الأوروبي هذا الكائن العجيب

[القوس]

الأوروبي هذا الكائن العجيب
[ صحيفة السياسة الكويتية / بقلم: احمد البغدادي / مرات العرض: 10 ]



الأوروبي هذا الكائن العجيب

أحمد البغدادي

من بين كل الحضارات الإنسانية التي ظهرت على وجه البسيطة، تُعد الحضارة الغربية التي أنشأها الإنسان الأوروبي هي الحضارة الوحيدة التي لم تتعرض للزوال رغم العصور الوسطى المظلمة التي استمرت ألف عام من هيمنة الفكر الديني الظلامي.

ومن خلال الفكر العقلاني لابن رشد استعاد الأوروبيون تراثهم العقلي في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، لينطلقوا بعدها في مضمار الحضارة الغربية التي تسود العالم اليوم.

وانطلاقا من القرن السادس عشر اعتمد الأوروبيون على عقولهم الخاصة ذات الجينات النادرة لتحقيق التقدم في كل المجالات العلمية والطبية، والأدبية والتقنية والرياضية والفكرية.

وكل النظريات الكبرى في الفلسفة والفن والسياسة والاقتصاد والاجتماع وعلم النفس والأنثروبولوجيا (علم دراسة أصل الإنسان)، وعلم الآثار وغيرها من مجالات البحث الإنساني، إنما ظهرت أولا في أوروبا. ولم يترك العقل الغربي شاردة ولا واردة في هذه الحياة إلا بحث فيها ودروها بعمق.

هل نتحدث عن عالم البحار حيث درسوا كل أنواع الكائنات البحرية للاستفادة منها قدر الإمكان. لقد أقلقوا أسماك القرش الخطرة وهي في مكامنها، ولم يخشوها. ودرسوا عالم الحيوان، بدءاً من النمل وما هو أصغر إلى الفيل والديناصور.

ولا يوجد شعب من الشعوب ينافس الأوروبيين في البحث والدراسة، سواء في الطبخ وفنونه أو عادات وتقاليد الشعوب. وما من مرض إلا ووجدوا له علاجا أو وقاية. وما من أداة يستفيد منها الإنسان إلا وضعوها وطوروها ولنضرب مثلا بفرشاة الأسنان التي تعجز أمة إسلامية يقدر عددها بما يفوق البليون ونصف البليون نسمة، من صناعة ما هو قريب منها، والبعيد عن جودتها.

هل رأيتم أنواع فرش الأسنان في الجمعيات التعاونية؟ وكفى بذلك دليلاً على فن الصنع والدقة وأمانة الأداء. هل قارنتم قلم "بيك" الألماني الأصلي مع القلم المصري المشابه له؟ شتان بين الصدى والصوت، والأصل والصورة.

لقد بشر الأوروبيون بدينهم في كل أصقاع الأرض، قلدهم المرحوم حسن البنا عند إنشاء "جماعة الإخوان المسلمين"! والأوربيون هم رواد العمل الخيري في العالم، والبقية الباقية تقليد لهم ومشي على خطاهم.

هل نذكر منظمة "أطباء بلا حدود"، أم نذكر جمعية "الصليب الأحمر" أم منظمة "أوكسفام" البريطانية؟ أم الحفلات الخيرية لمصلحة الفقراء؟ لم يفضلوا في أعمالهم الخيرية جنس على جنس ولا لونا على لون، ولم يهتموا لديانة من يساعدونه. هل نذكر وقوفهم مع الفلسطينيين، بمساعداتهم بالمال والدواء والمواد الحياتية؟ أم هل نذكر الأطباء والممرضات الاوروبيين الذين قتلوا في اليمن على يد متشدد ديني؟ هل نذكر المستشفى الأميركي في الكويت؟

لولا الأوروبيين لهلك العالم فقرا وجوعا وعريا سواء في أفريقيا أو بنغلاديش أو غيرها من بلاد العالم. ولولاهم لهلك المسلمون في كوسوفو وألبانيا والكويت والعراق وأفغانستان. ولكن على من تتلو مزاميرك يا داوود؟

سيقول قائل أن الأوروبيين متعصبون ومتحيزون ضد غير الجنس الأبيض. وهذا صحيح في الماضي، لكنهم اليوم يعملون على نشر ثقافة حقوق الإنسان التي يرفض المسلمون الاعتراف بها دون تحفظ. ويسنون المعاهدات الدولية لحفظ هذه الحقوق، بل ويشترطونها في اتفاقاتهم مع الدول الأخرى.

يكفيهم نُبلا أنهم يعالجون من يشتمهم ويدعو عليهم من أتباع الجماعات الدينية.

يكفيهم نُبلا أنهم يفكرون في مستقبل البشرية من دون عقد نفسية تجاه الآخر.

يكفيهم نُبلا أنهم لا يذكرون أحدا بسوء حين يتلون إنجيلهم في كنائسهم.

يكفيهم فخرا سيادة القانون والنظام في بلادهم بما لا تجد مثيلا له في بلاد المسلمين.

الأوروبيون شعب لا يقبل على نفسه ضيم الحكام وظلمهم.

الاوروبيون استعمروا العالم، وقدموا له الديمقراطية بعد خروجهم منه.

يكفيهم فخرا وقوف المسلمين كل يوم على أبواب سفاراتهم يستجدون "فيزا" الدخول للغرب (الكافر) في حين أنهم يفرون بدينهم من الشرق المؤمن!

* كاتب وأستاذ جامعي كويتي