشتراكي والليبرالي والرأسمالي والعلمي والوضعي في مختلف المجالات، يتجلى تجليا جزئيا و يطبق تطبيقا جزئيا. ومما يحد النتاج الفكري الخلفية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتاريخية القائمة. ولو كانت هذه الخلفية مختلفة وأكثر مواتاة لأنتجت العقول العربية قدرا أكبر من الفكر. إن الجهات الفاعلة القوية الممارسة للتأثير في المجتمع تقيد، بسبب إيلائها الأولوية لرؤاها ومصالحها، التدفق الفكري والتطبيق الفكري. ويأتي هذا التقييد متجليا في الثني عن الإتيان بالفكر أو تهميشه أو إهماله أو استقباحه أو مجافاة صاحب الفكر أو معاقبته.
ويفرض الواقع الاجتماعي-الثقافي والاقتصادي والنفسي قيدا على أصحاب الفكر، وخصوصا الفكر المنطلق والخلاق. وبسبب هذا القيد يبقى قدر كبير من الفكر حبيس الصدور، ويبقى دائرا في الخاطر، لا يخرج إلى دائرة الضوء، وقد يموت صاحب الفكر ويختفي فكره معه.
وكلما كان الفكر أشد صراحة وجرأة وأحدّ نقدا ارتفع احتمال أن يلقى مقاومة أكبر وزاد احتمال أن يلقى صاحبه عقابا أقوى. ولذلك يحتمل احتمالا كبيرا أن يكون الفكر المضمر في النفوس الفكر الأشد صراحة وجرأة والأقوى نقدا.
ونظرا إلى أن كثيرا من المشاكل الاجتماعية لا يسهم في معالجتها وحلها إلا الفكر الصريح والموضوعي والجرئ والنقدي الذي لا يعرف المواربة فإن بقاء ذلك الفكر حبيسا يُعَدّ خسارة كبيرة يعاني أفراد المجتمع منها. وأظن أن من الصحيح وضع الصيغة الفكرية التالية: كلما كانت الأفكار أكثر صراحة وجرأة وأشد نقدا وأكثر صلة بالموضوع ازداد احتمال اتخاذ أصحابها لقرار أن يبقوها في صدورهم وازداد احتمال أن يتعرضوا لأذى أكبر لو أفصحوا عنها؛ وأيضا كلما كانت تلك الأفكار تتصف بتلك الأوصاف زاد احتمال أن يعاديها أصحاب النفوذ في مختلف قطاعات المجتمع ومختلف مجالات النشاط الاجتماعي.
وكلما اتسم المجتمع بقدر أكبر من الديمقراطية الاجتماعية ازدادت كمية الأفكار المفصح عنها والمتصفة بتلك الأوصاف. والشعب الذي لا يخاف من نتائج الإفصاح عن أفكاره شعب يتمتع بقدر أكبر من الحرية، شعب لديه قدر أكبر من الإباء والشموخ لأنه شعب ليس معتادا على كبت فكره وقمع شخصيته وقهرها.
ولا يوجد عقل بشري مغلق أو ثابت دوما، وذلك لأن العقل البشري متفاعل دوما بطبيعته. ونظرا إلى تفاعلية العقل البشري فإنه نشيط ومنفتح. وتختلف العقول البشرية بعضها عن بعض في مدى ثباتها وقابلية تغيرها، وفي مدى انغلاقها وانفتاحها وفي مدى سرعة تطورها وفي مدى تفاعلها مع العقول الأخرى والمعطيات التي حوله. ولعقل أفراد ينتمون إلى ثقافة بعينها ذاتيته البنيوية. ولكن هذه الذاتية متغيرة ونسبية. العقل العربي، على سبيل المثال، ليس عقلا مغلقا. إنه عقل منفتح ومتطور ، وهو يتعامل مع العقول الأخرى التي تسم ثقافات أخرى ومع المحيطين الاجتماعي-الثقافي والطبيعي والمحيط الفكري-النفسي الذي حوله. وذاتية العقل العربي نسبية بمعنى وجود اختلاف في مدى تأثر ذلك العقل بالعقول التي حوله والمحيطات التي حوله ومدى تأثيره فيها. وبعبارة أخرى، ذلك العقل، شأنه شأن العقول البشرية، نسبي بمدى تفاعليته أو انفتاحه. وتتوقف وجوه هذا الاختلاف على العوامل التاريخية والتراثية والقيمية والعقيدية والثقافية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية للبشر. وثمة من المحللين مَنْ يعتقد بأن هذا الاختلاف يتوقف أيضا على العامل الوراثي والعامل العرقي.
