بكت فاطمة فقال لها ما يبكيك فأخبرته برؤياها فاغتم لذلك فنزل جبريل وأتي بذلك الشيطان وقال يا محمد هذا موكل بالرؤيا واسمه الرها فان شئت ان تذبحه فافعل فأعطي النبي (ص ) العهد والميثاق أنه لا يتصور في صورته ولا في صورة أحد من خلفائه المعصومين ولا في صورة أحد من شيعتهم فاعلم ان الله سبحانه لما كان فعله للأشياء انما هو علي ما هي عليه اقتضت الحكمة أن يكون ذلك علي الاختيار ومقتضي الاختيار والقدر أن يجري الصنع علي الأسباب فاقتضت الحكمة أن يجري حكم أن الشيطان لا يتصور في صورهم الذي هو شأن الامضاء وشرح العلل والبيان في قوله تعالي ليبين لكم علي تقدم هذه الرؤيا لتكون سببا لامضاء أن الشيطان لا يتصور بصورهم كما في نظائره مثل صمت الحسين ولم يتكلم حتي خيف عليه الخرس فلما كبر جده (ص ) في الصلاة كبر فكبر رسول الله (ص ) فكبر الحسين حتي فعل سبعا ليكون ذلك علة وشرحا لاستحباب التكبيرات الست في الافتتاح للصلاة فاذا عرفت الاشارة ظهر لك أن هذه الرواية لا تنافي الروايات لأنها وجدت للبيان والشرح الذي هو سر الامضاء للأشياء فجري الوجود علي النظام التام والأمر المتقن اذ ليس ما جري علي فاطمة من اغواء الشيطان وإنما أجري الله تلك النجوي بأمر الملك الذي هو موكل علي الرها ولهذا روي ان الرها ملك لأنه فعل ذلك لفاطمة بأمر الملك فهو أمر بطاعة وجري ذلك عليها طاعة كما روي الفقهاء أن المرأة الاجنبية إذا كان عندها ميت أجنبي ولم يكن مماثل الا ذمي أنها إذا أمرته بالاغتسال ثم يغسل الميت فإنه يطهر لامتثال الذمي أمر المسلمة في الاغتسال والتغسيل فذلك في الحقيقة فعل المسلمة فكذلك فعل الرها بأمر الملك فهو في الحقيقة فعل الملك الذي هو باب لوجود هذه المسألة من الباب الاعظم للوجود فافهم .
بقي سؤال وهو أن الشيطان اذا لم يتصور بصورهم وذلك للعلة السابقة اذ الوجود لا يكون إلا علي أكمل نظام وانما تصور بأمر الملك فذلك الشيطان بحكم الآلة كما مر في تغسيل الذمي للميت المسلم بأمر المسلمة لزم أن تكون رؤيا فاطمة صادقة مطابقة للواقع ويلزم من ذلك أن يموتوا إذا أكلوا مع أنهم لم يموتوا .
والجواب أن رؤياها صادقة لما قلنا من التعليل ولأنها قد طابقت الواقع فإنهم أتوا المكان واجتمعوا وصار كلما رأت إلا أنهم لم يموتوا وإنما لم يموتوا ظاهرا لنقض الرؤيا ظاهرا لأنها بصورة صاحب التصور الباطل وانما نقضت ليكون ذلك بأخذ العهد عليه صالحا لتأسيس سبب هذه القاعدة ولما كانت الرؤيا صادقة للعلة المذكورة وجب ان يكون الموت باطنا لأنه هو الذي رأته في عالم الخيال و لما كان ذلك جاريا علي اهل العصمة وكان الموت الباطن يطلق علي موت هلاك الدين وعلي موت الانقطاع الي الله والفناء في بقائه تعين أن يكون ذلك الثاني لامتناع الأول عليهم بالدليل القطعي فتكون الرؤيا صادقة مطابقة للواقع فقد أشرت لك إلي جميع ما تحتاج اليه من شقوق أجوبة المسألة فيما يحضرني من الاعتراضات"
الأحسائى فى جوابه شرق وغرب وانتهى إلى جواز تمثل الشياطين بالرسل (ص) كما فى تصور صخر بصورة سليمان(ص) وتصور الرها بمحمد(ص)
وقد ناقض بهذا التمثل الواقعى أنهم لا يمكن أن يتمثلوا بهم فى الرؤيا فقال :
"وأما انهم يجيئون في أي صورة شاءوا فهو حق لأن جميع الصور لهم فيلبسون منها ما شاءوا لكنهم لا يلبسون صور الشياطين والكلاب والخنازير لأن هذه ليست لهم ولا من سنخهم وأن كانت بهم وانما يلبسون أحسن الصور وأطيبها"
وهو كلام متعارض فلو تمثلوا فى الواقع لتمثلوا فى الرؤيا وبعد أن نفى تصور الشياطين فى الصور الحسنة بقوله:
"والشيطان لا يلبس أحسن الصور لأنها ليست له و لا من سنخه "
رجع وأقر بظهورهم فى الرؤى بصور حسنة فقال:
"فاذا ظهر الشيطان في صورة حسنة فهو كظهور بعض الكفار في الصورة الحسنة و ليست في اصل خلقتهم فان الصور الحسنة من الوجود و تنزع منهم فلا يدخلون النار بها و انما يدخلون بصورهم الحقيقية كلابا و خنازير"
وهو تناقض ظاهر
وأما حكاياتهعن تمثل الشيطان بالرسل(ص) والمسلمين فى الواقع فكذب كما قال فى حكاية صخر وسليمان(ص) :
" أن صخرا الجني تصور في صورة سليمان فأتي جاريته فأخذ الخاتم"
فسليمان (ص)لم يكن له خاتم مخصوص ولا يستطيع جنى شيطان أو غير شيطان أن يخالف أمره لأن الله تعهد بتعذيب مخالف الأمر منهم فقال " لسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير "
ومن ثم لا أصل لتلك الحكاية وكذلك المر فى حكاية فاطمة والدليل هو أن الأحسائى وصف الرها مرة بالشيطان فقال :
" فأخبرته برؤياها فاغتم لذلك فنزل جبريل وأتي بذلك الشيطان وقال يا محمد هذا موكل بالرؤيا واسمه الرها "
وناقض نفسه فجعله ملكا فقال:
"وإنما أجري الله تلك النجوي بأمر الملك الذي هو موكل علي الرها ولهذا روي ان الرها ملك لأنه فعل ذلك لفاطمة بأمر الملك فهو أمر بطاعة"
وقطعا لا يوجد ملك موكل بالرؤى فى القرآن
زد على هذا أن الشيطان والمقصود إبليس فى النار منذ طرده من الجنة كما قال تعالى :
"فاخرج منها مذءوما مدحورا"
وقال :
" ,ان عليك اللعنة إلى يوم الدين"
فاللعنة وهى العذاب عليه حتى القيامة
ومن ثم لا يمكن أن يأتى فى الأحلام
كما أن الشياطين منهم بشر ومنهم جن والتمثل حلميا من البشر للبشر موجود بأمر الله وفى هذا قال تعالى :
"وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول"
ورؤيا النبى(ص) فى الحلم لا تكون فى صورة وجه إنسانى لأن من بعد موته لم يروه ومن ثم لن يعرفه أحد ومن ثم يأتى فى صورة نور أى سراج منير كما وصفه الله فى القرآن
|