ومما له صلة بالموضوع انعزال الفكر . تختلف الأفكار – النابعة من العقول – بعضها عن بعض في مدى عزلتها عن الواقع الاجتماعي أو صلتها به. وللعوامل السالفة الذكر أثرها الأكبر في تحديد مدى عزلة الأفكار عن الواقع المعاش أو مدى صلتها به.
وقد ارتُكبت أخطاء وما تزال ترتكب في فهم عقول البشر وفي تحليل سلوكهم العقلي. يرى خطأ بعض الكتاب الغربيين أن العقل العربي مغلق أو منغلق على نفسه. ومن المؤسف أن بعض الكتاب العرب صاروا يقبلون هذه الفكرة التي لا أساس لها من الصحة. ولا يستند هذا الرأي إلى الحقيقة. لا يوجد عقل بشري مغلق أو منغلق. رأي أولئك الكتاب قد يشير إلى انغلاقهم العقلي أو إلى توجههم العنصري في الكتابة والتفكير، إو إلى الجهل بالواقع الاجتماعي النفسي للشعوب، أو إلى التحيز المغرض أو المَرَضي أو إلى الضحالة الفكرية والسخف العقلي أو إلى مجموعة من هذه العوامل كلها أو بعضها.
إن للعقل البشري تاريخيته ولا يمكن أن تستقيم دراسة عقول البشر والشعوب إلا من منطلق تاريخية الظواهر، بما في ذلك ظاهرة السلوك العقلي . وأولئكم الكتاب في حكمهم المخطئ هذا يجهلون أو يتجاهلون تاريخية العقل العربي، أو تاريخية أي عقل بشري، مثل تاريخية العقل الأوروبي في الوقت الحاضر وفي العصور الوسطى التي تُدعى عصور الانحطاط والتخلف والظلام.
ومن السليم الإشارة هنا إلى العلاقة بين اللغة العربية ونحوها وصرفها وأوزان أفعالها وأسمائها، وبعبارة موجزة عبقريتها وفصاحتها ومنطقها واشتقاقها، من ناحية، وانفتاح عقول الأفراد الذين يحسنون التكلم بتلك اللغة. فبسبب عبقرية اللغة هذه وفصاحتها واشتقاقها وبيانها وتبيينها لا بد من أن يمكّن التكلم بها من تحقيق الانفتاح العقلي والفكري.
وثمة عوامل ثقافية واقتصادية ونفسية وغيرها داخلية وخارجية تمارس التأثير باتجاه تغيير بنية العقل، وعوامل ثقافية واقتصادية ونفسية تمارس التأثير باتجاه الثبات النسبي – والثبات المطلق مستحيل – لبنية العقل. وهذه العوامل من الفئتين متفاعلة فيما بينها باستمرار. ويمكن أن توجد عوامل تمارس في وقت أو مكان التأثير باتجاه تغيير بنية العقل، وأن تكون نفس العوامل تمارس في وقت آخر أو مكان آخر التأثير باتجاه الثبات النسبي لبنية العقل. وهوية اتجاه التأثير باتجاه الثبات النسبي أو التغيير تتوقف على تغير الظروف واختلاف الأمكنة، وهي الظروف والأمكنة المتفاعلة فيما بينها. وبالتالي فإن الثبات النسبي لبنية العقل أو تغييرها يتوقف على نتيجة العوامل المؤثرة المتفاعلة باستمرار.
والمفاهيم – بما في ذلك التفسبر، أي إيجاد العلاقة السببية – تختلف بعضها عن بعض في المؤسسات والظواهر الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والنفسية وفي أدوارها. توجد مفاهيم لتلك الظواهر والمؤسسات تتسم بقدر أكبر أو قدر أقل من الانفتاح أو الانغلاق. وكلما كان ذلك المفهوم أو التفسير متسما بقدر أكبر من الانغلاق أو الانكماش أو العزلة أو الجمود كان قدر أكبر من ذلك المفهوم أو التفسير متجها صوب ثبات بنية العقل، والعكس هو الصحيح. وبالتالي فإن الثبات النسبي أو التغير لبنى العقل البشري يتوقف إلى حد كبير على المفهوم أو التفسير البشري للظواهر والمؤسسات التي تقرر الموقف (attitude) البشري والتي لها أثر أكبر أيضا في العوامل العاملة باتجاه تغيير بنية العقل البشري أو ثباته النسبي.
إن هذا العرض ينطبق على جميع الحالات التي تحدث فيها علافات تأثر وتأثير، ومنها طبعا العلاقات الاجتماعية.
د. تيسير الناشف غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .